الخطأ.. حدث مؤسف يولد للإنسان الألم وقد يُسبِّب له الحزن والقلق، خصوصاً إذا كان الخطأ ذنباً عمله بحق نفسه أو بحق الآخرين، وبالتالي تُشكِّل مجموعة هذه الأخطاء ذاكرة غير سارة.
وهذه الذاكرة للأحداث السلبية تولد للإنسان العناء(1) وسيكون الإنسان، خصوصاً في لحظات تذكره، أقل سروراً وأقل رضا عن نفسه.. أي أقل شعوراً بالسعادة والهناء.
لنضرب لذلك مثلاً: قد يكون الإنسان قد أخطأ بحق فرد، ضربه أو أخذ ماله وحقّّه أو أي شكل من أشكال الظلم.. هذا الحدث سيُشكِّل نقطة سوداء في تاريخ الفرد وذاكرته، بل نقطة داكنة مظلمة في قلبه، وسيتذكّر ذلك جيِّداً في خلواته حيث “النفس اللوّامة”، أو ما يُسمّى بتأنيب الضمير، وقد يزداد وخز الضمير هذا ليدق إسفينه في العقل الباطن للفرد، ليكون غير مرتاح، حتى مع عدم تذكره، بل قد يفزعه الأمر في نومه لتكون حياته كوابيس مرعبة ولحظات مُرّة.
ومهما حاولت الأقراص المُهدِّئة والحبوب المُخدِّرة أو أشباهها من المشروبات أن تُبعده لساعات عن وعيه، ولكنه عندما يعود يجد نفسه أكثر ألماً وأكثر حسرة لما صدر عنه وما عمله من سوء.
ولا ينفع مجرد الندم كفراناً لذنبه لأنّه غالباً ما يكون للسيِّئ من الفعال وللظلم من الأعمال آثاره وتبعاته التي ليس من السهولة تلافيها.
فما العمل؟ وماذا يمكن فعله لنسيان الماضي وطي صفحاته المظلمة، وعيش الحاضر بلا أذى ولا شقاء؟
إنّه “الإستغفار”.
بالإستغفار وحده يمكن طي صفحة الأمس واستقبال الغد بوجه مشرق مرتاح، لأنّ الإستغفار – بتمام أبعاده – يمحو كل شيء.. فليس هناك يأس ولا قنوط في العلاقة مع الله تعالى.
يقول الله تعالى: (ومَن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) (النِّساء/ 110)، (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذنوب جميعاً) (الزُّمر/ 53).
فالإستغفار يبعث على الأمن والسلامة ويُعمِّق الشعور بالرِّضا لأنّه:
أوّلاً: يبتني على الندم ممّا فات.
ثانياً: العزم على ترك الخطأ وإصلاح الأوضاع.
ثالثاً: فهو عملية (غسل وتشحيم) للقلب وللجوارح لتكون جاهزة لإنطلاقة جديدة، بعيدة عن الألم.
رابعاً: تفريغ القلب من آثار الماضي وإثارته بروح التفاؤل.
خامساً: الأمل بالله تعالى والتطلُّع إلى رحمته الواسعة.
من هنا جاء في المأثور عن النبي (صلى الله عليه وسلم): “مَن كثرت همومه فعليه بالإستغفار”.
وعنه (صلى الله عليه وسلم): “ألا أدلّكم على دائكم ودوائكم؟ ألا إنّ داءكم الذنوب ودوائكم الإستغفار”.
ولكن ينبغي التذكُّر دائماً: “خير الإستغفار عند الله الإقلاع والندم”، لأنّ “الإستغفار مع الإصرار ذنوب مجددة”، و”المستغفر من ذنب ويفعله كالمستهزئ بربّه”.
الإستغفار يمحو ذنوب العبد مع ربّه، ولكن ماذا عن الأخطاء المرتكبة بحق الغير؟
الإستغفار يتطلّب هنا السعي لكسب رضا الغير، بردّ الحق والمال المغتصب إليه، أو طلب عفوه إن كان حاضراً وقد أُسيء إليه، وإن لم يكن الفرد حاضراً ولا يمكن طلب العفو منه فالإستغفار والدُّعاء له يكفي، خصوصاً إذا اقترن ذلك بعمل الحسنات لأنّ يقول الله تعالى (الحسنات يُذهبن السيِّئات) (هود/ 114).
أمّا إذا كان الغير مجهولاً ولا يمكن ردّ المال إليه، فيتصدّق بالمال نيابة عنه، وهكذا يزول دين الفرد تجاهه.
إنّ الإصلاح، ومنه ردّ المظالم والحقوق المسلوبة إلى أهلها، شرط في قبول التوبة، قال الله تعالى: (فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإنّ الله يتوب عليه إنّ الله غفور رحيم) (المائدة/ 39).
بقي أمر لابدّ من ذكره أنّ على الإنسان أن يُعجِّل بالإستغفار والتوبة ولا يُؤخِّرها متعمِّداً أو متساهلاً لأنّ ذلك قد يؤدِّي إلى عدم قبول التوبة وردّها، قال الله تعالى: (إنّما التوبة على الله للذين يعملون السُّوء بجهالة ثمّ يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً * وليست التوبة للذين يعملون السيِّئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنِّي تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفّار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) (النِّساء/ 17-18).
والموت لا يعلم وقته إلا الله، وهو لا يستثني أحداً، صغيراً أو كبيراً، شاباً أو شيخاً، لذا يجب التعجيل بالتوبة.. قبل فوات الأوان.
يُتبع…
—————-
الهامش:
1- سيكولوجية السعادة، ص191.