البراعة في حل النزاعات
البراعة النزاعات
عندما نقبل وجود النزاع في حياتنا ونغير نظرتنا إليه تغدو النزاعات من حولنا فرصاً حقيقية لاختبار قدراتنا التواصلية، وورشاً تطبيقية لتنمية مهاراتنا في الحوار، والإقناع، والإدارة، والتوجيه. وصدق الله القائل: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).
فالتوجه الذهني وتصحيح المفاهيم هو مركز الثقل في حياة الإنسان، وما يواجهه فيها ومنها إدارة النزاع وتوجيهه إلى تحقيق فوائده، فضلاً عن تفادي أخطاره واجتناب مساوئه.
وتأتي المهارات والتقنيات لتحقيق الفوائد العملية واستثمارها ميدانياً في حياتنا(الأسرية والاجتماعية والمهنية).
وعندما يطرأ النزاع يحدث بعض الإرباك في عملية التواصل، وهنا تحديداً تأتي الحاجة إلى فنون الاتصال (كفن الحوار، وفن الإقناع، وفن التفاوض…).
تسيير النزاع الفردي الشخصي
بمجرد ملاحظتك لمؤشر نزاع بينك وبين أحد زملائك أو موظفيك أو مقربيك،كجفاء بعد إعراض، وتجاهل بعد اهتمام، وبرودة في اللقاء بعد حرارة يمكنك المبادرة، و اتباع الخطوات الآتية:-
1)- حاول أن تخمن ما إذا كانت هناك مشكلة بينك وبينه.
2)- في حالة ما إذا وجدت مشكلة بينكما حدد معه موعداً شخصياً لمناقشتها.
3)- اسأل الشخص بود واحترام عما إذا كانت هناك مشكلة بينكما.
4)- أخبره أنك تعتقد بوجود مشكلة بينك وبينه، وأكد له أنك تحترمه، وأنك تريد بناء علاقة يسودها احترام متبادل.
5)- اطلب منه أن يعبر عن رأيه، واستمع إليه حتى ينهي حديثه.
6)- إذا كان بينكما نقاش فلا تردّ على أسئلته إلاّ بعد نظر وإعمال فكر حتى تعطي لنفسك فرصة فهم رأيه ومقصده، وحتى ترتب إجابة هادئة تخاطب عقله وتصل إلى قلبه.
7)- ناقشْ أفكاره، وتجنب اتهام نواياه، واطرحْ مزيداً من الأسئلة حتى تفهم رأيه أكثر، وحاولْ أن ترى الأمور من موقعه, ثم أوجدْ قواسم مشتركة بينكما لتصل إلى حل مرض لكليكما.
8)- دعْ محدثك يشعر أنك تفهمه، وتتفهمه، فذاك ما يعطيه الشعور بالراحة والأمن باستعمال تعبيرات اللباقة مثل: أشعر معك بهذا- أنا أصغي إليك وأتفهمك – أنا أفهمك – أعتقد أنك حريص على مصلحتي ومصلحتك – أنا أدرك حسن نواياك-أنا أحترم وجهة نظرك- ومما يدل على صحة رأيك……) وفاعليتها أنها تعمل على تهدئة الانفعالات المتأججة ليس هذا فحسب، بل تفتح لك قلبه (مركز صناعة القرار لديه) بشكل وتنتزع رضاه وتفهمه واعترافه بحقوقك.
9)- استخلصْ نقاطاً مفيدة من كلامه، وابنِ عليها، وإذا كان بينكما تفاوض فتنازل عن شيء مقابل تنازله عن شيء، واكسب شيئاً مقابل كسبه لشيء آخر(أنا أربح وأنت تربح).
10)- قبل أن تتحدث معه ابنِ معه ألفة حقيقية عن طريق تبني نفس وضعيته الجسمانية، وطريقة جلوسه، وملامح وجهه، وأثناء الحديث استعمل نفس نبرة صوته ونفس العبارات التأكيدية التي يستعملها في سياق حديثه, كأن يقول مثلاً: أنا أشعر أن الأمر خطير…. فترد عليه: وأنا أشعر مثلك تماماً بخطورة الوضع مستعملاً نفس النبرة.
استمر في بناء الألفة حتى تقوده إلى حالة الاستعداد التام للتفاهم.
11)- أخلص هذا العمل لله سبحانه منذ البدء، و احتسب الأجر عنده، واسأله التوفيق، وأن يبارك براعتك الاتصالية وينميها.
إدارة النزعات المهنية (الجماعية)
تظهر النزاعات في العمل كنتيجة لـ(الشعور بالحرمان, سوء التسيير, انعدام التنسيق، غياب الاتصال, محدودية الموارد, التنافس على بعض المكاسب, تداخل الأدوار …الخ).
وتظهر مؤشرات النزاع على شكل (انقطاع التواصل, التهرب, كثرة الغياب, إطلاق الإشاعات, استفحال المطالب, السخرية… الخ).
ومادام الصراع مؤشراً على وجود خلل فالفرصة مواتية للتعرف على الخلل وإصلاحه بمهارة.(إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه).
ولطالما كان وجود النزاع فرصة حقيقية لاختبار القدرات في تقليل هوة الخلاف، وتفعيل قنوات الاتصال، وإيجاد القواسم المشتركة؛ فالمجال متاح لتطبيق مهارات الاتصال وتطويرها.
ويلجأ في هذا المجال إلى المصالحة، أو الاتفاق، أو المفاوضات، أو غيرها من أساليب تسيير نزاعات العمل.
إستراتيجية فض نزاع العمل:
1)- استعمال الرفق وتجنب العنف بكل أشكاله.
2)- تحديد موطن النزاع وأطرافه وأسبابه.
3)- توفير جو مناسب لمناقشة الحلول.
