التسيير الإستراتيجي للأفراد
أ. الصديق بخوش
إدارة الأفراد والعلاقات الإنسانية جامعة عنابة – الجزائر
تمهيد:
تتلخص الثقافة الإنسانيّة في المؤسسة في التركيز على دمج الأدوار بالمشاعر بحيث يشعر الفرد العامل داخل الجماعة بأنه جزء لا يتجزأ من الكل وأن الكل جزء لا يتجزأ منه، ومن الواضح أن إيجاد هذا النوع من التثقيف في غاية الصعوبة لكنه في غاية الأهمية، لأنه يقوم على النظرة الإنسانية إلى الأفراد لا الآلية أو الوظيفية، لذلك فإن المنهج الأساس لهذه النظرة يقوم على التركيز على إحتياجات العاملين والنظر إليهم على أنهم أعضاء أسرة واحدة يتوجب الإهتمام بهم وتدريبهم والعمل على ترسيخ المباديء في نفوسهم وضمان أداء متميّز لأعمالهم وأدوارهم وتوفير أكبر قدر ممكن من الإحترام للعاملين وإتاحة الفرص الكافية لهم للمشاركة في القرار والعمل.
وعلى هذا فإن خلق ثقافة إنسانية تتفق مع إدارة الموارد البشرية تعتبر من أهم التحديات للمؤسسة العصرية، إذ ليس من المنطقي البدء بتطبيق هذه الثقافة في مؤسسات تقوم على ثقافات لا تؤمن بالإنسان إلا بمقدار ما يؤدي من دور وعمل، ولا تتوفر فيها مقومات الرعاية الإنسانية والتنمية للأفراد، فإن ما قيل من أن الثقافة أولاً وقبل كل شيء، تثبت مصداقيته لدى كل تغيير وإبداع جديد.
1.تطور الوظيفة الإستراتيجية لإدارة الموارد البشرية:
إن تاريخ إدارة الموارد البشرية بطرقها وتمثيلها وإنشغالاتها كانت مرتبطة كليا بتاريخ الإقتصاد، والتي ينجر عنها حركة إجتماعية حاملة لمتطلبات وإحتياجات جديدة.
“قبل سنة 1914 لم تكن وظيفة الموارد البشرية كما هي الأن في الواقع، إدارة الموارد البشرية كان يديرها أرباب العمل أنفسهم، إن الظروف التي أدت إلى ظهور وبروز إدارة الموارد البشرية كفرع علمي مستقل، يعود إلى إنتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، وكان ذلك متداخلا ومرتبط بتحولات الجهاز الإقتصادي لتلك المرحلة “.
من جهة أخرى نشهد ميلاد الرأسمالية الحديثة والتي شهدت ظهور المؤسسة الإقتصادية الكبيرة في ظرف إجتماعي صعب، هذه المعطيات تمثل الواقع الذي فيه إدارة الموارد البشرية، حيث أن البناء النظري لهذه الوظيفة يعود إلى منظرين كماكس فيبر وتايلور وفايول، والذين يعتبرون من أوائل المنظرين في وظيفة إدارة الموارد البشرية.
إن تايلور يعد أول من حاول دراسة الحركات اللازمة لأداء العمل في المنظمات الصناعية، وتسجيل الزمن اللازم لكل حركة، وحينما كان يكتشف طرق مثلى أو ممتازة لأداء عمل ما، كان يفرضها على من يختارهم من العمال أثناء تدريبهم.
لقد جعل تايلور العمل الإداري أكثر واقعية، فالإدارة العلمية “تسعى لجمع المعلومات الخاصة بالعمل من العمال أنفسهم ثم تبويبها وتصنيفها ووضعها في شكل قواعد تساعد العامل على تأدية عمله بشكل كبير، فهي بذلك تجزأ العمل بين الإدارة والعمال بأسلوب يؤدي في النهاية إلى إرتفاع الكفاية الإنتاجية للمؤسسة”[2].
وبالتالي فتايلور سعى إلى الإستخدام الأمثل للإنسان في المؤسسة، حيث كان إهتمامه منصبا على كيفية إدارة قدرات العامل وإستغلالها في خدمة المؤسسة، إلى جانب هذا التوجه إهتم أيضا بكيفية تحفيز العامل وتدريبه على تقنيات العمل والألات الجديدة في المؤسسة حتى يسمح له بالعطاء أكثر مما كان عليه، ” وإعتبر تايلور الإختيار العلمي للعاملين الأساس في نجاح إدارة الموارد البشرية ويجب أن يتم إختيارهم بعد التأكد من تأهيلهم المناسب وتوافر القدرات والمهارات اللازمة لتحمل عبء ومسؤوليات الوظيفة…وأن العامل لن ينتج بالطاقة المطلوبة منه، إلا بعد أن يكون لديه الإستعداد للعمل والتدريب المناسب على العمل، وبذلك فإن تدريب العامل وتطويره أمر جوهري للوصول إلى المستوى المطلوب من العمل”، ومن هنا يظهر الإهتمام الواضح بالعمال من خلال مدرسة الإدارة العلمية لتايلور، وبالتالي ظهرت وظيفة إدارة الموارد البشرية عند تايلور كإدارة هامة لا بد من الإهتمام بها .
