تنمية بشرية

التغيير والسلام – خارطة طريق

 العوالم المتعددة

Multiple Universes

 

إحدى النظريات التي بدأ الفيزيائيون لا يستبعدونها، وتلمس هذا مؤخراً في مقالات وحديث العالمين الفيزيائيين الكبيرين: ستيفن هاوكين ولينورد ميلوديني بعد كتابهما المثير التصميم العام(١)، وغيرهما الكثير، وقد نشرت قناة ديسكفري تحقيقاً مثيراً في هذا الموضوع من سلسلة “من خلال الثقب: هل هناك عوالم متعددة” قدمها الممثل مورغان فريمان(٢). والنظرية قائمة منذ اكتشف هابل(٣) في العشرينيات من القرن الماضي بتليسكوباته المبهرة أن الكون يتوسع باستمرار بطريقة لا يمكن تخيلها، وأنا وأنت نتحدث الآن الكون قد توسع مليارات الأميال وتغيرت عوالم! النظرية قائمة على أن هناك عوالم متعددة متشابهة منك. هناك ملايين “صلاح الراشد” في الكون، هناك صلاح الراشد البسيط جداً والفقير، صلاح الراشد المليادير المتمكن، صلاح الراشد مجرم، صلاح الراشد شرطي، صلاح الراشد ملك، صلاح الراشد لاعب كرة قدم محترف، صلاح الراشد عالم كيمياء متخصص، صلاح الراشد شرير، صلاح الراشد توحد، صلاح الراشد عبقري مخترع، صلاح الراشد متكامل متنوع التخصصات مبهر، صلاح الراشد عقيم، صلاح الراشد عنده 50 ولدا وبنتا، صلاح الراشد أبيض، صلاح الراشد أسود، صلاح الراشد محبوب، صلاح الراشد مكروه.. احتماليات لا تنتهي… كما الكون الذي لا ينتهي

في عالم آخر سعاد حسني موجودة لم تمت، في عالم آخر الديناصورات لم تنقرض، في عالم آخر أحداث سبتمبر لم تحصل، في آخر طالبان يحكمون العالم، في عالم آخر السعودية هي اللادنية يحكمها أسامة بن لادن الذي لم يمت، في عالم آخر أمريكا مستعمرة من قبل المكسيكان، في عالم آخر أول من وصل القمر كويتي (من أن هذا يبعد زيليونات سنة ضوئية!)، في عالم آخر الفلسطينيون مستعمرون لشرق أوربا، واليهود فيها مضطهدون.. الخ

 

إن العلماء منذ مائة سنة وهم يدرسون هذه الاحتمالية ويقتربون حاليا من إيجاد معادلة فيها. المشكلة في تباعد هذه الاحتماليات، يعني لو أراد صلاح الراشد في هذا العالم أن يتصل بأقرب صلاح الراشد (وهذا والله شيء ممتع!) طبعاً عن الطريق السفر فهذا شبه مستحيل؛ لأن المجرات والأكوان تتباعد بأسرع من سرعة الضوء، فما تراه الآن في الأفق متسارع في البعد، كلما مضى وقت صار أبعد بكثير، من هنا استحالة التلاصق، والمسافة الأقرب التي بين الاحتمال الذي أنت فيه من تجمع نفس الذرات من الممكن أن تكون واحد ومليون ترليون ترليون تريليون صفر سنة ضوئية!!(٤). يعني انسى الموضوع! لكن هناك طرق أخرى، ومنها ما تطرحه الفيزياء الكمة من خلال النظر في ميكرو الفضاء، أي العالم في داخل الذرة، العالم الكبير تبلر أخذ تجربة شرووينجر، الذي أثبت إمكانية تواجد جزيئات الذرة في مكانين معاً في نفس الوقت، وفسر المعنى(٥). وهناك معنى دقيق جدا جدا يفرق بين تفسيرات الفيزياء الكمة التي بدأت بعد محاولات آنشتاين وشرودينجر بالذات شرودينجر(٦) في 1926 التي تقول أن كل الاحتماليات موجودة حتى تراقب فإنها تدمر في احتمال واحد، لكن تبلر خالفه بأن الاحتمالات موجودة وتستمر موجودة لكنها تنشأ في عوالم مختلفة!! أنت لا تعلم ما الذي يحصل عندما تفكر!! كل فكرة تتجسد ليس بالضرورة في عالمك هذا لكنها، وفقاً لتبلر، تتجسد في عوالم مختلفة!! في مكان ما سلام جروب مدمر، يُسيّر المسيرات والاحتجاجات، ويشكل الفرق الانتحارية، ويخرج الأطفال والنساء في مواجهات مع السلطة، ويقدم الأطفال والنساء قرابين لقضيته أمام نظام متسلط، ويشعل فتنة كبيرة تقود لحرب أهلية بسبب أنه لم يحصل مثلاً على ترخيص أو منزل محترم، أو أن مجموعة سرقت ٢٠ مليون .. الخ

 

في السلسة المصورة تلك يقول تبلر أننا دائماً كنا نعتقد بوجود عوالم متعددة لكن الفيزيائيين لم يكونوا يصدقون معادلاتهم التي وضوعوها بأنفسهم! ربما يكون أندرو كليلاند أول من أشرف على تجربة فيزيائية حقيقية تبين العوالم المتعددة(٧)، في الآلة التي صنعها أحد طلبته حيث يبين كيف تكون الجسيمات في مكانين في وقت واحد(٨)، الشاب، طالب دكتوراه، اسمه آرون أوكونيل(٩) ويمكنك مشاهدة الفيديو، مترجم بالعربية، ويتسائل بعد اثبات تواجد الجسيمات في مكانين: إذا كان هذا يحصل للجسيم (منطقيا) هل ممكن أن يحصل لي ولك؟! الله يستر! موضوع لو يكشفه المتظاهرون سيكونون في أكثر من مظاهرة في وقت واحد! هذا كثير يا رب :-)

 

العالم تصنعه الاحتماليات

إذا كان هذا العالم العظيم الذي خلقه الله فصغره الفكر الضيق هكذا، فإن هذا العالم تصنعه النوايا التي فيه، حيث في كل نية تجسيد في عالم الاحتماليات المفتوحة

 

مبادئ أولية

دعنا ندخل في موضوعنا، أود مبدئياً أن أبين بعض الحقائق الشخصية والعامة ثم أذكر رأينا الواضح في التغيير والسلام

 

(1)

لا حكومي ولا معارض

لستُ شخصيا ولا سلام انترناشونال التي أمثلها ضد حكومات ولا معارضات. أنا أمارس دوري الفكري في التبيين وإبداء الرأي، أحياناً أبدو “للحكوميين” أني مضاد للحاكم، وأحياناً أبدو “للمعارضين” أني حكومي متنفع. بصدق، لا يهمني رأيهم، للمرة الخمسين، رأيكم فيني لا يهمني ولا يعنيني، يحبون نغنيها لهم عشان يحفظونها

لكن من باب تبين الحقائق فأنا ثاني سجين رأي في تاريخ الكويت، وقد دخلت السجن بسبب آرائي الجريئة، وبرنامجي الإذاعي متوقف حالياً بسبب آرائي القوية تجاه المعارضة والأقلية في الكويت وهزلية الحكومة، وقد أوقف البرنامج يوسف مصطفى المسؤول الجديد في وزارة الإعلام المتأثر من قبل الأقلية في المجلس، وقد أوقفه بعد استمراره 13 عاماً عبر أكثر من خمس وزراء ووكلاء كثر، كلهم كان يحترم الرأي والرأي الآخر، فأفسد هو المعادلة. وأقول: لمن يشكك في مصداقية ما أقول فإن الانترنت مليئ بحلقات مهمة سلام الذي أتطرق فيه للكثير من النقد على الحكومة وعلى المعارضة معاً(١٠). قلنا هذا الكلام ليكف البعض من الاتهامات، فقول الرأي لا يعني أنه معك أو ضدك. أنا أعتقد أن الحكومات بشكل عام في غالبها أناس مخلصون ومجتهدون، وفي غالب دولنا العربية هم مجتهدون مخطئون، وأعتقد أن المعارضة في بلداننا العربية بشكل عام وفي غالبها صادقون ومجتهدون، وفي غالب دولنا العربية هم مجتهدون مخطئون، لهذا فلا عنف على أي منهم ولا تعاطف مع أعمالهم

 

    ليس هناك طريق للسلام، السلام هو الطريق

    مهاتنا غاندي

 

(2)

السلام هو الغاية

أكثر المصلحين في التاريخ سلاميون، على رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم، رجل السلام الأول، اسم دينه الاسلام، وبداية كلامه السلام، وجنته اسمها السلام، وربه ورب الجميع سبحانه هو السلام. وكل بقية الأنبياء كانت دعوتهم سلام، لا يسعون لتغير الأنظمة بأي حال، يسعون فقط لاستباب السلام والمحبة والرباط الصحيح بالله، وهو التوحيد، لذلك لم يخرج أي نبي على أي طاغية أو حاكم، أبداً، من نوح وحتى محمد – عليهم جميعاً السلام، هذا ديدنهم، واقرأ القرآن من أوله إلى آخره، تجدهم أصلحوا أو هاجروا فقط، ولم يحاربوا إلا في الدفاع عن أنفسهم أو عندما صارت لهم دولة فصاروا مسؤولين عن أمنها وأمن شعبها، لكنهم لا يحاربون ولا يثورون في وجه النظام الذي يعيشون فيه؛ لأن هذا فرض بالقوة، وهذا ليس من حق أحد ولو كان نبياً أو مصلحاً أو جماعة أو متحدثاً باسم السماء.. الأنبياء وجميع عظماء التاريخ سلاميون، لا يدعون للحروب ولا للتظاهر ولا للمقاطعات ولا للتخريب ولا للتأجيج ولا للتجييش إلا في أضنك الحالات التي في الغالب تكون في دفاع عن وطن يتعرض لهجمة مسلحة واضحة أو في الدفاع عن أمن البلاد والعباد. السلام هو الغاية

 

    Change is the only constant thing

    التغيير الثابت الوحيد

 

(3)

التغيير ملزم

القاعدة الثابتة الوحيدة في الحياة هي التغيير! التغيير دائماً موجود، ويستحيل دوام الحال على نفس الحال، أنت في بداية قرءة المقالة لست الآن، ولن تكون في نهايتها. التغيير فينا وفي الكون آني مستمر لا يتوقف أبداً، والفطن من يحسن التغيير لصالحه. التغيير هو الحقيقة والزمن هو الوهم، نحن نعبر عن التغيير بالزمن، ولهذا نبهنا من سنين على حتمية استعداد الحكومات للتغيير القادم، ويجب أن يكون الاستعداد دائم للتغيير، لأن التغيير دائم. إذاً مسألتان حتميتان: التغيير والسلام، والهدف صناعة سلام في كل تغيير

 

    التعبير عن الرأي حق إنساني لكل فرد

    المواثيق الدولية

 

 

(4)

المسيرات السلمية

شخصياً، لست ضد المسيرات السلمية، التي تخلو من التخريب والسلاح والشتائم والقذف في أعراض الناس والسباب العنصري والقبلي والمتطرف، برأيي هذا حق الشعوب في التعبير ما دام سلمياً، خاصة إذا كان كالذي يجري في بعض الدول المتحضرة ليس فيه تكسير ولا تخريب، بل مشي سلامي تعبيري صادق، وشخصيا شاركت في بعضها. وأدعو حكوماتنا إلى الترفق في مواجهة المسيرات، وتقنين ذلك، كالذي عملته بريطانيا من تحديد مواقع الاعتراضات والمسيرات بما لا يضر بالبلاد والعباد والاقتصاد والنظام وحياة الناس العامة، وكما فعلت الكويت في السماح لكل من يريد التظاهر والتعبير في ساحة الإرادة، ومنع المتظاهرين من تعطيل الحياة وتوقيف الشارع والاضرار بأمن البلد والاقتصاد وأرزاق الناس. وأقترح على الحكومات توسيع المساحات بالذات للأعداد الكبيرة والسماح لهم لكن بعيداً عن مرافق الدولة والشوارع الرئيسية، في الكويت أقترح عليهم السماح لهم في منطقة بعيدة عن المساكن والعاصمة كالبر أو واجهات البحر البعيدة أو بعض الحدائق الكبيرة البعيدة عن المساكن خارج العاصمة، والسماح للإعلام، كل الإعلام، أن يغطي لهم

 

    السلطة مكلفة بحماية حدود البلاد وضبط الأمن في الشوارع والبلاد

    النظام الديمقراطي

 

(5)

الشارع للسلطة

المعارضة في بلدان العرب لا تعرف النظام، فوضوية في الغالب، منتهكة للحقوق والنظام، لا تدرك أن الشارع يجب أن تضبطه السلطة بأي وسيلة كانت. النظام والقانون والشعب يلزم الجيش في الدفاع عن أرضه والأمن في ضبط الأمان والأمن في البلد. لو صارت البلاد كلها مظاهرات فإن البلد ستكون مافيا، الغلبة فيها للأقوى. ولا تسمح الدول الديمقراطية العريقة والكبيرة والمتأصلة كأمريكا والسويد وبريطانيا وفرنسا والهند وغيرها بالمظاهرات في الشوارع. رئيس الحكومة البريطاني أدب المتظاهرين وأعتقل المئات في ليلة واحدة وهدد بنزول الجيش، وفي فرنسا الرئيس السابق ساركوزي أنزل القوات الخاصة وشرد المتظاهرين وأبعد العشرات منهم من البلاد وسجن العشرات وأعتقل المئات، في أمريكا قتلت قوات التدخل والأمن عشرات المتظاهرين في لوس أنجلوس وشيكاغو ونيويورك وأعتقلت المئات. والخليفة أبوبكر الصديق واجه قبائل العرب بجيش عرمرم وأدبها من الخروج، الخليفة عمر بن عبدالعزيز أوقف الجهاد في خرسان وأعاد الجيوش لمواجهة القبائل المصطفة على الدولة وأخافها وأرجعها، بغير هذا التصرف فإن السلطة يجب إزالتها بأسرع وقت لأنها لا تستطيع ضمان أمن البلد من المافيا والعصابات والجماعات الدينية المتطرفة والأحزاب السياسية العنيفة

 

    النظام الديمقراطي الحر قائم على استقلال السلطات وتعاونها

 

(6)

الديمقراطية تقوم على استقلال السلطات

تقوم الديمقراطية على استقلال وتعاون السلطات في فرض نظام الدولة. فالسلطة الأولى هي التنفيذية والتي تقوم بإدارة الدولة بما في ذلك إيراداتها ومصروفاتها وأمنها وآمانها، وفي الغالب يرأسها رئيس الدولة كما في أمريكا والكويت، أو رئيس الحكومة كما في بريطانيا. والسلطة الثانية هي السلطة التشريعية الرقابية والتي هي البرلمان المنتخب والذي يقوم بتشريع القوانين الملزمة للسلطة التنفيذية والبلاد ويراقب سير وعمل السلطة التنفيذية ويمارس صلاحياته في محاسبتها وعزلها إذا اقتضى الأمر. والسلطة القضائية وهي الفاصل بين اختلافات الناس وبين اختلافات السلطتين وتحقيق العدالة في المجتمع وتفسير الدستور ومواده

 

أي تداخل للسلطات يؤثر في العملية العادلة في المجتمع وفي الديمقراطية الصحيحة. لو أن القضاء صار بيد السلطة التنفيذية وهي تديره أو تؤثر فيه فهذا يعني المحسوبيات والاخلال في العدالة وضياع الحقوق. لو أن الحكومة (السلطة التنفيذية) صارت تدير البرلمان (السلطة التشريعية) فهذا يعني لا رقيب ولا حسيب

دعنا نأخذ الكويت كمثال. الكويت دولة سابقة في أنظمتها، وتعطي نموذجاً صحياً للديمقراطية، فالأمير رئيس للدولة يمارس صلاحياته من خلال الوزراء (الحكومة)، والمجلس التشريعي منتخب 100٪ من قبل الشعب. والقضاء مستقل تماماً يصدر أحكامه باسم الأمير دون الرجوع له، بل يحق له أن يصدر حكماً على الأمير نفسه، وهناك العديد من القضايا المرفوعة في القضاء ضد الأمير أو ولي العهد أو رئيس الحكومة، ولا يحتاج القضاء (القاضي) الرجوع للأمير في تنفيذ الحكم، سوى في الإعدام الذي يستدعي توقيع الأمير. هذا النظام عادل، ومتقن، ويقيم العدالة والأمن معاً في البلاد. أي تداخل بين السلطات يفسد هذه العملية ويجعل البلاد مهددة من الداخل. مثال: لما تدخلت الحكومة سابقاً في الانتخابات أفسدت الكثير، وتسببت في تداخل السلطات، وعاد ذلك بالأثر السلبي على البلاد من الاضطرابات والخلافات والتأزيم. في المقابل: عندما يقف عضو مجلس برلمان يصارع القوات الخاصة ويتحدى السلطات في الشارع ويأجج الناس للخروج في الشوارع فإن هذا من قلة الوعي، وتخريب للنظام العادل؛ لأنه في الغالب لو كان من غيره لن يرضاه، كما حصل في البحرين، رفضته المعارضة في الكويت واعتبروه خروجا على الحاكم، وفتنة، ودعم إيراني، وطائفي، وفي المقابل هم فعلوا الأمر نفسه، نزلوا الشوارع واتهمهم الآخرون بأنهم مأزمون وخارجون على كلام الحاكم وقراراته، وفتنة، ودعم اخواني خارجي، واصطفاف قبلي. ولذا تجد أن بعض نواب الشيعة في الكويت شارك في مظاهرات البحرين! وبعض مشايخ السنة السعوديين صرح وشجع على مظاهرات الكويت، مثل ما وقع فيه بعض المشايخ ممن خون المتظاهرين في البحرين ودعمهم في الكويت، بهذا النفس الطائفي، وكما فعل غيره من التحريض على حرية الشوارع والفوضى، فيما بارك تحرك حكومته في البحرين. هذا كله تناقض قيمي يكشف حقائق ما تنطلق منه هذه المناهج، والتي، برأيي، مع الاحترام لهؤلاء الأشخاص والمشايخ وغيرهم، تفتقر للمصداقية والعمق

 

    السلطات تصلح وتكمل بعضها بعضاً

 

(7)

وماذا نفعل عندما تفسد السلطة؟

النظام الديمقراطي العدل يعطي الشعب صلاحيات في اصلاح السلطة عندما تفسد أو تنحرف، وهي في حساباته. عندما تفسد السلطة على البرلمان محاسبتها، ومراقبتها، واستجوابها، وعزلها. كل ذلك يجب أن يحصل تحت قبة البرلمان فقط، وقد فعلت الكويت هذا الموضوع مراراً، وتم عزل الكثير من الوزراء والحكومات بل ورئيس الحكومة، بل ورئيس الدولة، كما حصل مع الشيخ سعد العبدالله عند ولايته رحمه الله

 

(8)

وماذا نفعل إذا فسد البرلمان أيضا؟

وهذا وارد، أن تنشط السلطة في شراء الذمم واللعب في القوانين (وهذا ليس ما حصل في الكويت بالمناسبة، لأن قانون الصوت الواحد قتل العنصرية والقبلية والطائفية والتحالفات، وهو ما أوجع التحالفات الدينية القبلية)، وعندما يحصل ذلك يلجأ الناس أو أعضاء المجلس للقضاء، والذي بدوره يحسم الصراع والخلاف بالوسائل السلمية الصحيحة، ويكون حكم القضاء نافذ على الجميع

 

(9)

وماذا نعمل لو لم ينفذ حكم القضاء أو فساد القضاء؟

 وهذا أيضاً وارد، ومن هنا جاء الدستور (الحقيقي) في تشريع الحريات وحق الإصلاح وذلك من خلال ما يسمى بمؤسسات المجتمع المدني، فتنشط هذه المؤسسات في المجتمع في تثقيف الناس، والاستمرار في المطالبة بالتغيير والاصلاح، والعمل على إعادة استقلال وانصاف القضاء أولاً، ثم إعادة الحق للشعب في اختيار ممثليه، وعودة ممارسة الحياة الطبيعية في المجتمع

 

(10)

وماذا نعمل لو لم نستطع ممارسة دورنا السلمي؟

أي ماذا لو فسدت السلطة والقضاء والبرلمان ولم نستطع ممارسة دورنا السلمي؟ شعب جذب حاكما فاسدا، وسلطة فاسدة، وبرلمانا فاسدا، وقضاء فاسدا، ما هي قيمه التي يحملها؟ ما هي أخلاقه؟ ما هي استحقاقته؟ ما هي ذبذباته؟ ماذا فعل ليجلب كل هذا؟! هذا شعب عليه أن يتوب عما فعل، ويراجع نفسه، ويدعو لإصلاح الذات، وينشغل برفع مستوى ذبذباته السيئة.. ويترك الديمقراطية جانباً لحين يصلح البعض نفسه ثم هم يبدأون الإصلاح الحقيقي. لهذا السبب الديمقراطية لا تصلح في كل مكان، كما الشريعة وتطبيقها، لو طبقت الشريعة في زيمبابوي أو ساحل العاج فإنك ستظلم الشريعة لأنك ستثبت أنها غير قابلة للتنفيذ ومدمرة، والسبب أن الشريعة تتطلب التهيؤة، كما الحكم الديمقراطي والذي لا يتصادم مع الشريعة إلا في عقول المبرمجين لا يصلح إلا بتهيئة تسبقه؛ فالديمقراطية قد لا تصلح لليمن حالياً؛ كون اليمن نظام قبلي، لكن يصلح فيه الآن التهيؤة، ومثل هذا في معظم البلدان العربية، ولهذا تسمع الشعوب تطالب بالحريات الديمقراطية ثم تسقط الإصلاحات على الحاكم، هي تحلم بنظام قبلي مشيخي وتطالب بمفهوم لا تفهمه. الامارات سياسياً دولة غير ديمقراطية ولكنها تنعم بالآمان والتنمية والرضى الشعبي وفيها كم كبير من الحريات، وشعبها لا يطالب بديمقراطية، هناك عقد عرفي سائد برضى بين الحاكم والمحكوم، سوى مجموعة قليلة من المعارضين

 

(11)

هل الديمقراطية هي الحل؟

في البداية: كن منتبهاً إلى أن معظم الشعوب العربية بالذات جماعاتها الدينية والقبلية لا تعرف من الديمقراطية سوى الصراخ في الشوارع ضد السلطة. معظم المصريين يعتبر الديمقراطية حرية الوقوف في ميدان التحرير والصراخ “الله أكبر” على الظالم، بعض الليبيين يرى الديمقراطية حرية حمل السلاح على السلطة! معارضة البحرين تبيح للمطالبين بالديمقراطية حق سد الشوارع وتعطيل البلاد والمستشفيات ودهس الشرطة وشتم الحاكم.. هذه المعاني تجلب دكتاتورية أكثر؛ لأن الضد يجلب الضد، بل هؤلاء المطالبين لو كانوا في أمريكا أو بريطانا فيقينا سيكونون في السجون لمدد طويلة مع أبوحمزة وخالد شيخ وعمر عبدالرحمن وأورتيقا. والملفت أنهم في الكويت أحرار. ومعظم هؤلاء الأحرار في الكويت ممنوعون من دخول أمريكا والإمارات إذ تعتبرهم هاتان السلطتان يشكلان خطرا على أمن البلد! ثلاثون كويتياً ممن ينتمون لتيار الإخوان ممنوعون من دخول الامارات، وقد شرحت السلطات الاماراتية سبب منعهم للسلطات الكويتية! أكثر من خمسين شخصية دينية وقبلية ممنوعون من دخول أمريكا. العالم الديمقراطي الحر يعتبر هؤلاء تهديدا للأمن! يجب إدارك ما تطالب به جيداً. كونك متأزم حالياً نفسيا أو اجتماعياً أو اقتصاديا أو تنموياً لا يدعوك للدمار الشامل لك ولأهلك ومن حولك

باعتقادي أن الديمقراطية حل جيد للوطن العربي، حكومات ومحكومين، لكن الوقت يتأخر والعالم يتغير، وتوشك الديمقراطية أن تتغير بسبب تغير الزمان وسرعة ما يحصل فيه، والعرب من الشعوب المستهلكة، قليلة الإدراك، تعيش أوهام “مستقبل أفضل” وفي عقولهم مستقبل مليء بالفتن والملاحم، ويدّعون ماض عريق وهو مليئ بالدماء والثورات والانقلابات والاغتيالات. في حقيقة الأمر أن الماضي جميل والمستقبل جميل، وأن الماضي مرير والمستقبل مرير، الخيار لك أن تختار أفضل ما في الماضي وتسعى لتحقيق أفضل ما في المستقبل. هذه المعادلة غير مفهومة لدى الغالبية العظمي من العرب، بل وغالبية الشعوب

 

(12)

ما وموقفنا من الثورات

شخصياً أعتقد أن الثورات لا تأتي بخير، وأن عواقبها وخيمة، لأن طاقة العنف لا تتوقف بسهولة، وتحتاج لعنف يوقفها أو استسلام تام، والشعوب لا تتعلم، فهي تعيد الماضي كما هو حتى يأتي مجموعة من الناس يعملون “البرادايم شفت” أو التغيير العميق في القناعات. الثورة الشعبية على عثمان بن عفان رضي الله عنه كانت مطالاباتها سلمية في البداية، كانت مطالباتها بإصلاح الخلل الإداري لجهاز الدولة وبعض الملاحظات على صلاة عثمان وطريقته في الحج.. إلى آخر المهاترات. هذه الثورة راح ضحيتها أكثر من أربعين ألف من الصحابة والتابعين، أكثر ممن قتل مع الروم الفرس معاً!! فتنة استمرت بعد عثمان بين علي ومعاوية واستمرار في القتل والقتال حتى انتهى بها المطاف في اسقاط الخلافة الراشدة واستباب الحكم العاض. وثورة العباسيين جاءت بحكم أسوأ من الأمويين؛ فالأمويون معاوية بن سفيان، وعمر بن عبدالعزيز، وعبدالملك بن مروان.. أما العباسيون فقد فتنوا بتعذيب العلماء وملاحقة المتحدثين وكتم الحريات، وحكم بني عثمان جاء بما هو أسوأ من العباسيين؛ ففي العباسيين هارون الرشيد والواثق بالله..  وثورات الأندلس ودخولها عنوة انتهى بطرد المسلمين عن بكرة أبيهم، بينما دخول شرق آسيا تم كله بسلام فظلت هذه الشعوب حتى اليوم الأكثر تعداداِ في المسلمين، ودخول البوسنيون والألبان في الإسلام سلماً أبقاهم مسلمين، ولذا، كما في صحيح مسلم، أن الفتح الحقيقي لأوربا هو الذي يكون من بني إسحاق، أي من الأوربيين أنفسهم، وبصيحات الله أكبر، أي دون قتال، لهذا إذا أدانت أوربا بالإسلام الحقيقي الذي لا يعرفه هؤلاء المسلمون المتناثرون في الأرض اليوم ويريدون يقاتلون البشرية جمعاء، فلربما سيكون أكبر معاناة مسلمي أوربا الحقيقيين من مسلمي تلك المناهج العنفية

وثورة تونس كانت الأكثر سلمية، بفضل الله، والله أسأل أن يوفقهم للأخذ ببلدهم للتنمية والتطور. وثورة مصر أقل سلمية لكنها كذلك تجنبت القتل قدر المستطاع، وأيضاً نسأل الله لهم التوفيق، فرغم أن الثورات طاقة عنف ليس خيرة لكن من الممكن للإنسان أن يغير قدره؛ فمن الممكن للمصريين والتونسيين أن يغيروا مصيرهم ويجعلوا منه سرنديب جميل، لكن أولاً عليهم أن يوقفوا موجة الثورة وارتداداتها، ويصبح ديدنهم تحسين البلاد وأوضاع العباد. الوضع في ليبيا واليمن يحتاج شرحاً كثيراً، وموقفهم صعب. لكن مرة أخرى هذا يتطلب على المتحركين فيهما عملاً أكثر وأكبر. أما سوريا فأنا كل يوم أتساءل: هل كانت هذه الثورة تستحق 30,000 قتيلاً من الأطفال والنساء والرجال!! هل يستحق كل هذا؟ حتى القائد العربي المحنك لا يستحق هذا كله؟! ما هو المطلب الذي يستحق 30,000-50,000 إنسان؟!!!!! الكعبة لا تستحق إنسان واحد! وسواء توقفت الحرب الآن بانتصار الثوار أو النظام فإن مخلفاتها طويلة جدا جدا. غزو الكويت أخذ عشر سنوات للتشافي، والقتلى لم يتعدوا 800 شخصاً من الكويتيين. أنت تتحدث بالحسبة عن 100 سنة للتشافي، تحتاج ثلاثة – أربعة أجيال في سوريا بعد انتهاء الحرب؟ من المسؤول؟ هل كان هذا هو الحل الوحيد؟ كل مشكلة في الدنيا لها طرفان، من الطرفان هنا؟!

على كل “صادق” يفكر في إقامة ثورة أن يحسب ثلاث مسائل: الأولى: ضحايا الثورات والحروب والفتن، والثانية: ارتدادات الثورة التي تستمر سنوات وربما عقوداً، والثالثة: ماذا لو لم تنجح بعد كل هذه التضحيات والقرابين التي قدمت؟

 

(13)

ما الاحتمال الذي من الممكن أن نصنع؟

من الممكن أن نصنع الاحتمال الأفضل إذا رغبنا بذلك. من ضمن الاحتماليات الموجودة حالياً: عالم مليئ بالحب والسلام والتنمية والتطوير والبهجة والتعاون والتفاهم والانسجام. هذا متوفر في متناول اليد، يحتاج فقط للأيادي أن تمتد له. ونحن في سلام انترناشونال قد ركبنا الفلك في صناعة الحياة التي نريد، وسواء صارت هذه الحياة التي نريد في بلداننا أو في أماكن أخرى فنحن ساعون في تحقيق ذلك، لا ارتباط عندنا بمكان ولا بزمان، فعيش اللحظة والمعاني التي نريد اختراق للزمان والمكان والظرف

أنا قمت بتأسيس وترخيص سلام انترناشونال متعمداً خارج البلدان العربية لحماية أي سلامي مستقبلاً ولتأسيس مجتمع نموذجي صغير للمعاني التي نعيها ونعيش فيها. نحن فعلنا ذلك في تويتر وفيسبوك كمجتمع تواصل اجتماعي، عززنا فيه المعاني التنويرية والإيجابية، لا نسمح فيها للمتطاوليين وذوي النفوس المضطربة من أهلنا وأخوتنا تخريبها. ونود فعل ذلك في مجتمعات مصغرة، وبتواصل تلك المجتمعات ننشأ القوة في السلام والمحبة. يجب أن تعرف أن السلام ليس ضعيفاً، ولا وهناً، ولا متقطعاً، بل إن السلاميين أقوياء، يخططون وينفذون ويفكرون ويعملون. جسمانياً: أقوياء يمارسون الفنون الدفاعية والرياضة والصحة، واجتماعياً: متواصلون، مترابطون، يفزعون لبعض عند الحاجات، متحابون، يضربون أروع الأمثلة في صدق المحبة، وروحياً: يسمون بقيمهم العالية، لا يؤثرون الطائفة والقبيلة والجماعة، بل هم أصحاب قيم راقية، نزاع من القبائل، مترفعون على الطائفية، لا يغريهم كثرة الحشود ولا مغريات الجماعات، ومادياً: مكتفون بالله ثم بأنفسهم، أحرار، لا يتسولون الناس ولا الحكومات ولا السفارات ولا الجماعات ولا يستلمون الصدقات لأنفسهم أو أعمالهم، ربما حصلوها لفقراء أو خير لا يعدون أنفهسم فيه، يعملون بأيديهم في أعمال شريفة، غالبهم في وظائف حرة.. فالسلام لا يحمله الضعفاء ولا من بهم وهن، بل يحمل راية السلام أقوياء يؤثرون السلام على الحرب، والتريث على الفتن، واللين على العنف

السلاميون يصنعون الاحتمال الأفضل من خلال العمل على النية التي يرسمونها، والتفكير والعمل على ما يريدون، والتركيز على ذلك

 

    سلام انترناشونال لا تدعم الحروب ولا الثورات ولا العنف

 

(14)

ما موقف سلام انترناشنوال بالعموم؟

نحن لا ندعم الحروب ولا الثورات مهما كانت شرعيتها، ولا نخرج على نظام ولو كان فاسداً أو ظالماً، نحن نعمل من خلال النظام أو نهاجر في أرض الله الواسعة، وأيضاً لا نواجه من يريد فعل ذلك، ولا نقف مع الحكومات التي تقتل شعوبها أو تشردهم، ولكننا نعمل بتعزيز السلام ما أستطعنا إلى ذلك سبيلاً، ولا نقف مكتوفين الأيدي، بل نعمل في تسير النوايا، ونشر الوعي بالسلام والمحبة، وندعم الصواب، ونركز على ما نريد أن نراه في عالمنا؛ لأن عالمنا هو انعكاس لنوايانا

 

(15)

وما موقف سلام انترناشونال من ما يحصل في الوطن العربي؟

شخصياً أنا لا أعتقد أنها ربيع، فهي حقبة مررنا بها مراراً، وقد مرت بها الأمة العربية من قبل في 1952م في ثورة مصر والتي أطاحت بالملكية، ثم استمرت مصر في حروب إلى حروب إلى حروب إلى اغتيالات إلى ارهاب إلى عزل إلى ثورة جديدة، الله نسأل أن تقف عند هذا الحد، وإن كان هذا في واقع مصر اليوم مستبعداً، إلا إذا نشط السلامييون في تهميش الدور السياسي والانتباه للعمل التنموي. وحصل في السودان وسوريا والعراق والجزائر وتونس وانتهت الثورات في ليبيا 1969م مع الثورة التي قادها القذافي ضد الملك السنوسي. ثم بدأنا مرة ثانية اليوم، وبالحسبة المشابهة يعني ستنتهي الثورات اليت بدأت في 2010 في العام 2027م، إلا أذا وعينا هذه المرة، وهو الاحتمال الأقرب. وأعضاء سلام انترناشونال وسلام جروب لا يشاركون في الثورات ولا يشاركون في المسيرات السياسية ولا يشاركون في المظاهرات والاعتصامات الجماهيرية، رغم أنهم يدعمون ويؤيدون الأعمال الفردية، كما أيدنا الإستاذة منال الشريف في سعيها للحصول على حقها المسلوب في قيادة السيارة، لكن لو كانت منال الشريف قامت بمسيرة كرامة نساء، مثلاً، ودعت النساء والرجال للوقوف أمام مبنى الداخلية في الرياض لتوقفنا عن دعمها، ولذلك هي لما أيدت التأجيج في الكويت توقفنا أعترضنا على هذه المنهجية؛ وإن كنا ندعم حقها وحق كل النساء في السعودية وغيرها في نيل مطالبهم الشرعية والانسانية. لن ندعم أي تحرك يأجج الشارع، ويعمل بفوضوية، وينزل الناس لصدامات مع النظام، ونعتقد أن هذا سبب للفتنة التي وقع بها المسلمون في صدر الإسلام وحتى اليوم، وقد شاهدناه في لبنان وكيف فتك في البلاد وشرد العباد وأهان شعباً كريماً. وكل من يدعي أنه من سلام جروب أو سلام انترناشونال ويدعم الثورات أو المقاطعات أو المسيرات أو المظاهرات الداعية للمواجهة والكراهية والعنصرية والطائفية أو ما شابه فنحن من فعله براء

أعضاء سلام جروب يتحركون في تونس ومصر والجزائر والسعودية وسوريا وكل بلد سلمياً بغض النظر عن وضعها السياسي، وهم ليسوا طرفاً في المواجهة، ولا يرغبون أن يكونوا كذلك، وفي ذات الوقت يساندون التنمية في بلد مستقر مثل الامارات، وفي بلد غير مستقر مثل سوريا، وفي بلد تواً انتهي من ثورة مثل مصر، وفي بلد فيه مطالبات شعبية مثل الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى