بدأ الأمر منذ عشرات السنين تحت مسمى “شئون العمال Labor Affairs”، وما لبث أن تطور باطراد تحت مسميات عدة منها: “شئون الموظفين Employee Affairs”، ثم “شئون الموظفين والرواتب”، ثم “الموارد البشرية Human Resources”، ثم “إدارة الموارد البشرية HR Management”، ثم “رأس المال البشري Human Capital”، وما زال التطور مستمرًا.
ليس ذلك فحسب، بل أصبح هذا المجال تخصصًا دقيقًا تتفرع منه العديد من التخصصات الأخرى التي تركز جل اهتمامها على “الموظف” مما يعكس اهتمامًا كبيرًا بالمورد البشري؛ وذلك لما له من أهمية قصوى داخل المؤسسات والشركات على اختلاف تخصصاتها وأحجامها ومستويات الاحترافية بها.
ونادرًا ما نرى مؤسسة أو شركة لا تضع في حسبانها التزامات إضافية عليها تجاه الموظف غير راتبه الأسبوعي أو الشهري، ومن هذه الالتزامات على سبيل المثال: التدريب، والتأمين الطبي، والانتقالات، وغير ذلك من التزامات، كل ذلك يمثل اعترافًا منها بمدى أهمية هذا الموظف في إنجاز أعمال الشركة والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها.
والشركة – أي شركة- لا تنجح بتناسق ديكوراتها وتجهيزاتها وما تمثله من مظهر حسن، ولا بخبرة مديريها فقط بما يمثلونه من عقل راجح وقدرة على القيادة والتوجيه، ولا بكفاءة مديري مشاريعها فقط بما يمثلونه من أذرع لإنجاز الأعمال، ولكن هناك ركن أصيل مهم يضاف إلى ما سبق، والمقصود هو الأيدي العاملة والعقول المبتكرة المنوط بها التنفيذ، وهي تمثل الواجهة الحقيقية والقيمة الكبرى لأي شركة أو مؤسسة.
ما كانت تلك المقدمة، إلا إعلامًا وتأكيدًا على جهود المؤسسة – أي مؤسسة – في العناية بموظفيها، وتوطئةً للحديث عن التزامات الموظف نحو شركته أو مؤسسته التي التزم بالعمل بها.
وأنا لا أرى حقوقًا أبسط من تلك التي على الموظف تجاه مؤسسته أو شركته، فهي تتبلور في الالتزام بمواعيد الحضور والانصراف، وأداء المهام المكلف بها في مواعيدها المقررة والمتفق عليها. ولكن، هل يحدث هذا؟!!
قد لا أكون مبالغًا إذا زعمت أن عددًا كبيرًا من موظفينا ما يلبث أن يجلس على مكتبه في الأسبوع الأول من فترة عمله الجديد حتى تجده منهمكًا في إرسال سيرته الذاتية إلى مؤسسات/شركات أخرى، وكذلك لا يكف عن استقبال عروض عمل أخرى. وهو ما ينعكس بشدة على خبرته، وأدائه العام، وتركيزه المباع فقط منذ أقل من أسبوع أو أسبوعين.
والطامة الكبرى لو أنه قبل أحد العروض الجديدة واتجه نحو عدم الالتزام مع الوظيفة التي هو فيها الآن!!
يخيل لي أحدهم – وهو موظف بالقطعة على سبيل المثال- وقد اطلع على تلك السطور وقال: ما هذا الكلام الوردي، وهل هناك من مؤسسة، أو شركة تقوم بأداء واجباتها كاملة نحو موظفيها؟! أرد بملء فمي: وما يُجبرك على أن تستمر في خدمة من لا يخدمك؟!، وأن تُعطي من لم يوف حقوقك؟!، فلو اعترضنا جميعًا، وتحملنا قليلاً تبعة قرار الرحيل عن مؤسسة/شركة لا تؤدي الحقوق الأساسية لموظفيها، فلن تجد – تلك المؤسسة/الشركة – مناصًا من الوفاء بمثل هذه الحقوق مع آخرين، وهو ما ينعكس مُستقبلاً على إصلاح النظام الوظيفي داخل المؤسسات والشركات في مختلف المجالات.