وفي السياق نفسه فإن تايلور له أفعال مختلفة، “سمح بإنشاء تنظيم العمل حول مباديء الوقت بمعنى وحدة الوقت اللازمة لتحقيق وظيفة محددة، كذلك ترتيب الوظائف حسب درجة التعقيد والمؤهلات المطلوبة لتحقيقها، حيث ظهر مفهوم العامل المتخصص والمؤهل أو عون التحكم، وبهذا أدت هذه المظاهر إلى وضع طرق لوصف مناصب العمل والذي ظهر كأداة حتمية وظرورية لإدارة الموارد البشرية”.
تيار نظري ثاني ظهر وتطور يتناول بطريقة مختلفة كليا مفهوم الإنسان في العمل، مرتبط بمدرسة العلاقات الإنسانية، هذه المدرسة قامت بدراسة ظروف العمل والتي قام بها بمصانع هاوثورن، خلال تجاربه “لاحظ إلتون مايو أن العمال بعد تعريضهم لمختلف المتغيرات في محيط العمل، وخاصة شدة الضوء وساعات العمل ووقت الراحة وكذلك طريقة تقاضي الأجور، فأظهرت هذه التجارب أن محيط العمل له تأثير مباشر على فعالية العامل ومردوديته، وبالتالي تم إدراك لأول مرة أثر وسط أو محيط العمل على العامل، ومنه أعتبرت تجربة إلتون مايو مرحلة هامة ذات تأثير بالغ في تاريخ إدارة الموارد البشرية”.
ماسلو أيضا هو الآخر ساهم في تطور إدارة الموارد البشرية، وهذا بإدراجه سلم للحاجيات الإنسانية والتي ” تنمو بإنتظام من حاجيات أولية إلى حاجيات سامية وجد معقدة، والمنطق التمثيلي للحاجات حسب هرم ماسلو يعتمد على فكرة أن الحاجات العليا لا يمكن إشباعها إلا بعد إشباع الحاجات السفلى للهرم”.[6]
هذه النظرية تم توسيعها وتكميلها وتدقيقها من طرف هيرزبرغ من خلال دراسة التحفيز، والذي يعتبر أن إثبات النفس هو الهدف النهائي لكل توجه إنساني، وقام بربط مشكلة التحفيز الشخصي بمنطق المؤسسة.
تعتبر هذه الوظيفة الإستراتيجية من أهم الوظائف المتواجدة في المؤسسة، وإدارة هذه الوظيفة تتعامل مع الأفراد بصفتهم أهم عنصر من عناصر الإنتاج، ذلك لأنهم يمتازون بقدرات وكفاءات ومهارات بإمكانهم تطوير المؤسسة وبالأخص مكانة المؤسسة التي يعملون بها .
فالأفراد العاملين في المؤسسة يؤثرون ويتأثرون بما يدور حولهم من متغيرات في المؤسسة، لذا قامت هذه الإدارة الوظيفية بوضع لوائح وقوانين وإجراءات تكفل خدمة العنصر البشري في المؤسسة، وجهدت في أن تحقق رغبات هذا العنصر الهام ورغبات المؤسسة ككل .
وعلى هذا الأساس تطورت وظيفة الموارد البشرية قصد الزيادة في تنمية المؤسسة والموارد البشرية العاملة بها ومن بين الأسباب التي أدت إلى هذا التطور”تدخل الدولة في النشاط الإقتصادي وذلك بوضع لوائح تحدد كيفية إستخدام العمال والمحافظة على حقوقهم مثل قوانين العمل والعمال، كما نجد أيضا أن التطور التكنولوجي المتسارع والذي فرض الحاجة إلى تدريب العاملين وتطويرهم بصورة مستمرة وهذا يأتي مع ظهور الشركات والمؤسسات الكبيرة الحجم مما ترتب عليه زيادة الحاجة إلى الأفراد كما ونوعا”، فإتجهت الصناعة إلى إستعمال للآلات المتطلبة ليد عاملة أكثر تكوينا وأهمية في المؤسسات، وبالتالي فالتكنولوجيا أثرت مباشرة على تحول وتطور وظيفة الموارد البشرية في المؤسسة.
كذلك من بين الأسباب التي أدت إلى تطور هذه الوظيفة ظهور النقابات والإتحادات العمالية التي تقوم بالدفاع عن مصالح العمال، مما فرض وجود إدارة الأفراد للعناية بمتطلبات هذه النقابات، ومن جهة أخرى فإن ” التحسن الذي عرفه العامل في مستواه التعليمي مع تطور الوضع الإجتماعي، أصبح يستطيع متابعة التغيرات السياسية والإجتماعية من خلال إدراكه للتطورات في أفكار الطبقة العمالية، وأصبح واعيا بكرامته الشخصية وبقيمة عمله، بعدما كان كالآلة في عين صاحب العمل، كما سمح له المستوى الثقافي أيضا بفهم أن التنظيم النقابي يقدم له وسيلة للدفاع الذاتي”، وهكذا تمكن العمال من الدفاع عن حقوقهم وبشكل جماعي مثل مقاطعة المصانع والإضرابات عن العمل.
فإنحصرت هذه الوظيفة على قيام إدارة الموارد البشرية نيابة عن أصحاب العمل، بإجراء مفاوضات مع النقابة التي تمثل العاملين، للتوصل إلى إتفاقات بينهما ترضي الطرفين، فيما يخص التعويضات المالية والمزايا الوظيفية، وكان كل طرف يحاول تحقيق مكاسب على حساب الطرف الأخر، وتجنب المشاكل مع النقابة قدر الإمكان لأنها عدو يشكل تهديدا على مصالح المؤسسة.
لقد تغير هذا الإتجاه في ظل التحول الإستراتيجي الذي طرأ على وظيفة إدارة الموارد البشرية، ليأخذ شكلا ومضمونا جديدين ومختلفين عن السابق،”هذا الشكل الجديد يقوم على تحقيق التعاون والوفاق بين المؤسسة والنقابة، لقد أصبح هذا الإتجاه الجديد جزءا من إستراتيجية المؤسسة وإدارة الموارد البشرية، ذلك لأن رضا النقابة يعني رضا القوى العاملة، فهذا الرضا يخفف من درجة الصراع داخل المؤسسة”، لقد تطلب هذا الوضع الجديد من إدارة الموارد البشرية وضع سياسة جديدة للتعامل مع النقابة، وتطويرها بشكل مستمر وتعديلها مع تغير القيادات النقابية بسبب إحتمال وجود تباين في قناعات هذه القيادات.
2.النظرة الحديثة لإدارة الموارد البشرية:
لقد سلطت الأضواء على الموارد البشرية بالولايات المتحدة وكانت السباقة في الإهتمام بهذا العنصر الهام في المؤسسة وإنشاء العناصر الخاصة والهامة بهذا العنصر الحيوي “الإنسان”.
“ففي بداية القرن العشرين أدخل MEYER BLOOMFIELD في مؤسسات صناعية مختلفة، مصلحة خاصة تسمى إدارة الأفراد PERSONNEL ADMINISTRATION، والتي تهتم فقط بالعلاقات مع الأفراد، وبهذا دخلت إدارة ونظام الموارد البشرية في المؤسسة الصناعية”.
وإبتداءا من هذه الخطوة الهامة في مسار تطور وظيفة الموارد البشرية، أنشئت العديد من هذه المصالح المهتمة بالموارد البشرية ومشاكل العمال، كما عرفت هذه المصالح عدة تسميات منها مصلحة التشغيل، دائرة العلاقات الصناعية، مصلحة الموظفين، كل هذه المصالح كان إهتمامها منصبا على العامل، ومن بين الأسباب التي جعلت المؤسسات والمنظمات تخصص هذا النوع من المصالح لخدمة العامل :
حاجة المؤسسة لهذه المصلحة، حيث كان تسيير شؤون الأفراد والعاملين في المؤسسة لا يتطلب وجود هيئات منفصلة ومستقلة، لأن هذه المؤسسات كانت صغيرة الحجم من حيث الهيكل التنظيمي وعدد العمال من جهة ولغياب دور النقابات وضعف الإهتمام بالعنصر البشري لسوء تنظيمه وخضوعه لرأس المال أو لصاحب العمل من جهة آخرى.
فالمؤسسة أنذاك لم تكن بحاجة إلى سياسة أو منهجية خاصة للإهتمام بالعامل، وهو ما جعل صاحب رأس المال أو صاحب العمل يتكفل بشؤون عماله بنفسه، والملاحظ أن في بداية وجود المؤسسة لم توجد إدارة مخصصة للأفراد، حسب المخطط الهيكلي، فنجد أن الهيكل البسيط الأولي لا يحوي إلا على الإدارة المالية بالإضافة إلى إدارات المصانع، وبتوسع المؤسسة أعيدت هيكلة تنظيمها مع إستراتيجية التوسع في النشاط ” ومع نهاية الحرب العالمية الأولى ظهرت مصلحة الأفراد، إلا أن هذه المصلحة لم تظهر واضحة في هيكلها المستحدث بعد مرحلة جديدة من التوسع سنة 1921، أين ظهرت مصلحة الخدمات والنقل والإشهار”.
ومع إنطلاق الحرب العالمية الثانية كانت الحاجة إلى اليد العاملة بنسبة كبيرة في المصانع الأوروبية خاصة، لرفع الإنتاج من وسائل الحرب وكذلك في مجال الصناعات الغذائية والفلاحية، وهذا لتوفير متطلبات الحرب وتغطيتها بكل اللوازم الظرورية، “وقد مست هذه الحاجة إلى اليد العاملة النسوية الغير متكونة خاصة، ففرض على المؤسسات المحتاجة إلى مصلحة متخصصة، تقدم المساعدة للإدارة في تسيير عملية إختيار الأفراد وإعطائهم قدرا من التكوين لأداء الأعمال المطلوبة”.
كما أن تطبيق نظريات الإدارة يعد سببا هاما أدى إلى تخصيص مصلحة مستقلة تهتم بشؤون العمال، حيث أن تطبيق هذه النظريات في المؤسسات الإقتصادية أدى إلى ظهور السلبيات أو ظواهر العمل في المؤسسة مثل التغيب المتكرر للعمال في المؤسسة، والتبذير في إستعمال المواد الأولية، وغيرها من السلبيات الناجمة عن الملل والضغط النفسي من صاحب العمل على العمال، والشيء الذي أحس به كثير من العمال جراء إدخال طرق التنظيم وتقسيم العمل الناجم من تطبيق نظرية الإدارة العلمية للعمل لتايلور والمقيدة لحركة العامل أثناء ساعات العمل في المؤسسة.
“وهذه النتائج السلبية جاءت بعد تحقيق إيجابيات في بداية الأمر إلى سد الملل وهو ما جعل العديد من المختصين وخاصة السلوكيين، يتجهون إلى القيام بدراسات وتجارب سمحت لهم بالقضاء على تلك المشاكل من جهة، والإعداد لنظريات سلوكية إجتماعية فيما يتعلق بتسيير وتنظيم الموارد البشرية في المؤسسة من جهة آخرى”.
وبالتالي لم يبق تحديد المناصب والوظائف، ورقابة سيرورة نشاط العمال والعمل، ومختلف الأفراد في المؤسسة، يخضع إلى الجانب المادي فقط، بل تطورت عدة نظريات تأخذ بعين الإعتبار الجانب النفسي والسلوكي للإنسان مع ربطه بالعمل في المؤسسة.
نجد أيضا تزايد دور النقابات وتدخل الحكومة في تنظيم العمل خاصة مع التطورات التي شهدتها الجوانب الإجتماعية والمهنية للعمال، وتدخل النقابة والدولة في التأثير في هذه الجوانب بشكل كبير بواسطة القوانين والتشريعات، سواء الهيئات الموجودة على مستوى البلدان أو المستوى الجهوي والدولي لبعض الهيئات مثل، منظمة العمل الدولية التي تتصل وتنسق مع باقي الهيئات المحلية والجهوية للعمل، “إن ظهور النقابات والمنظمات العمالية وهيئات العمل التي تدافع عن العاملين، تطلب الأمر ضرورة الإهتمام بعلاقات الإدارة والمنظمات العمالية ومن ثم كانت أهمية وجود إدارة متخصصة لخلق التعاون الفعال بين الإدارة والمنظمات العمالية وإعداد سياسات جيدة للعلاقات الصناعية”.
ومنه تغيرت نظرة المختصين إلى العامل في المؤسسة، فكان تطور رؤية المختصين في التسيير وأهدافه في المؤسسة، “حيث يرى DRUCKER أن البحث عن الربح الأقصى ليس من مهام المسير، وإنما مهمته اليوم البحث عن مستوى من التفاهم المقبول حول أهداف المؤسسة بين كل من العمال والمسيرين وأصحاب العمل أو رأس العمل، وأصبحت اليوم دائرة الموارد البشرية ذات أهمية قصوى في المؤسسات الإقتصادية”.
وهذه النتيجة أتيحت للإنسان أن يحتل مكانة مرموقة وهامة في المؤسسة الإقتصادية، ونلتمس ذلك من خلال التطور الذي ظهر في تنظيم المؤسسات الحديثة والعصرية، إذ أصبحت المصالح والهيئات المكلفة بشؤون العمال داخل التنظيم الإداري للمؤسسات تحتل مرتبة عالية ومؤثرة، ومنه أصبح تداول تسميات مختلفة لهذه الهيئة كإدارة الموارد البشرية، مديرية الموارد البشرية، مديرية التنمية البشرية، وهذا دليل على إعطاء الأهمية للعمال داخل المؤسسات.
وبه أصبح أمام المؤسسات الحديثة العمل على إشراك العمال بمختلف مناصبهم في الهرم الإداري أو الهيكل التنظيمي، وفي أغلب الأعمال إلى تحديد الأهداف الإستراتيجية والبرامج التي تقوم بها الإدارة، “وفي ظل التطور في التوجهات الإستراتيجية لم تعد إدارة الموارد البشرية هي تلك الإدارة التخصصية الإستشارية بل إنها أصبحت جزءا من الإستراتيجية التنظيمية، بل هي جزء من نشاطات ووظائف مديرية الإدارات التنفيذية “.
3.تكوين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية:
ظهر وتطور التفكير بمسألة إستراتيجية إدارة الموارد البشرية، وذلك بسبب التحولات التي شهدتها البيئات المحلية والعالمية، ومنه توجهت أنظارها إلى التخطيط الإستراتيجي البعيد الأمد لحماية نفسها من مخاطر البيئة، وتوفير الأمان والإستقرار، وأصبح لكل إدارة تخطيط وإستراتيجية خاصة بها تعمل من أجل خدمة إستراتيجية المؤسسة الكلية، وتكوين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية تمر بالمراحل الأتية:
.1.3دراسة وتحديد متطلبات رسالة المؤسسة:
تنطلق عملية تكوين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية “بقيام المسؤولين بدراسة وتحليل متطلبات تحقيق رسالة المؤسسة، والتي تمثل الغاية الكلية البعيدة الأجل، وهذه الغاية هي التي أنشأت من أجلها المؤسسة، والتي يجب تحقيقها من قبل جميع العاملين في المؤسسة، فالرسالة تحدد الإطار العام الذي توضع ضمنه إستراتيجيات جميع الإدارات، ذلك لأن الرسالة تمثل سبب وجود المؤسسة وبقاؤها”، لذلك يمكننا أن نقول بأن قاعدة أو أرضية تكوين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية، هي دراسة مستلزمات تحقيق رسالة المؤسسة التي تلم بجميع نشاطات وأعمال المؤسسة، فهي المحدد الأول والعام لجميع النشاطات والأعمال التي تتم في المؤسسة، وبالتالي يستوجب على إدارة الموارد البشرية أن تلم بعمق بمضمون رسالة المؤسسة، لأنها توضيح الرؤية المستقبلية لأية منظمة، والصورة التي تود أن تكون عليها في المستقبل، “وكل مؤسسة تضع إستراتيجيتها الخاصة وتحدد أهدافها وتضعها حيز التنفيذ بمشاركة التسيير الإستراتيجي للموارد البشرية”.
.2.3دراسة و تحليل البيئة:
ينصب إهتمام هذه المرحلة على جزئين الأول تحليل البيئة الداخلية الذي ” يهدف إلى تحديد جوانب القوة والضعف في إمكانيات الموارد البشرية الحالية، لمعرفة مدى قدرتها على تلبية إحتياجات إنجاز إستراتيجية المؤسسة ورسالتها المستقبلية “، كما أن “معظم المؤسسات ترى الأهمية في إجراء تحليل للبيئة الداخلية لضمان تخطيط إستراتيجي فعال لنشاطاتها، وعليها الأخذ بعين الإعتبار مختلف المظاهر الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لهذه البيئة “.
أما الجزء الثاني فينصب على تحليل البيئة الخارجية والتي “تهدف إلى معرفة فرص وآفاق الإستثمار والمخاطر المحتملة التي يتوجب تفاديها، ومنه لا بد من معرفة نوع الإستراتيجية التي يجب تبنيها للتعامل مع تأثير المتغيرات البيئية “.
وبالتالي على إدارة الموارد البشرية القيام بدراسات ميدانية بصفة متواصلة لمتابعة ما يحدث في البيئة من تغيرات تؤثر في نشاط المؤسسة، وجمع بيانات عنها وتحليل النتائج المتوصل إليها، والتي في ضوءها تضع إستراتيجيتها وتعمل على تكيف ممارستها المستقبلية معها .
وفي ضوء نتائج دراسة وتحليل البيئتين الداخلية والخارجية ” لا بد أن تعمل المؤسسة على مقارنة الإمكانيات البشرية للمؤسسة مع إحتمالات الإستثمار وإحتمالات المخاطر المحيطة بها، فإذا كانت الإمكانيات أقل مما هو مطلوب معنى ذلك وجود فجوة إستراتيجية، ويجب إذا العمل على تغطيتها أو تقليصها من أجل تمكين الموارد البشرية من إستغلال الفرص وتجنب المخاطر “.
حسب هذين الشقين من هذه المرحلة نستخلص بأن دور إدارة الموارد البشرية يرتكز حول معرفة المهارات البشرية المطلوبة، من أجل إستغلال الفرص الإستثمارية ومتطلبات الأفاق المستقبلية من الموارد البشرية، كما أنها تستطيع أن تعرف إمكانيات الموارد البشرية الحالية ومدى إستطاعتها على تحقيق الأهداف المسطرة.
.3.3تطوير إستراتيجية إدارة الموارد البشرية:
بناءا على التحليل البيئي للمؤسسة وتأسيسا عليه، فإنه يجري وضع إستراتيجية المؤسسة العامة التي ترسم إتجاه وخط سيرها ونشاطها المستقبلي الذي ينسجم مع رسالتها، وفي ضوء تنفيذ إستراتيجية المؤسسة ووضعها حيز التنفيذ، تقوم جميع إداراتها بما فيها إدارة الموارد البشرية بوضع إستراتيجيتها بشكل تهدف وتعمل على خدمة إستراتيجية المؤسسة، فإذا كانت مثلا إستراتيجية المؤسسة التوسع، معنى ذلك بأن إستراتيجيات الإدارات ستتجه نحو هذا المسار .
وبالتالي”فإن في ظل هذه الإستراتيجية ستقوم إدارة الموارد البشرية بإستقطاب المزيد من الموارد البشرية لتغطية زيادة عبء العمل المستقبلي الذي تتطلبه إستراتيجية التوسع، وستعمل على توسيع عملية الإختيار والتعيين، وبرامج التكوين والتنمية، وتكثيف نشاط حماية العاملين من مخاطر العمل، وإعداد خطة جديدة لفتح مسارات ترقية وظيفية جديدة، كما ستوسع من خطة الحوافز في المؤسسة”.
وبالتالي فإن وضع وتطوير إستراتيجية إدارة الموارد البشرية يتم بشكل يعمل على خدمة وتحقيق إستراتيجية المؤسسة، وإنجاز أهدافها، فقد وجدنا أنه إذا كانت إستراتيجية المؤسسة التوسع، إذا فإن إستراتيجية إدارة الموارد البشرية ستكون التوسع أيضا وفق متطلبات المؤسسة.
وبالتالي فإن ”وظيفة نظام الموارد البشرية له جزء كبير في إثبات هوية المؤسسة، وتحديد مهام كل طرف في المؤسسة، ودفع الأفراد إلى الإنتاجية”، تبين من خلال إستراتيجية المؤسسة العامة، أنه بوضع الإطار العام لإستراتيجية إدارة الموارد البشرية، حيث تقوم هذه الإدارة برسم إستراتيجيات وظائفها وممارساتها المستقبلية داخل المؤسسة من إستقطاب وإختيار وتدريب الموارد البشرية، بشكل ينسجم و يتوافق ويسهم في تحقيق إستراتيجية إدارة الموارد البشرية التي بدورها أصلا تعمل على تحقيق أهداف إستراتيجية المؤسسة، وكما هو مبين في الشكل التالي أهم الإستراتيجيات الموجودة في إدارة الموارد البشرية والتي يستوجب تنميتها وتطويرها.
فيما يخص مثلا إستراتيجية تكوين الموارد البشرية،” فيتم تقدير إحتياجات إدارات المؤسسة وأعمالها من هذه الموارد من حيث النوع والمواصفات والعدد، كما يتم أيضا تحديد مصادر توفرها وبرامج إستقطابها، وتبني السبل الكفيلة التي تساعد على إختيار أفضلها بما يتماشى مع متطلبات تنفيذ إستراتيجية المؤسسة “.
فإستراتيجية التكوين تعتمد أساسا على تصميم برامج التكوين من أجل تطوير قدرات العاملين وإضافتهم بالمعارف وبكل تكنولوجية جديدة قصد مسايرة التقدم والنمو، ولتحسين أداء العاملين، وتأهيلهم للوظائف المستقبلية.
وهذه الإستراتيجية حتما حتى تكون فعالة لا بد أن تكون مرافقة لها عملية تقييم أداء العاملين أو الموارد البشرية العاملة في المؤسسة للوقوف عليها ومعرفة إحتياجاتها التدريبية .
.4.3إنجاز إستراتيجية إدارة الموارد البشرية:
يستلزم إنجاز أو وضع حيز التنفيذ إستراتيجية الموارد البشرية، تصميم برامج ووضع سياسات خاصة، وقواعد تهتم بشؤون الموارد البشرية وعملها داخل المؤسسة، بحيث تترجم الإستراتيجية إلى واقع العمل والتنفيذ، ” فإدارة الموارد البشرية مطلوب منها أن تضع الأنظمة التالية:
– نظام تقييم الأداء
– النظام التأديبي
– نظام الإتصالات
أما فيما يتعلق بالبرامج، فهذه الإدارة مطالبة بوضع أو تصميم برامج المزايا الوظيفية:
– التعلم والتدريب والتنمية
– تخفيض ضغوط العمل
– تخفيض الصراع التنظيمي
– الصحة في مكان العمل
أما السياسات، فعلى إدارة الموارد البشرية أن تضع السياسات الآتية:
– الإختيار والتعيين
– الحوافز
– علاقات العمل”.
وبما أننا في صدد تنفيذ إستراتيجية إدارة الموارد البشرية، يجدر بنا الإشارة إلى نقطة هامة مفادها، بأن عملية الإستراتيجية تحتاج إلى مرونة ومتابعة مستمرة، أو إجراء تعديلات أو تغييرات على الإستراتيجية في ضوء ما يتجسد من أمور داخل البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة، فإن هذه التغيرات التي تجرى على الإستراتيجية تعد بمثابة إستجابة لما يحدث في البيئتين.
وبه يمكن لإدارة الموارد البشرية الإستجابة للمتغيرات البيئية وخاصة الخارجية، وهذه المتغيرات نوعين ” الأول، ويدعى بالإستجابة المسبقة، حيث تكون الإستجابة قبل وقوع الحدث أو التغيير والإستعداد له قبل حدوثه، أما الثاني، لإستجابة ردة الفعل وتكون الإستجابة في هذه الحالة بعد وقوع الحدث أي إنتظار وقوعه ومن ثم تأتي الإستجابة “.
.5.3تقييم فاعلية إستراتيجية إدارة الموارد البشرية:
في السابق كان ينظر إلى عمل ونشاط إدارة الموارد البشرية، وممارساتها في المنظمات على أنه نفقة وتكلفة زائدة تنفق على العاملين، وكان تقييم نشاطها يتم وفق مقارنة الإنفاق الفعلي المالي مع ما هو مقدر لنشاطها من تكلفة.
أما الأن ومع الوجه والتواجد الإستراتيجي، فقد تغيرت النظرة، وأصبح ينظر اليوم على أن تكلفة نشاطها يعد كإستثمار له عائد، وأصبح المعيار الأساسي في تقويمها هو مدى إسهامها في تحقيق فاعلية الأداء التنظيمي التي ترضي المؤسسة، ويضمن لها البقاء والإستمرار.
وعندما نتكلم عن تقييم إستراتيجية إدارة الموارد البشرية، معنى ذلك أننا بصدد الحديث عن تقييم أداء هذه الإدارة ومدى فاعلية هذا الأداء، من أجل الوصول إلى أداء تنظيمي بشري عالي المستوى، “إن المعيار الأساسي الذي تقوم عليه عمليه تقييم إستراتيجية إدارة الموارد البشرية ونتائج تنفيذها، هو مدى إسهامها في تحقيق فاعلية الأداء التنظيمي” ، وبالتالي فإن عملية التقييم تهدف إلى ” ربط الأهداف الإستراتيجية ونشاطات العاملين وخصائصهم المناسبة لتنفيذ الإستراتيجية والمتمثلة بالمخرجات المحددة مسبقا، ولذلك لا بد وأن يكون نظام تقييم الأداء مرنا يستجيب لأي تغيير في إستراتيجية المؤسسة”.
إن مرحلة التقييم كمرحلة أساسية في التسيير الإستراتيجي للموارد البشرية ” ضرورية من أجل تقييم النتائج المتوصل إليها من جراء عملية وضع الإستراتيجية ومرحلة تنفيذها، كذلك ردود الأفعال، ومرحلة التقييم أيضا تقرر الإجراءات الصحيحة لأخذها بعين الإعتبار، وتحديد مخطط جديد للعمل”، ومنه لا بد من تقييم الإستراتيجية والحكم على مدى نجاح الإستراتيجية وإدارة الموارد البشرية في أداء مهمتها وتحقيق إستراتيجيتها التي تتمحور حول العلاقة بين رضا الموارد البشرية والأداء التنظيمي، ومدى فاعليته، ومن ثم نصل إلى رضا الزبائن، ولذلك يستوجب وضع معايير لتقييم أداء كل وظيفة من وظائف إدارة الموارد البشرية للوقوف على ما حققته من نتائج .
.4المتغيرات البيئية المؤثرة في إستراتيجية إدارة الموارد البشرية:
لقد تعرضنا من خلال هذا الفصل إلى كيفية أو مراحل تكوين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية، إلا أن هذه الإستراتيجية ووضعها يقوم ويتطور بمتابعة ودراسة وتحليل المتغيرات البيئية الداخلية منها والخارجة المؤثرة في نشاط المؤسسة وإدارتها ومواردها البشرية، ومن أهم هذه المتغيرات المؤثرة:
.1.4رسالة المؤسسة: (Message de l’entreprise)
تعد رسالة أي منظمة، هي الرؤية المستقبلية لما تريد الوصول إليه مستقبلا، وبالتالي فهي تمثل الطموح أو رغبة الإنجاز لكل من يعمل في المؤسسة على أن يكون هذا الطموح مشترك بين كل الأطراف وموحد بينهم.
فالرسالة هي غاية جميع العاملين في المؤسسة من رؤساء ومرؤوسين، وبالتالي فإن نقطة الإنطلاق في إعداد أية إستراتيجية هي وضع الرسالة، لأن تحقيقها يعني بقاء المؤسسة وإستمرارها .
“والرسالة هي سبب وجود المؤسسة في حد ذاتها، حتى تلبي رغبات زبائنها، ولا بد أن تكون الرسالة مبنية بوضوح ومفهومة، من أجل نجاح إنجاز مهامها “، وعندما تكون الرسالة واضحة المعالم، فهذا سيساعد المسيرين في صياغة جيدة لإستراتيجية المؤسسة ووضع أهدافا قابلة للقياس والإنجاز وفق الإمكانيات المادية والبشرية للمؤسسة، والرسالة هي غاية جميع العاملين في المؤسسة وهي الموجه لكافة نشاطاتها المستقبلية.
4ثقافة المؤسسة:
إن الثقافة التنظيمية أو ثقافة المؤسسة ليست إلا تعبيرا عن القيم والعادات المشتركة بين العمال داخل المؤسسة، وهي تتفاعل مع بعضها لينتج عنها نمط سلوكي موحد لجميع العاملين، وبالتالي فهي موجه أو مسار للسلوك التنظيمي البشري داخل المؤسسة بإتجاه واحد.
وثقافة المؤسسة توفر معايير وظوابط سلوكية يلتزم بها الجميع، وهي أيضا”تعد التعبير عن المعتقدات الأساسية والقيم والأولويات التي يلتزم بها صناع القرارات الإستراتيجية داخل المؤسسة، كما تعبر الثقافة أيضا عن نوايا المؤسسة في أداء نشاطها ومسؤولياتها الإجتماعية إتجاه المجتمع الخارجي”.
وتتميز “الثقافة بأنها مشتركة ومتكررة في سلوك أفراد المجتمع الواحد، ويتم إكتسابها وإنتقالها من جيل إلى آخر بواسطة التنشئة الإجتماعية وليس بفعل العوامل الوراثية ”
وما من مجتمع إلا وله ثقافة خاصة يتميز بها عن غيره من المجتمعات الآخرى، وتجسد الثقافة الطرق وأساليب الحياة التقليدية التي يتبعها المجتمع في مختلف ميادين العمل والسلوك والفكر، فهي المصدر الأساسي الذي يستمد منه المجتمع كافة الأساليب والأفكار الخاصة بكسب العيش وتنظيم الحياة الإجتماعية.
والمؤسسة حتى توظف ثقافة الأفراد في خدمتها وخدمة الصالح العام لا بد أن توفر معايير وبنود سلوكية يحترمها الطرفين (المؤسسة والأفراد العاملين) حتى تكون العامل الذي يربط الطرفين ويدعم جهودهم في الأداء والعمل، ومن بين هذه المعايير ” – أسلوب تعامل المؤسسة مع الموارد البشرية،
– أسلوب تعامل المؤسسة مع زبائنها
– أسلوب تعامل المؤسسة مع المجتمع
– النمط القيادي وتعامل الرؤساء مع مرؤوسيهم
– أسلوب تعامل الأفراد مع بعضهم البعض في مكان العمل
– الإتجاه العام الموحد للسلوك التنظيمي داخل المؤسسة”
وبالتالي فإن تواجد ثقافة تنظيمية في الوسط المهني تحتوي على قيم وعادات سلوكية واضحة، هذا حتما سيؤدي إلى توحيد إدراك العاملين فيها لرسالتها، وللقواعد السلوكية التي يجب الإلتزام بها من قبلهم، فتوضح بذلك لهم ما هو مرغوب وأخلاقي وما هو غير ذلك، فالثقافة التنظيمية شيء رئيسي وأساسي في جميع المنظمات المعاصرة، لأنها ستساعد وبنسبة كبيرة على تحسين النمط السلوكي والتنظيمي لأنها ستوجه سلوك وطاقات الأفراد العاملين بها إلى العمل وتحقيق الأهداف الموضوعة في إستراتيجية المؤسسة.
وهذا سيساعد كثيرا على إدارة الموارد البشرية ويسهل عليها تدريب وتنمية العاملين في المؤسسة وخاصة من الناحية السلوكية، عملية التدريب ليست موجهة فقط إلى تدريب العاملين من الناحية المهنية أو التكنولوجية، فالتكوين موجود من الناحية السلوكية، كتطوير مهارات الإتصال لدى الأفراد، كيفية تعامل الأفراد مع مرؤوسيهم والمسؤولين مع الأفراد، كما نجد أيضا وحاليا تكوينا في إطار كيفية تحفيز الأفراد العاملين .
كما أن إدارة الموارد البشرية عليها مسؤولية في هذا المجال خاصة دورها في القيام بتعليم الثقافة لكل من يعمل في المؤسسة وخاصة الأفراد الجدد فيها، كما تعمل أيضا على شرح هذه الثقافة بوضوح لهؤلاء الأفراد، وتدريبهم على الإلتزام بها أثناء تعاملهم مع الأفراد الأخرين في المؤسسة وتحسيسهم على أنها بمثابة دستور قانوني لا بد إحترامها “كما أن إدارة الموارد البشرية لا بد أن تضع معايير إنتقاء الموارد البشرية بحيث تنسجم مع مكونات هذه الثقافة، بحيث يتم إنتقاء عناصر بشرية للعمل تتوفر فيها أو تحمل معها أخلاقيات وقيم تنسجم مع مضمون ثقافة المؤسسة التنظيمية “.
كما أن التكوين في حد ذاته داخل المؤسسة أو لجوء هذه الأخيرة إلى عملية التكوين لتطوير مهارات عمالها ونوعية خدماتها تعتبر هي الأخرى مظهر من مظاهر الثقافة التنظيمية التي تكتسبها المؤسسة.
ومن خصائص الثقافة التنظيمية أنها إنسانية وإجتماعية، بإعتبار “الإنسان هو الكائن الحي الوحيد العاقل أو الناطق، أي هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يفكر وينتج أفكار ويصنع أدوات، ويستطيع من خلالها التكيف مع ظروف الطبيعة، والتحكم فيها بفضل إختراعاته وإستغلاله إياها، كما أنه ترك نتاجا فكريا قانونيا وفيا، لا يستطيع غيره من الكائنات القيام به، سواء من أجل تنظيم نفسه إقتصاديا وسياسيا في مجتمعات متميزة بأنماطها وفيها الثقافية أو من أجل الإستهلاك المباشر والتكوين وغيره ”
خلاصـة:
كخلاصة لهذا الفصل والذي يعيد التأكيد على أهمية إدارة الموارد البشرية ووجوب الإهتمام بها كوظيفة إستراتيجية، بإمكانها المشاركة في تنمية وتطوير المؤسسات التي لها خطة عمل واضحة ورسالة محددة تعمل على بلوغها، بشرط أن تكون هذه الرسالة قابلة للإنجاز والقياس في نفس الوقت حتى لا تضيع جهودها وجهود أفرادها، وأن تكون تطمح إلى تحسين صورتها بالنسبة لوضعها السابق.
وحتى تتمكن المؤسسة من تحقيق كل هذا يجب أن تهتم بوظيفة إدارة الموارد البشرية وأن تدفعها إلى العمل والتفكير في إيجاد وضع مناسب للموارد البشرية، وأن تخلق نوعا من التآلف بين إستراتيجية إدارة الموارد البشرية وإستراتيجية المؤسسة حتى يحدث التلاحم بين الطرفين، لبلوغ الأهداف المسطرة.