تنمية بشرية

إدارة الذات

إدارة الذات

أهمية تطوير الذات
سأخصص هذه الجزئية للحديث عن أهمية تطوير الذات وهل هو ترف أو ضرورة؟ كما سأناقش مدى الفائدة منه في الحصول على عمل؟ وكيف أصبح عنصراً بالغ الأهمية في بيئات العمل؟

هل تعرف هذا الإنسان؟

هذا الإنسان يحلم بحياة أسرية ومالية وعملية واجتماعية سعيدة طيبة. ويسعى لتحقيق ذلك بكل ما في وسعه ولكن تواجهه التحديات الكثيرة والمنغصات العظيمة التي تؤثر عليه كثيرًا في سعيه للوصول إلى ما يريد؛ فقد يعاني من ضوائق مالية أو حسد من أقرانه أو لوم ممن يحب أو غير ذلك من المنغصات والضغوطات في الحياة…

إن المداومة على تنمية واكتساب أي معلومة أو معتقد أو سلوك أو مهارة تجعل الإنسان يشعر بالرضا والسلام الداخلي وتعينه على التركيز على أهدافه في الحياة وتمكنه من تحقيقها وتعدّه وتجهزه للتعامل مع أي عائق يمنعه من ذلك، تعد من أهم المعينات على التعامل مع ضغوط الحياة وهذه فائدة جليلة لتطوير الذات كما عرفنا آنفًا، فأنت عندما تداوم على اكتساب المعلومات والمعتقدات والسلوك والمهارات التي تمكنك من التعامل مع هذه العوائق مثل مهارات التركيز والتفاؤل ومهارات تفريغ المشاعر السلبية، فإنك ولا شك تسلك طريقًا مؤثرًا في إسعاد نفسك.

هل سمعت بمثل هذه القصة؟

بعد سنوات طويلة وشاقة من الدراسة في الجامعة، وبعد انتظار طويل لتسلم وثيقة التخرج، وبعد اجتهاد غير عادي في كتابة السيرة الذاتية والتفنن في توزيعها على كل ما يمكن أن ينتج عنه وظيفة، وبعد التوسط بكل من له معرفة أو جاه أو وجاهة من الأقرباء أو حتى من غيرهم، وهذه السنة تمر تلو الأخرى ومازال هذا الشاب ينتظر الاتصال الهاتفي أو البريدي الذي وعد به للحصول على وظيفة.

لماذا يدفع لك رب العمل راتبك أو أجرك؟

قد يبدو هذا السؤال ساذجًا للوهلة الأولى ولكن إجابته وعلى الرغم من بدهيتها لا يعيها الكثير منا حق وعيها. فرب العمل في الوضع الطبيعي يدفع للموظف من أجل أن يستفيد من جهد الموظف في تحقيق أهدافه المرجوة وجهد الموظف قد يغلب عليه الطابع البدني مثل الحمال أو العقلي مثل المحامي أو البدني والعقلي معًا مثل طبيب الأسنان.
هناك نوعان رئيسان من أرباب العمل:
النوع الأول هو الحكومة والتي تجلب الموظفين لتستفيد من جهدهم في مساعيها لحل المشكلات وتذليل العقبات التي تواجهها في حسن إدارة شئون العباد والبلاد.
وأما النوع الثاني فهو القطاع الخاص الذي يسعى لتحقيق ربحٍ مجزٍ على ما استثمره من مال وجهد في مشروعاته التجارية أو الصناعية أو الخدمية، وبالتالي يجلب الموظفين ليستفيد من جهدهم في حل المشكلات التي تواجهه للوصول إلى هدفه المنشود.

نعيم الهميم

كان عندي محل صغير لصيانة الكمبيوتر الشخصي وكنت أقوم بمهمات الصيانة والتشغيل فيه وذات يوم جاءني شاب آسيوي كان يعمل خادمًا في مكتب عقار مقابل لمحلي. قال لي بلغة إنجليزية مكسرة: سيدي! أريد أن أتعلم منك صيانة وتشغيل الكمبيوتر. فقلت هل أنت جاد في ذلك يا نعيم؟ قال: نعم. قلت له: ولكنك تعمل حتى العاشرة مساءً، ويمكن أن لا يوافق صاحب المكتب الذي تعمل فيه. فقال: أنا مستعد أن آتيك من العاشرة إلى وقت إغلاق محلك، فقلت: حسن. دعني أستأذن رب عملك. تحدثت إلى جاري صاحب مكتب العقار، فقال لي: لا بأس. ولكن!! الرجل بطيء الفهم؛ فكان الله في عونك. كنت واثقًا أن الإرادة والهمة القوية والمثابرة الجادة والجهد أهم عوامل النجاح بعد توفيق الله.

بدأ نعيم التدرب بهمة وحماس ومثابرة وأخذ في تغيير قناعاته وأفكاره خصوصًا تلك التي تقيده واكتسب قناعات جديدة فأصبح يرى في نفسه فنيًا في مجال الكمبيوتر يمكن الاعتماد عليه لا مجرد عامل نظافة وقهوة وشاي في مكتب عقار، كما أخذ يكتسب المعلومات الجديدة والمفيدة في مجاله الجديد، وكذلك شرع في اكتساب بعض السلوكيات الجديدة مثل حسن التعامل مع الزبائن وغيّر بعض السلوكيات غير المفيدة مثل الخجل الزائد، كما اكتسب مهارات جديدة ومفيدة في التعامل مع مشاكل الكمبيوتر الشخصي. بعد أقل من تسعة أشهر صار نعيم ذراعي الأيمن في كل عمليات الصيانة وبعد ثلاثة أشهر أخرى قلَّ ترددي على المحل، فقد أصبح نعيم يقوم بكل شيء في مجال الصيانة إلا ما ندر مما لم أدربه عليه.

ما أعظم سر لتحقيق دخل ماليٍّ مجزٍ؟

هل سألت نفسك هذا السؤال من قبل؟
وما إجابتك عنه؟
أرجو أن تتوقف قليلاً وتتفكر في هذا السؤال وتقلبه في رأسك. انظر مثلاً لمن يحصل على دخل مجزٍ ممن تعرف، لا تضع حدودًا على أفكارك ولا تستثنِ أحدًا منهم مهما كان المجال الذي يعمل فيه. الهام أن تتساءل : ما الذي جعل هذا الإنسان يحقق الدخل المجزي؟ وما العوامل التي ساعدته على ذلك؟
إن المتأمل في مصادر الرزق عند من يحقق الدخل المجزي من الناس، يجد أن هناك سنة وقانوناً عاماً يكاد لا يتغير عند كل البشر بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو حتى دينهم. فهل لاحظت هذا القانون؟ فكر قليلاً وسيظهر لك جليًا.
إنه الندرة! نعم إنه قانون الندرة؛ ما الذي يجعل عشرات النوادي الرياضية تتسابق لتدفع عشرات الملايين من الدولارات لفتى أفريقي، لم يبلغ العشرين وقد لا يحمل حتى الشهادة المتوسطة، ليلعب مهاجمًا في فريقها لكرة القدم؟ إنها الندرة فما لدى هذا الفتى من مهارات وقدرات لا يوجد عند كثير من غيره، فارتفع ما تجلبه له من عائد مالي ومعنوي. إن هذا القانون هو ما يعرف في الاقتصاد بقانون العرض والطلب. فإذا جاء موسم فاكهة ما وكثر المعروض منها نقص سعرها تلقائيًا وما يدفع لطبيب جراح ماهر يجري جراحات صعبة ومعقدة وهو واحد من قلة قليلة تجري مثل هذه العمليات أكبر بكثير مما يدفع لطبيب عام يوجد الكثير من الأطباء غيره ممن يقوم بمثل عمله.
ولعلك تتساءل الآن؟ ولكن! هؤلاء موهوبون بالفطرة! وأنا أقول لك إن الوهاب سبحانه وتعالى أعطى كل إنسان قدرات وطاقات تمكنه من الكسب. صحيح أن هذه المواهب تتفاوت بين إنسان وآخر، إلا أن لدى كل إنسان الحد الأدنى الذي يمكنه من كسب عيشه. والعجيب! أن الرازق الرحيم سبحانه وتعالى يسهل رزق من تعذَّر عليه الكسب بسب تعطل مؤقت في استخدام طاقاته وقدراته مثل ابن السبيل أو من ليس له القدرة على الكسب كأصحاب العاهات والأمراض المزمنة وقد جعل لهم حقًا في أموال الأغنياء من زكاة وصدقة.

متى يبحث عنك رب العمل ؟

إن من أكثر ما يؤلمني هو ما أشاهده في كثير من السير الذاتية لطالبي ولطالبات العمل من تشابه شديد إلى درجة أنه يمكن أن تغير اسم صاحب السيرة الذاتية ولن تتغير السيرة الذاتية كثيرًا، فأتساءل! كيف يتوقع طالب العمل أن يحصل على عمل بأجر مجزٍ وهو يخالف قانون الندرة الذي وضعه الله في الحياة!؟
إن سوق العمل مثل كل سوق في الدنيا يخضع لقانون العرض والطلب؛ ولذا فإن أكثر ما ينفعك في الحصول على العائد المالي أو المعنوي الذي تريد في هذا السوق هو: أن تبحث عن مواطن الخلل أو النقص عند صاحب عمل يعاني منها، وليس من السهل عليه أن يجد من يحسن التعامل معها أو يسدها، ولديك أنت القدرة على حسن التعامل معها أو سدها، ومن ثمَّ تقدم نفسك كحل ناجع لمشكلة صاحب العمل تلك. عندئذ ستجد كل التقدير والاحترام المادي والمعنوي من رب العمل ولن تسمع منه “ليس لدينا وظائف شاغرة”، فعندما يكون لديك ما يظن رب العمل أنه يحتاجه ليحقق أهدافه، فسيسعى هو للبحث عنك وليس العكس.
والخلاصة أن العامل يحصل على أجره ،بناءً على ما يقدَّم من جهد في سبيل تحقيق أهداف رب العمل؛ من خلال حل المشكلات وتذليل العقبات التي تعترض رب العمل في الوصول إلى أهدافه. ولو نظرنا في عالم الوظائف والأعمال، لوجدنا أن الوصف الغالب أن ما يحصل عليه العامل من أجر ومنافع وميزات يتناسب طرديًا مع جودة وندرة جهده المقدم، فما يدفع للعامل الماهر المتقن أكثر مما يدفع للعامل غير الماهر، وما يدفع للعامل صاحب التخصص النادر أو المعرفة النادرة أكثر مما يدفع لعامل يمكن أن يقوم بعمله أي أحد غيره.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى