اكتب سيناريو حياتك
أيها القارئ: نريدك أن تقف مع نفسك وقفة تنتشلها بها من زحمة الحياة، وتحاسبها على حياتك الماضية، ومدى ما حققت فيها من إنجازات، وهذا تطبيق عملي لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} [الحشر: 18].
إننا نريد منك أن تبدأ حياة جديدة وفي ذهنك تصور واضح ومحدد لما تريد أن تحققه في مستقبل عمرك، فتنظر لهذه الحياة نظرة كلية، على أنها سوف تنتهي في يوم من الأيام، فينبغي إذًا أن تستغل كل لحظة منها في تحقيق أكبر نفع لك ولأهلك ولأمتك، وأن تقيس تصرفاتك اليوم وغدًا وبعد غد بل وفي كل غد على أن كل جزء فيها يمثل بعضًا من كل، وهذا الكل هو حياتك بأكملها، كما يقول الحسن البصري رحمه الله: ‘يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، فإذا ذهب يومك ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل’.
فإذا عرفت من الآن ماذا تريد من حياتك، فإنك تستطيع أن تميز بين ما هو مهم وما هو عديم أو قليل الأهمية بالنسبة لك على المدى الطويل، ومن ثم فإنك لن تبدد وقتك وجهدك وحياتك في أعمال مبعثرة لا رابط بينها، ولا هدف يجمعها، ثم تفاجأ بعد سنوات طويلة أنك لم تحقق شيئًا مذكورًا، رغم كل ما بذلته من جهد، وما أنفقته من وقت.
إننا نريد منك أيها القارئ أن تكتب من الآن أفضل سيناريو ممكن لحياتك المستقبلية، بحيث تتمكن من استثمارها على أفضل نحو ممكن بما يحقق لك أعلى درجات النجاح الممكنة في الدنيا والآخرة، وبذلك تتميز عن أكثر الناس الذين يكتفون فقط بإدارة يوميات الحياة ويفشلون في قيادتها.
والفرق كبير جدًا بين هاتين الكلمتين: الإدارة والقيادة، فالإدارة تعني: كيف تحقق ما تصبو إليه من أهداف ؟ أما القيادة فهي أن تحدد أولاً ما هي الأهداف التي تصبو لتحقيقها ؟ الإدارة هي أن تصعد السلم بسرعة وكفاءة، أما القيادة فهي أن تختار أولاً السلم الذي تريد صعوده، وبعبارة مختصرة: الإدارة هي الأداء الصحيح للأشياء، والقيادة هي أداء الأشياء الصحيحة.
ومعظم الناس لا يدركون هذا الفرق الواسع بين هاتين الكلمتين، فيقعون فريسة الانشغال بدوامة الحياة اليومية، وإدارة تفاصيلها، وينسون أن يحددوا لأنفسهم أهدافًا يعملون على تحقيقها، ومن كان هذا حاله فإنه يتخلى طواعية عن قيادة حياته ومن ثم يترك للآخرين وللظروف كتابة سيناريو عمره، ويكتفي هو فقط بإدارته والتفاعل مع يومياته، ويظن نفسه فعالاً طالما أنه مشغول.
ويصحح د. محمد العبدة لنا هذا المفهوم الخاطئ فيقول: [لا يعتبر فعالاً من يجد نفسه في شغل دائم، فقد يكون مشغولاً بأمور ثانوية وأمور صغيرة، ويكون قد ترك أمورًا مهمة، فالقاعدة التي تقول: ‘أنا مشغول إذًا أنا فعال’ غير صحيحة] [ الفاعلية وعوامل تنميتها ص9].
فالنجاح والفاعلية إذًا لا يعتمدان على ما نبذله من جهد بقدر اعتمادهما على ما إذا كان هذا الجهد يسير في الطريق الصحيح، ولذلك فنحن نتعجب هنا من إنسان يستطيع أن يصنع حياته بإذن الله كأفضل ما يكون، ولكنه مع ذلك يترك للآخرين هذه المهمة.
ويتعجب معنا أيضًا فردريك فون شيلر فيقول: لماذا يجب أن أكون فرشاة وأولانًا وبيدي أن أكون أنا الفنان
فينبغي عليك إذًا أيها القارئ العاقل أن تبدأ من الآن في كتابة سيناريو حياتك، بحيث تمسك بزمام قيادتها ولا تكتفي فحسب بإدارتها كما يفعل معظم الناس، وعندها ستختار أي الرجلين تحب أن تكون:
قصة حياة قائد لحياته |
قصة حياة مدير لحياته |
الرغبة في التفوق وإنارة البشرية ناجح ولد ناجح في يوم ناجح سنة 1420هـ.كانت درجاته الدراسية مذهلة وناجحة, تزوج من امرأة ناجحة، قضى أربعين سنة في خدمة الأمة، شغل عددًا من المراكز الناجحة، اغتنم الفرص، وطور نفسه ومواهبه، وشارك الناس في الأشياء الناجحة.كان شعاره المفضل ‘أينقص الدين وأنا حي‘عاش 70 سنة مليئة بالنجاح والكفاح بعزم وإصرار، فعاش ناجحًا ومات وبكت عليه الأمة، فولد سنة 1420هـ ومات سنة 1490هـ، وبقي ذكره في قلوب الناس كما بقي مسكه وعبيره. |
الرغبة في الهامشية وإظلام البشرية عادي ولد عادي في يوم عادي سنة 1420هـ.كانت درجاته الدراسية عادية, تزوج من امرأة عادية، قضى أربعين سنة في خدمة الظروف، شغل عددًا من المراكز العادية، لم يخض أبدًا في مخاطرة، أو يغتنم أي فرصة، ولم يطور مواهبه، ولم يشترك مع أحد في شيء نافع.كان شعاره المفضل ‘لا دخل لي في هذا‘عاش 70 سنة دون هدف أو خطة أو عزم أو تصميم، فعاش عاديًا، ومات موتة عادية، ولم يشعر به أحد، فولد سنة 1420هـ ومات حيًا سنة 1440هـ ودفن 1490هـ. |