عاش مزارع يوغسلافي أكثر من مائة وأربعة عشر عاما، فهو لا يذكر تاريخ ميلاده بالضبط كما يذكر مقربوه، فقد كان هذا الرجل رغم تقدمه بالعمر يتمتع بصحة جيدة وقوة وحيوية وكان كثيرا ما يسألونه عن سر حيويته فيقول: إنني لا أذهب إلى فراشي بالليل لأنام الابعد أن أنفض
همومي وأغسل قلبي.
حسنا كان يفعل ذلك الفلاح اليوغسلافي، وذلك كي لا يحمل في نفسه أعباء كل يوم، فتراكمها قد يفضي إلى عواقب وخيمة، إنه وحسب التعبير الطبي كان يبتعد عن مرض العصر المسمى بـ: STRESS، وهو مرض يتلخص بتلك “الوطأة” النفسية والاجتماعية المزرية التي تتأتى عن بعض المواقف والأحداث التي نمر بها، إنه ذلك الأمر الواقع الذي يحول دون سير حياتنا الاجتماعية وفق شكلها المنتظم مما ينعكس على توازننا النفسي سلبا.
ويؤثر على جهازنا المناعي بشكل مباشر، حيث بات الباحثون في الدراسات الطبية يركزون وأكثر من أي وقت على العلاقة القائمة بين ضغوط الحياة اليومية وما يمكن أن يفعله في جهاز المناعة لدينا، فقد لاحظت بعض الدراسات الطبية أن بعض الصدمات الانفعالية: كالفاجعة بفقد عزيز، أو المرور بحالة طلاق، أو التوقف عن العمل في ظروف مادية صعبة، أو الإجهاد الذهني المتواصل، من شأنه أن يضرب مقتلا في الجهاز المناعي عندما يستنزف طاقات الجهاز العصبي والدموي، فالاكتئاب والهم والقلق وعوارض المزاج السيئ يؤثر في عمل الغدد اللمفاوية، التي تعتبر بدورها مصدر المضادات الحيوية لأي فيروس يمكن أن يدخل الجسم،.
بناء على ذلك نتقدم بوصفة من المعنويات، يمكن أن تساعد على مجابهة مؤثرات هذا المرض العصري خاصة لما يتعلق منها بحالات الهم والقلق منها:
1- تلقف كل ما يحدث لك بإيجابية معقولة كأن تقول: “لا أريد لهذا الأمر أن يغضبني، يزعجني، يوترني..”
2- واجه الأمر المقلق بعيدا عن عاطفتك: “بالرغم مما حصل، كل ما أحتاجه قليلا من الهدوء والدعم المعنوي. لا بد لأحد من أن يقدمه لم لا أكون أنا!”.
3- هدئ من روعك وانفعالاتك إزاء الضغوطات: “ما حدث قد حدث، علينا أن ننظر إلى ما لدينا الآن ربما هو الأهم”.
4- كن واقعيا إزاء الحدث أو الموقف المؤلم: “يجب أن أفعل شيئا لا ينبغي أن أكون مكتوف الأيدي”.
5- برمج وقتك حتى لا تنهار أمام استحقاقاته “إنني مرهق طوال هذا الأسبوع إذن لا بد من إجازة..”.
6- آمن بما حدث “كل منا سوف يمر بظروف صعبة، لماذ أعتبر نفسي بمنأى عن ذلك؟”.
7- أعد تأطير عواطفك وانفعالاتك بعد حالة هم أو ضغوط: “إنني أشعر بارتباك، لقد كان وقع الأمر علي مؤلما، إذن افعل شيئا يريحك: افتح النافذة، اخلع معظفك، استرخ.. اسمع شيئا من كتابك الديني المنزل..”.
8- تقرب ممن يريحك وجوده أو حديثه: “لا أدري ما يمكنني أن أفعل، حسنا لأرسل في طلب صديق يهمني وجوده في هذه اللحظات..”
9- ابحث عما يخفف توترك وينزع عنك همومك: “أعتقد بأن حضور عمل مسرحي ضاحك يخفف عني بعض الضغوط”.
10- قو ثقتك بنفسك “لن أجعل الأمر فظيعا إلى هذه الدرجة، فلقد مررت بأمور أصعب..”
يروى عن الكاتب الفرنسي “فيكتور هيجو”، الذي كان يذهب وقبل غروب شمس كل نهار إلى بحيرة مجاورة من مسكنه، يقف لحظات متأملا صفحة الماء، ومع زوال الشمس يقذف حصى في تلك البحيرة ثم يعود إلى منزله منشرحا، وحين سئل عن سر ذلك قال: إنني أجمع هموم يومي في حصاة وأرميها في البحيرة كي أستقبل غدا نهارا جديدا خاليا من أي متاعب.
لا أدعوك لأن تفعل كما فعل “فيكتور”، لكن لم تخرج قليلا من عالم الهموم إلى عالم أرحب حيث الشمس والبحر والطبيعة، لم لا تجرب لعبة مفضلة أو تقوم على الأقل بممارسة هواية معينة؟ فقد ثبت ما للهوايات من فوائد جسدية ونفسية.
إذ أن الهوايات لا تحول انتباهنا عن ضغوط الحياة اليومية فحسب بل تقودنا نحو حياة صحية عقلا وجسدا.
فقد جاء في بحث طبي أجراه علماء مختصون ونشرته مجلة بريطاني طيبة أن الطبخ، والاعتناء بالحديقة وكتابة اليوميات والاهتمام بالبيئة وأي نشاط يقع في خانة الهوايات (جمع الأصداف، الحياكة، جمع الطوابع، شراء الكتب القديمة، الاعتناء بالحيوانات الشاردة..) مسائل تمنحنا الشعور بالارتياح لأننا نهذب موهبتنا ونمضي الأوقات العصبية بطريقة مفيدة.
هذا يعني أن القلق الناتج من الحالات اليومية الضاغطة سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو عائلية والخوف من المستقبل وتراكم الهواجس التي تجعل الإنسان سجينا لها يمكن أن تبدد إذا ما وجد المرء هواية يفجر من خلالها طاقاته، وترتاح أعصابه ويبعد عنه كل توتر.
يبدو أننا حينما نشرع في أمر نرغب فيه، نكون على موعد معع القلق سيبقى القلق رفيق دربنا، أو في قسم من ذلك الدرب على الأقل عند كل مشروع جديد نخوض غماره، وهذه ربما من قواعد الحياة، أن لا يتقدم المرء من دون أن ينتابه ذلك الشعور الكئيب: القلق، لكن ثمة وسيلة واحدة نافعة لتطفئ هذا الشعور وهي المواجهة. فتقدم… ولا تحمل هما.