مال واقتصاد

لتأمينات تقترح مبادلة أموالها لدى الدولة بحصص في المشروعات القومية

دعا عمر حسن نائب رئيس الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي ورئيس صندوق التأمين الحكومي إلى إيجاد آلية غير إصدار الصكوك أو السندات لرد أموال التأمينات.

واقترح خلال حوار مع وكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الاثنين أن تكون هذه الآلية مثلًا مبادلة أسهم بشركات عامة رابحة، أو منح صناديق التأمينات الاجتماعية نسبة ولتكن 15 بالمئة من رؤوس أموال المشروعات القومية العملاقة الجاري تنفيذها حاليًا مثل مشروع المثلث الذهبي أو تنمية محور الساحل الشمالي الغربي على أن تخصم هذه النسبة من حصة الدولة في ملكية تلك المشروعات.

وأكد حسن أن وزارة المالية لم تسرق أموال التأمينات في العهد السابق كما يردد البعض لأغراض وصفها بـ”الانتخابية”، موضحًا أن المشكلة تتلخص في عدم سداد الموازنة العامة في السنوات السابقة لكامل مستحقات صناديق التأمينات الاجتماعية للوفاء بالإلتزامات التي تتحملها الخزانة العامة في ظل نظام التأمينات الاجتماعية الحالي، وهو ما أدى إلى تراكم ما يعرف باسم المديونية غير المثبتة بين الخزانة العامة والتأمينات.

كما أوضح أن المشكلة الثانية مع الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي تتعلق بضعف العائد على أموال التأمينات الاجتماعية، لافتًا إلى أنه رغم أن سعر الإقراض السائد في السوق يتراوح ما بين 14 إلى 17 بالمئة، إلا أن وزارة المالية تدفع عائد 8 بالمئة على الصكين اللذين أصدرتهما بقيمة 198 مليار جنيه لصالح صندوقي التأمينات الاجتماعية عام 2007 وفاءً بالجزء الأكبر من مديونية بنك الاستثمار القومي.

وأشار حسن إلى أنه تم مؤخرا تسديد 9 بالمئة فائدة على السندات التي أصدرتها على ثلاث شرائح بقيمة إجمالية 42.6 مليار جنيه منذ عام 2012 وفاءً بجزء من المديونية غير المثبتة على الخزانة العامة، والتي بلغ إجماليها حاليًا نحو 163 مليار جنيه، مبينًا أنه في المقابل يتقاضى بنك الاستثمار عمولة من الجهات العامة التي يقرضها تبلغ 13 بالمئة.

وطالب بإعادة النظر عمومًا في أسعار الفائدة المدفوعة على أموال التأمينات لدى الخزانة العامة وبنك الاستثمار لتتماشى مع أسعار فائدة الاقتراض السائدة بالسوق، خاصة وأن الهيئة لا تتقاضي أية فائدة على رصيد المديونية غير المثبتة والتي تقرر سدادها على 10 سنوات، وهو ما يجب أن يتغير لتسدد الدولة فائدة عنها من تاريخ نشوئها.

وأكد حسن أن هذه الحقائق لا تنفي أن هناك تحسنًا ملموسًا في ملف إدارة أموال التأمينات، يتمثل في اتفاق قانوني بين وزارتي المالية والتضامن الاجتماعي بإيجاد آلية واضحة لفك هذا التشابك وبصورة جذرية مع اتخاذ إجراءات فعلية لتنفيذ هذا الاتفاق لعل من أهمها بجانب التوصل لاتفاق سداد المديونية غير المثبتة بإصدار سندات لصالح التأمينات الاجتماعية.

وأوضح حسن أن الآلية تضمنت أيضًا تعهد وزارة المالية تضمين الموازنة العامة لكامل استحقاقات هيئة التأمينات الاجتماعية، وهو ما بدأت تنفيذه من موازنة العام المالي الحالي، والتي رصدت نحو 29 مليار جنيه مساهمات من الخزانة العامة لصناديق التأمينات الاجتماعية، إلى جانب الاستمرار في عمل لجان تسوية المديونية.

وحول ما يتردد من بعض قيادات نقابات أصحاب المعاشات أو الروابط التابعة لهم بشأن سرقة أموال التأمينات، قال حسن ”إن هذا فهم خاطئ لطبيعة المشكلة بين وزارة المالية والتأمينات الاجتماعية، فأولًا لم تحدث سرقة لأموال التأمينات الاجتماعية وإنما إدارة خاطئة للملف بسبب مشكلات مصر الاقتصادية وتنامي عجز الموازنة العامة”.

