كثيراً ما يخطئ بعض الكتاب في نصوصهم التي يكتبونها، فيستخدمون كلمات في غير مكانها الصحيح، إما جهلا بأصول اللغة صرفا ودلالة وتركيبا وما يتصل بضبط العلاقات التي تربط بين الكلمات، وإما استسهالا ومجاراة للخطأ دون بذل جهد
في تحري الصواب. وقد استشرت تلك الأخطاء في الكتابة بوجه عام، وفي الصحافة بوجه خاص، إذ لم يعد المصححون يعنون إلا بتصحيح الخطأ الإملائي أو النحوي، أما الأخطاء الكثيرة التي تقع في التركيب والدلالة وحروف الجر وغيرها من الأدوات فلا تكاد تلقى اهتماماً يذكر.
وسأذكر بعضا من هذه الأخطاء في هذين المستويين، وأعني الدلالي والتركيبي، مستشهدة على الصحة اللغوية بآي من القرآن الكريم ما أمكن ذلك:
– النسبة إلى اللغة تكون بضم اللام «لُغوي» أما فتحها فيؤدي إلى خطأ في الدلالة فتبدو الكلمة وكأنها منسوبة إلى اللغو؛ كقولهم: «الدراسات اللَّغوية» بفتح اللام؛ وهو حسب لسان العرب: السقط وما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يُحصل منه على فائدة ولا نفع (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) القصص 55.
– من الأخطاء الشائعة في العربية الحديثة، الخطأ في استخدام الفعل اعتبر إذ يقال: اعتبرت فلاناً صديقاً، واللغة العربية لا تستخدم اعتبر بهذا المعنى لأنه يعني اتخاذ الأمر عبرة؛ (إنّ في ذلك لعبرةً لمن يخشى) النازعات 26، والصواب أن يقال: عددت فلاناً صديقاً؛ (وقالوا ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار) ص 62، ولم يقل كنا نعتبرهم.
– يقولون: حدث ذلك منذ فترة، ويقصدون: منذ وقتٍ قصير، أو مُدّة قصيرة؛ لكن دلالة «فترة» عكس ذلك؛ إذ تعني وقتاً طويلاً من الزمن قد يبلغ قروناً (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترةٍ من الرسل) المائدة 16، قال بعض المفسِّرين: إن هذه الفترة أي مدة الانقطاع بين رسول وآخر بلغت نحو ستة قرون.
ومثل ذلك قولهم أقمت عنده برهة، ويقصدون فترة قصيرة، وفي لسان العرب: «البرهة – بضم الباء وفتحها – الحين الطويل من الدهر…» والصواب أن يقولوا للمدة القصيرة من الزمن: هنيهة.
– يقولون: الآنفُ الذكر، والصواب أن يقال: المذكورُ آنِفاً، أي: المتقدم ذكرهُ، أو السالف الذكر؛ لأنّ (آنِفاً) ظرف زمان ٍوليس اسماً مشتقاً من الفعل الثلاثي «أنِفَ» على صيغة اسم الفاعل و»أنِفَ منه: استنكفَ وتنزّه…».
– يقولون: حضر فلان الحفل إسهامًا منه في تشجيع المواهب، والصواب: مساهمة منه في تشجيع المواهب؛ لأن إسهاماً مصدر الفعل أسهم، ويعني: أسهم الرجلان إذا اقترعا، والإسهام الاقتراع، أما المساهمة فمصدر للفعل ساهم الذي يعني المشاركة، فالمساهمة المشاركة. ومن هنا نلحظ أن أيّ زيادة في المبنى تؤدي إلى تغيير المعنى
– ومن الأخطاء قولهم: لم أزره أبداً؛ لأن (أبداً) ظرف زمان يدل على الاستقبال والاستمرار، ولا يأتي في سياق الماضي، والصواب: لن أزوره أبداً، بدليل قول الله تعالى: (فقلْ لن تخرجوا معي أبداً) التوبة 83، أو: ما زرته قطُ، لأن «قطُ» ظرف للماضي على سبيل الاستغراق، أي يستغرق ما مضى من الزمن، ويؤتى به بعد النفي للدلالة على نفي جميع أجزاء الماضي. وفي الحديث: «ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم فطر قط ُحتى يأكل َ تمرات».
– يقولون: نفذ الشيء يريدون انتهى، «ونفَذ السهم أي: مرّ، ومثله: نفَذ الماء من الصنبور. والصواب: نفد؛ وتدل على الشيء إذا انتهى وفنى، قال تعالى: (لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر) الكهف 109، وقوله: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) النحل 96.
– يقولون: هذا الأمر بمثابة كذا، والصواب: هذا الأمر بمنزلة كذا؛ لأن المثابة تعني الملجأ، قال تعالى: (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً) البقرة 125
– يقولون: نواياه حسنة، ومنه سفير النوايا الحسنة، والصواب: النيات؛ لأنها جمع نية،
وفي الحديث: «إنما الأعمال بالنيات» ولم يقل بالنوايا.
– يقولون: كافة الصحف، والصواب: الصحف كافة؛ لأن «كافة» تعني: جميع، أو كل، ولا تقبل (كافة) الإضافة إلى ما بعدها، أي: لا تقبل الوقوع في ضمن الجُملة، وهي هنا منصوبة على الحالية دائماً.
– يقولون: أسفتُ له، وأسفتُ للأمر، والصواب: أسفتُ عليه أو على الأمر، وأسف على الأمر: ندم عليه؛ والندم يستصحب دائماً حرف الجر (على) لا (اللام)، ودليل هذا قوله تعالى: (وتولى عنهم وقال يا أسفي على يوسف) يوسف 84
– يقولون: حرمه من الإرث، فيعدُّون الفعل (حرم) إلى المفعول الثاني بحرف الجر (من).
والصواب: حرمه الإرث بنصب مفعولين، لأن الفعل (حرم) يتعدى إلى مفعولين تعدياً مباشراً.
– يقال ضحك الجميع عليه، والصواب ضحك الجميع منه، ودليل ذلك ما جاء في القرآن: (فتبسم ضاحكا من قولها) النمل 19، وقوله: (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) المطففين 34. بتقديم الجار والمجرور على الفعل أي يضحكون من الكفار.
– يقولون: أصغى الحضور للخطاب، والصواب أصغى الحضور إلى الخطاب؛ لأن أصغى إليه: مال بسمعه نحوه. والآية 113 من سورة الأنعام تقول: (ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة) أي ولتميل.
– يقولون: ينبغي عليه أن يفعل كذا، والصواب ينبغي له؛ قال تعالى: (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر) يس 40، وقوله: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له) يس 69.
– يقولون: اعتذر منه، والصواب: اعتذر إليه، قال تعالى: (قالوا معذرة إلى ربكم). الأعراف 146.
– يقال: أعتذر عن عدم حضوري الحفل، إذ تستخدم كلمة (عدم) بكثرة بسبب الجهل بالكلمة المضادة المعبرة عن المراد، ومثله: أعتذر عن عدم معرفتي بالخبر، والصواب: أعتذر عن غيابي عن الحفل، وأعتذر عن جهلي بالخبر.
– يقولون: لا يخفى عن العاقل، والصواب: لا يخفى على العاقل؛ لأن الفعل (يخفى يتعدى بحرف الجر (على)، وهذا ما ورد في القرآن الكريم: (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء)
– يقولون: لا زالت السماءُ تمطرُ، والصواب: ما زالت السماءُ تمطرُ؛ لأن ما زال من أفعال الاستمرار الماضية التي تُنفى ب (ما)، ودليله قوله تعالى: (فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) الأنبياء 15، أما (لا) فينفى بها فعل الاستمرار إذا كان مضارعاً، كقوله تعالى: (ولا تزالُ تطلعُ على خائنةٍ منهم) المائدة 13.
– يخطئ كثيرون في التفريق بين الاسم والمسمى، إذ يستخدمون المسمى وهم يريدون الاسم، ومثل ذلك ما ورد في الصحف: اعتماد مسمى «جدة التاريخية» بديلاً عن «جدة القديمة»! والصواب هو اعتماد اسم «جدة التاريخية» فهو الاسم، أما المسمى فهو الموقع الذي سيطلق عليه الاسم، وقديماً قيل: لكل مسمى من اسمه نصيب، فكل من يحمل اسماً أكان إنساناً أم جماداً هو في واقع الأمر مسمى، ولهذا جاء في القرآن الكريم: (وعلم آدم الأسماء كلها) البقرة ٣١، ولم يقل المسميات لأنها هي التي تحمل الأسماء، ومثله قوله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها) النجم ٢٣، ولم يقل مسميات. وقوله: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) الأعراف ١٨٠. وأصبح هذا الخطأ شائعا بصورة كبيرة مستفزة؛ في الأحاديث والكتابات وعناوين الصحف البارزة.
– وأخيرا من أكثر الكلمات المستخدمة استخداما خاطئا كلمة (تمّ) ليس في الصحافة فقط، بل هو استخدام شائع في الكتب والمحاضرات والأحاديث والإعلانات، مثل: تم افتتاح المؤتمر، وتمت ترقية فلان، وتم بيع السيارة، وهكذا، وقد ورد الفعل (تمّ) في القرآن الكريم بصيغه المختلفة للدلالة على الإتمام وإكمال ما نقص؛ كما في الآيات: (فتمّ ميقات ربه أربعين ليلة) الأعراف 142، و(وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً) الأنعام 115، و(لمن أراد أن يتمّ الرضاعة) البقرة 233، و(ويتمّ نعمته عليك) يوسف 6، و(يقولون ربنا أتممْ لنا نورنا) التحريم 8، و(ثم أتموا الصيام إلى الليل) البقرة 178، و(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتَ عليكم نعمتي) المائدة 3. ونلحظ أنّ الاستخدام الحديث ليس فيه ما يدل على إكمال شيء ناقص، بل هو مجرد فرار من صيغة الفعل المبني للمجهول، فبدلا من قولهم: أُفتتح المؤتمر، يقولون تمّ افتتاح المؤتمر، وبدلا من رُقي فلان يقولون تمت ترقية فلان… وصاروا يعبرون عن المعنى بثلاث كلمات: تم افتتاح المؤتمر، بدلا من التعبير بكلمتين: أفتتح المؤتمر، وهذا أسلوب ركيك؛ فكثيرا ما رأينا جمال التعبير في القرآن عن الأحداث المختلفة بصيغ المبني للمجهول، كما في قوله تعالى: (إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سُيرت، وإذا العشار عُطلت، وإذا الوحوش حُشرت، وإذا البحار سُجرت، وإذا النفوس زُوجت، وإذا الموؤدة سُئلت، بأي ذنب ٌقتلت…).