اعداد محاسب

الاقتصاد الاسلامى ودوره فى حل الأزمة الاقتصادية العالمية

    الاقتصاد الاسلامى ودوره فى حل الأزمة الاقتصادية العالمية

   

يمرالعالم بأزمة اقتصادية ربما تعصف باقتصاديات الكثير من الدول ، ويأتي في مركز الأزمة العالم الغربي ، وفي القلب منها الولايات المتحدة التي تعصف بها مشكلات اقتصادية لم تشهدها في تاريخها منذ أزمة ” الكساد الكبير” في أواخر العشرينيات من القرن الماضي .
    وتعتبرالأزمة الاقتصادية العالمية من أهم وأخطر المشكلات التى تواجه العالم فى الوقت الحاضر بأعتبارها مشكلة عابرة للحدود ذات أبعاد متعددة اقتصادية ، اجتماعية ، سياسية ، وحضارية فلقد ظهرت بوادر الأزمة فى الولايات المتحدة ثم أنتقلت إلى سائر الدول فى مختلف أنحاء العالم .
    وقد بدأت الأزمة بأزمة الرهن العقارى ثم تحولت إلى أزمة مالية ثم إلى أزمة اقتصادية عالمية ويخشى أن تتحول إلى أزمة بطالة وركود شامل ، ولم تَعد آثار الأزمة المالية العالمية مقتصرةً على الوضع الاقتصادي في بعض البلدان ، بل طالت الأوضاعَ الاجتماعية والنفسية للمواطنين .
    وبينما لا يختلف أحد على خطورة تلك الأزمة التى يواجهها العالم فقد تعددت التشخيصات المقدمة لها حيث يرى البعض أنها ” تسونامي” بطالة وسخط اجتماعي ، ويرى البعض الآخر أن الأزمة المالية تؤكد انهيار الربا ، ويرى إتجاه ثالث ومنهم الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون أن الأزمة المالية ضربة قاضية لفقراء العالم.
    وكانت شرارة الأزمة قد اندلعت حين تزايد عدد العاجزين عن سداد قروضهم العقارية في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة المفروضة على أرقام شراء العقارات ، وأغرى ذلك شركات الرهن العقاري لتقوم بشراء ديون المقترضين مع زيادة الفائدة وبتسهيلات في الدفع ، وقامت هذه الشركات بعد ذلك بتقسيم تلك الحزم من القروض إلى أجزاء صغيرة وطرحها في صورة أسهم وسندات مؤسسية ، وبيعها لكافة المؤسسات والشركات التي تبحث عن عائد إضافي ، وعندما انهار السوق العقاري دون أن يتمكن الناس من تغطية قيمة الرهن أو بيع منازلهم فقدت تلك الأسهم قيمتها، وخسرت البنوك التي تحتفظ بها جزءاً كبيراً من رأسمالها، وبدأ الهرم كله يتداعى ، وأعلنت مصارف أمريكية كبرى إفلاسها كمصرف ” ليمان برازر” ومصرف ” أنتجرتي ” ليصل عدد البنوك الأمريكية التي سقطت هذا العام إلى الرقم عشرة .
    وبدت الأزمة ككرة الثلج المتدحرجة التي أنتقلت عبر القارات لتحدث تأثيراً أمتد من أمريكا التي تقود اقتصاديات العالم إلى العالم الغربي وغيرالغربي ، فقد نالت الأزمة بنوكاً غربية عريقة ، منها بنكى “رويال” و “أوف سكوتلند (آر.بي.إس)” في بريطانيا، حيث مني الأخير بخسائر بلغت 691 مليون جنيه إسترليني (1.35 مليار دولار)، وأدت إلى هبوط كبير بالبورصات وأسواق المال العالمية وهروب المستثمرين من أسواق الأوراق المالية الأوروبية ، وكان نتيجة ذلك انهياراً في كل البورصات الأوروبية والعالمية ، ولم تكن آسيا بمعزل عن التأثر، فقد ألقت الأزمة بظلالها على المؤسسات المالية اليابانية، كما أدت لإنهيار في البورصات الآسيوية التي تزايدت خسائرها في تايوان وهونج كونج .
    وبينما تحدث هذه التداعيات الخطيرة يخرج علينا المسئولون العرب الاقتصاديون والمصرفيون ليؤكدوا أن الأزمة لن تنال الأسواق العربية ، وأن تأثير أزمة الرهن العقاري محدود ، ومما يزيد الأمر ضبابية وعدم وضوح أن هذه التأكيدات تأتي بينما بدأت البورصات العربية تتجرع مرارة كأس الأزمة ، وهو أمر متوقع في ظل تبعية الأسواق العربية للاقتصاد الغربي والأمريكي منه على وجه الخصوص، ووجود كم ضخم من الودائع الخليجية في البنوك الأمريكية والأوروبية ، وهو ما ينبئ عن خسارة تصل لرقم يتعدى 1.4 تريليون دولار، إضافة إلى الخسائر العربية المباشرة نتيجة إمتلاك أسهم وحصص كبيرة في مؤسسات مالية وبنوك أمريكية وأوروبية .
    ولقد تعاظم أهتمام العالم بقضية الأزمة الاقتصادية العالمية ، وآثارها السلبية على مسيرة التنمية ، وتزايد الأهتمام فى ظل هذه الأزمة برؤية ووجهة نظر الاقتصاد الإسلامى بأعتباره مخرج حقيقى لمواجهة تلك الأزمة ، ومن هنا فإن الأزمة الاقتصادية العالمية تعد واحدة من أهم المشكلات التي تستحق الدراسة والبحث لإيجاد الحلول المناسبة لها والقابلة للتطبيق ، وقبل الخوض في أي مشكلة يجب علينا أولاً تحديد المشكلة وتعريفها ، ويدور هذا البحث حول موضوع الأزمة الاقتصادية العالمية مع توضيح أسبابها ونتائجها والدروس المستفادة منها ، والتركيز على دور الاقتصاد الإسلامى فى حل تلك الأزمة ، ويعالج البحث هذا الموضوع من خلال عدة محاور أهمها :

    Ø تحديد الإطار المفاهيمى للدراسة .

    Ø توضيح أهم مظاهر الأزمة .

    Ø توضيح أسباب الأزمة .

    Ø توضيح تأثير الأزمة على مصر وحركة التنمية والنهضة المعاصرة بها .

    Ø تناول أهم الدروس المستفادة من الأزمة .

    Ø عرض لأهم سيناريوهات المستقبل للأزمة الاقتصادية العالمية .

    Ø تحديد طرق مواجهة تداعيات الأزمة على مصر

    § وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي .

    · المحور الأول : الإطار المفاهيمى للدراسة

    مفهوم الأزمة المالية : الأزمة المالية هي عبارة عن الانخفاض المفاجئ في أسعار نوع أو أكثر من الأصول ، والأصول إما رأس مال مادي يستخدم في العملية الإنتاجية مثل الآلات والمعدات والأبنية ، وإما أصول مالية ، هي حقوق ملكية لرأس المال المادي أو للمخزون السلعي، مثل الأسهم وحسابات الادخار مثلاً، أو أنها حقوق ملكية للأصول المالية، وهذه تسمى مشتقات مالية ، ومنها العقود المستقبلية (للنفط أو للعملات الأجنبية مثلاً) ، فإذا انهارت قيمة أصول ما فجأة ، فإن ذلك قد يعني إفلاس أو انهيار قيمة المؤسسات التي تملكها.
    وقد تأخذ الأزمة المالية شكل انهيار مفاجئ في سوق الأسهم ، أو في عملة دولة ما ، أو في سوق العقارات ، أو مجموعة من المؤسسات المالية ، لتمتد بعد ذلك إلى باقي الاقتصاد ، وقد يحدث مثل هذا الانهيار المفاجئ في أسعار الأصول نتيجة انفجار”فقاعة سعرية” مثلاً ، والفقاعة المالية أو السعرية ، أو فقاعة المضاربة كما تسمى أحياناً ، هي بيع وشراء كميات ضخمة من نوع أو أكثر من الأصول المالية أو المادية ، الأسهم أو المنازل مثلاً، بأسعار تفوق أسعارها الطبيعية أو الحقيقية ، السعر “الحقيقي” هو مجموع القيم الحالية للعائد المستقبلي المتوقع للأصل، لعوائد السهم أو السند أو العقار في المستقبل مثلاً.
    مفهوم الأزمة الاقتصادية العالمية : لم يصل العالم بعد إلى تحديداً دقيقاً وتعريفاً محدداً ومنضبطاً للأزمة الاقتصادية العالمية نظراً لأستمرارها وعدم انتهاءها بعد ، ولذا تختلف وتتعدد التعريفات المقدمة للأزمة ، ومن أهم هذه التعريفات :

    o التعريف الأول : وهو تعريف معظم أئمة الإسلام ورموزه وينصرف إلى أن “الأزمة المالية العالمية الراهنة هى أزمة أساسها النظام الربوي” .

    o التعريف الثانى : وهو تعريف الرئيس الامريكى الجديد (أوباما) ويشير هذا التعريف إلى أن ” الأزمة الاقتصادية العالمية ازمة غير مسبوقة تدعو لاجراءات غير مسبوقة ” .

    o التعريف الثالث : ويشير إلى أن “الأزمة الاقتصادية العالمية هى مأزق الرأسمالية المالية المعاصرة” . خلاصة الأمر ما زال الغموض يكتنف الجذور المتشابكة للأزمة المالية الدولية ، فالرغم من فيض المقالات والاجتهادات التي أثارتها، وليس ذلك ذنب من تناولوها بالضرورة، بل لأنها ظاهرة معقدة يصعب إجلاء غموضها .

