لا شك ان مكافحة ممارسات المحاسبة الإبداعية تعتبر من الأمور الصعبة والمعقدة ، ولهذا فإن على المهتمين في هذا المجال السعي باستمرار لمعرفة التطورات الخاصة بالمحاسبة الإبداعية وذلك لكشف تلك الممارسات ومن ثم محاولة الحد منها ، وفيما يلي سيقوم الباحثان في هذا الفصل بعرض أهم الاتجاهات والوسائل والأساليب الحديثة المستخدمة للكشف عن ممارسات المحاسبة الإبداعية والحد منها وذلك كالآتي :-
(1) ظهرت فكرة لجان المراجعة في الولايات المتحدة بعد الهزات المالية العنيفة الناتجة عن التلاعب في التقارير المالية ، والتي أسفرت عن قيام كل من بورصة نيويورك (nyse) وهيئة سوق المال الأمريكية (sec) بالتوصية بضرورة إنشاء لجنة بالشركات المسجلة بها مكونة من عدد من الأعضاء غير التنفيذيين تكون مهمتها تعيين المراجع الخارجي وتحديد أتعابه وذلك كمحاولة لزيادة استقلاليته عند إبداء الرأي في القوائم المالية التي تصدرها الشركات ، ولهذا الأمر فقد أوصى المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين (aicpa) عام 1967م جميع الشركات سواء المسجلة في البورصة أو العامة بضرورة إنشاء لجنة للمراجعة ، وفي عام 1972م أصدرت هيئة سوق المال الأمريكية (sec) توصيات بإلزام الشركات بإنشاء لجنة للمراجعة ، وفي عام 1978 ألزمت بورصة نيويورك جميع الشركات المسجلة لديها بضرورة تكوين لجان مراجعة .
(2) بعد الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي تعرضت لها العديد من اقتصاديات دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية وروسيا في أواخر القرن العشرين والانهيارات المالية في العديد من أسواق العالم ، وكذلك في ظل انفتاح أسواق المال العالمية وعولمة الأسواق والاعتماد على شركات القطاع الخاص لزيادة معدلات النمو الاقتصادي للعديد من دول العالم والتوسع الهائل في حجم تلك الشركات أصبحت هنالك حاجة ماسة الى وضع أسس ومعايير أخلاقية مهنية جديدة ، وقد أطلق على تلك المعايير والأسس الأخلاقية ما يعرف الآن بمفهوم حوكمة الشركات corporate governance وذلك للحد من ظواهر المحاسبة الإبداعية والأضرار التي قد تنشأ من وجودها وذلك لعدم وجود الشفافية اللازمة والتي من شأنها رفع مستوى الاقتصاديات العالمية والمحلية .
(3)خفض مجال اختيار البدائل والمعالجات المحاسبية عن طريق تقليل من عدد البدائل والمعالجات المحاسبية المتاحة أو تحديد الظروف التي يمكن أن تستخدم فيها كل معالجة ، ولهذا الأمر فإن لجنة معايير المحاسبة الدولية وفي تعديلاتها الأخيرة فإنها قد ألغت في معاييرها المعالجة البديلة ، ووضعت معالجة قياسية في اغلب معاييرها .
وبتخفيض البدائل فإن ذلك سيؤدي الى أن الشركة التي ستختار معالجة محاسبية معينة تنتج من خلالها صورتها المرغوب فيها في عام ستجبر فيما بعد على استخدام نفس المعالجة في الظروف المستقبلية الشبيهة تكون فيها النتيجة أقل إرضاء.
(4) الحد من سوء استخدام بعض السياسات المحاسبية ، ويتم ذلك عن طريق ما يلي :
أ – سن قواعد تقلل من استخدام بعض السياسات المحاسبية أو حتى إلغاؤها ، وفي هذا المجال فإنه عندما اتجه بعض محاسبو الشركات البريطانية للاستعانة بجزئية ” بند الطوارئ ” لحسابات الخسارة والربح في البنود التي يرغبون في تجنب تضمينها ربح التشغيل، ولهذا الأمر فقد رأت هيئة المعايير المحاسبية البريطانية إلغاء ” بند الطوارئ ” بشكل نهائي حتى لا تستغل بشكل خاطئ .
