بقلم د. عرفان فوزي محمد
مدير عام بقطاع البحوث مصلحة الضرائب
والمحاضر بكليات الحقوق والمعاهد الضريبية
منذ مطلع الألفية الثانية أخذت مصر على عاتقها أصلاح نظامها الضريبي ، ليكون مواكباً للتطورات العالمية في مجال فرض الضرائب ، ويكون حافزاً ودافعاً للاستثمار الأجنبي والوطني، يدفع الممولين على الالتزام الطوعي ومكافحة التهرب الضريبي .
والنظام الضريبي يتكون من كافة التشريعات التي تنظم فرض الضريبة بكافة أنواعها المباشرة وغير المباشرة ، ويقاس العبء الضريبي في أي دولة بمجموع ما يتحمله الممول من ضرائب بكافة أنواعها .
وحينما تريد الدولة فرض ضرائب ما فأن يدها ليست مطلقة في فرض ما تشاء من ضرائب وإنما تحكمها اعتبارات وواقع سياسي واقتصادي واجتماعي وهو ما يعرف بالسياسة الضريبية.
وللسياسة الضريبية دوراً هام ومؤثر في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، ويختلف دور السياسة الضريبية باختلاف النظام الاقتصادي للدولة فالدول الاشتراكية تركز على الشق المالي للضريبة وتقوم هي بعمل التوازنات الاقتصادية والاجتماعية من خلال المشروعات التي تتبناها ، أما الدول الرأسمالية والتي تأخذ بآليات السوق ، يكون للسياسة الضريبية دور هام ومؤثر على الحياة الاقتصادية والاجتماعية فمن خلال فرض الضرائب تستطيع أن تعيد توجيه الاستثمارات إلي المناطق التي ترغب الاستثمار فيها، مثل المناطق النائية أو المناطق ذات الكثافة العالية من السكان، وذلك من خلال تقرير حوافز ضريبية أو أسعار ضريبية مخفضة لمن يقوم بالاستثمار في تلك الأماكن، أو ترغب في تشجيع صناعة وطنية معينة فتعمل على فرض ضريبة جمركية بأسعار مرتفعة على السلع المناظرة، وقد تهدف من خلال فرض الضريبة إلي تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال الاهتمام بالطبقات ذات الدخول المنخفضة ، فتقرر لهم إعفاءات ضريبية أو توسع من شرائح الضريبة ليصيب أقل سعر ضريبي القدر الأكبر من هذه الدخول، وتستخدم الضرائب في الدول المتقدمة للحفاظ على الصحة العامة والبيئة من خلال فرض ضرائب إضافية على المنتجات المضرة بالبيئة وبالصحة العامة.
هذه الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية دائماً ما تكون حاضرة أمام المشرع عند سن أي تشريع ضريبي ،إلا أن الواقع العملي وظروف المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد تدفع المشرع إلي أن يحيد ويبتعد عن هذه الاعتبارات ويركز على الشق المالي فقط للضريبة ،ولهذا أستطيع القول بأن السياسة الضريبية تؤثر وتتأثر بالاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية السائدة في المجتمع.
ومن أهم خطوات الإصلاح الضريبي في مصر الإصلاح الذي طرأ على قانون الضريبة على الدخل بصدور القانون 91 لسنة 2005 ،والذي رفع رايات الإصلاح من خلال الأهداف التي سعى إلي تحقيقها ومن خلال السياسة الضريبية التي تبناها للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، ومواجهة المشكلات المتراكمة من القوانين السابقة والمتمثلة في ارتفاع نسبه التهرب الضريبي والذي أصبح ملمحاً من ملامح المجتمع الضريبي المصري ،ومواجهة التشوه الذي أصاب هذه التشريعات فأبتعد بها عن الوضوح والبساطة وأصبحت مرتعاً ومناخاً خصباً للتجنب الضريبي والتخلف عن الركب الدولي في عدم مسايرة هذه التشريعات للنظم الدولية الحديثة.
لهذا صدر القانون 91 لسنة 2005 رافعاً رايات الإصلاح وفق سياسة ضريبية واضحة ، تشجع على الاستثمار وجذب رؤوس الأموال الأجنبية ، من خلال تشريع ضريبي واضح وميسر يشجع على الالتزام الطوعي، داعماً للثقة بين الممول ومصلحة الضرائب ، يعمل على إنهاء المنازعات القائمة ويحد من المنازعات المستقبلية ، يتبنى سياسة واضحة نحو تطوير الإدارة الضريبية لتحقيق الكفاءة والفعالية.
وعند تطبيق هذا القانون أصطدم بأرض الواقع ولم يمضي على تطبيقه سوء سنة واحدة حتى توالت التعديلات علية الواحدة تلو الأخرى حتى وصلنا بعد مرور عشر سنوات على تطبيقه إلي عدد خمسة عشر تعديلاً على القانون 91 لسنة 2005، وهذا رقم كبير يعكس حالة من عدم الاستقرار التشريعي ويدخل بة في سباق أكثر التشريعات تعديلاً في تاريخ التشريعات المصرية.
هذه التعديلات كانت أما بدافع أصلاح عوار تشريعي في القانون أو بسبب البيئة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع المصري، وخاصة التعديلات ت التي أعقبت ثورة 25 يناير والتي عكست طبيعة المرحلة من عدم استقرار اقتصادي واجتماعي وسياسي لذلك ظهرت هذه التعديلات متعارضة ومتضاربة لتعكس طبيعة المرحلة.
وأهم ما يؤخذ على هذه التعديلات :
– ابتعاد السياسة الضريبية عن هذه التعديلات وغياب البعد الاجتماعي والاقتصادي ، وأن الجانب والبعد المالي للضريبة هو الذي كان مسيطر بهدف تمويل العجز المتزايد في الموازنة العامة للدولة نتيجة للمطالب الفئوية المتزايدة وخاصة تلك التي أعقبت ثورة 25 يناير .
– أنها ابتعدت عن الوضوح والتبسيط والتي هي من أهم سمات التشريع الضريبي ،وكانت غالبية هذه التشريعات متضاربة ومتعارضة وتفتقد للرؤية والوضوح، ومن مظاهر ذلك الاختلاف حول تفسير بعض نصوصها الأمر الذي دعا الإدارة الضريبية ألي إصدار العديد من الكتب الدورية والتعليمات التنفيذية لفك الاشتباك بين المأموريات والممولين.
– أنها كانت متعددة ومتوالية حتى أصبح الكثير من الممولين والمتخصصين عاجزين عن حصرها ومتابعتها.
– أنها أخلت بالفلسفة القائم عليها القانون أخلالاً كاملاً بل نسفت غالبية الأهداف التي كان يسعى إليها القانون في دعم الثقة بين الممول ومصلحة الضرائب وتشجيع الالتزام الطوعي.
ومن مظاهر تغليب الجانب المالي للضريبة على حساب الجانب الاقتصادي والاجتماعي:
– الارتفاع الملحوظ في سعر الضريبة من خلال تقرير شريحة رابعة قدرها 5% بالمرسوم العسكري ليصبح أعلى سعر 25% فيما يتجاوز عشرة مليون جنية ثم خفضت بالقرار بقانون 101 لسنة 2012 لتكون فيما تجاوز مليون جنية وخفضت بالقانون 11 لسنة 2013 لتكون فيما تجاوز مائتان وخمسون ألف جنية لتصيب القدر الأكبر من الدخول وأهملت الجانب الاجتماعي ، وتم فرض ضريبة أضافية أخرى قدرها 5% على ما يتجاوز مليون جنية بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 2014 ،فضلا عن تقرير سعر ضريبة على توزيعات الأرباح 10% والإرباح الرأسمالية في الأوراق المالية في البورصة قدرها 10% ، وبهذا التعديل ارتفعت أسعار الضريبة من 20% إلي أكثر من الضعف تقريباً.
