إن مصطلح الإنتاجية كمفهوم يعود إلى قرون عديدة حيث أشار إليه الاقتصادي آدم سميث في كتابه ثروة الأمم في عام 1776 م . وادخله رواد الإدارة
الأوائل مثل فردريك تايلور، وهنري فايول إلى الحياة العملية كمقياس مع بداية القرن العشرين لقياس الإنتاجية في القطاع الخاص الصناعي ، وبخاصة استخدامه في احتساب إنتاجية الآلات. وتطور هذا المفهوم لاحقا مع ظهور المدرسة السلوكية في الإدارة ليركز على إنتاجية العمل(Herman,1998 ).
وفي الثمانينات من القرن العشرين ومع تطور مفاهيم الإدارة العامة ومقاربتها لمفاهيم إدارة الأعمال فكرا وممارسة، حيث يتطلب الأمر أن تعمل الأجهزة الحكومية بروح رجل الأعمال (Osborne&Gaebler,1992 )، من حيث استخدام معايير قياس الأداء ومبادئ المحاسبة ، والرقابة الصارمة في تقييم أعمالها، وتحقيق إنتاجية عالية، اصبح من غير المقبول وعلى كافة الأصعدة أن تقدم الأجهزة الحكومية خدماتها للمواطنين دون الأخذ بالحسبان بمعايير الأداء العالمية ، مثل الجودة العالية، والتكلفة المنخفضة ، وتحقيق رضا المستفيدين ، ومعدلات نمو جيدة من الإنتاجية (الهواري،2000). وعمليا فأن هذا المطلب يحتاج إلى قيام الجهات الرسمية بقياس أداء تلك الأجهزة من خلال استخدام مؤشرات محددة وأهمها مقياس الإنتاجية . واستجابة لهذا التوجه أدخل مفهوم الإنتاجية، و بدء بقياس الإنتاجية بشكل واسع في أواخر القرن الماضي في الأجهزة الحكومية في الدول المتقدمة (Caiden,1998).
لكن أساليب القياس والمقاييس المستخدمة في قياس الإنتاجية تختلف بين القطاع الخاص والأجهزة الحكومية، ففي حين تعرف الإنتاجية في المنظمات الخاصة أو الصناعية بأنها نسبة مخرجات نشاط ما إلى مدخلاته (المنصور ،2000 )، فأنها في الأجهزة الحكومية تشير إلى كفاءة الجهاز بالاستخدام الأمثل للمدخلات بهدف الحصول على اكبر قدر ممكن من المخرجات (Freeman,1989:112). كما أنها عرفت بأنها مستوى استخدام الموارد (المدخلات) في تحقيق إنتاج السلع والخدمات (المخرجات) في ظل العوامل البيئية المحيطة (العزاز، 2000م).
ولقد أشارت الكثير من المراجع إلى أن مفهوم الإنتاجية في الإدارة العامة له معاني و تعاريف كثيرة ومتباينة. ولقد عرفت بعض أدبيات إنتاجية القطاع العام الإنتاجية بأنها الكفاءة والفعالية (Balk,1992 )، و أضافت أدبيات أخرى إلى ذلك : تقليل التكاليف ، و إعادة الابتكار ، وإدارة الجودة الشاملة ، وتحسين الطرائق أو الوسائل المستخدمة ، و إعادة الهندسة( الهندرة) ، وقياس العمل ، و تقييم البرامج ، والتطوير الإداري (Abidin,2000:83 ) .
ومن وجهة نظر الفكر الإداري( الإدارة العامة ) المعاصر فان مفهوم الإنتاجية يشير إلى عدة مصطلحات أو أبعاد . فلقد ذكر P.Hennigan و J.Burkhead أن الإنتاجية قد عرفت بعبارات عديدة ، مثل الكفاءة efficiency ، والفاعلية effectiveness، و توفير التكاليف cost savings ، وتقويم البرامج program evaluation، وقياس العمل work measurement ، و تحليل المدخلات والمخرجات input analysis –output ، وفاعلية الإدارة management effectiveness ، ومعايير العمل work standards، والمناخ السياسي والاجتماعيpolitical &social environment ( Fickert,2001 ). و أشار Berman في معرض مناقشته للإنتاجية في المنظمات الحكومية وغير الربحية إلى “أن الإنتاجية هي فاعلية وكفاية استخدام الموارد للحصول على العوائد( النواتج المطلوبة achieve outcomes )، و أكد أن هذا المفهوم يقتصر على المنظمات العامة وغير الربحية ؛ كما اقترح أن تكون الفاعلية في قطاع الخدمات أهم من الكفاية ” ( Herman& Abraham, 1998 ). وأشار Balk إلى أن قياس إنتاجية الأجهزة الحكومية يركز على الكفاءة ورضا المستفيدين معا (Balk,1992 ). و تجدر الإشارة إلى أن ذلك يتفق مع التجربة الأمريكية، والتجربة الماليزية في قياس إنتاجية الأجهزة الحكومية(BLS,1998 ).
نخلص من ذلك العرض لمفهوم الإنتاجية بأن هناك اختلافا جوهريا بين إنتاجية القطاع العام وإنتاجية القطاع الخاص . ففي حين تشير الإنتاجية إلى العلاقة بين المخرجات والمدخلات في القطاع الخاص ، من خلال التركز على المؤشرات المالية فقط وبدقة أكثر على كمية أو قيمة المخرجات والمدخلات ، فأن الإنتاجية في القطاع العام تتناول الكفاءة والفاعلية معا. وتركز على مؤشرات كمية ونوعية، داخلية وخارجية. ولكن وبالرغم من أن المؤشرات التي تستخدم في قياس الإنتاجية في كلا القطاعين مختلفة ومتنوعة ، فهي في كلا الحالتين لا تشير إلى إنتاجية الإدارة ، بل إلى إنتاجية الأنشطة من خلال مخرجات ومدخلات تلك الأنشطة ، والأثر الخارجي ( رضا المستفيدين )الذي يرافق ذلك في حالة الإنتاجية في القطاع الحكومي . وبالتالي فأن عملية القياس لا تعكس حقيقة الإنتاجية بدقة ، وبخاصة في حالة عدم وجود مخرجات مباشرة كما في بعض الأجهزة الحكومية (مثلا وزارة العدل) .