ولد الكولونيل ساندرز في 9 سبتمبر عام 1890، توفي والده وهو في السادسة من عمره، فاضطرت والدته للعمل، وتحمل هو المسؤولية باكرًا، حيث كان عليه الاعتناء بأخيه البالغ من العمر 3 سنوات وأخته الطفلة، وهذه الظروف أجبرته على تعلم فن الطبخ باكرًا حيث إنه كان يحضر طعام أخوته، وما أن بلغ السابعة من عمره حتى أصبح طباخًا ماهرًا خبيرًا.
وبعدما أتم عامه السادس عشر خدم لمدة ستة شهور في الجيش الأمريكي في كوبا، ثم تنقل ما بين وظائف عدة، من ملقم فحم على متن قطار بخاري، لقائد عبارة نهرية، لبائع بوالص تأمين، ثم درس القانون بالمراسلة ومارس المحاماة لبعض الوقت، وباع إطارات السيارات، وتولى إدارة محطات الوقود.
وفي عامه الأربعين، كان ساندرز يطهو قطع الدجاج، ثم يبيعها للمارين على محطة الوقود التي كان يديرها في مدينة كوربين بولاية كنتاكي الأمريكية، وكان زبائنه يجلسون في غرفة نومه لتناول الطعام، شيئًا فشيئًا بدأت شهرته تزيد، وبدأ الناس يأتون إلى المحطة فقط لتناول دجاجه، ما مكنه من الانتقال للعمل كبير الطهاة في فندق يقع على الجهة الأخرى من محطة الوقود، ملحق به مطعم اتسع لقرابة 142 شخص.
على مر تسع سنين تالية، تمكن ساندرز من إتقان فن طهي الدجاج المقلي، وتمكن كذلك من إعداد وصفته السرية التي تعتمد على خلط 11 نوعًا من التوابل، الكفيلة بإعطاء الدجاج الطعم الذي تجده في مطاعم كنتاكي اليوم.
كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى أن محافظ كنتاكي أنعم على ساندرز (وعمره 45 سنة) بلقب كولونيل تقديرًا له على إجادته للطهي.
ثم تم تحويل الطريق، فلم يعد يمر على البلدة التي بها مطعم ساندرز، فانصرف عنه الزبائن، بعدما بار كل شئ، اضطر ساندرز لبيع كل ما يملكه بالمزاد، وبعد سداد جميع الفواتير، اضطر ساندرز كذلك للتقاعد ليعيش ويتقوت من أموال التأمين الحكومية، أو ما يعادل 105 دولارات شهريًا، لقد كان عمره 65 عامًا وقتها!
بعدما وصل أول شيك من أموال التأمين الاجتماعي إلى الرجل العجوز، جلس ليفكر ويتدبر، ثم قرر أنه ليس مستعدًا بعد للجلوس على كرسي هزاز في انتظار معاش الحكومة، ولذا أقنع بعض المستثمرين باستثمار أموالهم في الدجاج المقلي الشهي، وهكذا كانت النشأة الرسمية لنشاط دجاج كنتاكي المقلي أو كنتاكي فرايد تشيكن، في عام 1952.
قرر ساندرز أن يطهو الدجاج، ثم يرتحل بسيارته عبر الولايات من مطعم لآخر، عارضًا دجاجه على ملاك المطاعم والعاملين فيها، وإذا جاء رد فعل هؤلاء إيجابيًا، كان يتم الاتفاق بينهم على حصول ساندرز على مقابل مادي لكل دجاجة يبيعها المطعم من دجاجات الكولونيل بعد مرور 12 سنة، كان هناك أكثر من 600 مطعم في الولايات المتحدة وكندا يبيعون دجاج كولونيل ساندرز.
قبل أن يقضي مرض اللوكيميا (سرطان الدم) على الكولونيل وسنه 90 عامًا، كان العجوز قد قطع أكثر من 250 ألف ميل ليزور جميع فروع محلات كنتاكي، حتى يومنا هذا، تبقى وصفة كولونيل ساندرز أحد أشهر الأسرار التجارية المحافظ عليها.
إنه هارلند دافيد ساندرز، الرجل العجوز المشهور، ذو الشيب الأبيض الذي ترمز صورته لأشهر محلات الدجاج المقلي، لقد كانت رحلة هذا الرجل في الحياة مليئة بالصعاب والشوك.
لقد كان الكولونيل هارلاند ساندرز مثالًا يحتذى في الالتزام والعزيمة والتصميم، يقف على رجليه بعد كل هزيمة ولا يلوم الظروف والقدر، يبحث دائمًا عن منافذ لتحقيق حلمه، على الرغم من سنه ومن مرضه المؤلم.
الالتزام … لماذا؟
ما الذي فطرت عليه؟ ما الذي تعتقد أن المستقبل يخبئه لك؟ هل تعتقد أن لك هدفًا أو مصيرًا؟ وإن صح هذا، فهل ستحققه؟ إذا أردت أن تكون الشخص الذي يملك الإمكانات التي تملكها، فسيستلزم الأمر ثباتًا شديدًا، وهذه السمة منبعها الالتزام، وألق نظرة على هذه الحقائق المتعلقة بالالتزام:
1. يمكنه تغيير حياتك:
كتب فريدريك إف. فلاش في كتابه Choices ما نصه: “أغلب الناس يمكنهم النظر إلى ماضيهم وتحديد زمان ومكان تبدلت فيهما حياتهم تبدلًا جذريًا، سواء كان هذا التبدل محض صدفة، أو عن عمد، وتلك هي اللحظات التي، نظرًا لاستعدادنا الداخلي، وتضافر الظروف من حولنا، نضطر إلى إعادة تقييم أنفسنا جديًا والظروف التي نعيش تحت وطأتها، والاختيار من بين بدائل ستؤثر على حياتنا لنهايتها”.
فكّر في فترة في حياتك اضطررت فيها لأخذ عهد على نفسك يقضي بأن تنحو منحى مختلفًا، هل تغيرت حياتك نتيجة هذا العهد؟ ربما أنها لم تتغير التغير المتوقع، ولكن ما من شك أنها حولت مسارك، إذا أردت أن تتغير، يجب أن تتحرى الالتزام.
2. فوق الحواجز:
إن المرء لا يخلو من المشاكل، فأنت لديك مشاكل، وأنا لدي مشاكل، والناس جميعًا لديهم، والسؤال هو: كيف سنتعامل مع هذه المشاكل؟ قال المؤلف مالتبي دي. بابكوك:
(إن أحد أشيع الأخطاء وأفدحها، هي الظن بأن النجاح يتحقق نظرًا لعبقرية ما، أو سحر ما، أو شيء أو آخر لا نملكه، إن النجاح يتحقق بالثبات، والفشل يتحقق بالإستسلام، فإذا استقر رأيك على تعلم لغة جديدة، أو ممارسة تمارين رياضية، هل ستنجح في جهودك هذه أم لا؟ هذا رهين بقدر الشجاعة والمثابرة الذي يشتمل عليه قرارك، إن القرار الذي لن يثنيك عنه شيء، والقبضة التي لن تنفصم هي التي ستحقق لك النجاح). بتصرف
عندما واجه ميكي مانتل مشكلة وفاة أبيه، فبدلًا من أن يقطع عهدًا على نفسه بمواجهة هذه المشكلة والتعامل معها، لجأ إلى شرب الخمر، وكانت هذه بداية طريق الدمار بالنسبة له.
3. الطريق إلى القمة:
وحتى تصل إلى القمة في التميز، فإليك نصيحة دكتور روبرت شولر في كتابه قوة الأفكار، حين يقول: (ابذل قصارى جهدك وابدأ صغيرًا، ولكن فكر على مستوى كبير عليك باجتياز العواقب واستثمر كل ما عندك، وكن مستعدًا للتصرف وتوقع العقبات، ولكن لا تسمح لها بمنعك من التقدم).
ثلاثية الالتزام:
1. وضوح الهدف:
فكما يقول سيسل ديميل: (أغلبنا يسعى لتحقيق أهدافه بشكل يفتقر إلى المثابرة والمواظبة، إن الشخص الذي يحقق النجاح في الحياة، هو الذي يضع هدفه نصب عينيه بصفة مستمرة، ويتجه إليه بلا انحراف).
2. رفقاء الدرب:
فأنت تحتاج إلى رفقاء الدرب ممن جعلوا الالتزام شعارهم، فكما يقول دونالد كليفتون: (إن العلاقات تساعدنا على تحديد هويتنا وإمكاناتنا المستقبلية، وأغلبنا يستطيع أن يقتفي أثر إنجازاته ليجدها مرتبطة بعلاقات محورية في حياته).
3. العمل الدائب:
فكما يقول د. عبد الكريم بكار: (لو تصفحتم يا أبنائي وبناتي سير عظماء الرجال وعظيمات النساء، لوجدتم أنهم يشتركون في عدد من الصفات والعادات الحسنة، وهي التي جعلتهم عظماء ومتميزين، وستجدون من بين تلك الصفات “المثابرة” والقدرة على الاستمرار في العمل.
وذلك لأن الأعمال الصغيرة حين تستمر تتراكم وتتحول إلى أعمال عملاقة، وكلكم يعرف ما تفعله قطرات الماء الواهية في الحجر الأصم، إنها مع الاستمرار تحفر فيه الأخاديد، وتغير شكله).
كيف تبني الالتزام؟
الطريق الأول: التزم بالمهام اليومية:
1. ألزم نفسك بمهمات يومية من الأعمال النافعة، مراعيًا أن تكون تلك الأعمال ضمن طاقاتك وقدراتك، واحذر من الإكثار؛ حتى لا تصاب بالملل، فيكون ذلك سببًا للإنقطاع عنها، فكما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل).
2. كافيء نفسك عند التزامها بالمهام المطلوبة منها.
3. وقِّع على نفسك بعض العقوبات الشخصية عند تقصيرك في أداء ما ألزمت به نفسك.
4. اقرأ في تراجم بعض الذين حققوا الإنجازات الكبيرة في الحياة لتتعلم منهم كيف ارتقوا إلى القمة.
الطريق الثاني: العهد الأسبوعي:
1. في بداية كل أسبوع، خذ على نفسك عهدًا بتحقيق إنجاز كبير نوعًا ما، كأن تحفظ قدرًا معينًا من القرآن، أو تنهي قراءة كتاب ما، ونحو ذلك.
2. ارصد لنفسك مكافأة كبيرة في حالة إنجازها المهمة، وتوعدها بعقوبة كذلك في حالة عدم الإنجاز.
3. كافيء نفسك عند الوفاء بذلك العهد، وعدها بغيره.
4. إذا لم توف النفس بالعهد، فلا تؤنبها ولا تكسرها ولكن استمع إلى الأسباب التي جعلتها لا تتمكن من فعل هذا العهد، فإن وجدت الأعذار مقبولة فسامحها وأعطها فرصة أخرى، وإن لم تجد ذلك فأجر العقوبات عليها، واتفق معها على عهد جديد في حدود إمكاناتها وقدراتها وكرر ثقتك فيها، وأنها قادرة هذه المرة بإذن الله على الوفاء بالوعد.
وأخيرًا:
يقول بي. سي. فوربيز: (لقد علمنا التاريخ أن أكثر الفائزين الناجحين شهرة عادة ما يكونون هؤلاء الذين واجهوا عقبات كئودة وضربات قاصمة قبل أن يحققوا النصر، لقد فازوا لأنهم رفضوا أن تثبطهم هزائمهم).