اعداد محاسب

تبسيط الأهمية المالية والاقتصادية للمعايير الدولية للمحاسبة

الأهمية المالية والاقتصادية للمعايير الدولية للمحاسبة

القرار الاقتصادي السليم يحتاج إلى معلومات وبيانات مالية دقيقة وشفافة
الأهمية المالية والاقتصادية للمعايير الدولية للمحاسبة

إن العولمة والأخذ بمفاهيم اقتصاد السوق وإزالة الحواجز أمام حركة السلع والخدمات والاستثمارات وما رافق ذلك من تطور في عمل الأسواق المالية… كل ذلك انعكس على مهنة المحاسبة لتتلاءم مع المتغيرات في الاقتصاد العالمي وهذه الأخيرة أظهرت قصور البيانات المالية عن إظهار الأوضاع المالية وفقاً للحقائق الاقتصادية المستجدة.
وليس سراً أن أقول هنا: إن ثمة تساؤلات عديدة كانت تدور في خلدي على امتداد سنوات… وربما يعود بعضها إلى سنوات الدراسة الجامعية عندما كنت طالباً في كلية الاقتصاد بجامعة الإسكندرية… وهذه التساؤلات كانت تتمحور حول مدى فعالية وجدوى مبادئ المحاسبة التقليدية وقدرة البيانات المالية المعدة على أساسها لمساعدة أصحاب القرار الاقتصادي لاتخاذ القرار المناسب على أسس سليمة وحقائق اقتصادية… وليسمح لي القارئ أن أقول إنني وعلى امتداد حياتي العملية سواء في مجال الرقابة المالية وكمدير عام لأكثر من مؤسسة اقتصادية ومالية… وكوزير للمالية في سورية وحتى وأنا سفير لوطني في اليابان (القوة الاقتصادية الثانية في العالم)… أقول كنت أتابع متاعب وهموم وتطلعات الزملاء العاملين في مهنة المحاسبة القانونية… وخاصة ما يتعلق منه بعدم وجود معايير واضحة ومتطورة للعمل المحاسبي تتلاءم مع متطلبات العصر إلى أن جاءت معايير محاسبة القيمة العادلة في أواخر القرن الماضي وبداية القرن الحالي لتشكل تغيراً نوعياً كبيراً من شأنه أن يجعل البيانات المالية تعكس بدقة أكبر الوضع المالي ومن ثم الموجودات والمطلوبات بالقيمة العادلة… وليس على أساس مفاهيم المحاسبة التقليدية… وأيضاً لتجيب عن تساؤلات واستيضاحات عديدة لعل أهمها يتركز في النقاط العشر التالية:
1- المحاسبة التقليدية لا تقدم البيانات الواقعية الضرورية لمساعدة المستثمرين على اتخاذ القرارات الاقتصادية… لأنها عملياً تعكس أرقام الماضي ولا تأخذ بالحسبان الحاضر والمستقبل… بمعنى آخر هناك فارق بين القيم المالية المحاسبية والقيم بموجب المفاهيم الاقتصادية… وقد وضعت معايير محاسبة القيمة العادلة حداً لهذا التباين الكبير بين المفهومين.
2- التخلي عن مفهوم الإبلاغ المالي الذي كان يتم وفقاً للمحاسبة التقليدية وعلى أساس التكلفة التاريخية واعتماد محاسبة القيمة العادلة… ما ساهم في إظهار النتائج المالية وخاصة التغيرات على الموجودات والمطلوبات المتأثرة بالأحداث الاقتصادية في الوقت المناسب أي دون الانتظار حتى تتحقق مستقبلاً.
3- إن معايير القيمة العادلة تؤكد مفهوم إظهار القيمة الناجمة عن وقع اقتصادي في البيانات المالية فور حدوثه وهذا ما يساعد المعنيين على إجراء التحليل الاقتصادي في الوقت المناسب.
4- إن الأخذ بمعايير محاسبة القيمة العادلة يجعل من البيانات المالية أداة مهمة بيد الإدارة لتقدير الوضع المالي للشركة بمنظور اقتصادي مستقبلي… بما في ذلك تنبؤات المستثمرين للتدفقات النقدية المستقبلية من الموجودات على أساس عوائد الاستثمار المتوقعة.
5- إن الأرباح- وفقاً لمبدأ المحاسبة التقليدية- تعتمد على مبدأ إيرادات الموجودات المالية والاستثمارات تتحقق عند بيعها على حين أن الأخذ بمحاسبة القيمة العادلة يجعل الأرباح تتحقق عند حدوثها… وهذا المفهوم ينعكس بالطبع على مكونات الحسابات القومية أي يؤثر في معدلات النمو الاقتصادي… ومن ثم في الدخل القومي.
6- وفقاً للمحاسبة التقليدية فإن الاستثمارات في المجال العقاري كانت تظهر بالتكلفة التاريخية بعد تنزيل الاستهلاكات… ولكن وحسب مفاهيم المحاسبة بالقيمة العادلة فإن هذه الاستثمارات تظهر وفقاً للواقع الاقتصادي حسب قيمتها أي يظهر الفائض أو النقص في نتائج الأعمال.
7- وطبقاً لمعايير محاسبة القيمة العادلة فإن المحاسبة أضحت أداة لإدارة المخاطر بحيث تأخذ قرارات الاستثمار بالحسبان المخاطر المالية المتوقعة التي قد تنجم عن تغيرات ذات بعد اقتصادي في القيم السوقية وأسعار العملات والفوائد… ووضع المدينين.