4)- الجمع بين المودة والحزم في معالجة الوضع.
فض النزاع بالاجتماع – التفاوض
يُسار إلى التفاوض في حل النزاعات عندما تتأزم العلاقة، ويسود الشك، وتضغط عوامل داخلية وخارجية؛ لأنه إجراء يساعد على الوصول إلى إبرام اتفاق في سياق أهداف ومصالح متعارض عليها.
مراحل فض النزاع عن طريق التفاوض:
مرحلة التحضير:
1)- تحديد سبب النزاع، وهل هو (عفوي أم مخطط), تحليل المطالب, تقدير التكاليف, توقّع النتائج, احتمال تطوّر الخلاف.
2)- تحليل شامل لأطراف النزاع.
3)- تسجيل لتطورات النزاع وتسلسل أحداثه مع تحضير بعض القرارات بهذا الشأن.
4)- تحديد إستراتيجية كما أسلفنا, وتحضير خطة شاملة لفض النزاع.
5)- تأسيس براهين وثبت حجج وآراء وتبريرات للرفض الجزئي أو الكلي.
6)- إخبار أطراف النزاع للحضور في الزمان والمكان المحددين.
مرحلة التفاوض:
1)- إذابة جليد الشروط المسبقة: بطرح إمكانية الالتقاء حول أرضية مشتركة وإبطال فكرة غالب ومغلوب، ورابح وخاسر، وتغليب (أنا أربح وأنت تربح)، والكل يتنازل عن بعض الشيء ليربح الكثير.
2)- الافتتاح بإجلاء الموضوع وتحرير طاقات الحضور، وإعادة صياغة ما يُقال، والمساهمة في دفع عملية التفاوض إلى الأمام، والتحكم في سير الاجتماع.
3)- تفعيل المناقشة: بالإصغاء إلى كل الآراء, إجلاء الآراء وتلقيحها, التأكيد على القيم, الاستدلال المتواصل, استعمال سبّورة لتثبيت الآراء وتلخيص المداخلات.
4)- استخلاص نتيجة اللقاء بتحرير كتابي يشمل نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف.
وصايا عامة ولكنها ضرورية
1)- جهّز مناخاً خصباً هادئاً للحوار.
2)- أصغِ بكلك إلى محدثك.
3)- توقع أن تسمع كلاماً غير سارٍّ حتى تكون أقدر على ضبط انفعالاتك.
4)- لا تنتقد محدثك، ولا تعاتبه وهو غاضب.
5)- كنْ موضوعياً، وافترض الخطأ والصواب في رأيك وفي رأي مخالفك.
6)- تفهم مشاعر محدثك وانظر من زاويته للموضوع.
7)- دعْ الآخر يتحدث حتى يفرغ كوبه.
8)- إذا رأيت بأن الأمر سيخرج عن السيطرة ذكّر بنقاط الاتفاق، وأجّل نقاش الباقي إلى جلسة لاحقة.
9)- ارفع جلستك بابتسامة وكأنك تقول إن الأمر يسير، وله مالا يُحصى من الحلول.
تقنيات تفعيل الحوار في النزاعات
وأنت تحاور مخالفك يمكنك الاستعانة بأقوى التقنيات في هذا المجال، ولك أن تختار منها ما يسعفك على تحقيق أفضل النتائج، وسأذكر لك منها:
1)- تقنية الإلزام الثنائي: كأن تقول لمحدثك مثلاً: متى نبدأ في مناقشة الأمر؟ الآن أم بعد قليل؟!
2)- تقنية الثنائي المتضاد: كأن تقول له مثلاً: لا عليك كلما كان المشكل أكبر كانت راحتك أفضل فيما بعد.
3)- تقنية المؤثر والتأثير: كأن تقول له مثلاً: مجرد وجودك هنا سيؤدي إلى اتفاق حقيقي. أو تقول له: إرادتك الجادة في تسوية الأمر ستفتح آفاقاً كبيرة للتفاهم والتعاون.
4)- تقنية الربط البسيط: كأن تقول له مثلاً: وأنت تستمع إلى رأيي ستبدأ في ملاحظة نقاط الاتفاق بيني وبينك.
5)- تقنية استعمال المصدر: كأن تقول له مثلاً: حرصك على تسوية الأمر سيكون له…….
6)- تقنية مجاراة الخبرة الحالية: كأن تقول له مثلاً: وأنت تقلّب الآن في وجهات النظر تشرع في إدراك بعض الحقائق…
7)- تقنية الربط الضمني: بينما تستمع إلى هذا الدليل ستبدأ في تفهم رأيي.
8)- تقنية اقتراح عامل الإمكان والرغبة: كأن تقول له مثلاً: ربما ترغب في الاستماع إلى وجهة نظري. أو ربما تريد أن نلتقي في منتصف الطريق لتفادي خسارة كل طرف منا.
9)- تقنية قراءة الأفكار: كأن تقول مثلاً: أعرفُ أنك الآن تتساءل عن مصدر هذا الخبر…
10)- تقنية الافتراض الإيجابي: كأن تقول له مثلاً: وأنت في غمرة المشكلة تبدأ بملاحظة بعض الحلول الناجعة…..
11)- تقنية السياق الخفي: كأن تقول له مثلاً: لست متأكداً من مشاعر الراحة لديك وأنت تستمع لرأيي، أو تقول: هل لي أن أعرف مدى الراحة التي أنت عليها الآن بعدما استمعت لرأيي.
12)- تقنية الاقتباس: كأن تقول مثلاً: سمعت أن الإنصات الجيد يقود حتماً إلى فهم أشمل لوجهات النظر لدى المخالف أو تقول: يُقال: إن الاسترخاء يساعد على صفاء الذهن وقدرته على الاستيعاب.