من كلمات وقصص المرحوم ابراهيم الفقي
الإرادة والطموح تصنع المعجزات
ولد زكي عثمان في قرية من قرى محافظة قنا في مصر، وعندما بلغ عامين ونصف أصيب بحمى شديدة في جسمه أدت إلى إصابته بشلل الأطفال وفقد البصر، وأجمع الأطباء على عدم وجود علاج لحالته التي لا يُرجى لها الشفاء، وظهر رأي في عائلته يدعو إلى إلقائه في طاحونة للتخلص منه، لكن والديه رفضوا وفكروا أن يلحقوه بالكتَّاب.
وبعد سنة من هذا الوقت انتقلت أسرته إلى القاهرة لتغير ظروف عمل الأب، وسكنوا في منطقة منشية الصدر، وأحضروا أحد الشيوخ من الأقارب لتعليم الطفل القرآن الكريم، وبالفعل حفظ القرآن الكريم وهو في الحادية عشر من عمره.
وظل حبيس البيت حتى بلغ السادسة عشر من عمره دون الالتحاق بأي مدرسة، أو أي مؤسسة تعليمية، وخلال هذه الفترة كان يراجع القرآن ويثبت حفظه، وكان الراديو صديقه الدائم وأنيسه الوحيد، وأتقن منه الإنجليزية، وفهم السياسة والاقتصاد والتاريخ.
بدأ رحلته الدراسية حين بلغ السادسة عشرة من عمره، وبدأ مباشرة من الصف الأول الإعدادي، واستثني من الابتدائية لأنه كان يحفظ القرآن الكريم، واعترض بعض أفراد عائلته، واقترحوا أن يلحقوه بمركز التأهيل المهني للمكفوفين ليتعلم صناعة السجاد وتكون هذه نهايته، واقترح البعض الآخر أن يظل في المنزل كما هو، وكان البعض يتمنى له الموت؛ لأنه ليست هناك فائدة من إنسان كفيف قعيد، ولكنه أصر على الدراسة، وساعده والده، وفي هذه الفترة بدأ في إلقاء الخطب والدروس الدينية في المساجد، وبسبب بلاغته وحسن إلقائه صار له روادٌ كثيرون.
ثم التحق بمعهد القاهرة الثانوي، ومكث فيه أربع سنوات -كعادة نظام التعليم في الأزهر حينها، وكان يذهب إلى المعهد إما محمولا على الأكتاف، أو زاحفا على الأرض، وكان الأمر في منتهى الصعوبة، خاصةً عندما يزحف على الطين في الشتاء من أجل الذهاب إلى المعهد.
وفي الثانوية أبلغوه أنه رسب وكانت صدمة كبيرة له! وكانت المفاجأة أنه نجح، ولكن كشف المكفوفين كان في مكان آخر غير مكان كشف المبصرين، والتحق بكلية أصول الدين، وحصل منها على ليسانس في الدعوة والثقافة الإسلامية، وليسانس في التفسير، وعين في وزارة الأوقاف لمدة سبع سنوات، ولم يكتف بكل ذلك، بل حصل على الماجستير بتقدير جيد جدًا، وعين بعدها مدرسا مساعدا في كلية الدعوة الإسلامية، ولم يكتف بهذا القدر بل سجل الدكتوراه، وحصل عليها بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف.
كما أصبح متحدثا في الإذاعة، وتدرج وظيفيا إلى أن وصل لوظيفة رئيس قسم الثقافة الإسلامية بكلية الدعوة الإسلامية، وألف أكثر من أربعٍ وعشرين مؤلفًا في التفسير والدعوة والثقافة وعلم النفس وعلم الاجتماع، ورحل الدكتور زكي عثمان رحمه الله – رمز الإرادة والطموح – عن عمر يناهز 62عاما.
المراجع:
كتاب الدكتور إبراهيم الفقي «أيقظ قدراتك واصنع مستقبلك» بتصرف واختصار.