8- على صعيد الأسواق المالية، فإن الأخذ بمحاسبة القيمة العادلة ينعكس إيجاباً على المستثمرين ولاسيما أن الأسواق المالية تعتبر إحدى أدوات قوى السوق وتساهم في جذب الاستثمارات… لأن تقدير الموجودات المالية المتداولة كأسهم الشركات والسندات المالية بقيمتها الاقتصادية الحقيقية يسهم في قياس إنتاجيتها وأدائها كموجودات اقتصادية حقيقية.
9- إن الأخذ بمحاسبة القيمة العادلة من شأنه أن يعزز مبدأ الشفافية في الاقتصاد الوطني وخاصة أن معايير هذه المحاسبة تسمح بتحديد متطلبات الإفصاح والعرض للمعلومات التالية… بحيث تسمح أرقام البيانات المالية للجمهور بالاطلاع على الواقع وإيصال هذه المعلومات إلى مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني ويساعد في إجراء التحليل الاقتصادي المناسب والضروري لعمليات الإصلاح الاقتصادي.
10 – إن القرار الاقتصادي السليم يحتاج إلى معلومات وبيانات مالية دقيقة واضحة وشفافة ويبدو أن معايير محاسبة القيمة العادلة قد وفرت متطلبات تأمينها.. بحيث تخلت عن المعلومات المالية التاريخية.. وأخذت بالمعلومات التي تعكس الواقع الاقتصادي وتتطلع إلى المستقبل، أي إن القرارات الاقتصادية بما في ذلك قرارات الاستثمار يجب أن تأخذ بالمعلومات التي تستند إلى حقائق اقتصادية واقعية.. وهذا ما ينعكس إيجاباً، ومن خلال اعتماد الشفافية على طريقة إعداد الحسابات القومية وإدارة المخاطر المالية، وأيضاً تعزيز دور الأسواق المالية.
إن الإجابة عن التساؤلات العشرة المبنية أعلاه يتطلب منها الإشارة إلى أن تطبيق المعايير الدولية ذات الطابع الإرشادي والتوجيهي العام لا يكفي وحده.. ولابد من إجراءات ذات طابع تنفيذي تضمن تطبيقها في بيئة محاسبية مناسبة.. ولئن تم اعتماد بعض معايير المحاسبة الدولية في عدد محدود من الدول العربية، كمصر ولبنان والأردن فإننا في سورية مدعوون إلى العمل على الأخذ بكل أو بعض معايير المحاسبة الدولية وخاصة في الشركات المساهمة، ولاسيما أننا على أعتاب افتتاح سوق الأوراق المالية في دمشق في المستقبل غير البعيد حسب تصريحات المسؤولين.. ومن ثم لابد من تهيئة البيئة المناسبة لذلك.. فأسواق المال بشكل عام وأسواق الأوراق المالية بشكل خاص يمكن أن تشكل عاملاً ايجابياً لزيادة معدل النمو الاقتصادي من خلال تعبئة الموارد وتوجيهها نحو الاستثمارات ومن ثم لها دور مهم في إنجاح برامج الإصلاح والتحديث الاقتصادي إذا توافرت لها البيئة التنظيمية والتشريعية والتقنية الضرورية لانطلاقتها.. وخاصة أن شركات ومكاتب المحاسبة والتدقيق والمراجعة لها دور مهم على صعيد الإفصاح المالي وتحقيق الدقة والشفافية والتأكد من صحة القوائم المالية التي تعدها الشركات وذلك من خلال تطبيق معايير المحاسبة الدولية بحيث تساعد هذه الأخيرة الجهات المعنية بسوق الأوراق المالية.. وخاصة أن قانون إحداث هيئة سوق الأوراق المالية في سورية ألزم الشركات المساهمة التي تشارك في سوق الأوراق المالية السورية أن تعتمد وتتقيد بتطبيق معايير المحاسبة الدولية.. مع الإشارة أيضاً إلى أهمية إجراء الدراسات والتقييم ومقارنة نتائج أعمال الشركات.. ما يسمح بتقييم أداء كل شركة وبيان جدارتها في حقل الائتمان ولاسيما أن المرسوم التشريعي رقم 61 لعام 2007 المتعلق بإعادة تقويم الأصول الثابتة بما فيها العقارات لأي مؤسسة فردية أو شركة محدودة المسؤولية بما يتناسب مع قيمها الفعلية بتاريخ إعادة التقويم وذلك بهدف تحويلها إلى شركة مساهمة.. ويتطلب ذلك التقيد بمعايير المحاسبة الدولية.. وقد رتب المرسوم التشريعي رقم 61 أعباء كبيرة على جمعية المحاسبين القانونيين السورية من خلال تقارير الخبرة المطلوبة لإعادة التقويم.. وهذا يتطلب من جمعية المحاسبين القانونيين السورية إجراء المزيد من الدورات التدريبية الفنية لتأهيل المحاسبين القانونيين الأعضاء في هذه الجمعية وبذل جهد إقليمي ودولي للاطلاع على الخبرات الفنية الخاصة بمعايير المحاسبة الدولية.. وهذا يؤكد حاجتنا في سورية للخبرات والتقنيات المطلوبة.. بما في ذلك الأخذ بمعايير المحاسبة الدولية نظراً لأهميتها على الصعيدين المالي والاقتصادي وبما يسهم في إنجاح برامج الإصلاح والتحديث الاقتصادي في سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى