أهمية الوقت في الإدارة الشاملة..
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبينًا عظيم أهمية الوقت، وعظم مسؤولية كل إنسان عن وقته، وخطورة إضاعة العمر لما لا ينفع: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وعن جسمه فيم أبلاه» رواه الترمذي والدارمي.
إن الوقت من أعظم الثروات التي يملكها الإنسان، وللأسف فإنه أكثر شيء يبذله ويهدره ولا يبالي، وإن الوقت ليس أغلى من الذهب كما يقال فحسب، بل إن الوقت لا يقدر بثمن، لأن كل شيء يمكن استعاضته واستدراكه إلا الوقت فإنه إذا مضى لا يعود. إن الدقائق ثمينة ومجموعها هو عمر الإنسان وحياته، وأي شيء أغلى من الحياة؟ وإن كل دقيقة تمضي من عمره إنما تنقص الوقت المتاح أمامه وتضيّقه، وإن عدم استغلال الوقت واستثماره بالشكل الصحيح قد يفوت على الإنسان فرصًا عظيمة، وإنه في دقائق معدودة قد يفعل الإنسان الشيء بل الأشياء الكثيرة المفيدة النافعة التي تعود عليه بالمنافع المادية والمعنوية الكثيرة في عاجل أمره وآجله. كما أن تأخير ما يجب البت به أو إنهاؤه عن الوقت المناسب وربما العاجل قد يسبب فقدًا لأمور مهمة، أو تأخيرًا وتعطيلًا لعجلة النجاح وأعمال الآخرين، أو خسائر كبيرة في بعض الأحيان، وكل ذلك كان بلإمكان تداركه وتلافيه لو كان هناك استغلال حقيقي للوقت وأنجزت الأعمال في وقتها دون تأخير، واتخذ القرار المناسب في وقته.
القياديون والوقت
القياديون (والأشخاص الفاعلون الناجحون) مثابرون وأصحاب همم عالية وطموحات نبيلة مستمرة، وقد أخذوا على أنفسهم عهدًا دائمًا بتحقيق النجاح والظفر والنمو لكل منظمة يتولونها ويؤتمنون عليها وفي كل مسؤولية يباشرونها. ولذلك فإنهم يقيسون نجاحاتهم وتطويرهم وعلاجهم للمنظمات وللأعمال والعاملين ويلمسونها بالأيام والأسابيع وليس بالشهور والسنين، إنهم يرون في كل يوم أثر جهودهم وأعمالهم ويلمسون في كل أسبوع جديد نجاحًا وتطورًا جديدًا؛ لأنهم يستغلون أوقاتهم فيها أحسن استغلال. إنهم يحسنون التوجيه وصنع القرارات تلو القرارات لا يترددون بها، للقادة والمنفذين الأكفاء الأمناء أولًا، ثم بالاستغلال السليم لوقتهم، والتوزيع الصحيح للمهام والمسؤوليات والصلاحيات، مع إشراكهم في النجاح باستمرار، ليساهم الجميع في تسريع عمليتي النجاح والتقدم الشامل للمنظمة، وفي تذليل جميع العقبات التي تعترض ذلك، كما أنهم يحسنون الاستفادة من كافة الإمكانات والموارد المادية والمعنوية المتوفرة ويستخدمونها أحسن استخدام، ليعظموا المنافع ويقللوا الخسائر والفاقد من الوقت والجهد والمال والموارد المختلفة، وهم كذلك مبادرون في العلاج الجذري للمشاكل والعقبات وفي التطوير المستمر، إنهم يمارسون الإدارة القيادية الشاملة ليحققوا النجاح والاستقرار والنمو الشامل. إنهم أصحاب أمل وسعي مستمر ومثابرة مستمرة نحو إمكانية تحقيق الأفضل، والحصول على نتائج أكبر، وإمكانية تحقيق المزيد من النجاحات، وإن القادة العظماء لا يصيرون كذلك حتى يقضوا وقتهم بمعالي الأمور ويبذلوا نفيس الوقت من حياتهم فيها.
حفظ الوقت من خلال التفويض والتخطيط السليم
لقد تم الحديث عن فوائد التفويض وأولويات المدير القيادي بشكل مفصل في فصل «منح الثقة وتفويض الصلاحية»، وتلك الأولويات هي التي تأخذ جل اهتمام المدير القيادي، أما الأمور الاعتيادية المتكررة فإنه يكتفي بوضع الضوابط والسياسات والإجراءات العامة لها ثم يفوضها لمرؤوسيه. إن التفويض المنظم والمنضبط إحدى الوسائل المفيدة والمهمة التي تحفظ وقت المدير القيادي وتخفف من أعباء العمل وضغوطه عليه، وتركز جهوده للعمل الاستراتيجي والكبير والأهم في تطوير المنظمة وتنميتها ماليًا ومعنويًا وبشريًا وإنشائيًا، وفي تنمية أصولها الثابتة، وفي علاج وتذليل الصعوبات التي تعترض تحقيق ذلك.
أما التخطيط فيعتبر أساسيًا وغاية في الأهمية في الاستفادة القصوى من الأوقات الحاضرة والمستقبلية، وفي تحديد الوجهة وعدم إضاعة الوقت في بنيات الطريق وفي الارتجال والعشوائية، التي تستنزف الأوقات والجهود، وقد تؤدي إلى نتائج كثيرًا ما تكون باهظة التكاليف على المنظور الاستراتيجي، وسبق التفصيل في ذلك في فصل «التخطيط السليم». إن التخطيط السليم ليس للأشهر والسنوات القادمة فحسب، بل هو لكل أسبوع وربما لكل يوم في بعض الأعمال حيث يتم قضاء جزء من الوقت في الصباح الباكر في جدولة أو مراجعة الزيارات والأعمال المراد إنجازها والقيام بها. إنه وسيلة أكيدة المفعول في حفظ الوقت على المستوى الاستراتيجي والسنوي والشهري والأسبوعي واليومي، وأساسي في تركيز وتنظيم الجهود والأعمال وتوجيهها نحو تحقيق النجاح والنمو للمنظمة وللمديرين وللأفراد.
أهمية الرؤيا والأهداف الواضحة في حفظ الوقت
يقول سامي سلمان: إن من معوقات الاستفادة من الوقت الضائع هو عدم وجود أهداف. وإن الهدف لكي يكون ممكن التحقيق، ينبغي أن يكون محددًا من حيث الحجم والوقت، وأن يكون ذا نتيجة محسوبة قابلة للتحقيق بشكل معقول. إن عدم وجود الأهداف يجعلك ترتبط بمختلف أشكال النشاطات التي لا تساعدك فعلًا في تحقيق أهدافك الحقيقية، ولذلك فهي تسهم في تبديد وقتك وإضاعته.
إن وجود رؤيا وأهداف واضحة ودقيقة وأنشطة محددة مسألة أساسية وجوهرية في حفظ الأوقات واستغلالها في الأشياء الصحيحة والاتجاهات الصحيحة، وفي تعظيم الاستفادة القصوى من الوقت وحسن استغلاله، وفي تركيز جهود المنظمة وأعمالها وجهود العاملين فيها وأعمالهم وأوقاتهم باتجاه تحقيق تلك الرؤيا والأهداف والتميز في تلك الأنشطة والأعمال، وفي تجنب إضاعة الوقت في أي قرارات وأعمال وأنشطة تنحرف عن هذه الرؤيا والأهداف والأنشطة وتؤدي إلى استنزاف الأوقات والأعمار والجهود، وقد تؤدي إلى التيه والضياع وإلى التخبط والنهايات غير الجيدة، وهذا ليس في حق المنظمات والمديرين فحسب، بل إنه ينطبق تمامًا على حياة كل شخص.
كما أن حسن استغلال الوقت واختصار الضائع أو المفقود منه أو الذي لا ضرورة له، يجب أن يكون مغروسًا ومضمنًا في السياسات والإجراءات والنماذج والأنظمة الآلية، وفي توزيع المهام والصلاحيات وفي تصميم الهيكل التنظيمي والأوصاف الوظيفية وغيرها، بحيث يكون هاجس الزمن واحترام الوقت والحرص على اختصاره واستغلاله حاضرًا دائمًا عند إعدادها وتصميمها وعند مراجعتها وتحديثها، ناهيك عما ينتج عن ذلك من زيادة فاعلية وكفاءة الأداء، وتعظيم الإنجاز، وتقليل التكاليف، والمساهمة في الزيادة الكلية للإنتاج، وحفظ الموارد المختلفة بما فيها الأوراق والمراسلات.