ب – أما الطريقة الأخرى فهي عن طريق تفعيل فرضية ” الثبات ” ، ويقصد بالثبات هنا هو الثبات في استخدام السياسات المحاسبية المتبعة من قبل معدي البيانات المالية ، وهذا يعني انه متى ما اختارت أي شركة ما سياسة محاسبية تناسبها في أحد الأعوام فيجب عليها الاستمرار في تطبيقها في الأعوام اللاحقة والتي ربما قد لا تناسبها تلك السياسات كما كانت ، وهنا تجدر الإشارة الى ان لايعني انه من غير المسموح تغيير السياسات المحاسبية ، لكن المقصود هو عدم تغيير تلك السياسات إلا في حال الضرورة القصوى وشريطة الإفصاح عن التأثيرات المالية الناتجة على تغيير تلك السياسات .
(5)أما الوسيلة الأهم والأقوى فهي يقظة وكفاءة المراجعين والمراقبين ولجان المراجعة في اكتشاف ممارسات المحاسبة الإبداعية التي يتبعها البعض ، ويتم هذا الأمر عم طريق اختيار مكاتب التدقيق ذات الكفاءة والمصداقية العالية ، حيث ان المراجع الكفؤ والمتمكن يقوم على تصميم إجراءات المراجعة للحصول على تأكيد معقول عن التحريفات الناشئة عن المحاسبة الإبداعية التي يتم اكتشافها ، والتي تعتبر جوهرية للقوائم المالية الواحدة .
(6)تنمية الثقافة المحاسبية بين المستثمرين والمهتمين ومستخدمي المعلومات المالية على مختلف أطيافهم ، ويتم هذا الأمر عن طريق أما التثقيف الذاتي الذي يقوم به بعض المستثمرين أو مستخدمي المعلومات المالية بغرض رفع مستواهم المحاسبي، أو عن طريق الجهات المعنية بسلامة وشفافية القوائم المالية وما يرد بها من معلومات سواء كانت تلك الجهات حكومية أو من القطاع الخاص ، وتتم عملية التثقيف عن طريق عرض برامج محاسبية تثقيفية وتعليمية أو إرسال رسائل توضيحية أو عقد حلقات نقاشية لمستخدمي المعلومات المالية تشرح الممارسات الإبداعية التي تمارسها بعض الشركات وأهم التطورات في مجال المراجعة والمحاسبة .
(7)تفعيل التنظيم المهني لمهنة المحاسبة والمراجعة ووضع ميثاق السلوك المهني وتشكيل لجنة الأخلاق المهني التي من أهم وظائفها وضع قواعد السلوك التي يجب ان يلتزم بها المحاسب والمراجع المعتمد .
وبشكل عام يخلص الباحثان الى ان المراجع الكفؤ يسعى عادة للحصول على أدلة إثبات كافية ومناسبة تثبت انه لم تحدث تحريفات أو أخطاء ، وهنا لابد من الإشارة الى نقطة مهمة وهي انه ونتيجة للقيود الكامنة في عملية المراجعة فإنه توجد مخاطر لا يمكن تجنبها في عدم اكتشاف التحريفات الجوهرية في القوائم المالية نتيجة للممارسات المحاسبة الإبداعية ، فمن الممكن ان يتم اكتشاف تحريفات وتجاوزات بالبيانات المالية للفترة التي يغطيها تقرير المراجع إلا ان هذا الأمر لا يعني فشل المراجع بالتمسك بالمبادئ الأساسية والإجراءات الضرورية للمراجعة ، فأحيانا وبالرغم من التمسك بتلك المبادئ والإجراءات فانه من الممكن اكتشاف بعض التجاوزات والتحريفات بالقوائم المالية .