يعتبر التحليل المالي تشخيصا لحالة أو لوظيفة مالية في المؤسسة خلال دورة إنتاجية معينة أو خلال عدة دورات، وهذا لمن لهم علاقة بالمؤسسة كرجال الأعمال، بنوك مستثمرين بهدف إظهار كل التغيرات التي تطرأ على الحالة المالية وبالتالي الحكم على السياسة المالية المتبعة واتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة.
لذلك ارتئينا إلى تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين، سنكشف الضوء في المبحث الأول على ماهية التحليل المالي من خلال إعطاء نظرة تاريخية للتحليل المالي وتوضيح مفهومه مع إبراز الأدوات والمراحل التي يمر بها، أما في المبحث الثاني فسنعرض فيه مختلف وظائف وأهداف التحليل المالي.
المبحث الأول : ماهية التحليل المالي
سنقوم في هذا المبحث بتقديم التحليل المالي بفكرة مبسطة وواضحة من خلال التعرف على نشأته و على مختلف التعاريف التي تميز بها إضافة إلى الأدوات المستعملة فيه و أهم المراحل التي يمر بها .
1 : نظرة تاريخية عن التحليل المالي
لقد نشأ التحليل المالي في نهاية القرن 19 إذ استعملت البنوك و المؤسسات المصرفية النسب المالية التي تبين مدى قدرة المؤسسة على الوفاء بديونها استنادا إلى كشوفها المحاسبية، إضافة إلى ذلك فان الأزمة الاقتصادية التاريخية الممتدة من الفترة بين 1929 – 1933 كان لها أثر معتبر في تطوير تقنيات التسيير و التحليل المالي،ففي سنة 1933 أسست في الولايات المتحدة الأمريكية لجنة للأمن و الصرف،ساهمت في نشر التقديرات و الإحصائيات المتعلقة بالنسب المالية لكل قطاع اقتصادي .
و قد كان لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية دور هام في تطوير تقنيات التحليل المالي في فرنسا،حيث أظهر المصرفيون و المقرضون الهامون اهتمامهم بتحديد خطر استعمال أموالهم بصفة دقيقة،و مع تطور المؤسسات و وسائل التمويل في الستينات انصب الاهتمام على نوعية المؤسسة،عليه تكونت في فرنسا سنة 1967 لجنة عمليات البورصة التي من أهدافها تأمين الاختيار الجيد و تأمين العمليات المالية التي تنشرها الشركات المحتاجة إلى مساهمة الادخار العمومي.
كما أن تزايد حجم العمليات و تحسن نوعيتها ساهم بشكل كبير في خلق نظرة جديدة للتحليل المالي حيث تحول من تحليل ساكن ( لفترة معينة أو سنة ) إلى تحليل ديناميكي ( دراسة الحالة المالية للمؤسسة لعدة سنوات متعاقبة أقلها 3 سنوات، و المقارنة بين نتائجها و استنتاج تطوير سير المؤسسة المالية ) ،و أدى تعميم التحليل المالي في المؤسسات إلى تطور نشاطاتها و تحقيقها إلى قفزات جد مهمة في الإنتاج و الإنتاجية .
¹ ناصر دادي عدون ” تقنيات مراقبة التسيير – التحليل المالي – الجزء 1 ” دار الهدية العامة ،1998 ،ص13 .
2 : مفهوم التحليل المالي و الجهات المستفيدة منه
1-مفهوم التحليل المالي¹: يعتبر التحليل المالي من أهم الوسائل التي يتم بموجبها عرض نتائج الأعمال على الإدارة المشرفة، إذ يبين مدى كفائتها في أداء وظيفتها، و هو أداة للتخطيط السليم، يعتمد على تحليل القوائم المالية بإظهار أسباب النجاح و الفشل، كما يعتبر أداة لكشف مواطن الضعف في المركز المالي للمؤسسات و في السياسات المختلفة التي تؤثر على الربح، كما يمكن من رسم خطة عمل واقعية للمستقبل ويساعد الإدارة على تقييم الأداء.
كما ينبغي على التحليل المالي أن يساهم في الاستخدام الفعال للأموال المتحصل عليها، و من هنا يتبين لنا أن التخطيط يعتبر من أهم وسائل التحليل المالي، بحيث يقوم بتحديد الأهداف و السياسات و الإجراءات المالية للمؤسسة كما يعتمد على عدة خطوات تتمثل فيما يلي :
* تحديد الأهداف المالية للمشروع و المتمثلة في استخدام رأس المال لزيادة الطاقة الإنتاجية للمؤسسة،و تحسينه في الفترة الطويلة و القصيرة لمقابلة التغيرات المستقبلية .
* رسم السياسات المالية و ذلك من خلال الحصول على الأموال و كيفية إدارتها و توزيعها .
و باختلاف المفكرين تتعدد تعاريف التحليل المالي و فيما يلي سنكتفي ببعضها :
1-1- التحليل المالي هو دراسة محاسبية : التحليل المالي هو فحص القوائم المالية و البيانات المنشورة لمؤسسة معينة لفترة أو فترات ماضية قصد تقديم المعلومات التي تفيد المؤسسة .
1-2- التحليل المالي هو دراسة تنبؤية : إن التحليل المالي هو عبارة عن مجموعة من الدراسات التي تجري على البيانات المالية بهدف بلورة المعلومات و توضيح مداولتها،و تركيز الاهتمام على الحقائق التي تكون كبيرة وراء زحمة الأرقام،وهو يساعد في تقييم الماضي كما يساهم في الاستطلاع على المستقبل و تشخيص المشكلات و كذا الخطوط الواجب أتباعها² .
1-3- التحليل المالي وسيلة للقيام بدراسة تخطيطية : يعتبر التحليل المالي خطوة تمهيدية ضرورية للتخطيط المالي،إذ من الضروري التعرف على المركز المالي و السياسات المختلفة التي تأثر على الربح³.
2- الجهات المستفيدة من التحليل المالي¹ : نظرا للأهمية البالغة التي يتميز بها التحليل المالي،أدى هذا إلى تعدد الجهات المستفيدة منه و يمكن عرضها كالتالي :
* إدارة المؤسسة : تستفيد من التحليل المالي في المجالات التالية :
1- مدى نجاح المؤسسة في تحقيق السيولة .
2- مدى نجاح المؤسسة في تحقيق الربحية .
3- معرفة الوضعية المالية للمؤسسة بالمقارنة مع المؤسسات المنافسة .
4- تقييم منجزات المؤسسة في مجال التسويق و البيع و الإنتاج .
5- التنبؤ بالمستقبل .
6- المساعدة بالرقابة المالية .
* الدائنون : تستفيد هذه الجهات من التحليل المالي في معرفة الوضع الائتماني للمؤسسة و هيكل تمويلها و الدرجة السيولة لديها ومدى قدرتها على السداد في المدى الطويل و القصير،و درجة ربحية المؤسسة .
* المستثمرون : يستفدون من التحليل المالي في معرفة القوة الإدارية للمؤسسة،و نصيب جملة الأسهم في المؤسسة من الأرباح،و سياستها في توزيع الأرباح و مدى استقرار الأٍرباح من سنة إلى أخرى و نسب النمو و التوسع في المؤسسة .
* بيوت الخبرة المالية : تستفيد من التحليل المالي من خلال معرفة معلومات عن المؤسسة و مدى مساهمتها في الاقتصاد المحلي .
3 : أدوات و مراحل التحليل المالي
1- أدوات التحليل المالي: يستعمل التحليل الملي عدة تقنيات منها :
* يقوم بمقارنة الكشوف المالية لسنوات متعددة.
* مقارنة المؤسسة مع المؤسسات الأخرى من نفس القطاع،مما يعطي للمؤسسة فرصة لمعرفة مكانتها في القطاع مع اكتشاف نقاط القوة و الضعف .
* تكون على شكل نسب ،وهذه الأخيرة من أكثر أدوات التحليل المالي استعمالا حيث تبين مجموعة وظائف في الميزانية أو جدول حسابات النتائج .
* تكون على شكل تحليلات ترتكز على أدوات تتماشى مع حالة المؤسسة مثل دراسة السيولة و دراسة التدفقات النقدية و المردودية ،ودراسة الأخطار المالية الخاصة بالاستثمار .
* و هي على شكل وسائل نقدية كاستعمال الإعلام الآلي .
2- مراحل التحليل المالي : يمر التحليل المالي بمجموعة من المراحل،وهذا يعتمد على نوع التحليل و أهميته و درجة التفصيل المطلوبة فيه،و يتفق معظم الباحثين في التحليل المالي على أن مراحله هي :
2-1- تحديد هدف التحليل بدقة : من الضروري جدا أن يحدد المحلل المالي الهدف الذي ينبغي الوصول إليه،و مدى أهمية هذا الهدف و تأثيره،ويلاحظ أن أهداف التحليل المالي تتفاوت من فئة إلى أخرى ،و من هنا نجد أن نجاح العملية التحليلية يعتمد على تحديد الهدف بدقة .
2-2- تحديد الفترة الزمنية للتحليل المالي : في هذه المرحلة يتم تحديد البعد الزمني للتحليل المالي،وبمعنى أوضح تحديد عدد السنوات التي سيتم تحليل بياناتها .
2-3- اختيار أسلوب التحليل المناسب : تتعدد أساليب التحليل المالي المتاحة أمام المحلل،و منها استخدام أسلوب النسب المالية و كذلك الأساليب الاقتصادية و غيرها،إذ يقف المحلل المالي في هذه المرحلة أمام مجموعة من البدائل و عليه أن يتخذ البديل المناسب .
2-4- إعادة تبويب القوائم المالية لتلائم أسلوب التحليل المختار : في هذه المرحلة يتم التبويب السليم للقوائم المالية من زاوية التحليل المالي التي تسهل عملية التحليل،و كل هذا يعتمد على خبرة المحلل المالي و درايته التي من خلالها يستطيع توفير الدقة و الوضوح و البساطة في القوائم المالية و بالتالي تحقيق هدف التحليل المالي .
2-5- التوصل إلى الاستنتاجات : تتم عملية الاستنتاج من قبل المحلل المالي،في إبداء رأي فني محايد،بعيد عن التحيز الشخصي بكافة جوانبه و الالتزام بالموضوعية بأكبر قدر ممكن .
2-6- صياغة التقرير: التقرير هو وسيلة لنقل نتائج العملية التحليلية مع ذكر الاقتراحات التي تتناسب مع النتائج المتوصل أليها .
¹ أحمد توفيق جميل “الإدارة المالية “درا النهضة العربية للطباعة و النشر ، بيروت ، سنة 1980 ، ص25.
المبحث الثاني : وظائف و أهداف التحليل المالي
إن أهمية التحليل المالي قد ازدادت بشكل كبير في الاقتصاديات المعاصرة،بل أن الكثير من المؤسسات قد خصصت أقساما خاصة و دعمتها بالكفاءات الإدارية و المحاسبية اللازمة،لكي تتخصص في التحليل المالي و جعله الأداة التي تدفع بوتيرة المؤسسة إلى التنمية و التطور، إذا نظرا للأهمية البالغة التي أصبح التحليل المالي يتمتع بها أصبح لابد من معرفة جميع وظائفه و أنواعه و كذلك الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها .
المطلب1 : وظائف التحليل المالي ¹:
من بين وظائف التحليل المالي إدارة طريق متخذي القرار لاتخاذ أحسن القرارات التي تعود على المؤسسة بالربح،و السير لتحقيق هدفها وبقائها في بيئة متغيرة باستمرار،و من بين القرارات التي تحددها سياسات التحليل المالي هي :
* قرار الاستثمار .
* قرار التمويـــل .
* قرار التخطيط و الرقابة المالية .
الشكل التالي يبين وظيفة التحليل المالي في اتخاذ القرارات :
– المخطط العام لوظائف التحليل المالي –
قسم الإدارة و التحليل المالي
* قرار الاستثمار يحدد : * قرار التخطيط و الرقابة المالية: * قرار التمويل يحدد:
1- هيكل الاستثمارات 1- التخطيط المالي ( التنبؤ المالي 1- هيكل التمويل
( قصيرة و طويلة الأجل ) و الموازنة المالية ……الخ) 2- المزيج التمويلي
2- خطر الأعمال 3- الخطر التمويلي
2- الرقابة المالية ( تحليل النسب 4- تكلفة رأس المال
3- الأرباح المستقبلية العائد على الاستثمار …الخ)
زيادة أرباح أصحاب المشركة
تعليق : من خلال المخطط يمكن القول بأنه لكيي تمكن المحلل المالي من تحقيق الهدف الرئيسي للمؤسسة ألا وهو تعظيم ثروة أصحاب المؤسسة عليه القيام بالوظائف التالية :
1- التحليل و التخطيط المالي : و ذلك من خلال تحليل البيانات المالية و تحويلها إلى معلومات يمكن استخدامها لإعداد الموازنات المتعلقة بالإيرادات و المصاريف التي تخص المشروع في المستقبل .
2- تحديد هيكل أصول المشروع : من حيث تحديد حجم الاستثمارات في كل من الأصول القصيرة و الطويلة الأجل،و كذلك التوجيه باستخدام الأصول الثابتة الملائمة .
3- تحديد الهيكل المالي للمشروع : إذ يجب تحديد المزيج الأمثل و الأكثر ملائمة من تمويل قصير و طويل الأجل،كذلك تحديد طبيعة ديون المشروع سواء كانت ملكية أو عن طريق الاقتراض .
المطلب2 : أنواع التحليل المالي ¹: هناك نوعان من التحليل المالي و هما :
2-1- التحليل الرأسي : هو عبارة عن تحويل الأرقام المالية إلى نسب مئوية من الرقم المالي الرئيسي في تلك القائمة و لكل فترة،و قد تم التعارف على أن يكون الرقم الرئيسي في قائمة الدخل هو رقم صافي المبيعات و في الميزانية العمومية هو مجموع الأصول، و يساعد هذا النوع من معرفة نقاط القوة و الضعف الموجودة في المؤسسة .
2-2- التحليل الأفقي : يتضمن التحليل الأفقي لعدة سنوات صياغة كل عنصر من العناصر المالية المراد تحليلها أفقيا بشكل نسب مئوية من قيمة العنصر نفسه في سنة الأساس،و ذلك لمعرفة مدى النمو و الثبات و التراجع في ذلك العنصر عبر الزمن،و يساعد هذا النوع على :
* اكتشاف سلوك المؤسسة .
* تقييم إنجازات و نشاط الشركة في ضوء هذا السلوك .