المدير القيادي نشيط ولا يؤخر عمل اليوم إلى الغد
من العادات والصفات المهمة للمدير القيادي أنه لا يؤخر النظر أو البت في الأمور والمواضيع والمعاملات والمشاكل إلى وقت آخر، سواء الاعتيادية المتكررة أو الاستراتيجية وسواءً منها المالية أو الإدارية أو الفنية أو البشرية أو غيرها، مادام أنه يراجع أعماله بشكل يومي، وينظر فيما أنجز وما لم ينجز مما هو قائم به بنفسه، أو مما هو موكله لأحد المسؤولين أو الموظفين في المنظمة، وأنه يحاول النظر في جميع الرسائل الواردة له في هذا اليوم إلى الغد، ولا يؤجل القرارات والأعمال والعلاجات الممكن اتخاذها وإنجازها اليوم إلى غد؛ لأنه نشيط وأمين، وهو يزرع هذا النهج ويغرسه في مرؤوسيه ومن يعملون معه وفي سكرتاريته ومساعديه ويربيهم عليه.
(يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه آمرًا جميع المسؤولين في الحكومة الإسلامية: «إن القوة على العمل ألا تؤخروا عمل اليوم إلى الغد، فإنكم إن فعلتم ذلك تداكت عليكم الأعمال، فلا تدرون بأيها تبدؤون، وأيها تأخذون) د. أحمد المزجاجي(2).
والمدير القيادي لا يسوف النظر في الوارد إليه من المراسلات والمعاملات والأعمال والمشاكل، ولا يستعمل التأخير والتأجيل إلى غد؛ لئلا يتراكم عليه الوارد إليه فيكون أكثر من الصادر عنه والمنتهي من عنده، فيقع في مأزق ويجد نفسه مع الوقت وقد ارتبكت أموره وتبعثرت أفكاره وكثرت أوراقه وتعطل عمل الآخرين المرتبط بنظره في تلك المراسلات والمعاملات والأعمال والمشاكل وتوجيهه أو تقريره عليها، ولذلك فهو ينجز وينهي كل ماورد إليه اليوم – ويبت فيه – في هذا اليوم قدر المستطاع، ويجعل لكل يوم إنجازه، وما يحتاج إلى مزيد نظر وتفكير فيضعه في جدول أو ملف المعلقات (PendingIssues) أو ملف الدراسة، أويعيده – إن كان مكتوبًا – إلى صندوق الوارد لينظر فيه غدًا.
تعلم سرعة القراءة بالممارسة
ومما قد يساعد المدير في إنجاز المعاملات والتقارير والشرح عليها بسرعة، هو سرعة القراءة، التي يتعلمها بالممارسة أو بحضور دورات مناسبة فيها، وبخاصة قراءة التقارير الطويلة والخطابات المفصلة والشكاوي المعقدة، بحيث يتجه عند قراءتها تجاه المحتوى والخلاصة والمقصود من ذلك التقرير أو ذلك الخطاب، مثلًا بقراءة أوله وأوسطه وآخره بسرعة مركزة تمكنه من استيعاب الموضوع والمحتوى، مما يسهل عليه بعد ذلك توجيهه للجهة المناسة أو الشرح والتوجيه عليه بما يناسبه.
لا تفوت «الساعة الهادئة»..
ينصح كل مدير بتخصيص ساعة هادئة أو ساعتين كل يوم، أو على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع، وأفضل وقت لها أن يأتي قبل ساعات العمل الرسمية بنصف أو ربع ساعة ويأخذ معها الساعة الأولى من العمل حيث الهدوء وقلة الاتصالات والمقاطعات وعليه في هذه الساعة أن يغلق على نفسه تمامًا ولا يستقبل أية مكالمة، ولا يقابل أي أحد إلا للضرورة القصوى. وفي هذه الساعة إلى الساعتين سوف يتمكن من قراءة ومراجعة أو إعداد أو التعليق على عدد أكبر من التقارير والدراسات والخطط والمعلومات والأنظمة والسياسات والإجراءات واللوائح، والاطلاع على أكبر قدر ممكن من المراسلات والمعاملات ثم التوقيع عليها أو إحالتها وتوجيهها أو الشرح عليها، وذلك بما يوازي عمل يوم كامل أو أكثر، وبحيث أنه لو لم يستخدم هذه الطريقة لتأخرت عنده أيامًا وسببت له قلقًا وضغطًا وتسببت في تعطل وتراكم الأعمال.
وهذا روي أليكساندر يتحدث عن هذه الساعة المهمة بقوله: الساعة الهادئة هي إحدى أفضل تقنيات الإدارة التي تم ابتكارها حتى الآن. ساعة واحدة في اليوم بدون مكالمات هاتفية أو زوار أو لغو أو صياح، فقط الهدوء، والعمل بدون مقاطعة، يقوم مساعدك – في هذه الساعة – بالرد على المكالمات واستقبال الزوار وتلقي الرسائل للرد عليها لاحقًا، وتكون أنت في عالم آخر. قد تكون هناك استثناءات ولكن في أضيق الحدود الممكنة. مالفائدة؟ سوف تنجز في ساعة هادئة واحدة مايستغرق إنجازه في المعتاد ثلاث ساعات. وما أفضل وقت للساعة الهادئة؟ أول ساعات الصباح قبل أن تبدأ معدلات المكالمات والاجتماعات في التسارع.
تذكر.. بدون التركيز لا يمكن الإنجاز
عندما يكون هناك كتابة لاستراتيجية أو خطة عامة أو مقترح عام، أو إعداد للائحة أو لسياسات وإجراءات، أو تصميم لنموذج، أو تنظيم لأعمال إدارة معينة، أو مراجعة لبرنامج آلي، أو تقرير تفصيلي كبير، أو إعداد لرد على مسألة شائكة، أو نظر في دراسة مقترحة، أو معالجة لحادثة أو مشكلة طارئة، ونحو ذلك؛ فإنه بدون التركيز على هذه الأمور الكبيرة وتخصيص وقت لها فإنها لا يمكن إنجازها ضمن المعاملات والمهام والأعمال والمشاغل اليومية. وأفضل وسيلة ينصح بها المدير لإنهاء هذه الأمور وإنجازها بالشكل المرضي والمريح هو استقطاع ساعتين أو ثلاث ساعات مغلقة، مرة في الأسبوع أو في الأسبوعين بحسب الحاجة (قد تتداخل مع الساعة الهادئة)
وتخصيص هذه الساعات للنظر في هذه الأمور وإنجازها، ويجب أن تقطع في هذه الساعات كافة الاتصالات المباشرة وغير المباشرة، وسيجد المدير أنه قد أنجز وأتم في ساعتين مالم يكن بالإمكان إنجازه وإتمامه خلال أيام العمل المزدحم بالكثير من الأعمال والمشاغل الأخرى، وهذا ينطبق على كل المواضيع التي ذكرت أمثلة لها أعلاه، وعلى كل موضوع كبير وطويل أو معقد أو استراتيجي يحتاج إلى تركيز وشحذ ذهني أو تمحيص دقيق، وعلى كل موضوع طويل بذاته كثير بأوراقه وأرقامه بحيث يستلزم وقتًا مركزًا لنقده ومراجعته.
ومما له صلة بموضوع التركيز فإنه يحصل أن يريد المدير إنجاز أو متابعة أمر هام أو طارئ أو الحصول على معلومة مهمة بشكل عاجل جدًا أو إعداد خطاب عاجل، ويريد هذه المعلومة أو إنجاز ومتابعة هذا الأمر أو إعداد الخطاب الآن، وفي مثل هذه الحالة فإنه ينصح بتكليف موظف معين – يفضل أن يكون المختص، أو مدير المكتب أو السكرتير أو أي موظف آخر يرى المدير أنه مناسب لهذه المهمة المفاجئة – ويخبر هذا الموظف أن يدع كل شيء في يده الآن جانبًا حتى يفرغ من إنجاز هذا الأمر، أو إحضار تلك المعلومة، أو إعداد وإرسال الخطاب، ثم يعود بعد ذلك لعمله المعتاد. وهذا أسلوب قيادي مفيد جدًا عندما يستخدم بشكل صحيح، بحيث يكون نادرًا واستثنائيًا، ويكون غير قيادي عندما يكون ديدنًا وعادة يومية مستمرة للمدير غير القيادي الذي كل شيء عنده عاجل جدًا ومهم جدًا ويجب إنجازه الآن وترك كل شيء جانبًا، وهكذا هو في كل موضوع ومعلومة وشأن ومعاملة، الأمر الذي قد يؤدي إلى توتر العاملين وإلى إرباكهم وتعطل أعمالهم الجوهرية الأخرى وفقدهم للتركيز والعمل المنظم، وقد يؤدي إلى كرههم للعمل وللمدير.
ماهي الآلية لمتابعة الإحالات والطلبات؟
سبق الإشارة إلى هذه الآلية في فصل «الاتصال الفاعل» وأهميتها وفائدتها المجربة لحفظ الأوقات والجهود، وهي التي يضعها المدير القيادي لمتابعة توجيهاته وتعليماته وإحالاته، وهذه الآلية تختص بضمان سرعة التعامل مع التوجيه أو القرار أو الإحالة و الرد على الخطابات. ومثل هذه الآلية تحفز المديرين والعاملين على سرعة إنجاز الأعمال واستغلال الأوقات، بالإضافة إلى أنها مهمة لضمان عدم تعطيل الإنجاز والتطوير والعلاج الذي يسير فيه المدير القيادي. ويتم تنفيذ هذه الآلية من خلال تخصيص أو تكليف موظف معين لمتابعة المراسلات والشروحات والطلبات المحالة لمختلف الجهات والمديرين والموظفين والأشخاص؛ للتأكد من إنجازهم لما أحيل إليهم في حينه، ولا تتوقف المتابعة إلا بعد الانتهاء تمامًا من التعامل مع الإحالة أو إنجاز الطلب أو إعداد الجواب والرد وإغلاق الموضوع، وقد تكون بعض الإحالات والمراسلات والمواضيع لإكمال أو عمل اللازم وفق النظام الشامل، فهذه لا حاجة فيها للمتابعة من قبل هذا الموظف ويمكن أن يتم تصميم نموذج أو جدول أو برنامج آلي مناسب خاص بعملية المتابعة هذه، وقد تكون هذه المهمة جزءًا من أعمال السكرتير أو مدير المكتب أو الاتصالات الإدارية كل حسب موقعه، بدلًا من تخصيص موظف مستقل لها، وعلى كل حال فإن ذلك يعتمد على حجم العمل وتوزيعه داخل مكتب المدير.
يقول جوزيف شراوب: إن ملف المتابعة واحد من أقيم مقترحات إدارة الوقت.
كيف تستعرض المعاملات؟
من الوسائل المفيدة لحفظ الوقت، التي تنم عن اتصال فاعل وراق، هي أنه عندما يريد المدير القيادي أن يعرض على رئيسه الأعلى منه المعاملات والمواضيع المهمة والمشاكل المعقدة والاستراتيجية أو التي تحتاج إلى تفاهم، في كل يوم أو كل أسبوع بحسب كثرتها وأهميتها وعجلتها وبحسب الترتيب الذي يتفق عليه مع رئيسه المباشر بهذا الخصوص، فإن أفضل وسيلة لحفظ الوقت هو أن يجمعها في ملف ولا يسلمها لرئيسه ولا يضعها في مكتب رئيسه، بل يحملها معه ويستعرضها واحدًا واحدًا مع رئيسه، ويتناقشان ويتفاهمان ثم يتفقان على أسلوب التعامل أو الرد. ويجب على هذا المدير قبل نقاشها وعرضها أن يقرأها ويستوعبها ويبحث خلفياتها وما يتصل بها من معلومات، وقد يناقشها أولًا مع أصحاب العلاقة ويعرف وجهات نظرهم حولها قبل عرضها على رئيسه، بحيث يحقق هذا اللقاء الهام البت النهائي في طريقة التعامل مع كل موضوع أو مشكلة أو معاملة والرد المناسب عليها أيضًا. وهذا أسلوب من الأساليب الراقية للاتصال بالمديرين والرؤساء، ولحفظ وقت الاثنين، وهو أسلوب يسرع الإنجازات وإنهاء المعاملات والبت في المواضيع والمشاكل، ويريح أعصاب المدير القيادي ورئيسه المباشر، ويوفر وقتهما، ويجنب قراءة المراسلات وكتابة المواضيع مرتين، ويحقق سرعة البت في أكثر الأمور بوجود الاثنين معًا، كما أن هذا الأسلوب أفضل من أسلوب وضعها في ملف العرض مع المعاملات والمراسلات الاعتيادية والنمطية والواضحة، وتركها لدى الرئيس المباشر الذي قد لا يطلع عليها إلا بعد يوم أو يومين بسبب انشغاله أو بسبب عدم تنظيمه واستغلاله لوقته بالشكل الصحيح.
ومما ينصح به أيضًا مما هو متعلق بموضوع المراسلات وعرض المعاملات والجواب عليها والتعامل معها، بشكل فاعل وسريع ومنتظم، هو أن يخصص المدير الأول لكل مدير إدارة أو قسم، نصف ساعة في اليوم، تكون ثابتة ومعلنة، وفيها تتم مناقشة جميع المواضيع التي تحتاج إلى قرار وتوجيه معين أو إلى نقاش والمتعلقة بقسم ذلك المدير، بما فيها مسائل ومواضيع التخطيط والتطوير وعلاج المشاكل والجواب على المراسلات وتوقيع الخطابات الهامة، وغيرها. وبافتراض أن هناك مديرين مرؤوسين بين أربعة وسبعة كحد أقصى، حسب ماورد في فصل «الهيكل التنظيمي»، فإنه يعني وضع مابين ساعتين إلى ثلاث ساعات ونصف كل يوم كحد أقصى للاجتماعات اليومية مع المديرين للأغراض المنوه بها آنفًا، وربما يومًا بعد يوم، وفي كل الأحوال تكون هذه الاجتماعات العملية بعد الساعة الهادئة. وهذا من أدوات الاتصال المهمة بين المديرين والمدير الأول، وكذلك من أدوات حفظ الوقت وتسريع الإنجازات، وهي مريحة ومفيدة جدًا للطرفين، ويمكن أن تكون ثلاث مرات إلى مرتين في الأسبوع بدلًا من أن تكون يومية، ولكن تكون أطول وقتًا، بحدود 40 دقيقة مثلًا.
كيف توزع جداول الأعمال على فريق العمل؟
عندما يكون هناك مشروع (Project) إنشائي أو تنظيمي أو دراسي أو بحثي أو آلي (أي صناعة أو تطوير برنامج شامل في الحاسب الآلي) أو استقصائي لموضوع معين أو لمشكلة معقدة أو لحادثة طارئة كبيرة، أو مجموعة مشاريع مع بعضها لمشروع رئيسي، أو مشروع عقاري، أو حتى بناء منزل شخصي، أو أي مشروع، وتتعدد فيه الأعمال والمهام وتكثر ولا يستطيع شخص واحد القيام بها؛ فإنه لابد من تكوين فريق عمل وله رئيس أو تكليف مدير للمشروع ومعه فريق. ومن الضروري قيام مدير المشروع أو رئيس الفريق بجدولة جميع مايراد إنجازه أو عمله أو توريده بالتفصيل، ثم توزيعه على شكل جداول مهام على أعضاء الفريق المتوفر معه، مع اشتراكه هو بمهام عديدة. ثم يقوم بتوزيع هذه الجدوال على أعضاء الفريق مع اسم الشخص في أعلى كل جدول، ويحتفظ هو بنسخة من جداولهم، ويتابع سير الإنجاز أولًا بأول مع كل واحد منهم على ضوء صورة الجدول الذي معه. كما يعمل جداول أعمال للأقسام أو المسؤولين الذين هم خارج الفريق ممن هم معنيون مثلًا بتوفير مبالغ مالية أو تقديم خدمات مساندة معينة في أي مرحلة من المراحل، مع الإشارة إليها في جدول العضو المعني المسؤول عن متابعة اسم وتنسيق هذه الأمور المرتبطة بإنجاز المهمة المعينة التي عنده. هذا، ويحتوي الجدول على اسم المهمة أو الواجب وتاريخ البدء بها والتاريخ المتوقع للانتهاء منها، ثم توقيع رئيس الفريق أو مدير المشروع على ذلك في آخر عمود أمام الواجب المنتهي أو المنجز. ويحسن أن تكون جداول الأعمال هذه قد تم وضعها على الحاسوب ليسهل تحديثها ومتابعتها بشكل أدق وأسرع من قبل رئيس الفريق أو مدير المشروع.
وهذا مفيد وفاعل جدًا ويسرع الإنجاز ويريح الأعصاب ويضبط ويركز الأمور، ويمنع تشتت بعض المهام والأعمال وضياع المسؤولية فيها، ويساهم مساهمة أكيدة في الاستفادة المثلى من الوقت المتاح وحسن تنظيمه، وفي تحقيق أداء وتنفيذ مختلف المهام والأعمال بشكل متزامن وليس متتابعًا، وبالتالي إنجاز المشروع أو المشاريع أو المهمات بشكل منظم ودقيق وسلس وسريع وبحسب ماخطط له. مع أهمية أن يقوم مدير المشروع أو رئيس الفريق بالمراجعة شبه اليومية للمهام المدونة في الجدول، وربما أضاف إليها شيئًا قد نسي أو استجد، وربما نقل المهمة من عضو أو مسؤول وأضافها إلى آخر وربما حذفها نهائيًا، وذلك بحسب متطلبات وتطورات العمل في المشروع.
كن جاهزًا لاغتنام الفرص
المؤمن كيس فطن ولا يضيع الفرص والإمكانيات المادية أو المعنوية المتنوعة التي قد تتاح له وللمنظمة في أي وقت، فيحسن استغلالها ويعظم الاستفادة منها لصالح مصالح وأهداف المنظمة العليا ووفقًا لقيمها الثابتة، وخاصة استثمار أوقات الفراغ وحالات النشاط والفرص المتاحة في السوق وأي ظروف مكانية أو زمانية أو معنوية مواتية لنفع منظمته ونفسه والعاملين معه ماديًا ومعنويًا. وما أعظم حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على اغتنام الوقت، وعلى تعظيم الاستفادة من مختلف الأوضاع والأحوال قبل حصول أضدادها، والتي ثلاث منها ذات علاقة أساسية بالوقت، حيث يقول: «اغتنم خمسًا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك».أخرجه الحاكم.
ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله». أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد، وقال صلى الله عليه وسلم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز» رواه مسلم.
قال الشاعر:
وعاجز الرأي مضياع لفرصته
حتى إذا فات أمر عاتب القدرا
خذ الملاحظات..
يرد إلى المدير أثناء العمل الكثير من الاتصالات والطلبات ويخطر بباله الكثير من الأشياء والأفكار التي يريد عملها أو التوجيه بها أو دارستها أو يرغب في متابعتها أو إجراء الاتصالات الشفهية أو الكتابية اللازمة بشأنها، يحدث ذلك وهو منهمك في أداء أعمال متنوعة لا يمكنه تركها والشروع في هذه الاتصالات والطلبات والأفكار، وفي نفس الوقت فإن ترك هذه الأمور في الذهن يسبب ضغطًا (Stress) وقلقًا. وأفضل مايرشد إليه المدير (وكل شخص) في هذا الصدد لحفظ الوقت وحفظ هذه الأمور وحسن متابعتها وأدائها كل في الوقت المناسب الذي يحدد ولإبعاد الضغط عنه، هو تصميم نموذج خاص به شخصيًا يتكون من (الموضوع أو الفكرة، التاريخ، ملاحظات، الجهة ذات العلاقة أو الشخص الذي يريد التحدث إليه، تم إنجازه، التاريخ) ويمكن أن يحتوي على غير ذلك، ويكون دائمًا على مكتبه أو في جيبه ويدون فيه أي أمر من الأمور السالفة الذكر وتكون علامة الإنجاز والانتهاء من هذا الأمر هو وضع علامة (صح) في عمود (تم إنجازه) وتاريخ ذلك، ويمكن أن يستخدم لهذا الغرض الحاسب الآلي أو الأجهزة الإلكترونية المتقدمة الخاصة بالمفكرات والمواعيد، بدلًا من النموذج الورقي، برغم أن الأخير قد يكون أنسب لذلك عندما يكون في المكتب. وهذا من الأدوات الناجحة والمجربة التي تساعد على تكثير من الأفكار دون ضغوط نفسية أو إرباك لسير الأعمال القائمة وأفكار التطوير الأخرى، ودون أن يفوت بعضها بعضًا.