بداية المشكلة

وأضاف أنه حتى يُفهم الأمر على حقيقته لابد أن من العودة للوراء وتحديدًا عند صدور القانون رقم 316 لسنة 1952، والذي تم بموجبه إنشاء صندوق للتأمين وآخر للادخار والمعاشات لموظفي الحكومة المدنيين، بالإضافة إلى نظام التأمينات الاجتماعية والمعاشات للعاملين بقطاع الأعمال.

وأشار حسن إلى أنه تلى ذلك صدور القرار الجمهوري رقم 264 لسنة 1962 بالإذن لوزير الخزانة (وزير المالية) باستثمار فوائض أموال التأمينات الاجتماعية، حيث كان يتم توجيه أموال التأمينات إلى الاستثمار في شكل قروض حكومية، وإيداعات في صندوق الإدخار القومي، وصندوق التأمين، والتي كانت تدر عائدًا منخفضًا يصل إلى 3.5 بالمئة سنويًا يضاف إليها نسبة 1 بالمئة من قيمة الأموال المستثمرة كمساهمة من الحكومة لتحسين معاشات العمال ثم إنشاء صندوق الاستثمار وفقًا للقانون رقم 45 لسنة 1966، لتؤول إليه فوائض الصناديق مقابل فائدة سنوية 4.5 بالمئة.

ولفت إلى أن هذا الوضع استمر حتى عام 1980 تاريخ إنشاء بنك الاستثمار القومي، مبينًا أن في هذا التاريخ بلغ إجمالي استثمارات أموال التأمينات الاجتماعية نحو 889.5 مليون جنيه موزعة على 871 مليون جنيه في صندوق الاستثمار بنسبة 98.3 بالمئة من إجمالي الأموال، و14.5 مليار جنيه في أوراق مالية وسندات، وقروض مختلفة بقيمة 5.9 مليون جنيه.

وشدد حسن على أن هذه الأرقام تضاعفت مئات المرات الآن، حيث تصل لنحو 484 مليار جنيه عبارة عن 250 مليار جنيه صكوك على الخزانة العامة، و163 مليار جنيه مديونية غير مثبتة على الخزانة العامة، و71 مليار جنيه مديونية لبنك الاستثمار القومي.

وبسؤاله من أين يأتي فائض أموال التأمينات الاجتماعية، ولماذا استمرت الجهات المشرفة على أموال التأمينات في إيداعه ببنك الاستثمار القومي، قال حسن ”إنه لم يحدث أي استثمار حقيقي لأموال التأمينات إلا في السنوات العشر الأخيرة، وكل وزراء التأمينات طوال الفترة الماضية كلها استمروا في تحويل الفائض إلى بنك الاستثمار القومي حتى عام 2007 عندما بدأنا نحقق عجزًا وليس فائضًا.. وهذا الفائض كان يأتي من الفرق بين الاشتراكات التأمينية التي نقوم بتحصيلها من المؤمن عليهم وقيمة المعاشات السنوية المسددة”.

وأضاف أنه حتى عام 2007 كانت هناك فوائض تتحقق ويتم إيداعها في بنك الاستثمار تنفيذًا للقانون حتى تراكم الرصيد إلى أكثر من 241 مليار جنيه، منها 69 مليار جنيه إجمالي المبالغ المودعة والباقي قيمة الفوائد المدفوعة، حيث كان يقوم بنك الاستثمار بزيادة الفائدة على أصل الدين دون سدادها في شكل سيولة لصناديق التأمينات الاجتماعية.

وأشار حسن إلى أن ما فاقم من المشكلة المادة (5) من القانون رقم 119 لسنة 1980، والتي تلزم الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي بإبقاء فائض أموالها المخصصة للاستثمار مودعة لدى بنك الاستثمار القومي أو في حساباته لدى الجهاز المصرفي، ولا يجوز لها أن تستثمر هذا الفائض في أي وجه من أوجه الاستثمار إلا بعد موافقة مجلس إدارة بنك الاستثمار، موضحًا أن الهدف من ذلك كان تعبئة الموارد المالية اللازمة لتمويل الخطة الاستثمارية للدولة.

