ذات صلة

جمع

أسعار الدواجن تتراجع اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)

تراجع متوسط أسعار الدواجن الحية بشكل طفيف خلال تعاملات...

أسعار الحديد والأسمنت تصعد في الأسواق اليوم الخميس (موقع رسمي)

ارتفعت أسعار الحديد والأسمنت، خلال تعاملات اليوم الخميس، مقارنة...

تراجع البطاطس وارتفاع الكوسة.. تعرف على أسعار الخضار والفاكهة في سوق العبور اليوم

تراجعت أسعار البطاطس والبصل الأبيض والملوخية، خلال تعاملات اليوم...

الدولار يرتفع بنحو 20 قرشا في البنوك ويصل إلى 49 جنيها لأول مرة منذ مارس الماضي

ارتفعت أسعار الدولار بنهاية تعاملات اليوم بنحو 20 قرشا...

أثر الإعلانات والبرامج التلفزيونية في سلوك الفرد

إن الأفكار البناءة المنتجة في أيِّ أمة من الأمم هي أعظم ثروة تنالها في حياتها، وأعظم هبة يتسلمها الجيل من سلفه إذا كانت الأمة عريقة في الفكر المستنير، أما الثروة المادية والاكتشافات العلمية، والمخترعات الصناعية، فإن الاحتفاظ بها يتوقف على الأفكار، ولاشك في أن التقدم العلمي والتكنولوجي هو رهن بالتقدم الفكري وليس

المعرفي وحده، والتقدم الفكري هو حصيلة لأعمال العقل، والتنور بما يؤدي إلى الإبداع والابتعاد وحسن التدبر، ولم يعد دور الإنسان في هذا العصر منحصراً على التكيف مع الواقع، وإنما تعداه إلى ضرورة تغيير هذا الواقع بما يتناسب وتطلعاته اللامحدودة، وهذا يقودنا إلى ضرورة استبدال أفكار ولعب دور المتلقي إلى تنمية التفكير والإبداع والعطاء، أي عدم لعب دور المتأثر بالأشياء إلى المؤثر بها، وهنا لعبت التكنولوجيا ووسائل الإعلام وبرامجه المنوعة وإعلاناتها دورها الخطير في تغيير شخصية الفرد كبيراً وصغيراً في سلوكه واتجاهاته وأفكاره..
لأننا جميعاً نعرف بأن التفكير لا يأتي دون مقدمات، والتفكير ينمّى ويطوّر عند الإنسان ولذلك يكتسب الإنسان معارفه ومعلوماته ومهاراته وعاداته بتفاعله مع بيئته ومع ذاته التي تقوده إلى البحث عن الجديد والمتطور «بغض النظر عن إيجابياته أو سلبياته» وهنا دور المبرمجين في لعب دور الجاذب والحاضن الخطير والمسؤول عن توجيه سلوك الأفراد. وهنا بحثي يقتصر على تأثير الإعلانات على توجيه سلوك الأفراد ودورها الخطير في تسيير أفكارهم لأننا بطبعنا البشري لا يمكن لنا بأن نكون مشاهدين سلبيين لما نرى إنما يجب أن نتعاطف ونتمثل كل ما نشاهده مع أو ضد.
فهناك إعلانات كثيرة مثلاً تؤثر على اختياراتنا في الطعام فتعرض مثلاً الأطعمة والأغذية بطرائق وأشكال وألوان وموسيقا وأشخاص يأكلونها بسلوكيات فيها من الجذب والتشويق والأصوات الكثير وحتى لو كانت لا تناسبنا فسوف نشتري منها ونتذوقها والطامة الكبرى عندما يتعلق أطفالنا بهذه الأطعمة ويصرّون على تناولها.
والأخطر من ذلك أنه بعد مدة يعلنون بأن هذه الأطعمة فيها من المواد الضارة والمسرطنة الكثير ولذلك سُحبت من السوق! فأين الرقابة على هذا في الإعلانات؟
ولكن بالبحث وراء هذه الإعلانات نجد شركات هدفها المكسب المادي بغض النظر عن قيمتها الغذائية بالنسبة لأطفالنا خاصة، عدا عن أن هذه القضية تتسم بأهمية خاصة الآن في ظل تفاقم معدلات البدانة في أوساط الأطفال بمختلف أرجاء البلاد، الأمر الذي يعد ناجحاً في جزء منه عن جهود تبذلها كيانات تجارية همها الربح، وهناك دراسات كبيرة وفي بلدان كثيرة تركض وراء كثير من الشركات التي تنتج الأغذية والأطعمة على اختلاف أنواعها لتدرس كمية المواد الغذائية والمواد الموضوعة فيها والتي تعد صحية أو غير صحية.
فهناك قول للدكتور “دونان” في أميركا لو كانت شركات الأغذية تروج للموز والقنبيط لما كنا نشعر بالقلق لكن بدلاً من ذلك تتعلق غالبية نشاطات التسويق بحبوب مسكرة أو مخدرة أو سريعة التحضير وأخرى خفيفة أو حلوى وهذه كلها تعد أكبر مسؤول عن البدانة عند الأطفال عدا عن أمراض أخرى.
وهناك دراسات أثبتت بأن من أكثر مشاهدي إعلانات الأغذية هم الأطفال والمراهقين وكلها إعلانات لا تتكلم عن الفواكه أو الخضر أو اللحوم؛ هذا يفسر التأثير السلبي على أنماط الطعام وهذا ما يؤكد على التأثير السلبي على نمو الطفل نفسياً وجسدياً بطريقة سلبية ما يؤدي إلى ظهور أنماط سلوكية سلبية وخاطئة في كثير من الأحيان وخاصة عندما نريد أن نقدم كأهل للأطفال وجبات صحية فنلاحظ الرفض والغضب والامتناع عن تناول الطعام.
نشرت دراسة في آذار 2008 في دورية بدياتريكس طب الأطفال عمدت فيه تحليل العلامات التجارية الخاصة بالأطعمة والأشربة والمطاعم من حيث الإيرادات السنوية لها، فوجدت بأن نسبة كبيرة من الأفلام الموجهة للأطفال والمراهقين تتضمن ظهور علامات تجارية شهيرة “كوكاكولا، بيبسي”.
هناك زيادة كبيرة في مبيعات الشوكولا وكذلك الوجبات السريعة التي سيطرت على الأفلام والإعلانات، ورقائق البطاطا بأنواعها واختلاف أطعمتها.. وكأننا نسير خلفها في اللاوعي وهذا دليل خطير، ولعل المهم هي مراقبة هذه الشركات الكثيرة والكبيرة الانتشار.
وهذا الذي قلناه شيء قليل من كثير، أما بالنسبة للإعلانات الأخرى والبرامج الموجهة فأصبحت مثل صناعة السيارات فلديها أشكال وألوان وأفكار متعددة منها الفاخر ومنها المتوسط ومنها المتدني، والإعلان القديم لا يناسب الآن أفكارنا المتطورة حول التكنولوجيا ووسائل عرضها، ولكل مجتمع ثقافته وإعلاناته التي تتعلق بعاداته وتقاليده وهنا التنافس في أوجه فالخطة والتنفيذ والتدقيق والإخراج والمراقبة كلها تقع وتعمل لصالح المؤسسة التي وضعت الإعلان.
ولقد كثرت في الآونة الأخيرة المحطات التلفزيونية الموجهة للأطفال الموجهة شكلاً ومضموناً ونجد أطفالنا مصلوبين أمام التلفاز ساعات وساعات طويلة يشاهدونها ويتلقون منها الكثير أغنيات- طعام- لعب وهذا إن دل على شيء فهو يدل على مدى تأثير الإعلان على سلوكياتهم.
فنجدهم يتقمصون المعاني والكلمات واللباس والحركات ويحفظون الشخصيات ويقلدونها، ويفرحون لفرحها ويحزنون لحزنها، ويطلبون من أهلهم شراء ألعابها ومحفظاتها، ودفاترها وإعلاناتها والتي هي بأسعار خيالية في الأسواق وهنا المشكلة الكبرى التي يعانيها الأهل مع أطفالهم وخصوصاً إذا كانوا من ذوي الدخل المحدود فالطفل لا يعرف هذه المشكلة، الطفل يريد وعلينا التنفيذ وهنا يقع الصراع “فالإعلان قال له إن هذه المحفظة أفضل المحافظ ولا يريد غيرها أو هذه اللعبة أفضل الألعاب، أما الأهل فسوف يشترون ما يناسب دخلهم وهنا المشكلة والحل؟!
إذن مشاهدة هكذا أنواع من البرامج أو الإعلانات التلفزيونية يؤدي إلى نمط سلوكي غير مرغوب فيه، عناد، انفعال، غضب، فقدان التفاعل الاجتماعي، فقدان التواصل الحواري، عدم الإحساس بمشاعر الآخرين، التأخر الدراسي، التقليد الأعمى في المأكل والملبس بشكل لا يتناسب مع مجتمعنا وخاصة ما يفعله المراهقون “من لباس وسلوك، وتصرفات في الشكل والمضمون”.
أما البرامج والإعلانات عن المسلسلات فهي تشكل خطورة حقيقية في تنمية الاتجاهات والسلوك الاجتماعي لدينا فنحن شعوب تتعاطف مع الآخرين شئنا أم أبينا، ولذلك نجد بأن أفلام “الرعب، والأكشن، والحروب، والقتال..” كلها تشكل سلوكات وأنماط انفعالية سلبية نحو أنفسنا ونحو الآخرين، وهناك دراسات كثيرة تدل على ذلك، إذ إن أطفالنا ومراهقينا يحبون التقليد وسوف أسرد قصة حقيقية حصلت عام 2010 في حماة مع الطفل فيصل الجمعة المولود 2000م والمقيم مع ذويه الذي شنق نفسه بواسطة حبل دائري على باب إحدى غرف المنزل.
وسبب ذلك بأنه كان يلعب ويقلد إحدى شخصيات شاهدها في التلفزيون، ولعل أكبر مسرحية دالة على هذه السلوكات “مسرحية مدرسة المشاغبين” والتي بقيت أعواماً وأعواماً، يتندر بها الكبير والصغير، ويقلدها المراهقون في المدارس وهذا يدل على تأثير البرامج والإعلانات التلفزيونية على سلوك المراهق.
وهناك استخدام وسائل التكنولوجيا وإعلاناتها على السلوك داخل المدرسة، فإعلانات المسلسلات التي تؤكد على سلوك الطالب داخل مدرسته كثيرة “فهو يستخدم الخليوي ليصور مدرسته داخل الصف ويدخل عليها تعديلات تؤدي إلى مشاكسات وإحراج للمعلمين والمعلمات، وكذلك وضع الحبر على كرسي المعلم، ضربه بالطائرات الورقية، ضربة بالطبشور، إفراغ إطارات السيارات لهم..
وكلها نتيجة رؤية المشاهد لهذه البرامج وتقليدها وكأنها أصبحت جزءاً من حياته.
ولا ننسى بأن مشاهدة الإعلانات التجارية “الرياضية، الفنية، الصحية،  الثقافية، والغذائية..” عبر الإنترنت مخيبة للآمال ومضيعة للوقت والجهد والمال، فهناك أناس مهووسون بهذه التقنية، يعانون من الهوس المرضي تجاهها وأنا أشبهها كالإدمان على المخدرات من الصعب تركها إلا بالعلاجات السريعة، وكأننا نشعر بأن زمننا أصبح في مهب الريح والفساد والضياع ولا سبيل إلى الفرار من هذه اللعنة لأنها برأيي كمربية سيئاتها أثرت على إيجابياتها والسبب سوء استخدامها من قبل الإنسان الذي ترك لعقله العنان في الخراب والدمار.

حضن الأسرة

ولكن لنرجع قليلاً إلى حضن الأسرة فالروتين المنزلي والفراغ العاطفي وضعف التواصل الاجتماعي والعاطفي والبعد عن الحوار والإصغاء للآخر والتفكك الأسري وضعف الدخل الأسري جعل من التلفزيون وما ينقله الملاذ الوحيد “فأين ممارسة الرياضة، الرحلات، حفلات الموسيقا، ممارسة الهوايات، رسم، موسيقا، رياضة، شعر، قراءة..، مسرح، سينما، كلها” لا يوجد منها شيء ولا توجد تسلية للجميع إلا المسلسلات والبرامج والإعلانات التلفزيونية التي أصبحت شغلنا الشاغل.
ومن الملفت بأن بعض الإعلانات والبرامج تؤكد للطفل بأن الصدق والأمانة والإخلاص هي صفات الإنسان الجيد ولكن الطفل يواجه الواقع بعكس ذلك تماماً، ويجد بأن من يمتلك عكس هذه الصفات هو الإنسان القوي الناجح المتفاعل مع الناس والمتكيف في عمله ولذلك يقارن ويفكر فأيهما يسلك..؟
أما في برامج أخرى أو أفلام أخرى فيجد بأن الإنسان المجرم، السارق، القاتل، الكاذب، المنافق.. هو الذي يمتلك جوانب القوة ولكن في النهاية يجد بأنه ينال عقابه، بينما يجد الواقع عكس ذلك، ولو أنه طبعاً في النهاية سوف ينال السجن في الواقع ولكن متى يكون ذلك الزمن..؟!
ولذلك نجد بأن مخيلات الأطفال وذائقتهم الثقافية تتعرض للتدمير على شاشات الفضائيات، فالقنوات المتخصصة بالطفولة تعتقد بأن موضوع الترفيه والتسلية يعني تسويق أو عرض أي شيء، لدرجة أن الأشكال المريعة التي لا تنطوي نهائياً على أية جمالية قد أصبحت هي القدوة الحسنة لجيل ينشأ على التقنيات الإلكترونية، ووابل الأفكار المتسللة إلى العقول البريئة التي راحت تقلد تلك الشخصيات وتتماهى معها على نحو غريب.. حتى الصراخ والقفز والنط والشقلبة.. الذي يسيطر على معظم تلك البرامج الإلكترونية المقدمة بلا مغزى أحياناً. ومرات أخرى بإسقاطات تستدعي التنبه ودق ناقوس الخطر “المنتصر في أفلام الأطفال أميركي دائماً”.. المنفذ البطل المغوار في أفلام الكبار أميركي دائماً، يأكل الضرب والإهانة والإذلال ثم ينتصر الحق، الذي هو الحق الأميركي، الواعي المثقف، المضحي..، وهذا بات يؤثر في سلوك الأطفال والمراهقين وحتى الكبار “اللباس الجميل أميركي أو أجنبي، الأكل أميركي أفضل، الآلات الأجنبية أفضل، لماذا نفضل ثقافة الغير على ثقافتنا هنا الخطر..!؟
نحن مع استخدام اللغة بشكلها الصحيح عندما يتطلب الأمر التكلم بلغة أخرى غير لغتنا لأنها السبيل إلى التواصل الحضاري الراقي والمتطور، ولكن استخدام كلمة أجنبية وأخرى عربية وبطريقة فيها من الميوعة والدلال و.. الكثير، فهذا على ماذا يدل؟
لقد حضرت في جلسة فيها عدد من النساء بينهن واحدة لم أفهم من حديثها إن كان عربياً أم أجنبياً وبمضمون سخيف وتافه وهي متبجحة متعالية على أساس أنها مثقفة، فهذا التقليد الأعمى للثقافة جعل من شخصيتها منصهرة غامضة غير مفهومة لا هي هنا ولا هي هناك.
أما برامج الأطفال المترجمة والمدبلجة فحدث ولا حرج فهي تؤكد غياب الرؤيا الثقافية والتربوية لدى المحطات المختصة بالأطفال، وتثبت أنها مشغولة بالربح واستقطاب أكبر عدد من الأطفال المشاهدين الذين تورطوا بلعبة بعث الرسائل إلى المحطات عبر الموبايل، بغض النظر عن تلك العملية الخطيرة التي تجري على مستوى تغيير المفاهيم والسلوك عند الأطفال.
أما المحزن في الأمر، أن محطات الأطفال الخاصة وكأنها تعمل في الهواء الطلق، وتنام الرقابات العربية عنها،  لكنها تستمر وراء طباعة رواية أو بحث أو ديوان شعر لا يروق لها في حين ما يجري على الجهة الأخرى من محطات الأطفال يعدُّ من الخطورة على نحو فظيع قد يؤثر على جيل كامل تتشوه مفاهيمه ومخيلاته دون أن ينتبه أحد، بعيداً عن الطاعة والنظام، مثاله الأعلى “العنف والوحوش والكائنات المشوهة والشعوذات” والله نحن في خطر كبير!؟

المراهقون والمراهقات

أما عن المراهقين والمراهقات فحدث ولا حرج فسلوكاتهم كلها مقلدة وتدل على عنف، ووقاحة، وسوء تصرف، وغضب، وانفعال، وتأخر دراسي، وتخلف عقلي.
فهذا المراهق الذي يقلد الغرب في ثقافتهم: لباسه الذي ينم عن الفوضوية والاستهتار، والتمرد، والانفلات الأخلاقي والسلوكي، والحلق والأساور والأطواق، والرسومات والوشوم على رقبته، يده، قدمه، أصابعه، وبأشكال الحيوانات والرموز والطقوس كلها أشياء تدل على الضياع، أما الموسيقا ونوعيتها فحدث ولا حرج، والفتيات كذلك في لباسهن وسلوكهن وتصرفاتهن وحديثهن همّهن الوحيد إنشاء صداقات بأساليب مختلفة، البعد عن الدراسة، البعد عن النظام، البعد عن النقاش، محبة الانعزال في عالمها، همها الموضة والماكياج والصديق الذي يدعمها عاطفياً والوحيد في الكون الذي يحبها ويخاف عليها، جيل ضائع يدق ناقوس الخطر فأيها الأهل انتبهوا لهذا الغزو الثقافي ولهذا الاستلاب الفكري الخطير لمجتمعنا، لأنه وإن دل على شيء فهو يدل على قرب محو لشخصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا
وقد يأتي إنسان يقول إذا كانت هذه التكنولوجيا ووسائل الإعلام والإعلان حقاً تؤدي إلى هذه الصرعات فما هو الحل البديل عنها؟ لا بديل عنها جوابي؛ ولكن الرقابة ثم الرقابة، التوازن والتدخل غير المباشر في الوقت المناسب، الحوار، الإصغاء، عدم البعد عنهم وترك الحبل على الغارب، إشغالهم في هوايات، اللعب معهم، كسب صداقتهم، عدم تركهم للتكنولوجيا لتسحبهم إلى عالمها كلياً. تخصيص وقت لهم للتعاطف معهم ومع مشكلاتهم، إشراكهم في مشاكلنا كالكبار، فالطفل إذا لم تشغله شغلك.
إن الرغبة في دفع الأطفال والمراهقين إلى الحوار هو اكتشاف سيكولوجي حديث، وهو حدث جديد، أما بالنسبة للتكنولوجيا فهو ليس في أغلب الأوقات سوى نوع من المرافقة الضوئية للحياة العائلية، عندما يشغل التلفزيون في إحدى أركان المنزل فإن المرء يصغي إليه دائماً إلا في بعض الأوقات الخاصة، وعندما نتوقف عن المشاهدة فإن ذلك ليس من أجل تنمية الحوار عند الأولاد بل لأنه لا يوجد لدينا أهم من التلفزيون.
ولعل أفضل طريقة لمشاهدة البرامج هي المشاركة الجماعية مع أطفالنا لأنها تخلق نوعاً من التواصل والتوحد مع ما نشاهد، إذ يجري الحوار والتواصل وخلق الإبداع بإبداء آراء مختلفة حول ما نشاهد لنجتمع بعدها على رأي موحد بعد مناقشته وتبيان إيجابياته وسلبياته.
من المؤكد أن على وسائل الإعلام والإعلان أن تنقل قيم المجتمع بطرق مختلفة والتي تنسجم مع الإطار العام لهذا المجتمع، ويمكن لهذه القيم أن تشتمل على أساس تاريخي حديث مثل حقوق الأطفال والسعادة الزوجية وتحسين شروط الحياة، والحفاظ على الصحة والاهتمام بالبيئة “طبيعة، شجر، نهر، ، طير، حيوان، مياه..”. والوطن، الحياة، والنظام.. وتستطيع هذه القيم وحالها كحال القيم الخاصة بالآباء والمعلمين أن تجد طريقها إلى نفوس الأطفال وعقولهم، أما القيم الشخصية التي يرغب الآباء بنقلها إلى أبنائهم مثل “المبادئ الدينية، قيم الصعود الاجتماعي، التمسك بالتقاليد أو الرغبة في تغيير نمط الحياة فهي قيم تنتقل عن طريق الحياة الفعلية للأطفال”.
وينبني على ذلك أن الأطفال يتبنون إرادياً قيم الآباء هذه بدرجة أكبر من القيم العامة وهذا غالباً، ويمكن للرسالة التلفزيونية وبطريقة عكسية أن تجد رفضاً من قبل الأطفال وذلك مرهون بشروط تلقي الرسالة التلفزيونية، مثال: خطاب لاهب وفصيح مناصر للحركة النسائية: يمكن لرب الأسرة أن يستقبل ذلك بهزء وسخرية، وذلك قد يغضب الطفل وقد يرضيه وفقاً للانطباع الذي يمتلكه عن مدى مصداقية موقف أبيه، ولكن إذا حظي الخطاب نفسه بموافقة الآباء يمكنه أن يؤثر في الطفل إذا كان قد اعتاد على الثقة بموقف والديه، ولذلك فإن التلفزيون لا يستطيع أن يؤثر إلا في السياق التربوي الشامل الذي يحيط بالطفل، والآباء الذين لا صلة لهم مع أطفالهم لا يستطيعون بين عشية وضحاها أن يوظفوا التلفزيون في التأثير على أطفالهم وذلك عندما يقدم التلفزيون آراء تتناسب مع آرائهم، ولكن بشكل عام نجد بأن التلفزيون يفرض على الطفل نموذجاً تربوياً يشمل حياة الطفل وجنسه وكل ما ينطبق على محيطه الثقافي.
وتبقى الإعلانات والبرامج التلفزيونية مؤكدة على ما هو قائم في المجتمع الذي يعيشه الأفراد، فمثلاً “يؤكدون على أن المرأة ضعيفة، والرجل قوي، المرأة جاهلة، والرجل مثقف، البنت تلعب دور الأم الحنون، والرجل دور الحامي المتسلط القوي”.
وعلى خلاف ما سبق يشعر الأطفال برتابة الأخبار السياسية ويبتعدون عنها، وفهم عندما يشاهدون بؤساء العالم يتخذون موقفاً غامضاً، وهم إذا شاهدوا أطفال الصحراء يموتون جوعاً يشعرون إلى حد ما بالطمأنينة لأنهم بعيدون جداً عن الخطر، وهم مع ذلك يشعرون بالسخط والغضب ولكنهم لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً “تعاطف مع أطفال غزة، والغضب من العدو”، إن الأطفال يشعرون بالضعف والانسحاب وتدريجياً يستطيعون مشاهدة مثل هذه الأحداث والمشاهد دون اكتراث أو تأثر “أفلام الرعب، القتل، التقطيع” فتكرار هذه المشاهد يفقدهم الإحساس ويقلق المربي، إذ يقولون “هل هذه البرامج تفقد الأطفال حساسيتهم وتتصلب مشاعرهم؟! هل فقد الأطفال مشاعر السخط والغضب؟
ربما كانت هذه المشاعر الوسيلة الوحيدة، واقعياً، للحفاظ على توازنهم النفسي، فليس ما هو أصعب من مشاهدة شقاء العالم دون أن يكون لدى المرء ما يستطيع أن يفعل.
ما الذي يفضله الأطفال عند مشاهدة التلفزيون؟
يفضل أكثر الأطفال البرامج الخيالية، فالخيال يتيح لهم أن يعيشوا حياة الأبطال والتي توفر لهم السعادة والتي تفوق سعادتهم الحقيقية التي تغمرهم في الحياة الحقيقية، وخاصة عندما لا يجدونها في وسطهم الاجتماعي، فالطفل يتخيل نفسه أميراً، ملكاً، شرطياً، معلماً، قائد عصابة، “فهناك يسقط ما بداخله على هذه الشخصيات ويتقمصها في الواقع”.
فهو القوي القادر على القبض على الأشرار ومكافحة المجرمين، وهو الكبير العالم الذي يحل مشكلات العالم، والكون، والفضاء وبشكل عام الطفل الذي يجد نفسه محاطاً بجدار من الممنوعات والمحظورات لا يملك مواجهتها سوى في الهروب والتواصل مع مغامرات الآخرين، وبالتالي فإن الأفلام التي يمكن للطفل أن يتواصل معها هي الأفلام التي تنطوي على المغامرات التي تحمل للأطفال حلولاً لمشاكلهم والتي تعكس همومهم، فيتقمص شخصيات الأبطال وخاصة التي تنسجم مع طبيعته الخاصة، فالذكر يتقمص شخصية الذكر البطل، الخارق، الذكي، الذي يحمل سيفاً، بارودة، مسدساً، يقتل، يحمي، يتسلط، يظلم.
أما الأنثى فتتقمص أحياناً دور الذكر ولا مشكلة لديها على عكس الذكر فهو معيب عليه تقمص دور الأنثى، وتتقمص دور الأنثى الضعيفة، المظلومة، المقهورة، الخائفة، ويتقمص الذكر دور الشخص الخارق سوبرمان، هاري بوتر، زورو، والشخصيات الأسطورية التي تحل مشكلات العالم”.
من كل ما سبق نستنتج بأن الوسائل السمعية والبصرية “إعلانات، برامج تلفزيونية” هي حقيقية واقعة قائمة في بيوتنا لا محالة شئنا أم أبينا حتى في أفقر الأسر ولذلك فيجب أن نتعامل مع هذه الوسيلة بشيء قليل أو كثير من التعقل فعلينا تأهيل الأسرة وترشيد علاقتها مع الشاشة الصغيرة، مشاهدتها بشكل جماعي قدر الإمكان، تخصيص فترة مراقبة من قبل الأهل لفترة مشاهدة الأطفال وحتى المراهقين، الحوار والنقاش، الإصغاء لأفكار الأطفال والمراهقين والإجابة عن أسئلتهم عندما يشاهدون، عدم جعل التلفزيون أداة لقضاء الأطفال وقتاً أمامه ساعات طويلة بينما الأم خارج البيت لقضاء زياراتها التي قد تكون في أكثر الأحيان غير ضرورية، مراقبة معد البرنامج، ومؤلف الكلمات، والموسيقي والمخرج لكل هؤلاء يجب أن يكون هناك رقابة وصارمة “حتى الآن يتداول الأطفال كلام دريد ونهاد، أبو جانتي سائق التاكسي، أبو عنتر” وكثير من المسلسلات التي تغذي الناشئة بألفاظ يرددونها في البيت والمدرسة والشارع، عدا عن الألفاظ النابية التي يتبادلونها فيما بينهم.
إذن يجب على المهتمين النظر بعين الاعتبار إلى الظاهرة المهمة الغامضة بشيء من الحذر والرقابة، والأخذ بوجهة النظر القائلة بإقامة التوازن بين الحضارة والأصالة وعدم تغييب الجميل في تقاليدنا ونقلها للناشئة بصورة إيجابية ليتم استقبالها من منظور حضاري متطور.