– التوسع في إخضاع أوعية للضريبة كانت معفاة أو غير خاضعة للضريبة وفقاً لإحكام القانون 91 لسنة 2005 ثم عدل المشرع عن ذلك بإخضاعها للضريبة مثال على ذلك الأخذ بعالمية الإيراد على دخل الأشخاص الطبيعيين عن دخولهم المحققة في الخارج إذا المركز الرئيسي لمزاولة النشاط التجاري والصناعي والمهني في ،مصر، فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية الناتجة عن التعامل في الأوراق المالية المقيدة في البورصة المصرية ،فرض ضريبة على توزيعات أرباح الأشخاص الاعتبارية ، وذلك بالقانون رقم 53 لسنة 2014 ،التعديل الذي طرأ على المادة 42 بالقرار بقانون رقم 101 لسنة 2012 والقانون رقم 11 لسنة 2013 بخضوع كافة التصرفات العقارية المشهرة وغير المشهرة للضريبة سواء كانت داخل كردون المدينة أو خارجها وتقرير مقابل تأخير على ما لم يسدد من هذه المبالغ ، التعديل الذي طرأ على المادة 36 بالقانون 11 لسنة 2013 والذي جعل حد الإعفاء المقرر لممولي المهن الحرة المبتدئين فيما يتجاوز صافي خمسين ألف جنية بعد أن كان الإعفاء مطلق، إخضاع المنشآت التعليمية للضريبة وإخضاع عائد أذون الخزانة والسندات التي تصدرها الدولة للضريبة بالقانون رقم 114 لسنة 2008 بعد أن كانت معفاة وفقاً لأحكام القانون 91 لسنة 2005 .
هذه التعديلات تظهر بوضوح أن المشرع أهتم بالجانب المالي على حساب الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية ،
ورغم اهتمام المشرع الواضح بالجانب المالي لتمويل عجز الموازنة ،فقد شملت هذه التعديلات بعض الجوانب الاجتماعية خاصة في ضريبة المرتبات مراعاة منة أن أصحاب المرتبات هم الطرف الضعيف ويستحق الاهتمام و كذلك التعديل الذي طرأ على الشريحة المعفاة:
– التعديل الذي طرأ على الإعفاء الشخصي بالقانون رقم 11 لسنة 2013 ليصبح مبلغ 7000 ألاف جنية بدلاً من 4000 ألاف جنية اعتبارا من 1/9/2013 .
– التعديل الذي طرأ على الإعفاء المقرر لاشتراكات العاملين في صناديق التأمين الخاصة وإقساط التأمين على الحياة بالقرار بقانون رقم 53 لسنة 2014 ليصبح 15% من صافي الإيراد أو عشرة آلاف أيهما أقل وقد كان قبل التعديل 15% أو 3000 جنية أيهما أكبر .
– التعديل الذي طرأ على الشريحة المعفاة بالقرار بقانون رقم 96 لسنة 2015 لتصبح مبلغ 6500 جنية بدلاً من مبلغ 5000 آلاف جنية.عن السنة كاملة دون تنسيب ،وأن كنت أري أن هذه الزيادة بعد مرور عشر سنوات غير كافية ولا تتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم.
هذه هي أهم ملامح التعديلات التي وردت على القانون 91 لسنة 2005 والتي يظهر منها بوضوح غياب السياسة الضريبية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والتركيز على الهدف المالي للضريبة وهو تمويل الخزانة العامة للدولة في ظل بلد تمثل الضريبة لها 70% من إيرادات الموازنة العامة للدولة ، ومما ساعد على ترسيخ هذا التوجه هو عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد بعد ثورة 25 يناير والمتمثل في انخفاض الاستثمارات الأجنبية ، والتدهور الذي أصاب قطاع السياحة ، وكثرة المطالب الفئوية والاجتماعية وهذا ما يؤيد ما سبق ذكره في بداية هذا المقال بأن السياسة الضريبية تؤثر وتتأثر بالمناخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي السائد في الدولة .