    مفهوم الاقتصاد الإسلامى : يستند الإقتصاد الإسلامى فى الأساس على مبدا الرأسمالية ، فهو يعتمد على حرية السوق والعائد على الفرد ، لكنه ترك من الرأسمالية الكثير حيث حرم الإسلام الاحتقار والربا كما أمر بالعدالة الإجتماعية ، وايضا نظر الإسلام إلى مشكلة الطبقية حيث فئه قليلة تمتلك وفئة كثيرة لا تمتلك ، فقد قال الله تعالى : ( والذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ) ، ومن هنا يظهر أن الإسلام سعى إلى تقليل الفجوة بين من يملك ومن لا يملك ، ليظهر المجتمع على هيئة طبقات صغيرة وآخرى متوسطة ، وكما نظر الإسلام إلى الثروة الضخمة ونظر إلى كيفية تفتيتها وتوزيعها ويظهر ذلك فى الإرث حيث لا يستطيع صاحب رأس المال أن يتصرف فى وصيته بأكثر من ثلث رأسماله بالتالى تنتقل الثروة تلقائيا إلى أكثر من فرد كما أن الزكاة أيضا تساهم فى تفتيت الثروة وتقليل الفجوة بين طبقات المجتمع ، وأهتم الإسلام بتحديد صلاحيات رأس المال فمثلاً منع الربا لأن الربا يثرى رأسمال دون أى تعب على حساب الطرف الآخر ولو لم يحرم الربا لإتسعت الفجوة بين طبقات المجتمع ، أيضا منع الإحتكار مما يزيد فرصة المنافسة والمزاحمة وكلها تصب فى مصلحة المستهلك ، كما أن الإحتكار يمنع التقدم والتطور فرأس المال هدفه المصلحة الشخصية فقط فلماذا يطور من منتجه مع انه لا يوجد منافسا له؟ ، وكما نظر الإسلام أيضا إلى حقوق العامل فالنبى صلى الله عليه وسلم أمر بإعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه ، وأعتبر الإسلام أن إنتقاص جزء من أجر العامل يعتبر ظلم واقع عليه ، وأمر أن يكون الأجر مكافىء لمجهود العمل ، وبالتالى نستطيع القول بأن الإقتصاد الإسلامى ينظر إلى العمل على أنه مساوى لرأس المال حيث قلل من سلطات رأس المال و دعى إلى العدالة الاجتماعية.

    · المحور الثانى : مظاهر الأزمة
    بدأت إرهاصات ومعالم انهيار النظام المالي العالمي في الظهور وأصابت أصحاب الأموال وغيرهم بالهلع والذعر والرعب ، كما ارتبكت المؤسسات المالية والوسطاء معها في التفكير في وضع الخطط للإنقاذ، كما أحدثت للحكومات خوفا على أنظمتها وديمومتها ، وكان من أهم مظاهر هذه الأزمة ما يلي :

    o الهرولة في سحب الإيداعات من البنوك ؛ لأن “رأس المال جبان”، وهذا ما تناولته وكالات الإعلام المختلفة .

    o قيام العديد من المؤسسات المالية بتجميد منح القروض للشركات والأفراد خوفًا من صعوبة استردادها .

    o نقص السيولة المتداولة لدى الأفراد والشركات والمؤسسات المالية، وهذا أدى إلى انكماش حاد في النشاط الاقتصادي وفى جميع نواحي الحياة؛ مما أدى إلى توقف المقترضين عن سداد دينهم .

    o انخفاض مستوى التداولات في أسواق النقد والمال، وهذا أحدث ارتباكاً وخللاً في مؤشرات الهبوط والصعود .

    o انخفاض مستوى الطاقة المستغلة في الشركات بسبب نقص السيولة وتجميد الحصول على القروض من المؤسسات المالية إلا بأسعار فائدة عالية جدا وضمانات مغلظة .

    o انخفاض المبيعات، ولاسيما في قطاع العقارات والسيارات وغيرها؛ بسبب ضعف السيولة .

    o ازدياد معدل البطالة بسبب التوقف والإفلاس والتصفية وأصبح كل موظف وعامل مهددا بالفصل .

    o ازدياد معدل الطلب على الإعانات الاجتماعية من الحكومات .

    o انخفاض معدلات الاستهلاك والإنفاق والادخار والاستثمار، وهذا أدى إلى مزيد من: الكساد، البطالة، التعثر، التوقف، التصفية، والإفلاس

    · المحور الثالث : أسباب الأزمة

    نظراً لأن الأزمة الاقتصادية العالمية لم تنتهى بعد ، فليس هناك تشخيص واحداً محدداً متفق عليه ولذا يجد المتأمل من خلال متابعة مختلف التحليلات الاقتصادية سواء على الساحة المحلية أو الاقليمية أو العالمية ، أن هناك اتجاهات عديدة تناولت أسباب الأزمة وأرجع كل اتجاه من هذه الاتجاهات لأزمة إلى أسباب معينة ، ولكن ومن خلال اجمال تلك الأسباب التى حددتها مختلف التيارات يمكن القول ان الأزمة الاقتصادية العالمية ترجع إلى العديد من الأسباب ، وأهمها :
    o سياسات إدارة الرئيس الامريكى السابق بوش وكذلك المحافظين عندما قاموا بتخفيض الفائدة على القروض العقارية من البنوك مما أدى إلى أرتفاع الديون العقارية إلى 14 تريليون فى العام 2008 بعد أن كانت 680 مليار دولار فى عام 1974 ، وتعد صناعة العقارات فى الولايات المتحدة من الصناعات المتشابكة والتى يترتب عليها العديد من الصناعات وهو ماجعل العقارات الجديدة دافعاً لنمو اقتصادى كبير ، وقد أدى الاندفاع فى صناعة العقارات وملحقاتها من صناعات وأنشطة اقتصادية إلي حدوث فائض ووفرة علي جانب العرض مما أدي إلي انخفاض كبير في الأسعار إلي الدرجة التي أصبحت العقارات اقل بكثير من قيمة القروض ومن هنا لجأ الأمريكيون إلي التخلص السريع من عقاراتهم وهو ما أدي إلى زيادة العرض مرة أخري وانخفاض سريع للأسعار وبما أن العقار هو الضمان الأساسي للقرض فبالتالي زادت حالات الإفلاس والبيع حتى وصلت إلي مليون حالة في أمريكا ولما كانت البنوك التي قامت بعمليات الإقراض هي التي تستحوذ علي العقارات فقد أصبحت الآن تستحوذ علي عقارات أقل بكثير من قيمتها التي تم علي أساسها منح القروض وهكذا وجدت البنوك أن ثروتها من الأصول قد انخفضت بشكل هائل فدخل عدد من تلك البنوك إلي حالة الإفلاس وكان أشهرها بنك”ليمان برازر” ثم أنتقلت الأزمة من الولايات المتحدة إلى باقى الدول نظرا ً لأرتباط الاقتصاد العالمى بالاقتصاد الأمريكى .

