الوجود الإنساني يشكل منظومة متكاملة متعددة الجوانب وكل ما يتعلق بهذه المنظومة من موارد ومصادر وأفكار وأعمال يؤثر فيها .
إن صفحة النفس رقيقة وشفافة كصفحة الماء الصافي تنعكس فيها اية صورة تتلقاها وتحرك ذراتها كنسائم الهواء ونفحات البشر .
والإنسان إجتماعي بالطبع ,لا يعيش لوحده ,بل يعيش مع غيره ,فهو صوت وصدى لما يولد في داخله وما يتلقاه من خارجه ,ولذا عّد علماء النفس ,أنسجام الإنسان مع محيطه الإجتماعي وحسن علاقاته بمن حوله احد أهم معالم التكيّف النفسي الناجح …وأحد معالم ارتياح الانسان وسعادته .
ويعبّر عن حسن تعامل الانسان مع غيره وتعاطيه الايجابي معهم ,بحسن الخُلق ,ولحسن الخلق في الأديان عموماً والاسلام خصوصاً,مكانة عظمى ,وقد روي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ): ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) بل روي عنه :- ((الاسلام حُسن الخُلق )) وايضاً :- ((أكمل المؤمنين ايماناً احسنهم خلقاً)) .وحسن الخلق يبدأ من النفس بتهذيبها وتزكيتها ,بإكتساب مكارم الأخلاق ومحاسن الفعال , وبالتالي انعكاس هذه التربية في التعامل مع الآخرين .
والأصل فيه اولاً : الوقوف عند حدود الله , فلا يتعدى دائرة الحلال الى الحرام ,لأن الحرام كل قبيح وسيئ وخبيث من الشرّ والظلم والعدوان والبغي ومن ثم الإنتقال الى التعامل مع الآخرين بالحسنى والأكرام ,وفي ذلك يقول الإمام علي رضي الله عنه :- (حسن الخلق في ثلاث : إجتناب المحارم وطلب الحلال والتوسّع على العيال).
ولا شك بأن الدائرة الرحبة لحسن الخلق هي في التعامل مع الآخرين بأدب وطيب ومحبة وود , فقد سُئل الأمام الصادق عن حد حسن الخلق فقال : (تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حَسَن ).
وفي سؤال آخر من مكارم الأخلاق ,قال 🙁 العفو عمن ظلمك , وصلة من قطعك , وإعطاء من حرمك ,وقول الحق ولو على نفسك ) .
إن حسن الخلق يكسب الإنسان زينةً وجمالاً في ظاهره وباطنه ,فينجذب اليه الناس ويرتاحون اليه , فتكون بينهم وبينه مودة والفة , يخرج الناس من وحدته ووحشته فيأنس بنفسه ويكون أنيساً لغيره , فيكون بذلك متواصلاً إيجابياً مع محيطه الإجتماعي , وكل ذلك يكسب مناعة ومكانة شخصية تجاه الحوادث والمخاطر .
ومن جهة أخرى , يشعر الإنسان بأنه محبوب في مجتمعه وعزيز في اهله فيمتلأ غبطة ويفيض شعوراً بالسعادة , وهذا ما يشير اليه قول الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه) :- (لا عيش اهنأ من حُسن الخلق ).
ولا يقتصر تأثير ذلك على الحالة النفسية والمعنوية للإنسان فحسب , بل يؤثر على الحالة المادية والإقتصادية إذ انّ (حُسن الخُلق يزيد في الرزق ) فهو وسيلة ناجحة لكسب رضا المدراء والشركاء , وهو خير طريق إالى جذب المشترين وكسب العملاء التجاريين .
حُسن الخلق , هو بمثابة المادة الخضراء الذي يعيش به الشجر , فهو الذي يغذيها بالاوكسجين ويهضم غذاءها , وهو في نفس الوقت : الذي يزينها فلا شجرة بلا خضرة , ولا إنسان بلا إنس بغيره , وهذا ما يتحصل بحسن الخلق .
حُسن الخلق : طبع وتطبع, والثاني اعظم ,فبعض الناس صبور بطبعه هادئ في روعه لين في كلامه , منذ طفولته ونشأته , وقد جُبل على ذلك , وهذا هو الطبع والبعض ثائر في طبعه حاد في تعامله , خشن في سلوكه … وهذا يحتاج إلى أن يجهد نفسه ليتطبع فيعمل على تهدئة خواطره وتحسين طباعه ليتعامل مع الآخرين بلين ومودة ومداراة ومحبة , وهذا هو من اعظم مراتب جهاد النفس, ومن اكثرها فائدة دنيا وآخرة ويستحق العناء , بل كل العناء اذا ما تذكر الانسان إن ذلك يحسن حاله ويسعد حياته ويضع نصب عينيه وصايا الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) :- ((أن صاحب الخُلق الحسن له مثل أجر الصائم القائم)) ,(( ما من شيء أثقل في الميزان من حُسن الخُلق )) . وقول الإمام علي رضي الله عنه:- ( سوء الخلق نكد العيش وعذاب النفس ) .
ولذا يستحق هذا الأمر أن يعمل الإنسان بهذا الإتجاه , ليخصص وقتاً ليتعلم كيف يكتسب مكارم الأخلاق وكيف ينميها ويشيعها في كل جوانب حياته … لتكون برداً على نفسه وسلاماً له ولغيره .