◄يقول الأستاذ الأديب عباس محمود العقاد: إن له صديقاً رساماً يتخيل الأشياء، فتخيل السعادة ذات يوم، ورسمها فتاة في سن العشرين، تركض ذات اليمين، وذات الشمال، في توقّد وحركة حيوية وشعرها يتطاير يمنة ويسرة، وهي في قمة السرور واللهو والبهجة، وعرضها عليّ؛ فقلتُ له لا أتخيل السعادة كذلك.
أوّلاً: هذا يمكن أن يُعبّر عنه بأنّه لهو أو طرب أو متعة.
لكنّ السعادة شيء آخر.
إنّ السعادة: أقرب إلى التجربة والخبرة منها إلى الغَرَارَةِ والمراهقة والجهل.
إنّ السعادة: أقرب إلى سن متقدم منها إلى هذا السن الذي فيه كثير من بهجة الشباب وعنفوانه وقوته.
وثانياً: إنّ السعادة فيها كثير من معنى الاكتفاء، ومعنى الهدوء، ومعنى الحزن.
فهي ليست بسبيل إلى الضجيج، وإلى الصخب.
السعادة: ذوق، ووجد، وإحساس في داخل المرء، في قلبه، في ضميره.
لا يمكن أن نضع لها تعريفاً، كما يوضع عادة في كتب العلم تعريف لكل علم من العلوم.
السعادة: لا تُرسم بالحدود والتعريفات.
ربما تطرق السعادة بابَنا، لكنها متنكرة فلا نعرفها، ولذلك لا نفتح لها.
وربما تأتي السعادة ويعيشها الإنسان بكل قواه العقلية والنفسية والبدنية، ولكنه لا يشعر بها. كسعادة الأطفال الصغار الذين يسعدون بحياتهم، ولهوهم وبراءتهم وألعابهم وبساطتهم، ومع ذلك ربما لا يشعرون بهذه السعادة، فإذا كبروا وقرّوا وعقلوا سمعوا عن شيء اسمه السعادة، فبدأُوا يبحثون عنه وكأنّه شيء مفقود.
لو كانت السعادة بالمال والذهب والفضة والدولار والرصيد لكانت الجبال والمناجم أحرى بالسعادة منّا، فإن فيها الشيء الكثير من ذلك.
لو كانت السعادة بالجمال والنضرة والحُسن والزينة والبهاء لكانت الطواويس أحرى منا بالسعادة، ولكانت الورود والزهور والرياحين والشقائق أجدر منا بها.
ولو كانت السعادة بالبطش والقوة، وجهارة الصولجان لكانت الوحوش أتم سعادة من الإنسان.
وإذا كانت السعادة هي الأخلاق الفاضلة، والأقوال الرشيدة، والأعمال الصالحة، والجاه العظيم، والعقل الراشد؛ فإنّ الإنسان أحق بها.
إنّ السعادة:
– بسمةُ طفلٍ طَهُورٍ.
– أو لَهَجُ لسانٍ صادقٍ بكلام طيبٍ، أو ذكرٍ للهِ عزّ وجلّ.
– أو خَفْقَةُ قلب متسامح تجاهَ إخوانِهِ المسلمين.
– أو هَدِيّةٌ بِلا مَنٍّ ولا أذى.
– أو كَربٌ يكشِفُهُ ربُّكَ عزّ وجلّ عنك وعن إخوانك المسلمين.
– أو هَدفٌ نبيلٌ يتحقق لك أو على يدك أو على يد غيرك من المسلمين.
– أو ساعةُ جهدٍ وعناءٍ وعرقٍ، تَعْقُبُها راحةٌ ويتلوها نجاحٌ.►