تنمية بشرية

النقد والسخرية من الآخرين

 د/ حمادة عبدالإله حامد

يحكون فيقولون : إن أحدهم قابل صديقه فاستقلتهما سيارته، فقال الأول لصديقه صاحب السيارة مال سيارتك قديمة ؟ ثم ذهب معه لبيته وعندما لمح أثاث بيته قال :

لماذا تركته هكذا حتى بلِي فلم تُجدِّده ، فلما رأى أبناء ه قال: بسم الله ماشاء الله على أبنائك ، لكن لماذا لايرتدون ملابس قيِّمة ؟ فلما عاد بيته وجد زوجته تقدم له الطعام وقد أنهكها الوقوف في مطبخها، فقال معلقا على الطعام لماذا لم تطبخي أرزا ؟ ألم تشعري أن ملح طعامك كان خفيفا، وأين الفاكهة ؟ وقد دلف إلى محل فاكهة يوما فسأل صاحب المحل هل عندك فاكهة المانجو؟ قال لا ، بل هي في الصيف ، قال وماذا عندك إذن ؟قالها متغافلا مافي المحل من عشرين نوعا من الفاكهة الأخرى.. وهكذا … أمثال هؤلاء مكروهون من المجتمع لأنهم لايأبهون لمشاعر من يجرحون ولأنهم يركزون على المعايب لا الإيجايبات .

يحكي ما بداخله :

إن كثرة النقد والسخرية من الآخرين داء عياء ومرض عضال ، ينبعث من نفس ملوّثة بالعجب ملفوفة بالكبر بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في الأعماق الضاربة في النفس ..

إن الساخر النقّاد يرى الناس من خلال صورته الداخلية غير المتزنة ، يهمه تحطيم الطموحات ويسره التقليل من الإنجازات ، ولايصعب على الناس يوما اكتشافه لكثرة ما به من عيوب وتعدد ما به من نقائص ، فالذي ينتقد كثيرا غالبا ما يعمل إلا قليلا، ولاينتج كثيرا .

إن همهم النقد الآثم المر والتحطيم الممنهج المدروس، والإهانة المتعمدة مادمت تبني وتعلي ، وتسطع وتؤثر؛ فإن رأوا منهم هفوة ضخّموها ، وجعلوا من البذرة شجرة ، هؤلاء لايرون في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه سهوا، ولايبصرون في الثوب النظيف إلا قطرة الحبر التي أصابته خطأ، ولافي الكتاب المفيد إلا خطأ مطبعيا تسرب إليه، ولله در القائل عبد الله بن معاوية حين قال :

ولست براء عيب ذي الود كله ولابعض مافيه إذا كنت راضيا

فعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا

ومثله قول المتنبي :

ومن يك ذا فمٍ مرٍّ مريض يجدْ مرًّا به الماء الزلالا

نعت بعض المسلمين عكرمة بن أبي جهل وكان عكرمة قد أسلم بقولهم هذا ابن فرعون هذه الأمة،فنزلت الآية ناهية محذرة : (لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم) الحجرات 11.
 

قلة الأنصار سببه كثرة النقد :

إن القول الحسن واستشعار قيمة الآخرين من حقيقة الميثاق المأخوذ على بني إسرائيل إبان عهد موسى عليه السلام : (وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ) البقرة 83 بل إن اكتساب الأنصار وحفظ المودات واستدامة الصداقات ومنع الشيطان من أن تمتد حباله في إفساد ذات البين أمور مرهونة بالكلام الحسن واللفظ اللين وتجنب السخرية من الآخرين والإغضاء عن الهفوات (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ) كم حطمت السخرية نفوسا عالية وقوضت همما سامية، وزرعت بذور الشقاق ، وحصدت التناحر والافتراق .

كيف نواجه هولاء ؟

وأمثال هؤلاء لاينظر إليهم ولايعبأ بهم ولايلتفت إليهم ؛ لأنهم لن يهدأ لهم بال حتى يروك محطما مهيضا صِفرا بليدا؛ متخليا عن كل مواهبك ، طارحا كل قدراتك، بل اعلم أن الذين يستحقون الإطراء حقا هم من يتحملون الانتقاد بقلوب مبتسمة كما قال أحدهم .

لاتجعل منتقدك يشعر براحته حين يلمح قلقك واضطرابك من النقد ، بل تفحص وجهه لتعرف أن لسانه يحكي ما في قلبه فلا تشف غليله بتوترك وضيقك .

لاتفكر في العزلة أو الحيدة عن طريق طموحاتك ، بل قابل هؤلاء بابتسامة تدل على ثقتك بنفسك .

نعم ستفيد من النقد البناء أما النقد الآثم الهدام فلن يضيرك بل قد يفيدك وإن كان لاذعا في تعليمك قيمة كظم الغيظ والتواضع وسد الخلل التي من الممكن أن ينفذ منها غيره .

فلا تحاول الدخول في مواجهة معه ، وفي ذلك يقول سفيان الثوري : من عرف نفسه لم يضره ما قاله الناس عنه ، ويقول روسو : كلما ارتفع الإنسان تكاثفت حوله الغيوم ، فلا تشغل نفسك في الرد على هؤلاء ، والدفاع عن نفسك ، فوقتك أثمن من أن يضيع في مجاراتهم ولغوهم ، فوجه جهودك لرفعة نفسك ووطنك وأمتك .

يكفيك أن هؤلاء يغتمون وقت سرورك، وأنه على قدر قيمتك يكون النقد الموجه إليك .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى