أخطاؤنا.. بذور نجاحنا
الأخطاء هي البوصلة التي ترشدنا إلى الحكمة والنجاح، وهي التي تصنع الناجحين، يجب أن نتعايش ونتأقلم مع أخطائنا لنمضي إلى الأمام، ولا نجعلها ذريعة للإحباط والاستسلام
أفلس الأميركي هنري فورد ثلاث مرات قبل أن يستطيع الوقوف على قدميه ليكوّن ثروة تقدر بنحو 188 بليون دولار أميركي، كأحد أغنى الأثرياء في العالم على مر التاريخ. الإفلاس الحقيقي ليس في المال ولكن في الأمل، هذا الأمل هو الذي يحول الأخطاء إلى جسور تنقلنا إلى غد أجمل. النجاح الهائل الذي حققه فورد وجعل من اسمه علامة تجارية يقبل الملايين عليها في مشارق الأرض ومغاربها كان نتيجة لأخطاء ارتكبها واستفاد منها. الخطأ يؤلم، والألم هو الذي يهزنا ويحركنا ويجردنا من التردد والخوف ويمنحنا الشجاعة ومن ثم النجاح. إن من لم يتذوق طعم الخطأ في حياته لن يتذوق طعم النجاح. مشكلتنا أننا نعتقد أن الخطأ هو نهاية العالم، لكن في الحقيقة هو البداية بل بداية البداية. فلا يجب أن يخدرنا هذا الخطأ ويثبط من عزائمنا، وإنما يجب أن يبعث في داخلنا الإصرار على مواصلة العمل. الخطأ هو التوأم السيامي للعمل، إنهما كيانان لا ينفصلان، فمن يعمل يجب أن يخطئ ويتعثر. العداء الذي يتعثر خلال السباق يصبح أكثر إرادة وعزيمة على الفوز، ستنبت له أجنحة معنوية تضاعف من سرعته وانطلاقه. الأخطاء مدعاة للمراجعة والتقييم والتفكير، إذا اجتمعت هذه العناصر معا تحققت الجودة التي نتطلع إليها أجمعين. إن الأخطاء المبكرة التي ارتبطت بصناعة الطائرات وأدت إلى تحطم الكثير منها هي التي أهدتنا هذه الطائرات البديعة المتقدمة التي تحلق بنا في عنان السماء بخيلاء وثقة اليوم.
الأخطاء منحت البشرية اكتشافات أنارت وأسعدت العالم. فالعالم البلجيكي كورناي جان فرنسوا هايمانس، الحاصل على نوبل للطب عام 1938، يعتقد أن أخطاءه هي التي جعلته مميزا، فقد أدمن التجارب والمحاولات واعتاد على الخطأ حتى حقق فتوحات علمية في آلية تقدير ضغط الدم وتركيز الأوكسجين. وبعد فوزه بنوبل كتب لأبنائه الأربعة: “لم أكن أفضل من زملائي أبداً، لكن كنت أكثرهم تقبلا للأخطاء واستعدادا للنهوض من جديد”. اعتيادنا على الأخطاء يجعلنا أكثر تقبلا لها وأقل حساسية منها، فمتى ما اقتلعنا هذه الحساسية من جوارحنا سننعم بحياة زاخرة بالانتصارات والبهجة. نشأنا في مجتمعات تضخم الأخطاء وترهبنا منها، فخسرنا حتى شرف المحاولة في سبيل الانتصار. إن الأشخاض الذين وقعوا في الأخطاء هم الذين استطاعوا أن يظفروا بالنجاح.. المقاتل الذي لا يصاب بجروح لا ينتصر، من يمتلئ بالجروح والإصابات يصبح أكثر قدرة على التحمل والمواصلة من غيره، الجروح كالأخطاء تمنحنا مناعة من التوقف والفشل. لا نولد علماء ومفكرين. الأخطاء هي بوصلتنا التي ترشدنا وتوجهنا إلى الحكمة والنجاح والنهايات السعيدة.
العالم الياباني كينيتشي فوكوي الحاصل على نوبل في الكيمياء عام 1981 يشير إلى أن الأخطاء البحثية العديدة التي ارتكبها جعلته يغير مسار أبحاثه حتى وصل إلى نتائج مبهرة جعلته ينال أعلى الجوائز العالمية. الأخطاء كالإشارات في الطريق توجهك إلى الطريق السديد. لا يمكن أن تصل إلى أي مكان دون أن تنعطف أو تغير اتجاهك، المدن التي تخلو وتقل فيها هذه الإشارات تزدهر فيها الفوضى.
لا يجب أن نصدق أي ناجح لا يعترف بوجود أخطاء في حياته. هذه الهفوات هي التي تصنع الناجحين، فالأخطاء جزء من حياتنا، يجب أن نتعايش ونتأقلم معها لنمضي إلى الأمام، ولا نجعلها ذريعة للإحباط والاستسلام. تأملوا في الكثير من الأشياء الجميلة والشهية حولنا ستجدون أنها ثمرة للكثير من الأخطاء والمحاولات. في حبة الفراولة توجد نحو 200 بذرة سوداء. هذه الحبات لم تزدها إلا لذة وجاذبية. الأخطاء الصغيرة في حياتنا كتلك الحبات تمنحنا ثقة وتألقاً.