كما أوضح أن هذا الوضع تسبب في مشكلة سيولة للصندوقين، مما دفع وزارة المالية للتدخل عام 2007 وتحويل الجزء الأكبر من مديونية بنك الاستثمار القومي إلى صكوك غير قابلة للتحويل بقيمة 198 مليار جنيه وذات عائد سنوي 8 بالمئة يدفع نقدًا للصندوقين.

وقال حسن إن هناك جانبًا أخر من مشكلة أموال التأمينات يتمثل في المديونية غير المثبتة على الخزانة العامة، لافتًا إلى أن هذه المديونية ظهرت تحديدًا منذ عام 2002 وحتى الآن، وهي تتمثل في أن وزراء المالية عند إعداد الموازنة العامة للدولة لم يرصدوا كامل مستحقات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي والناتجة من أن نظام التأمينات الاجتماعية الحالي يتضمن عددًا من المزايا التي تتحمل تمويلها الخزانة العامة.

وأضاف أن من هذه المزايا تكلفة الزيادات السنوية للمعاشات منذ إقرارها عام 1987 وحتى الآن، وتمويل مزايا بعض الفئات مثل العاملين في المناطق النائية (عند صرف قيمة معاش نهاية الخدمة ويتم حساب سنة الخدمة لهم بسنة و3 شهور)، ومضاعفة مدة الخدمة العسكرية، ورفع المعاشات المنخفضة، والكادرات الخاصة.

ولفت حسن إلى أن من ضمن هذه المزايا أيضًا تكلفة المعاشات غير الممولة باشتراكات مثل معاش السادات، وقانون 112 لسنة 1980 للعمالة غير المنتظمة والموسمية، وكذلك تكلفة المعاشات الاستثنائية التي تقرها الدولة كل عام لمن يؤدون خدمات جليلة للوطن أو للأسر ذات الظروف الاجتماعية والصحية الحرجة.

ونوه إلى أن عدم رصد كامل المستحقات تسبب في ظهور فروقات مالية تزايدت تدريجيًا إلى أن وصلت إلى 142 مليار جنيه في عام (2011 – 2012)، وهذا المبلغ لم يتم سداده.

وعن سبب التقاعس في سداد تلك الفروقات المالية بين المستحق للتأمينات والمسدد لها بالفعل، قال رئيس صندوق الأمين الحكومي ”نعلم أن الاقتصاد المصري عانى ومازال من أزمات متلاحقة.. وبرغم جهود الإصلاح الاقتصادي المتعاقبة إلا أن الدين العام ظل يتزايد حتى وصل في آخر مؤشرات معلنة من وزارة التخطيط إلى 95.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم لا شك مرتفع، وإذا أضيف له مديونية التأمينات فقد تصل النسبة إلى نحو 98 بالمئة”.

وأضاف أن هيئة التأمينات تنتظر مقترحات وزارة المالية لرد تلك الأموال، والأهم الاتفاق على تحسين سعر الفائدة على إجمالي الأموال سواء المصدر بها صكوك أو سندات أو غير المثبتة، وذلك تمهيدًا لبدء إجراءات حقيقية لإنهاء هذا الملف، خاصة وأن الحكومة جادة بالفعل في إيجاد حل جذري للمشكلة.

وأشار حسن إلى أن المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء كلف وزيري المالية والتضامن الاجتماعي بإيجاد آلية لرد أموال التأمينات الاجتماعية لدى الخزانة العامة وبنك الاستثمار القومي، وحدد لذلك مهلة شهرًا تنتهي في منتصف ديسمبر المقبل.

حجم أموال التأمينات

وبشأن قيمة مستحقات صناديق التأمينات والمعاشات لدى بنك الاستثمار القومي قبل تدخل وزارة المالية عام 2007، أوضح حسن أنها بلغت بنهاية العام المالي (2005 – 2006) إجمالي مستحقات صندوقي التأمينات الاجتماعية لدى بنك الاستثمار القومي نحو 241.4 مليار جنيه، منها 69 مليار جنيه قيمة الأموال المحولة في صورة فائض للبنك، و172.4 مليار جنيه قيمة الفوائد المرسلة على أصل الدين.

وأضاف أن هذا الوضع ترتب عليه أوضاع سلبية تمثلت في عدم استفادة صناديق التأمينات من عوائد الاستثمار، حيث أنها كانت مجرد أرقام على الورق وليست سيولة حقيقية، وبالتالي لم يستفيد منها نظام التأمينات، إلى جانب ضعف العائد المدفوع من بنك الاستثمار في ظل ارتفاع معدل التضخم بشكل مضطرد خلال الـ26 عامًا الماضية.

ولفت حسن إلى أن هذا الوضع تسبب أيضًا في عجز صناديق التأمينات والمعاشات عن تغطية الفجوة، التي بدأت تظهر عام 2007 وتتسع عامًا تلو آخر، والمتمثلة في عجز الاشتراكات المحصلة وعائد الاستثمار عن تغطية قيمة المعاشات المدفوعة سنويًا، مشيرًا إلى أنه في نفس الوقت لم تنجح سياسات استثمار أموال صناديق التأمينات من خلال بنك الاستثمار القومي في تحقيق الوظيفة الأساسية، وهي إحداث التنمية الحقيقية للمجتمع وتوفير السيولة المالية اللازمة لمواجهة أعباء نظام المعاشات.

وحول حجم مديونية الخزانة العامة لصندوقي التأمين الاجتماعي حاليًا، أوضح نائب رئيس الهئية القومية للتأمين الاجتماعى ورئيس صندوق التأمين الحكومي أن المديونية بلغت 163 مليار جنيه في 30 سبتمبر الماضي، وذلك بعد أن كانت تبلغ عام (2001 – 2002) نحو 25.8 مليار جنيه، ونحو 106.3 مليار جنيه عام (2009 – 2010).

وأما عن حجم الأموال الخاصة بصندوقي الهيئة وفي أي مجال تستثمر، أوضح أن إجمالي الأموال الخاصة بهيئة التأمينات الاجتماعية بلغت نحو 574.1 مليار جنيه في 30 سبتمبر الماضي، منوهًا إلى أنها مستثمرة في عدد من القنوات الاستثمارية وتحقق عائدًا في المتوسط يبلغ 9 بالمئة تنخفض لنحو 6 بالمئة عند تضمين المديونية غير المثبتة على الخزانة العامة.

وبين حسن أنه بالنسبة لقنوات الاستثمار فأهمها صكوك على الخزانة العامة بنحو 250 مليار جنيه، ثم مديونية غير مثبتة على الخزانة العامة بقيمة 163 مليار جنيه، يليها ودائع ببنك الاستثمار القومي بقيمة 71.3 مليار جنيه، ثم سندات حكومية بقيمة 50.5 مليار جنيه، ثم أذون خزانة بقيمة 13.6 مليار جنيه، ثم مساهمات في شركات وأوراق مالية بقيمة 8.5 مليار جنيه، ثم 3.7 مليار جنيه وثائق بصناديق استثمار، و13.5 مليار جنيه ودائع بنكية.

وبسؤاله عن الوضع المالي لصندوق التأمين الاجتماعي حاليًا إذا كان أفضل من ما قبل عام 2006 من حيث عوائد الاستثمار المحققة والسيولة والقدرة على الوفاء بالالتزامات وحجم الاستثمارات وعوائد هذه الاستثمارات، أكد حسن أنه بالطبع أفضل حيث كانت عوائد الاستثمار لا تتعدى 4 أو 5 بالمئة سنويًا، وكانت الفائدة ترتفع دفتريًا على أصل الدين ولا يتم سدادها بشكل نقدي، أما الآن تم تحويل جزء كبير من مديونية بنك الاستثمار القومي إلى وزارة المالية.

وأوضح أن هذا المبلغ يصل حاليًا لنحو 250 مليار جنيه، منها 114.6 مليار جنيه بفائدة 8 بالمئة، و46.4 مليار جنيه بفائدة 9 بالمئة تم إصدارها وفقًا لاتفاق الجدولة بين وزير المالية الأسبق ممتاز السعيد، والدكتورة نجوى خليل وزير الشئون الاجتماعية الأسبق في عام 2012، بالإضافة إلى أن وزارة المالية تصرف الفائدة نقدًا بقيمة 22 مليار جنيه سنويَا لصندوقي التأمين للمساعدة في زيادة السيولة.

وأكد عمر حسن، فى ختام الحوار، أن فك علاقات التشابك المالي مع وزارة المالية وبنك الاستثمار القومي وإتاحة سيولة أكبر لصناديق التأمينات الاجتماعية لا شك في أنه سيحقق نتيجة أفضل لاستثمار أموال التأمينات التي ستكون اللاعب الأكبر في الاقتصاد المصري، وستمنح القدرة على مضاعفة نسبة مساهمة قطاع التأمينات في الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما سينعكس في مزيد من الوظائف لامتصاص جانب كبير من البطالة بالمجتمع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى