اجعل لك هوية
د . أكرم عثمان
يعتبر بناء الهوية وتحقيقها الإنجاز الأهم في حياة الإنسان .
حيث أن أريكسون يعتبر هذه الخطوة مسألة إستراتيجية ، وهي تكرس فردية الشخص ، هذه الفردية التي يعتبرها مارتي من الناحية المدنية الاجتماعية تلخص فردية الشخص ببطاقة هويته (الاسم ، الكنية ، ومحل الولادة ، وتاريخها ، والوضع المدني ..الخ) أما من الوجهة النفسية فإن الهوية توازي الجواب على السؤال التالي : من أنا ومن سأكون وما سيكون عليه دوري في الحياة وفي المجتمع .
ونجد أن فلسفة الحياة مطلب يتميز به الإنسان عن غيره من المخلوقات الأخرى ، ذلك أن الله عز وجل ميزه بالعقل والإرادة في اختيار ما ينفعه أو يضره ، حيث أن لكل إنسان هوية يختلف بها عن غيره من بني جنسه في درجة سوائها ومناسبتها للمعايير النموذجية للهوية السوية .
حيث يقول ربنا عز وجل ( ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها ) فالهوية تعني تعريف الإنسان لنفسه فكراً وثقافة وأسلوب حياة.
إن الشباب لا يستطيع أن يواجه ما يصادفه من محن وابتلاءات إلا إذا تمسك بالهوية الشخصية التي من خلالها يتمكن من مواجهة مشكلاته وكأن الذي يفقد هويته يسير من غير هدئ تتلقفه الأمواج العاتية وتتقاذفه من كل حدب وصوب ، بحيث يصبح كالدمية يسير من دون اختيار منه . نعم ! فمن تسلح بالمبادئ والقيم فإنه لا محالة سوف يستخدم تفكيره ويخطط لحياته وفق أهداف وبرامج مفيدة وناجحة ويصبح مبدعاً فإنه بهذه المبادئ يصبح حراً يقود نفسه إلى النجاح والتفوق ، لا إلى الخسران والهلاك والدمار ، ويحس من داخله بأنه صلب ومتماسك ويواجه الواقع الذي يعيشه بقوة وشكيمة ، فهو قادر على رسم خارطة لحياته وفق ما يعتقد وما يؤمن به.
وترى الشخص الذي يبني لنفسه فلسفة حياة ينظر لنفسه باحترام وتقدير ، فهو يفهم معنى حياته ، ولماذا هو يعيش في هذه الدنيا ، ويصبح قادراً على التمييز بين ما ينبغي عليه أن يفعله وما عليه أن يتجنبه ويبتعد عنه ، مخافة الانزلاق والتخبط الأعمى.
فمن تمكن من بلورة هذه الفلسفة ، فإنه لا ريب ينتقي الأهداف والوسائل الموصلة للغايات التي ينشدها ، وسيعتبر الأهداف وفق ما يرى ويتطلع إليه سيتحقق لا محالة.
إن الطاقة التي يبذلها المرء وفق ما يعتقد ويؤمن به ، إنما هي طاقة إيجابية تبذل وفق أهداف مخطط لها بغية الوصول إلى تحقيق الآمال والتطلعات التي ينشدها ، إنها الثقة الموصلة إلى هذا الأمر.
أنظر إلى كل الناجحين والمبدعين في هذا العالم ، ستجد أن هؤلاء قد أوجدوا أنفسهم وفق مبادئ يستهدفون بها ولم يتراجعوا عن اتباعها والسير على خطاها والاهتداء بها.
إن هذه الفلسفة ليست جامدة ، بل هي متطورة ، وديناميكية متغيره وفق العصر الذي تعيش فيه فهذا لا يعني الانغلاق على الذات والتحوصل حولها ، بل هي كالنار التي تتغذى بالجديد ، ولولا هذا الجديد لما استمر اشتعالها ولأصبحت رماداً ساكناً لا نفع فيه ولا خير.