الكاتب: د. محمد بن علي شيبان العامري
الثقة ، الإصرار
باسل شيخو
يعرض علينا “آثر جوردن” حكاية حميمة رائعة عن تجربته في التجديد الروحي سردها في قصّة قصيرة سماها (انقلاب المد)، وتحكي عن أيام مرت عليه في حياته بدأ يشعر فيها أن كل شيء تافه وبلا معنى، فقد تلاشى حماسه وباتت جهوده في الكتابة بلا جدوى، وكان الأمر يزداد سوءاً يوماً بعد يوم.
في النهاية قرر استشارة طبيب عام، وحين رأى الطبيب أنّه لا يشكو من أي مرض عضوي سأله إن كان مستعداً لاتباع تعليماته لمدة يوم واحد فقط.
وحين أجاب جوردن بأنّه مستعد لذلك، أخبره الطبيب بأن يقضي اليوم التالي في المكان الذي قضى فيه أسعد أيام طفولته، يستطيع أن يأخذ بعض الطعام، لكن يجب عليه ألا يكلِّم أي شخص أو أن يكتب أو يستمع إلى المذياع، ثمّ كتب له أربع وصفات طبية وأخبره أن يفتح واحدة في الساعة التاسعة، وواحدة في الساعة الثانية عشرة، وواحدة في الساعة الثالثة، وواحدة في الساعة السادسة.
فسأله جوردون: “وهل أنت جاد؟”..
فكان الرد: “لن تفكر بأني أمزح حين تستلم فاتورتي!”.
وهكذا ذهب جوردون في صبيحة اليوم التالي إلى شاطئ البحر، وحين قرأ الوصفة الأولى التي كتب فيها “استمع بإنتباه”، ظن أنّ الطبيب به مس من الجنون، كيف يستطيع أن يصغي لمدة ثلاث ساعات؟ لكنّه كان قد وافق على اتباع تعليمات الطبيب، لذلك أرخى سمعه، سمع في البدء الأصوات المعتادة للبحر والطيور، وبعد فترة أصبح في إمكانه سماع أصوات لم تكن واضحة تماماً في البدء، وفي أثناء إصغائه بدأ يفكّر في دروس كان قد تعلمها من البحر في صغره، الصبر والإحترام وإدراك اعتمادية الأشياء على بعضها البعض فراح يستمع للأصوات وللصمت أيضاً، وهو يشعر بتنامي نوع من الطمأنينة في داخله.
عند الظهيرة فتح الوصفة الثانية وقرأ: “حاول العودة بفكرك إلى الوراء”، فتساءل: “العودة إلى الوراء في ماذا؟” ربّما إلى أيّام الطفولة، أو لذكريات الأيّام السعيدة، فكّر في ماضيه في لحظات الفرح القصيرة والعديدة، حاول تذكرها بدقة، وفي تذكرها أحس بنوع من الدفء يتنامى في داخله.
في الساعة الثالثة فتح الورقة الثالثة، حتّى ذلك الحين كانت الوصفات سهلة لكن هذه كانت مختلفة فهي تقول: “تفحص دوافعك”، في البداية كان دفاعياً؛ فكر فيما يريده هو – النجاح، التميّز، الأمن – وقد برّر كل هذه المطالب، لكن طرأت له فكرة أن هذه الدوافع ليست كافية، وربّما هنا يكمن الجواب على وضعه الجامد.
فكّر في دوافعه بعمق، فكّر في سعادة الأيّام الخالية، وأخيراً جاءه الجواب فكتب: “في لحظة يقين رأيت أنّه إذا كانت دوافع الشخص خاطئة فلا يمكن لأي شيء أن يكون صحيحاً. لا فرق إن كنت ساعي بريد، أو مصفّف شعر، أو مندوب تأمين، أو ربة منزل، فما دمتَ تحس بأنّك تخدم الآخرين فأنت تقوم بعملك بشكل جيِّد، أمّا إذا تركِّز إهتمامك على مساعدة نفسك فأنت تقوم بعملك بجودة أقل، وهو قانون ثابت مثل قانون الجاذبية”.
ولما حانت الساعة السادسة، لم تتطلب الوصفة الرابعة الكثير لتنفيذها فقد كانت تقول: “اكتب ما يقلقك على الرمال”، فركع وكتب عدة كلمات بقطعة مكسورة من الصدف ثمّ استدار وسار مبتعداً، لم ينظر خلفه فقد كان يعلم أن المدّ سيمحوها!..