اعداد محاسب

الفكر المحاسبي بعد الثورة الصناعية

كانت الثورة الصناعية نتيجة للحرية الفكرية التي تمتعت بها أوروبا في بداية عصر النهضة، وانتشار الفكر العلمي والمدرسة التجريبية في الإثبات، مما أدى لاختراعات علمية عظيمة أفسح المجال أمام الصناعة للاستفادة من الآلات

والمعدات التي نتجت عن هذه الاختراعات، وهذا أدى بدوره إلى الحاجة إلى رؤوس أموال كبيرة قادرة على تمويل الآلات الحديثة، فتهاوت المشروعات الفردية التي لم يكن لديها مالاً كافياً لشراء هذه الآلات، وقلما تمكنت الشركات التضامنية من الصمود وتأمين المال اللازم .ونتيجة التقدم الاقتصادي في مجال الصناعة والتجارة تأثرت الاشكال التنظيمية للمشروعات الاقتصادية القائمة، فقد أدى إلى نشوء الشركات المساهمة وانفصال الملكية عن الإدارة، وأصبح مجلس الإدارة المنتخب من المساهمين يقوم بإدارة الشركة المساهمة كوكيل عن المساهمين ،وقد انعكس هذا التحول على أغراض المحاسبة فأصبحت تركز على القياس والتقييم بعد ان كانت تركز على الرقابة كغرض رئيسي وبرزت الوظيفة الاعلامية.

وقد أدى التطور الصناعي الى تطوير المزيد من أساليب القياس المحاسبي وخاصة في مجال التحليل التكاليفي، وقد استخدم التحليل الحدي في التكاليف ، واستخدم المدخل الرياضي لتحليل العلاقة مابين التكلفة والحجم والربح(مطر،2004).

أما النظرية الاقتصادية السائدة في تلك المرحلة فهي الحرية الاقتصادية والمنافسة التامة على جميع المستويات، وقد كان الطلب على الإنتاج أكثر من العرض بكثير وهذا ما أدى إلى تراكم الأرباح وتوسع حجم المشروعات القائمة ونشوء المشروعات الجديدة.

وكان على الدولة أن ترعى هذه المنافسة دون أن تتدخل فيها، جاعلة من تأمين الأمن والسيادة والعلاقات الدولية الملائمة لتأمين الأسواق الجديدة هي الوظيفة الأساسية التي ادت إلى نشوء الحروب والمنازعات بين الدول القومية الناشئة التي تصارعت على الاسواق .

وقد شهد الفكر المحاسبي في تلك المرحلة تطوراً عميقاً من خلال ضرورة الشروع بالإعلام أو الإفصاح لإعلام المساهمين وغيرهم من المهتمين بوضع الشركة المالي عن واقع هذه الشركة لإتحة الفرصة لهم لاتخاذ القرارات الاستثمارية اللازمة . دون أن تكون الشركة ملزمة بتطبيق مبادئ أو معايير محددة للمحاسبة، إذ أن حرية الإدارة فيما تضمه من سياسات كانت تشمل المحاسبة أيضاً، حتى أن بعض المشروعات كانت تمتنع عن تسجيل استهلاك أصولها الثابتة في بعض السنوات إذا كانت الأرباح أقل من الأرقام المتوقعة، أما تغيير طرق صرف المخزون من FIFO إلى LIFO فهي قرار الإدارة الذي لا ينازعها فيه منازع وهي الأكثر انسجاماً مع حرية الإدارة المطلق في جو من المنافسة التامة (القاضي ، وحمدان، 2007) .

في ظل هذه الظروف قام باتون (Paton,1922) بوضع أول محاولة لبناء نظرية المحاسبة عام 1922م أستجابة لتزايد أهمية شركات الاموال وتعاظم دور المحاسبة كنظام للمعلومات، وقد اعتبر التكلفة التاريخية هي الحقيقة الوحيدة التي تبنى عليها المحاسبة في ظل مفهوم استمرار المشروع، وأن القياس الحقيقي لنتائج أعمال المشروع لا يظهر إلا عند توقف المشروع عن الاستمرار لأي سبب من الأسباب التي تفرض هذا التوقف سواء كان سبباً قانونياً أم مالياً أم اقتصادياً، وإن تصفية المشروع هي التي تفرض عليه التوقف عن التكلفة التاريخية واللجوء إلى أسعار السوق التي تستخدم في التصفية . اما في ظل فرض استمرارية المشروع Going Concern فإن على المحاسب أن يغمض عينيه عن تغير الأسعار أو تغير مستوى الأسعار، أما الباحثين عن القيم السوقية للأسهم التي تباع بموجبها في السوق المالي فإنهم لن يجدوا ضالتهم في الدفاتر المحاسبية أو في النظرية المحاسبية، بل عليهم الذهاب إلى السوق المالي .

ولا شك أن اعتماد التكلفة التاريخية تمثل دليل موضوعي لوقوع حدث اقتصادي بين المشروع والغير، قد أسبغ على نظام التكلفة التاريخية موضوعيتها وحرم الإدارة من فرصة التلاعب بالأرباح من خلال إعادة تقويم الأصول بما يتفق مع مصالحها في ظل نظرية الوكالة التي سمحت لها بإدارة الشركة نيابة عن المساهمين .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى