اعداد محاسب

مفهوم الشمولية

مفهوم الشمولية في الواقع والدين
الشمول في اللغة: تعنى الاحتواء والتضمين، وشمله بمعنى احتواه وعمه وتضمنه.

الشمولية في الواقع : –
دولة ووطن، حكومة وأمة. وهو مادة وثروة، أو كسب وغنى. وهو جهاد ودعوة، أو جيش وفكرة. وهو خلق وقوة، أو رحمة وعدالة. وهو ثقافة وقانون، أو علم وقضاء. كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء، أي أن الشمولية في الواقع تعني الخوض في كل مناحي الحياة، العقائدية،الاقتصادية،والاجتماعية وكل أمور الدنيا.
معنى الشمولية في الواقع الإسلامي :
أن الإسلام منهج متكامل، وتشريع شامل لكل مجالات الحياة، فهو إيمان وعمل، عقيدة وشريعة ، عبادة ومعاملة، فكر وعاطفة ، أخلاق وعمران . وهو منهج حياة ينظم حياة الإنسان من أدق تفاصيلها ويمتد إلى الشأن العام وبناء الدولة وتنظيم علاقاتها الدولية ببقية دول العالم.(بداية من نظافته الشخصية وأدب المائدة، وكيف يأكل ويتزوج ويعاشر زوجته امتدادا إلى بناء الدولة على أسس العدل والإحسان والأمانة والأخلاق والقيم والتشريعات، وتنظيم العلاقات الدولية، الاقتصادية ، والاجتماعية . وكم يقول الرسول :والله لو سألني أحدكم عن شراك نعله لوجدته في كتاب الله .
معنى الواقع في منظور الشريعة
ومن واقعية الشريعة: أنها قدرت الضرورات ـ التي تعرض الإنسان وتضغط عليه ـ حق قدرها، فرخصت في تناول المحرمات على قدر ما توجب الضرورة. وقرر فقهاء الشريعة: أن الضرورات تبيح المحظورات، استنادا إلى ما جاء في القرآن عند ذكر الأطعمة المحرمة من مثل قوله تعالى: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله، فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه، إن الله غفور رحيم.من واقعية الشريعة أنها عرفت ضعف الإنسان أمام كثير من المحرمات، فسدت الباب إليها بالكلية، ولهذا حرمت قليلها وكثيرها، كما في الخمر، لأن القليل يجر الكثير، كما أنها اعتبرت ما يوصل إلى الحرام حراما، سدا للذريعة، وإقرارا بواقع الكثير من البشر، الذين لا يملكون أنفسهم إذا فتح لهم طريق إلى الحرام. ومن هنا كان تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية، إغلاقا لباب قد تهب منه رياح الشر، فلا يستطاع
صدها. ومثل ذلك النظر بشهوة إلى الجنس الآخر. فإن العين رسول القلب، والنظرة المشتهية بريد الفتنة، وقديما قال الشاعر: نظرة، فابتسامة، فسلام فكلام، فموعد، فلقاء!
خصائص الواقعية في المنظور الإسلامي
أن الإسلام لم يغفل الواقع في كل ما أحل وما حرم، ولم بهمل هذا الواقع في كل ما وضع من أنظمة وقوانين للفرد، وللأسرة، وللمجتمع، وللدولة، وللإنسانية. ومن خصائصها:
– الاعتقاد الجازم بشمول الدين لكافة مناحي الحياة واحتياجات الخلق
– الإلمام بالمقاصد العامة للشريعة
– الاجتهاد المستمر ضرورة لاستمرار إقامة الدين في واقع حياة الناس
– شمولية الدين تعنى شمولية الزمان والمكان
– رعاية الإسلام شملت المسلمين وغير المسلمين من غير إكراه
مجالات التطبيق
– في القضاء: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى) (البقرة 187) .
– في العبادات: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) (البقرة 183) .
– في الاقتصاد: ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة 275) .
– في التجارة : ( وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة 187) .
في الحياة العامة: – رسالة تجمع بين الدنيا والآخرة، بين الروحانية والمادية، بين المثالية والواقعية .
في الشمول الموضوعي : تعنى أنه يستوعب شؤون الحياة كلها الخاصة والعامة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ….الخ .
في الهدف : الوصول إلى النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل دونما تعارض .
في الانفتاح : الانفتاح والتواصل مع أبناء المجتمع بكافة معتقداتهم وأفكارهم وانتماءاتهم وتكوين علاقات طيبة معهم والتعاون معهم لخدمة الوطن وإصلاحه وبناءه،وتعريفهم العملي بحقائق الإسلام واقعا مجسدا في تعاملاتك اليومية معهم .
في اللهو والترويح عن النفس، فرخصت في أنواع من اللهو كالسباق وألعاب الفروسية وغيرها، إذا لم تقترن بقمار ولا بحرام، ولا تصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وخصوصا في المناسبات السارة، كالأعراس والأعياد. وقد غنت جاريتان عند عائشة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فانتهرهما أبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد”، وقال يومئذ: ” لتعلم اليهود أن في ديننا فسحة… وأني بعثت بحنيفية سمحة”!، وأذن للحبشة أن يلعبوا في مسجده بالحراب، وسمح لزوجته عائشة أن تنظر إليهم حتى اكتفت. وقد راعت الشريعة فطرة المرأة وواقعها في حب الزينة، وعمق الرغبة في التجمل، فأباحت لها بعض ما حرمت على الرجال كالتحلي بالذهب ولبس الحرير.
في الحلول الدنيوية: أنه لا أنصاف حلول في الأصول، فالإسلام نظام شامل، لا يقوم إلا شاملاً، فمن ينصره على العرب لابد أن ينصره على العجم، وإلا فلن ينتصر أبدًا، ويصير بددًا !
في الجهاد الصادق المتجرد، فهو جزء لا يتجزأ من الإسلام، فالمثل يقول من لا وطن له لا دين له ، فالدفاع عن الوطن ضرورة حتمية وجزء لا يتجزأ من الإسلام .
في الحصافة السديدة وبعد النظر، يقتضيان رفض جحيم العرب إلى جحيم الفرس الى جحيم الأوروبيون أو حتى العرب أنفسهم، او أي جهة دولية او حزبية لها تطلاعات اذلال المسلمين . ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ” [ البقرة : 208] في القصاص ..
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فإتباع بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (179) ” [ البقرة ].
وفي الوصية ..
” كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ ” [البقرة: 180] وفي الميراث ..
فأفرد صدر سورة النساء وآخرها في بيان أحكام المواريث بدقة متناهية لم يسبق إليه قانون بشري .، وكان منها : “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا” [ النساء : 11].
• في المجال الإجتماعى والاقتصادي : أنها اعترفت بالدافع الفطري الواقعي الأصيل في نفس الإنسان،واقع حب التملك فأقرت مبدأ الملكية الفردية وما يترتب عليه من حق التصرف فى الملك وحق الإرث له . ولكنها لم تنس واقعاً آخر هو مصلحة المجتمع وحقوقه وحاجات الفئات الضعيفة من أبنائه . فلهذا قيدت هذه الملكية بقيود شتى : في اكتساب المال وفى تنميته وفى الاستمتاع به وفى التصرف فيه وأوجبت فيه حقوقاً لله وللناس ، الزكاة أولها وليست هي آخرها كما يتوهم كثيرون .
إشكاليات معاصرة في العقل المسلم العام :
من أهم الإشكاليات العصرية في فهم الإسلام والتي جاءت بسبب :
1- التغييب المتعمد أحيانا للفهم الاسلامى الصحيح .
2- وأيضا بفعل ظهور الكثير من الأفكار والمفاهيم الإنسانية المتعددة وفتح ساحات العقول الإنسانية لها فئ حين تعمد فيه تغييب الفهم الاسلامى الصحيح فتوارث المسلمين أجيال جيلا بعد جيل الكثير من المفاهيم المبتورة أو المخلوطة عن الإسلام .
3- وقف باب الاجتهاد الاسلامى مع النصف الثاني من الدولة العباسية والذي اعتبر خطأ استراتيجيا فادحا حيث توقف معه الإسقاط والتطبيق التحديثي المتجدد لمفاهيم الإسلام على الأرض وفى واقع الناس ومن ثم بدأ الانفصام والبعد والفصل التدريجي بين الإسلام وواقع حياة الناس،خاصة مع تشابك وتعقد مجالات الحياة واجتهاد كل الأنظمة الأرضية في تقديم وتجريب حلولها المختلفة في وقت حوصر فيه الإسلام والعقل المسلم داخل المسجد مما أدى إلى حالة غربة كبيرة بين الإسلام وبين حياة الناس المعاصرة .
4 – الفهم المجتزأ للإسلام ، بمعنى حوصلة الإسلام في جزء منه
فكل فرد حاط الإسلام من جميع جوانبه، عقيدة، وعبادة، ومعاملات، وأخلاق، وفكر، وحركة، ودعوة، وجهاد- فهو ناصر لدين الله قائم على شرعه، وهو أحق الناس بالتمكين .
وكل دولة حاطت الإسلام من جميع جوانبه، في العقيدة والعبادة، في الأخلاق والمعاملات، في السياسة والسلطة، في الرحمة والعدل، في العلم والقضاء، في التجارة والاقتصاد، في الجهاد والجيش .. ولم تفصل بين الإسلام والسياسة – فالسياسة جزء من الإسلام -، ولم تفصل بين الإسلام والاقتصاد- فالاقتصاد جزء من الإسلام كذلك-، ولم تفصل بين الإسلام والتربية – فالتربية جزء من الإسلام أيضًا -…. ولم تفصل الإسلام عن الحياة، أو الحياة عن الإسلام، فالإسلام منهج الحياة، والحياة لا تصلح دون الإسلام .
” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً{125} قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى{126}” [ طه ] .
“إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه”
فلا فائدة من تلك الدعوات الجزئية، والحركات المختلة، التي اجتزئت الإسلام، فتشبثت بجزء من الإسلام ونامت عن جزء، أو أحيت جزءًا وأماتت جزءًا آخر، فهذه الدعوات أفادت وأضرت، وأصابت وأخطأت، وقدمت وأخرت، وذلك لأنها لم تحط بالإسلام من جميع جوانبه. فمن هذه الدعوات من جعلت من الإسلام مجرد تعاويذ وتصوف . ومن هذه الدعوات من جعلت من الإسلام هجرة وانقلابًا، وتكفيرًا وتفسيقًا . ومن هذه الدعوات من جعلت من الإسلام متونًا تُحفظ، وكتبًا تُدرس، ولا اجتهاد، وأّخذت تحَّفظ الناس : لم يُبقْ الأولُ شيئًا للآخر، وكل شر في اتباع من خلف. ومن هذه الدعوات من جعلت الإسلام فِرَقًا ومذاهب، وفتنًا وملاحم، وليس لنا من الأمر شيء سوى انتظار المهدي المنتظر، والمجدد المعتبر، وما علينا من واجب سوى أن نعض بجزع شجرة، ونعتزل الناس والفجرة، فالعالم يموج بفتن عمياء، وحرب صماء، وقصور مشيدة وآبار معطلة، ونساء عاريات، وليال ماجنات . وبين هذه الدعوات، غثها وثمينها، طيبها وخبيثها، صوابها وخطئها، نرى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يرسم بيده الكريمة خطوطًا يمنة ويسرة، ثم يضع يده الطاهرة على الخط الأوسط مناديًا : “هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ !! ” ثم تلا هذه الآية الكريمة :
” وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ “

أدلة الشمولية :
الدليل الاول:
“إن دين الله عز وجل لن ينصره إلا من حاطه من جميع جوانبه” ،إلا من طبق تعاليمه الشاملة ، في جيع مناحي الحياة الحاضرة والمستقبلة ، وإن قال قائل : ما الدليل من القرآن على شمولية الإسلام وإلزامية تعالميه في كل المجالات – خاصة في الجانب السياسي؟
قلت : أقول ما قال القرآن، خير مقال !
قال ابن كثير – رحمه الله – أي : “أنْ يأخذوا بجميع عُرَى الإسلام وشرائعه” [ تفسير ابن كثير (ج 1 / ص 565)] الدليل الثاني:
قال الله تعالى : ” وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ” [النحل89]..
قال الطبري :
“نزل عليك يا محمد هذا القرآن بيانا لكلّ ما بالناس إليه الحاجة من معرفة الحلال والحرام والثواب والعقاب(وَهُدًى) من الضلال(وَرَحْمَةً) لمن صدّق به، وعمل بما فيه من حدود الله ، وأمره ونهيه، فأحل حلاله ، وحرّم حرامه( وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ) ..” [تفسير الطبري (ج 17 / ص 278)].
الدليل الثالث:
” فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله والرسول إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بالله واليوم الآخر ” [ النساء : 59 ] الدليل الرابع :
” وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ” [ الشورى : 10] قال الشنقيطي :
ولم يقل إلى قياساتكم وآرائكم . ولم يجعل الله آراء الرجال وأقيستها حاكمة بين الأمة أبداً ” [أضواء البيان(ج 4 / ص 273)].
وقال سيد قطب – رحمه الله – :
“إنه يرد كل اختلاف يقع بين الناس إلى الله : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) . . والله أنزل حكمه القاطع في هذا القرآن؛ وقال قوله الفصل في أمر الدنيا والآخرة؛ وأقام للناس المنهج الذي اختاره لهم في حياتهم الفردية والجماعية ، وفي نظام حياتهم ومعاشهم وحكمهم وسياستهم ، وأخلاقهم وسلوكهم . وبيّن لهم هذا كله بياناً شافيا . وجعل هذا القرآن دستوراً شاملاً لحياة البشر ، أوسع من دساتير الحكم وأشمل . فإذا اختلفوا في أمر أو اتجاه فحكم الله فيه حاضر في هذا الوحي الذي أوحاه إلى رسوله – صلى الله عليه وسلم -لتقوم الحياة على أساسه” [ في ظلال القرآن، سورة الشورى، الآية 10] .
الدليل الخامس:
” وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا ” [ الإسراء : 12 ] قال الطبري:
” يقول: وكلّ شيء بيناه بيانًا شافيًا لكم أيها الناس لتشكروا الله على ما أنعم به عليكم من نعمه، وتخلصوا له العبادة، دون الآلهة والأوثان ” [تفسير الطبري (ج 17 / ص 395)] الدليل السادس :
” وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ الله ” [ المائدة : 49 ] .
وهو نص مُحكم في جوب الحكم بما أنزل الله وتطبيق الشريعة الإسلامية على جميع المستويات : الفرد والمجتمع والدولة. ولقد قرن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بين فريضة الصلاة وفريضة الحُكم بما أنزل الله في حديث عجيب من أحاديثه الكريمة، فقال :
“لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضا الحكم و آخرهن الصلاة ” [ أحمد، عن أبي أمامة، وصححه الألباني، انظر حديث رقم : 5075 في صحيح الجامع ] الدليل السابع :
” فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ” [ النساء : 65 ] . فنفى الإيمان حتى يوجد تحكيمه وحده ، وهو تحكيمه في حال حياته وتحكم مهجه فقط بعد وفاته .
الدليل الثامن :
” إِنَّآ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ الناس بِمَآ أَرَاكَ الله ” [ النساء : 105 ] وتأمل : لم يقل بما رأيت أنت .
الدليل التاسع:
” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الكافرون ” [ المائدة : 44 ] .
وعلة ذلك أن الذي لا يحكم بما أنزل الله ، إنما يرفض ألوهية الله . فالألوهية من خصائصها ومن مقتضاها الحاكمية التشريعية . ومن يحكم بغير ما أنزل الله ، يرفض ألوهية الله وخصائصها في جانب ، ويدعي لنفسه هو حق الألوهية وخصائصها في جانب آخر . . وماذا يكون الكفر إن لم يكن هو هذا وذاك؟ وما قيمة دعوى الإيمان أو الإسلام باللسان ، والعمل – وهو أقوى تعبيراً من الكلام – ينطق بالكفر أفصح من اللسان؟!إن المماحكة في هذا الحكم الصارم الجازم العام الشامل ، لا تعني إلا محاولة التهرب من مواجهة الحقيقة . والتأويل والتأول في مثل هذا الحكم لا يعني إلا محاولة تحريف الكلم عن مواضعه . . وليس لهذه المماحكة من قيمة ولا أثر في صرف حكم الله عمن ينطبق عليهم بالنص الصريح الواضح الأكيد . [ في ظلال القرآن، تفسير سورة المائدة ، الآية 44].
الدليل العاشر :
” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ الله فأولئك هُمُ الظالمون ” [ المائدة : 45 ] .
“. أي اضافة صفة اخرى لمن لم يحكم بما أنزل الله . فهو كافر باعتباره رافضاً لألوهية الله – سبحانه – واختصاصه بالتشريع لعباده ، وبادعائه هو حق الألوهية بادعائه حق التشريع للناس . وهو ظالم بحمل الناس على شريعة غير شريعة ربهم ، الصالحة المصلحة لأحوالهم ” [ في ظلال القرآن، سورة المائدة، الآية 45].
الدليل الحادي عشر :
” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ الله فأولئك هُمُ الفاسقون ” [ المائدة : 47 ] .
قال سيد قطب – رحمه الله – :
” وصفة الفسق تضاف إلى صفتي الكفر والظلم من قبل . وليست تعني قوماً جدداً ولا حالة جديدة منفصلة عن الحالة الأولى . إنما هي صفة زائدة على الصفتين قبلها ، لاصقة بمن لم يحكم بما أنزل الله من أي جيل ، ومن أي قبيل .
الكفر برفض ألوهية الله ممثلاً هذا في رفض شريعته . والظلم بحمل الناس على غير شريعة الله وإشاعة الفساد في حياتهم . والفسق بالخروج عن منهج الله واتباع غير طريقه . . فهي صفات يتضمنها الفعل الأول ، وتنطبق جميعها على الفاعل . . ويبوء بها جميعاً دون تفريق” [ في ظلال القرآن، سورة المائدة، الآية 47].
الدليل الثاني عشر :
“ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ ” [ الحجرات : 1 ].
أي لا تقدموًا حُكمًا على حكم الله، وأمرًا على أمر الله، أو قانونُا على قانون الله.
الدليل الثالث عشر
” فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” [الحجر : 92، 93] عما كانو يعملون في مجالات الحياة جميعها، من إصلاح وإفساد، ومن استقامة وانحراف، من عدل وظلم، من حق وباطل .. في خاصتهم وعامتهم، الكبير والصغير، الحاكم والمحكوم، والقائد والمقود..
الدليل الرابع عشر :
” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) ” [ الأنعام ].
“إنه التجرد الكامل لله ، بكل خالجة في القلب وبكل حركة في الحياة . وبالصلاة والاعتكاف . وبالمحيا والممات . بالشعائر التعبدية ، وبالحياة الواقعية ، وبالممات وما وراءه .” [ في ظلال القرآن، سورة الأنعام، الآية 162].
وفي المهر ..
وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا” [ النساء : 4] وفي العلاقة بين اليتيم والولي ..
“وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا” [ النساء : 2 ].
وفي الديون وتوثيققها ..
ونزل في ذلك أطول آية في القرآن :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ …” الآية [ البقرة : 182] .
وفي التجارة ..
” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ” [ البقرة 275].
وفي المعاهدات السياسية..
“وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ” [ الأنفال : 58] “إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ” [التوبة:4].
أتُؤمن بنصف المصحف وتكفر بالنصف الآخر ؟ !
وبعد، فهل يجوز لمسلم أن يعتقد أن الإسلام يكون في مجال ولا يكون في آخر أو أن الإسلام في القلب وفي المسجد دون المتجر أو المصنع ؟
وهل يجوز لاحد بعد الذي اشرنا اليه ان يقول: ” لا سياسية في الدين ولا دين في السياسية”، أو يقول رئيس دولة : ” لا دين في الاقتصاد “، أو يقول وزير : ” تنقية المناهج المدرسية من الفكر الديني “… إلى آخر هذه الترهات والخبالات . وكيف يعقل أن يؤمن المسلم بآية قرآنية ويكفر بآخرى، أو يؤمن بحديث شريف ويكفر بحديث آخر .. والله يقول :
” أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ” [البقرة:85].
وقال مستنكرًا :
” وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ ” [ النساء : 150 ] الآية .
محمد محمود حوسو
30/12/2011

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى