ممّا جاء في المأثور عن الإمام جعفر الصادق: “كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتوب إلى الله في كل يوم سبعين مرّة من غير ذنب”.
ولو كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يكثر هكذا من الإستغفار، وهو المنزّه عن الذنوب، فكيف الحال بسائر العباد؟ وماذا يحمل الإستغفار للإنسان من خيرات حتى يلجأ إليه الرسول (ص) ليل نهار؟ وهو الذي نزل فيه قول الله تعالى: (ليغفر الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) (الفتح/ 2)؟
فلابدّ أن تكون في دروب الإستغفار كنوز وأسرار، فما هي؟
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “خير الدُّعاء الإستغفار”.
وقال (صلى الله عليه وسلم): “خير العبادة الإستغفار”.
وقال أيضاً: “طوبى لمن وجد في صحيفته استغفار كثير”.
وقال (صلى الله عليه وسلم): “الإستغفار في الصحيفة يتلألأ نوراً”.
وقال أيضاً: “مَن كثرت همومه فعليه بالإستغفار”.
وعنه (صلى الله عليه وسلم): “أنزل الله عليَّ أمانين لأمّتي: (وما كان الله ليعذِّبهم وأنت فيهم وما كان الله معذِّبهم وهم يستغفرون) (الأنفال/ 33)، فإذا مضيت تركت فيهم الإستغفار إلى يوم القيامة”.
إذن في الإستغفار بركات كثيرة، فهي أمان للأمّة يبعد عنهم سخط الله تعالى ويجلب رحمته، فالمستغفر يشعر بالأمن يحيط به من كل جانب والطمأنينة تملأ قلبه، فيستشعر رحمة الله ويشعر بالرِّضا عن نفسه وعن الحياة.. وتلك سعادة ما فوقها سعادة.
وهكذا بالإستغفار تنور صحيفة المؤمن، وبالأحرى ينور قلبه، بل يتلألأ نوراً، لأنّه يمحو الظلمات ونقاط العتمة من القلب، ليكون كلّه صفاءً وبياضاً.. قلب سليم من كل ذنب وظلم وسوء.. وكان حقّاً بذلك الإستغفار ذهاباً لهموم مَن كثرت همومه، لأن أكثر الهم من التعلّق بالدنيا والتلوّث بأدرانها، والإستغفار سياحة مع الرب في فضاء رحمته الواسعة التي وسعت كل شيء.
وماذا بعد؟
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) فيما رُوِي عنه: “مَن أكثر الإستغفار جعل الله له من كل هم فرجاًً، ومن كل ضيق مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب”.
إنّ “الإستغفار يُزيد في الرِّزق”.
وهذا ما حدّثنا به القرآن الكريم في يقول الله تعالى: (فقلت استغفروا ربّكم إنّه كان غفّاراً * يرسل السماء عليكم مِدراراً * ويُمددكم بأموالٍ وبنين ويجعل لكم جنّات ويجعل لكم أنهاراً) (نوح/ 10-12).
وفي آية أخرى تأكيد أنّ الإستغفار – التام – يوفِّر للإنسان العيشة المرضية، مع سعة الرِّزق ورغد العيش إلى نهاية العمر، حتى يلقى الله تعالى، ليؤتيه الفضل، والله ذوالفضل العظيم، يقول الله تعالى: (وأن استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمّى ويؤت كل ذي فضل فضله…) (هود/ 3).
وفي المأثور، وهو المروي في كنز العمال: “إنّ أعرابياً شكى إلى علي بن أبي طالب (كرّم الله وجهه) شدّة لحقته وضيقاً في المال وكثرة العيال.
فقال له: عليك بالإستغفار، فإنّ الله عزّوجلّ يقول: (استغفروا ربّكم إنّه كان غفاراً…) (نوح/ 10).
فعاد إليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد استغفرت الله كثيراً وما أرى فرجاً ممّا أنا فيه.
فقال: لعلّك لا تُحسن كيف تستغفر.
قال: علِّمني.
قال: أخلص نيّتك وأطع ربّك وقل: “أللهمّ إنِّي أستغفرك من كل ذنب قوى عليه بدني بعافيتك.. صلِّ على خيرتك من خلقك محمّد النبي وآله الطيِّبين الطاهرين وفرِّج عنِّي”.
قال الأعرابي: فاستغفرت بذلك مراراً فكشف الله عنِّي الغمّ والضيق ووسع عليَّ في الرِّزق وأزال المحنة”(1).
فالمراد من الإستغفار: صدق النيّة بالندم والعزم على ترك الذنوب، بطاعة الرب وطلب العفو منه.. وبالتالي فتح صفحة جديدة مع الله.. ومع الحياة من دون ظلم ولا ظلمة.
يقول الله تعالى(يقولون ربّنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا…) (التحريم/ 8).
وكل عمل صالح يكون سبباً للمغفرة، فالوضوء مغفرة ورحمة (النِّساء/ 96)، وذكر الله كثيراً مغفرة (الأحزاب/ 35)، و(فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم) (الحج/ 50)، وخشية الله بالغيب واجتناب السيِّئات مغفرة.. وكل حسنة يعملها الإنسان يزده الله حسناً ومغفرة وشكراً (الشورى/ 23).
وهكذا كل أنواع الخير، هي أبواب للمغفرة والرحمة وذهاب الحزن والمحنة.
قال الله تعالى على لسان المؤمنين: (الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إن ربّنا لغفور شكور) (فاطر/ 34).
وقال جلّ شأنه: (وسارعوا إلى مغفرة من ربّكم وجنّة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين) (آل عمران/ 133).
يُتبع…
—————-
الهامش:
1- كنز العمال/ خ3966.