    o الممارسات المصرفية الخاطئة التى أدت لإقراض من لا يستطيع السداد أو يرغب فيه .

    o الفترة الطويلة من الانتعاش الاقتصادي دون حدوث ركود تسببت في عدم احتساب المستثمرين للمخاطر.

    o تضارب واسع للمصالح (مثال: وكالات تصنيف الائتمان Rating Agencies) .

    o ضعف الرقابة للبنوك المركزية والحكومات ، أو عدم وجودها .

    o الجشع في سوق يسير بسرعة كبيرة دون كوابح وذلك كما يلى :

    ü شركات التمويل العقاري أرادت العمولة ولم يهمها قدرة العميل على السداد

    ü رؤساء المؤسسات المالية أرادوا جني مليارات الدولارات من المكافئات .

    ü أصحاب المنازل أخذوا قروضاً كبيرة لا طاقة لهم على سدادها طمعاً في ارتفاع أسعار المنازل

    ü تضارب مصالح من الـ Rating Agencies الذين جنوا رسوما كبيرة مقابل تصنيفات غير واقعية

    ü البنوك الاستثمارية خاصة، حصلت على عمولات كبيرة من إصدار سندات مضمونة بالعقارات.

    ü المستثمرون من كل أنحاء العالم أرادوا عائداً كبيراً فيما اعتقدوه استثمارا محدود المخاطر.

    ü الحكومات فرحت بالضرائب الكبيرة التي تجنيها بالانتعاش الاقتصادي الذي ساهم فيه القطاع العقاري

    ü كل شيء كان مرتبطاً بقيمة المنازل وعندما انهارت أسعارها انهار كل البناء الورقي القائم عليها .

    o المشكلات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي الذي يعد أكبر الاقتصاديات في العالم ساهمت في تفاقم أزمة الاقتصاد العالمي ، حيث الارتفاع الكبير في الإنفاق الحكومي الأمريكي بسبب الموازنات العسكرية الضخمة لتمويل الحروب التي تقودها امريكا ، الأمر الذي أدى إلى تفاقم عجز الموازنة العامة ، وارتفاع الدين العام ، وساهم في تخفيض كبير في أسعار صرف الدولار أمام مختلف العملات الرئيسية ، إلى جانب الارتفاع الكبير وغير المبرر في أسعار النفط والغذاء ، وقد لعبت مختلف هذه العوامل إلى جانب تغول آليات عمل وأدوات الأسواق والبورصات على مجريات الأحداث وقيادتها في مختلف الدول الاقتصادية المتقدمة دون تدخل ورقابة الدول ومؤسساتها ، في إطار تطبيق أحدث فلسفات الليبرالية الاقتصادية.

    o ومن العوامل التي دفعت باتجاه تفاقم الأزمة التي نشهد حالياً بعض مظاهرها ، التطورات السريعة في عالم الأعمال والتداخلات والتعقيدات التي أصبحت تتسم بها ، الأمر الذي خلق فرصاً كبيرة لتحقيق أرباح سريعة ، إلى جانب أنها توفر بيئة خصبة لمخاطر كبيرة ، لم يوازها إجراءات ملموسة في آليات وتقنيات إدارة المخاطر التي يمكن أن تنجم عنها ، على الرغم من إصدار مئات ، إن لم يكن آلاف الدراسات التي تم إعدادها في موضوع إدارة مخاطر الأعمال في السنوات الأخيرة .

    o ويرى بعض الذين حصلوا على جائزة نوبل في الاقتصاد مثل موريس آليه : “إن النظام الاقتصادي الرأسمالي يقوم على بعض المفاهيم والقواعد التي هي أساس تدميره إذا لم تعالج وتصوب تصويبا عاجلا”، كما تنبأ العديد من رجال الاقتصاد الثقات إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الجديد يقوم على مبادئ تقود إلى إفلاسه ، بينما يرى الكثيرمن الاقتصاديين الإسلاميين أن الأسباب الرئيسية لهذه الأزمة تتمثل فى عدة أمور، وأهمها :

    ü انتشار الفساد الأخلاقي الاقتصادي مثل: الاستغلال والكذب والشائعات المغرضة والغش والتدليس والاحتكار والمعاملات الوهمية، وهذه الموبقات تؤدي إلى الظلم، وهو ما يقود إلى تذمر المظلومين عندما لا يستطيعون تحمله، وبالتالي يقود إلى تذمر المدنيين وحدوث الثورات الاجتماعية عند عدم سداد ديونهم وقروضهم .

    ü أصبحت المادة هي الطغيان وسلاح الطغاة، والسيطرة على السياسة واتخاذ القرارات السيادية في العالم، وأصبح المال هو معبود الماديين .

    ü يقوم النظام المصرفي الربوي على نظام الفائدة أخذاً وعطاءاً، ويعمل في إطار منظومة تجارة الديون شراء وبيعا ووساطة، وكلما ارتفع معدل الفائدة على الودائع كلما ارتفع معدل الفائدة على القروض الممنوحة للأفراد والشركات والمستفيد هو البنوك والمصارف والوسطاء الماليين والعبء والظلم يقع على المقترضين الذين يحصلون على القروض سواء لأغراض الاستهلاك أو لأغراض الإنتاج .

    ü يقوم النظام المالي والمصرفي التقليدي على نظام جدولة الديون بسعر فائدة أعلى، أو استبدال قرض واجب السداد بقرض جديد بسعر فائدة مرتفع، كما كان المرابون يقولون في الجاهلية: ((أتقضي أم تُربي))، وهذا يلقي أعباء إضافية على المقترض المدين الذي عجز عن دفع القرض الأول؛ بسبب سعر الفائدة الأعلى .

    ü يقوم النظام المالي العالمي ونظام الأسواق المالية على نظام المشتقات المالية التي تعتمد اعتمادا أساسيا على معاملات وهمية ورقية شكلية تقوم على الاحتمالات، ولا يترتب عليها أي مبادلات فعلية للسلع والخدمات، فهي عينها المقامرات والمراهنات التي تقوم على الحظ والقدر، والأدهى والأمَرُّ أن معظمها يقوم على ائتمانات من البنوك في شكل قروض، وعندما تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن ينهار كل شيء، وتحدث الأزمة المالية.

    ü من الأسباب كذلك سوء سلوكيات مؤسسات الوساطة المالية والتي تقوم على إغراء الراغبين (محتاجي) القروض والتدليس عليهم وإغرائهم، والغرر والجهالة بالحصول على القروض من المؤسسات المالية، ويطلبون عمولات عالية في حالة وجود مخاطر، والذي يتحمل تبعة ذلك كله هو المقترض المدين الذي لا حول له ولا قوة، وهذا ما حدث فعلا، وهو ما يقود في النهاية إلى الأزمة .

    ü يعتبر التوسع والإفراط في تطبيق نظام بطاقات الائتمان بدون رصيد (السحب على المكشوف)، والتي تحمل صاحبها تكاليف عالية وهذا من أسباب الأزمة، وعندما يعجز صاحب البطاقة عن سداد ما عليه من مديونية، زِيدَ له في سعر الفائدة، وهكذا حتى يتم الحجز عليه أو رهن سيارته أو منزله، وهذا ما حدث فعلا للعديد من حاملي هذه البطاقات وقادت إلى خلل في ميزانية البيت وكانت سببا في أزمة في بعض البنوك الربوية .

    خلاصة الأمر يمكن القول أن هناك أختلاف واضح فى الآراء حول أسباب الأزمة الاقتصادية العالمية فالاقتصاد الرأسمالى يرجعها إلى سوء الإدارة فى المؤسسات المالية ، بينما يرجعها أنصار الاقتصاد الأشتراكى إلى سوء وقبح المبادىء التى يقوم عليها النظام الاقتصادى العالمى ، وأما علماء الاقتصاد الأسلامى فيرجعونها إلى النظام الربوى المتبع فى الاقتصاد العالمى ويرون أنه لا تتحقق التنمية الحقيقية والاستخدام الرشيد لعوامل الإنتاج إلا إذا كان سعر الفائدة صفراً ، ويرون أن البديل هو نظام المشاركة في الربح والخسارة ؛ لأنه يحقق الاستقرار والأمن فنظام الفائدة يقود إلى تركز الأموال في يد فئة قليلة يمكن أن تسيطر على الثروة .

    · المحور الرابع : تأثير الأزمة على مصر وحركة التنمية والنهضة المعاصرة بها
    أجمع المسئولون الرسميون على أن مصر لن تتأثر بالأزمة المالية العالمية التي هزت عروش أقوى الدول ، بل وصرح البعض بأن لدينا أنظمة رقابية أقوى من أمريكا وأوروبا ، إلا أننا نجد على النقيض وزير المالية يعلن عن 15 مليار جنيه إضافية سيتم ضخها في الميزانية لمواجهة الأزمة ، وتحدث وزير التنمية الاقتصادية بأن خسائر مصر بحدود 25 مليار جنيه ، بمجرد أن صرح الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية المصري بأن التأثير المالي للأزمة العالمية على الاقتصاد المصري سيكون محدوداً ولكنها لن تتفادى على الأرجح التبعات الاقتصادية للأزمة ، أعقب هذا التصريح مباشرة سقوط مروع للبورصة المصرية، خصوصاً بعد عيد الأضحى بشكل لم يحدث في بورصات العالم التي تأثرت بالأزمة ، حيث تراجعت يوم الثلاثاء الأسود 7 أكتوبر بمعدل 16% في وقت كانت فيه معدلات الهبوط في البورصات الأخرى الإقليمية والعالمية ما بين 6 و9% ، ويمكن القول بأن الأزمة الاقتصادية سيكون لها تأثير على مصر وأوضاعها التنموية ، وهذا التأثير ينقسم إلى نوعين :

    Ø تأثير مباشر : من المتوقع أن تنعكس تأثيرات الأزمة العالمية على الكثير من القطاعات الاقتصادية بشكل مباشر؛ أهمها القطاع السياحي، حيث يتوقع انخفاض تدفق السائحين لمصر خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية والتي تمثل حوالي 60% من حجم السياحة الوافدة لمصر (طبقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الكتاب الإحصائي السنوي 2007) ، وبالتالي لو انخفض عدد السياح من أوروبا وأمريكا بمقدار الربع أي 1.7 مليون سائح فستتأثر الفنادق والقرى السياحية التي يعمل بها على الأقل 135 ألف شخص ، فضلاً عن تأثر الصناعات والمشروعات المغذية للقطاع السياحي بدءاً من مصانع الأثاث والمفروشات وانتهاء بالمصانع الغذائية وأفران الخبز، وبالنسبة للقطاع الصناعي يتوقع وفقاً لتصريحات كثير من المسئولين الحكوميين أن يتأثر هذا القطاع بشكل كبير بالأزمة المالية، فالنائب مصطفى السلاب وكيل اللجنة الاقتصادية بمجلس الشعب أكد أنه يوجد 1300 مصنع تحت الإنشاء مهددة بالتوقف بسبب الأزمة، كما صرح يحيى زنانيري رئيس جمعية منتجي الملابس الجاهزة أن صادرات الكويز ستنخفض بنسبة 20% لأن 95% منها كان يوجه للولايات المتحدة وأوروبا وأن السوق الأمريكي كان يستوعب 65% من الصادرات ولذلك يوجد 200 مصنع ملابس جاهزة ستتأثر بالأزمة ، وطالب فاروق شلش عضو غرفة الصناعات الهندسية بأتحاد الصناعات المصرية بضرورة إيقاف الواردات المصرية من الخارج لحماية الصناعة الوطنية حيث إن 20% من المصانع مهددة بالإغلاق، وتشكو 80% من مصانع الوبريات والمفروشات من الإغلاق لأنها كانت تعتمد على التصدير لدول الاتحاد الأوروبي، كما تراجعت صادرات الأسمدة 15% ، وبالتالي نتيجة السياسات الانكماشية لمواجهة الأزمة سيقوم القطاع الصناعي والقطاع السياحي بتخفيض العمالة وهو ما سيؤدي إلى رفع معدل البطالة، أو على الأقل ستقوم تلك القطاعات بتخفيض الأجور الحالية للعاملين للبقاء في وظائفهم وفي كلتا الحالتين سيتأثر العاملون في هذه القطاعات ، وبما أن معدلات البطالة في مصر مرتفعة بالأساس وتصل إلى أكثر من 9% من قوة العمل (وفق إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2007) حيث تم تقدير عدد العاطلين بنحو 2.1 مليون عاطل يُضاف إليهم الداخلون الجدد لسوق العمل كل عام والخريجون، ومع احتمال عودة نصف مليون مصري من الخارج يتوقع أن يرتفع عدد العاطلين بما يقرب من 25% من العدد الحالي ، وأما انخفاض مصادر النقد الأجنبي فهذه مشكلة أخرى ستؤدي لأرتفاع سعر الدولار أمام الجنيه ومن ثم المزيد من أرتفاع الأسعار خاصة للسلع الغذائية والأدوية المستوردة ، وفي ظل واردات تزيد قيمتها على 152 مليار جنيه، وفي ظل انخفاض الصادرات وثبات الواردات ولن نقول زيادتها، سيرتفع عجز الميزان التجاري الذي بلغ 61 مليار جنيه عام 2007. (وفقاً لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2008) .

    Ø تأثير غير مباشر : وبخلاف هذه التأثيرات المباشرة ، توجد تأثيرات أخرى غير مباشرة ، منها انخفاض تحويلات المصريين العاملين في الخارج ، فتأثر القطاع التجاري والصناعي وغيرهما في أوروبا وأمريكا سيؤدي إلى هذا الانخفاض ، وتقدر تحويلات العاملين في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا بـ3 مليارات دولار في عام 2007/2008 (وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2008) ، وكما أن تدهور سعر البترول سيؤدي لانكماش وركود في دول الخليج وتخفيض في أعداد ومرتبات العاملين المصريين هناك، وتمثل عائدات المرور في قناة السويس أحد أهم جوانب التأثر أيضا؛ فعائداتها التي بلغت 4.7 مليارات جنيه عام 2007 (الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الكتاب الإحصائي السنوي 2007)، ستتأثر مع قله عدد السفن العابرة بالقناة بسبب حالة الركود المصاحبة للأزمة، وهو ما سينعكس على دخل قناة السويس، وهي من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي في مصر، ويخطئ من يظن أن البنوك المصرية بمعزل عن الأزمة -كما يشاع- فالبنوك المصرية تستثمر 5.7 مليارات جنيه في بنوك خارجية حتى يونيو عام 2007 ، كما بلغ صافي الأصول الأجنبية بالبنوك 45.2 مليار جنيه، وتشكل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر من دول الأزمة 67% عام 2006/2007 منها 4.7 مليارات دولار من الولايات المتحدة و4 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي (وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء 2008) ، وللأزمة بعد آخر غائب عن الأنظار، وهو مصير مشروعات رجال الأعمال المصريين بالخارج ، فعلي سبيل المثال يعتبر أحمد عز ونجيب ساويرس من كبار المتأثرين بالأزمة نتيجة لوجود استثمارات ضخمة لهما في البلاد العربية والغربية ، كما يمتلك محمد فريد خميس مصنعين أحدهما في الصين والآخر في الولايات المتحدة تم تخفيض الإنتاج بهما ، ويمكن إغلاق أحد هذه المصانع ، والتأثير يكمن في إضطرار كبار رجال الأعمال هؤلاء إلى تصفية بعض مشروعاتهم في مصر لتوفير سيولة يعوضون بها خسائرهم في الأسواق الدولية ، وقد توقع الدكتور عثمان محمد عثمان وزير التنمية الاقتصادية أن تنعكس الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد المصري بالسلب؛ لكونه أصبح مرتبطاً بالاقتصاد العالمي، وأن تبلغ خسائر مصر في العام المالي الحالي 2008- 2009 أكثر من 6 مليارات دولار، وحدد الوزير في تصريحات صحفية الخسائر المصرية عموما بـ 25% انخفاض في الاستثمارات الأجنبية ، ومليار دولار انخفاض في فائض الميزان البترولي ، و2.2 مليار دولار انخفاض في الصادرات السلعية المصرية خصوصاً أن ثلثي الصادرات المصرية تذهب لأمريكا وأوروبا التي ستعاني من حالة كساد كبيرة ، و2.2 مليار دولار خسائر في المجال السياحي ، و600 مليون دولار نقص في تحويلات المصريين في الخارج ، ونصف مليار دولار نقص في دخل قناة السويس ، وتوقع مدير إدارة الرئاسة بهيئة قناة السويس محمود عبد الوهاب أن تبلغ خسائر القناة 4% فقط ، أي ما يعادل 200 مليون دولار وليس 500 كما قال وزير التخطيط ، وفي إطار متصل ، ذكرت صحيفة “الوفد” الليبرالية أن أكبر عشر شركات خاصة متداولة بالبورصة المصرية سجلت خسائر غير مسبوقة تجاوزت 40 مليار جنيه ( 8 مليارات دولار تقريباً ) نتيجة عمليات البيع المكثفة من جانب حملة الأسهم .

    · المحور الخامس : أهم الدروس المستفادة من الأزمة

    يمكن القول أن هناك العديد من الدروس المستفادة من الأزمة الأقتصادية، وأهمها:

    § أن هناك ضرورات لإصلاح النظام النقدي والمصرفي ووضع ضوابط على المشتقات المالية وتعزيز دور الدولة الرقابي والاجتماعي والسعي من أجل تنويع مصادر النمو من خلال تنويع الصناعات والإسراع في تأمين شبكات الحماية الاجتماعية وتعزيز التعاون الاقتصادي والمالي بين الدول العربية ودراسة دخول الرأسمال الأجنبي الى الأسواق العربية للأوراق المالية .

    § ضرورة التدخل الحكومي في كافة الجوانب الاقتصادية، وعدم الإعتداد بأن اقتصاديات السوق البحتة تؤدي إلى وقوف الحكومة موقف المتفرج ، والعمل على محاربة زيادة الاستهلاك والتبذير، فضلاً عن ضرورة الإعلام الجيد للشعب ، وتحصين الاقتصاديات العربية والإسلامية ضد الأزمات الخارجية بتقوية هياكلها، واستكمال دائرة الإصلاح الاقتصادي .

    § إلغاء الشراء بالهامش ، وإلغاء البيع على المكشوف في البورصات ، وفعالية الرقابة ، وتقوية سوق المال كجهة رقابية، وإلغاء المعاملات غير السليمة ، واستكمال هياكل السوق وعلى وجه الخصوص صانعو السوق ، وتشجيع البنوك وشركات التأمين على الشراء وخاصة الأوراق الجيدة التي أنخفض ثمنها، وعدم السماح بخروج المستثمرين الأجانب من سوق الأوراق المالية إلا بعد مرور فترة ، أو على الأقل فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية متصاعدة مع تناقص المدة التي تبقى فيها هذه الأموال في البورصات “محاربة الأموال الساخنة”.

    § الرقابة الرشيدة على استثمار أموال البنوك في الخارج ، وتشجيع البنوك على تنفيذ استثمارات كبيرة في الصناعة والزراعة ، ووجود الرقابة الفعالة على الرهن العقاري ، ومنع الإعلانات التي قد تورط الأفراد في زيادة الاستدانة التي قد تؤدي إلى حدوث أزمة ، بالإضافة إلى معالجة قضية الإسكان ، ومنع المضاربة على زيادة قيمة العقارات ، ودخول الحكومة في مجال الاستثمار الصناعي والزراعي .

    § ضرورة دعم التعاون العربي والإسلامي في المجالات التمويلية والعينية بما يحصن الاقتصاديات العربية والإسلامية ضد مخاطر الأزمات ، ودعوة المجتمع الدولي لإعادة النظر في نمو الأصول التمويلية، ووجود قواعد للرقابة على الأسواق وذلك من أجل زيادة الاستقرار في الاقتصاد العالمي، وإعادة النظر أيضا في النظام التمويلي بأكمله بما يحقق مكاسب أكثر للدول النامية التي تضررت من العولمة على مدار السنوات الماضية .

