تمثل البيئة المحاسبية مجموع العوامل المؤثرة على المحاسبة، ويتعلق الأمر بالعوامل الاقتصادية، المالية، السياسية، الاجتماعية والثقافية،…إلخ، هذه العوامل قابلة للملاحظة من خلال أثر صنع القرار “l’impact décisionnel” للعناصر والجهات الفاعلة في مختلف الميادين( )، ويمكن حصر أهم العوامل المؤثرة في البيئة المحاسبية في النقاط التالية:
– تأثير النظام القانوني: لمعرفة أثر النظام القانوني على المحاسبة يجب التفرقة بين: القانون العرفي: أين تكتفي القوانين بتقديم مبادئ عامة، وترك هامش كبير للاجتهاد في حل النزاعات، وهو النظام المعمول به في الدول الأنجلوسكسونية. والقانون المكتوب: أين تكون القوانين دقيقة جدا حيث تتطرق لكل التفاصيل ولا تترك هامشا كبيرا للاجتهاد والتقدير والتأويل (دول التنظيم الأوروبي القاري).
ويفسر هذا الاختلاف في الجانب القانوني الاختلاف في آلية وضع المعايير المحاسبية، حيث تقع هذه المهمة في الدول الأنجلوسكسونية على عاتق المنظمات المهنية، وتكتفي الدولة بالإشراف والتأطير فقط، أما في دول المدخل الأوروبي القاري فإن القواعد المحاسبية تكون مضمنة في القانون (القانون التجاري في فرنسا مثلا)، وقد قام SALTER et DOUPNIK سنة 1992 باختبار العلاقة بين الأنظمة القانونية والأنظمة المحاسبية أين أكدا ما سبق.
– تأثير النظام الاقتصادي : يشمل العامل الاقتصادي مجموعة كبيرة من العناصر أهمها:
– نظام تمويل المؤسسات: في الدول الأنجلوسكسونية الرأسمالية تعتمد المؤسسات في تمويلها على السوق المالي، ونتيجة لذلك تهتم المحاسبة بصفة أساسية بتلبية حاجيات المستثمرين من المعلومات لأغراض اتخاذ القرارات، أما دول التنظيم الأوربي القاري فتعتمد في تمويل مؤسساتها على البنوك والمؤسسات المالية، فتوجه المحاسبة اهتمامها للدائنين وممولي المؤسسة، وكذا المحاسبة الوطنية.
– الجباية: تؤثر الجباية على التطبيقات المحاسبية في دول النموذج الأوروبي القاري أكثر من الدول الأنجلوسكسونية، حيث يتم التسجيل المحاسبي في المجموعة الأولى وفق القواعد الجبائية بينما في المجموعة الثانية هناك فرق بين النتيجتين المحاسبية والجبائية.
– التضخم: يظهر أثر التضــخم أساسا في طرق التقييم، فالدول التي يرتفع فيهــا معــدل التضخم تفضل القيام بإعادة تقييم الأصول، أما الدول الأقل تضخما فتستعمل التقييم وفق التكلفة التاريخيــة.
– حجم الأنشطة الاقتصادية الدولية: فعدد الشركات متعددة الجنسيات في دولة ما له تأثير مباشر على الممارسات المحاسبية بها (معالجة عمليات الاستيراد والتصدير، الصرف الأجنبي، ترجمة العمليات والقوائم المالية، القوائم المالية الموحدة والضرائب على المداخيل الخارجية).
– الروابط والعلاقات الاقتصادية بين الدول: يظهر تأثيرها منطقيا علـى التطبيقات المحاسبيـة، حيث توجد العديد من الدول المتكتلة والمتعاونة التي تتبنى نفس النموذج المحاسبي (مثل الاتحاد الأوروبي) ، إضافة إلى تأثير الدول الاستعمارية.
– التنمية الاقتصادية: فالدول الأقل نموا اقتصاديا تكون حاجتها إلى أنظمة محاسبية معقدة أقل نسبيا من حاجة الدول ذات المستويات المرتفعة من التنمية الاقتصادية إلى مثل هذه الأنظمة.
– طبيعة النظام الاقتصادي: يجب الإشارة إلى أن طبيعة النظام الاقتصادي تؤثر على أهداف المحاسبة ووظائفها، فالنظام الرأسمالي يقوم على اقتصاديات السوق الحر حيث لا يسمح بتدخل القيود والمحددات السياسية أو العقائد الاجتماعية في التفاعل الطبيعي للقوى الاقتصادية (النظرية التي تبنى عليه تتميز بعدم الواقعية)، وهذا ما يتطلب نظام محاسبي أكثر ديناميكية يوفر المعلومات التي تكفل المعرفة التامة لأفراد المجتمع بكل المتغيرات الاقتصادية ( )، أما النظام الاشتراكي فهو يقوم على الملكية العامة لوسائل الإنتاج، ويهدف من وراء ذلك إلى استغلال هذه الوسائل في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة بطريقة تتماشى مع أهداف المجتمع، وإشباع رغبات أفراده لبناء أساس اقتصادي يكفل للمجتمع التقدم والنمو، وهذا ما يتطلب نظام محاسبي أقل مرونة وديناميكية يوفر للدولة المعلومات عن برامجها وأنشطتها الاقتصادية المبنية على التخطيط.
– تأثير النظام السياسي: يقول البلقاوي في هذا الشأن أن القمع السياسي في أي دولة ينتج عنه خسارة وفقد لحرية المجتمع، وهذا أمر يمكن أن يعيق إلى حد ما تطور مهنة المحاسبة ، حيث تصبح عملية إصدار معايير المحاسبة ذات طابع سياسي بحت لا تأخذ بعين الاعتبار متطلبات الأداء الجيد لوظائف المحاسبة وتحقيق أهدافها في إطار النشاط الاقتصادي.
– تأثير المحاسبة المهنية: بناء على WATTS فإن حجم وعمر المحاسبة المهنية يمثلان عاملين من العوامل التي تظهر الاختلافات المحاسبية بين الدول، إضافة إلى قوة وتأثير المنظمات المهنية بالدولة (حيث تزدهر المحاسبة المهنية غالبا وتنشط بالدول الرأسمالية، بينما يكون دورها محدودا في الدول الاشتراكية ذات المركزية في اتخاذ القرارات).
– تأثير مستوى التعليم: هناك ارتباط مباشر بين مستوى التعليم الذي يتحصل عليه مواطنو الدولة، وتطبيقات التقرير المالي المحاسبي بهذه الدولة ، لذا يجب التأكيد على أن تدني مستوى التعليم يجعل من الصعب التحكم في الأنظمة المحاسبية المعقدة وتطبيقها.
– تأثير العوامل الثقافية: في نهاية الثمانينات من القرن الماضي برزت الثقافة كأحد أهم العوامل البيئية المؤثرة على المحاسبة ، وفي هذا الشأن حدد Hofstede أربع أبعاد تقوم عليها حسبه أي ثقافة (وذلك في دراسة عملية اشتملت على أكثر من 117000 استبيان وزعت داخل أكثر من 67 دولة) تتمثل في: الفردية مقابل الجماعية (أي الأهمية التي يعطيها الفرد لمصلحته الشخصية مقارنة مع المصلحة الجماعية للمجموعة التي ينتمي إليها)، بعد فروقات السلطة (أي الطريقة التي يتعامل بها أفراد المجتمع مع الفروقات الموجودة بينهم فيما يتعلق بعد المساواة في السلطة أو القوة الموزعة بينهم)، درجة تجنب عدم التأكد (أي الدرجـة التي يشعـر فيها أفراد المجتمع بالارتياح لحالات الغموض وعـدم التأكـد)، الذكورة مقابل الأنوثة .
– تأثير القيم الدينية: يظهر جليا الاختلاف بين النظام الاقتصادي الإسلامي وغيره من النظم الاقتصادية الغربية والشرقية، حيث أن المحاسبة في الإسلام تستمد قواعدها وأسسها من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ولا تعتمد على آراء المفكرين واجتهاداتهم بالدرجة الأولى، كما أن المحاسبة الإسلامية موجودة لغرض المجتمع، أما الأعراف الغربية فيقوم وجودها من أجل الوحدة الاقتصادية. ويمكن إظهار بعض آثار الدين الإسلامي على المحاسبة في:- محاسبة الزكاة.– تحريم التعامل بالربا.– محاسبة المسؤولية والمسؤولية الاجتماعية حيث تقوم الأنشطة الإسلامية على المسؤولية المشتركة والعدالة بين الشركاء.