    · المحور السادس : سيناريوهات المستقبل للأزمة الاقتصادية العالمية

    لقد قدم المتخصصون بدائل وسيناريوهات عن طول فترة الأزمة ، ويمكن حصر تلك السيناريوهات فى ثلاثة سيناريوهات رئيسية :

    § السيناريو الأول ( السيناريو المتفائل ) : يرى بأن الفترة المتعلقة بالأزمة ستكون قصيرة نسبياً فى حدود ستة أشهر ، ويرون أن برامج العلاج الطارئة تتناسب مع حجم المشكلة وستوفر السيولة الملائمة للقطاع التمويلى ، وأنه سوف يتم وضع قواعد رقابية شاملة وفعالة بحيث لاتزيد الآثار السالبة على قطاعات الإنتاج العينية ، وهم متفائلين بسرعة تحرك المجتمع الدولى .

    § السيناريو الثانى ( السيناريو المتشائم ) : وهم يرون أن الأزمة الحالية ربما تكون أسوأ من الكساد الكسير الذى ساد العالم خلال الفترة (1929- 1933) ، زمن ثم يُتوقع أن تستمر الأزمة لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات على الأقل ، وآثار ذلك سوف تنعكس وتمتد إلى القطاعات العينية ، وتتمثل فى ركود وبطالة وعدم ونقص استغلال الطاقات فضلاً عن احتمال ارتفاع معدلات التضخم (ركود تضخمى) ويحتاج العلاج لفترة أطول لأنه أصعب .

    § السيناريو الثالث ( السيناريو الوسط ) : وهو حالة وسط بين التفاؤل والتشاؤم ، وهم يرون أن الأزمة ستستمر لمدة سنة واحدة بعدها يتعافى الاقتصاد العالمى ويصاحب ذلك آثار تختلف من دولة لأخرى حسب إجراءات التشخيص ، وفترة وصف العلاج وفترة ظهور الآثار أو النتائج .

    · المحور السابع : طرق مواجهة تداعيات الأزمة على مصر

    تعد الأزمة الاقتصادية العالمية أحد التحديات التي يجب على مصر الانتباه بشدة لها حالياً ، حيث يتوجب عليها أن تسرع في العمل على إيجاد السياسات و الاستراتيجيات التي يمكن من خلالها مواجهة هذه المشكلة حتى لا تتفاقم المشكلات والآثار السلبية المترتبة عليها ، ويسعى البحث إلى تقديم أهم الحلول والوسائل التى يمكن بها القضاء على ذلك المرض المزمن ( الأزمة الاقتصادية ) وذلك من خلال تناول وجهة نظر الاقتصاد الإسلامى حول مكافحة تلك الأزمة ، وذلك كما يلى :

    v وجهة نظر الاقتصاد الإسلامي :

    يرى علماء الاقتصاد الإسلامي وخبراء المؤسسات المالية الإسلامية ضرورة إبراز مفاهيم وقواعد النظام الاقتصادي والمالي للناس ، وبيان مرجعيته وتطبيقاته، وتأكيد أن حدوث مثل هذه الأزمات كان بسبب غياب تطبيق مفاهيمه ومبادئه ونظمه؛ ذلك لأن قواعد الأمن والاستقرار في النظام المالي والاقتصادي الإسلامي مثلا تضمن عدم حدوث مثل هذه الأزمات، ومن أهم هذه القواعد ما يلي :

    o يقوم النظام المالي والاقتصادي الإسلامي على منظومة من القيم والمثل والأخلاق مثل الأمانة والمصداقية والشفافية والبينة والتيسير والتعاون والتكامل والتضامن، فلا اقتصاد إسلامي بدون أخلاق ومُثُل، وتعتبر هذه المنظومة من الضمانات التي تحقق الأمن والأمان والاستقرار لكل المتعاملين، وفى نفس الوقت تحرم الشريعة الإسلامية المعاملات المالية والاقتصادية التي تقوم على الكذب والمقامرة والتدليس والغرر والجهالة والاحتكار والاستغلال والجشع والظلم وأكل أموال الناس بالباطل ، ويعتبر الالتزام بالقيم الإيمانية والأخلاقية عبادة وطاعة لله يُثاب عليها المسلم وتضبط سلوكه ، سواء كان منتجاً أو مستهلكاً ، بائعاً أو مشترياً وذلك في حالة الرواج والكساد وفى حالة الاستقرار أو في حالة الأزمة .

    o يقوم النظام المالي والاقتصادي الإسلامي على قاعدة المشاركة في الربح والخسارة وعلى التداول الفعلي للأموال والموجودات، ويحكم ذلك ضوابط الحلال الطيب والأولويات الإسلامية وتحقيق المنافع المشروعة والغنم بالغرم، والتفاعل الحقيقي بين أصحاب الأموال وأصحاب الأعمال والخبرة والعمل وفق ضابط العدل والحق وبذل الجهد هذا يقلل من حدة أي أزمة، حيث لا يوجد فريق رابح دائماً أبداً وفريق خاسر دائماً أبداً، بل المشاركة في

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى