تنمية بشرية

التفكير الإبداعي

 المحاور الرئيسة للإبداع:

– العملية الإبداعية، متعددة المراحل والخطوات. – الشخص المبدع، وقدراته الإبداعية، وخصاله الوجدانية، والواقعية.
– الناتج الإبداعي، وخصائصه المميزة. – المناخ المشجع على الإبداع، أو البيئة المساندة للمبدع.
أولاً: العملية الإبداعية: هي عملية نفسية أساسًا، تقوم على مجموعة خصال مميزة للشخص المبدع تحديدًا، ومن الشروط الداخلية للإبداع:
– خصال عقلية، كالقدرات والمهارات الذهنية أو المعرفية المختلفة. – خصال وجدانية، أهمها نوع من التوتر والقلق (بالمعنى الصحي).
– خصال واقعية، مظهرها الهمة، وبذل الطاقة، والمثابرة على العمل.
أما الشروط الخارجية للإبداع: هي خصائص البيئة المحيطة بالشخص المبدع، المواتية والمشجعة على الإبداع.
مراحل أو خطوات يقطعها المبدع في رحلة الإنجاز الإبداعي:
 بزوغ الفكرة في ذهنه.
 اختضانها لفترة تطول أو تقصر بحسب ظروف معينة إلى الخروج بها في آخر الأمر بعد التحقق من كفاءتها.
 ناتج ابتكاري جديد، أو غير مسبوق.
ثانيا: الشخص المبدع: للشخص المبدع خصال نفسية مميزة:
– الخصال الإبداعية: وتشمل مختلف الجوانب المعرفية، التي تضم مجموعة القدرات والمهارات، والأساليب المعرفية وسمات الشخصية الضرورية للإنجاز الإبداعي.
– المهارات العلمية: المتصلة بالمجال المعين من مجالات النشاط الإنساني، والداخلة في تخصص المبدع، كمجالات العلوم، أو الفنون، أو الآداب، أو الإعلام، أو غيرها.
فالحكم على أي شخص أنه مبدع يكون قائمًا على ما يتوفر لديه من:
(هذه القدرات، والمهارات، والأساليب، والخصال الشخصية، المتصلة بالأداء الإبداعي أساسًا بمختلف صوره وأشكاله)، والتي تتحدد معالمها في:
1- ما يختص بقدرات التفكير الإبداعي(عناصر أو خصائص أساسية للتفكير الإبداعي)، وأهمها القدرات التالية:
o الأصالة في التفكير، وهي القدرة على الإنتاج الإبداعي المتميزة بالجدة، أو الطلاقة، أو المهارة، أو الندرة، أو النفاذية والعمق.
o الطلاقة الفكرية، وهي إحدى صور عديدة بطلاقة التفكير عمومًا وتنقسم الطلاقة إلى:
أ ـ طلاقة الألفاظ : وتعني سرعة تفكير الفرد في إعطاء الكلمات وتوليدها في نسق جيد .
ب ـ طلاقة التداعي : وهو إنتاج أكبر عدد ممكن من الكلمات ذات الدلالة الواحدة .
ج ـ طلاقة الأفكار : وهي استدعاء عدد كبير من الأفكار في زمن محدد .
د ـ طلاقة الأشكال : وتعني تقديم بعض الإضافات إلى أشكال معينة لتكوين رسوم جقيقية .
o المرونة الفكرية، وتتمثل في عدد وسرعة الانتقالات الذهنية خلال التفكير في موضوع ما. وللمرونة مظهران هما :
أ ـ المرونة التلقائية : وهو إعطاء عدد من الأفكار المتنوعة التي ترتبط بموقف محدد .
ب ـ المرونة التكيفية : وتعني التوصل إلى حل مشكلة ، أو موقف في ضوء التغذية الراجعة التي تأتي من ذلك الموقف .
o استشفاف المشكلات، وتظهر في القدرة على إكتشاف أوجه النقص أو العيوب في الأشياء أو النظم أو المواقف أو الأفكار.
o التفاصيل : وهي عبارة عن مساحة الخبرة ، والوصول إلى تنميات جديدة مما يوجد لدى المتعلم من خبرات .
وفي القرآن الكريم فنجد أن الآية التالية تجمع مهارات الطلاقة والمرونة والأصالة:
قال – تعالى: “قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قَالَ أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ, وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ, 12 قَالَ فَاهبِط مِنهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخرُج إِنَّكَ مِن الصَّاغِرِينَ13 قَالَ أَنظِرنِي إِلَى يَومِ يُبعَثُونَ14 قَالَ إِنَّكَ مِن المُنظَرِينَ15 قَالَ فَبِمَا أَغوَيتَنِي لَأَقعُدَنَّ لَهُم صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ16 ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِن بَينِ أَيدِيهِم وَمِن خَلفِهِم وَعَن أَيمَانِهِم وَعَن شَمَائِلِهِم وَلَا تَجِدُ أَكثَرَهُم شَاكِرِين17” سورة الأعراف.
فالطلاقة: جاءت على لسان إبليس في ردوده على كلام الله في هذه الحوار السريع فجاءت عدة أفكار في زمن قصير.
اما المرونة: فجاءت في انتقال إبليس من موقف إلى آخر حتى حصل على تأخيره إلى يوم القيامة.
أما بالنسبة للأصالة: في تبرير إبليس لعدم سجوده لآدم علية السلام إذ قال – تعالى -على لسان إبليس: ” قَالَ أَنَا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَنِي مِن نَارٍ, وَخَلَقتَهُ مِن طِينٍ” سورة الأعراف 12.
2- فيما يتعلق بالمهارات، فهناك:
o المهارات المجالية، ويقصد بها مهارات العمل، في أي مجال من المجالات، ويدخل فيها صور المعرفة الخاصة بالمجال، والتي تشمل الحقائق والمعلومات الواقعية عن المهنة أو العمل، والمبادئ والقواعد المنظمة له .. إلخ.
o المهارات الفنية، التي يتطلبها إتقان العمل أو الصنعة، أو كفاءة أداء المهام التي يقتضيها الإنجاز في أي تخصص، ويدخل فيها ما يسمى القدرات الخاصة المتصلة بالمجال، والتي تمثل عنصر النبوغ النوعي للتخصص في المجال المعين أمثلتها: القدرة الرياضية بالنسبة لعالم الرياضيات والقدرة الموسيقية الضرورية للمبدع في مجال الموسيقى.
3- فيما يتصل بالأساليب المرتبطة بالأداء الإبداعي وتشمل:
o الأساليب المعرفية، والتي يسهم توظيفها بكفاءة في زيادة قدرة الشخص المبدع على التعامل مع صور التعقيد في المشكلات التي تتطلب حلًا إبداعيًا، والقدرة على التحرر من أسر الوجهة الواحدة.
o أساليب العمل، الحافزة على الإبداع، وهي أساليب عديدة، وثيقة الصلة بكفاءة الأداء الإبداعي بوجه خاص.
4- وفيما يتصل بخصال الشخصية، المميزة للفرد المبدع ويقصد بها هنا، مجموعة الخصال المزاجية أو الوجدانية، وأهمها:
o خصال الضبط الذاتي: وتتجلى في قدرة المبدع على إرجاء الإشباع.
o خصال المثابرة في العمل، رغم وجود المعوقات المثبطة للهمة، أو المواقف، أو الظروف المحبطة.
o خصال استقلال الشخصية: ومؤشراتها عدم الانصياع لضغوط الواقع، وعدم الاتباعية في الرأي أو الفكر.
ثالثًا: الناتج الإبداعي:
الناتج المبدع، أو المبتكر يتميز بــ:
– الجدة، أو الأصالة، بمعنى أن يكون هذا الناتج جديدًا أو غير مسبوق، سواء في جدة الفرد المبدع، أو الأفراد، أو المجتمعات التي يقوم فيها.
– أن يكون جديدًا بالنسبة للعالم ككل، خصوصًا في الظروف العالمية المعاصرة.
– أن يكون ملائمًا، سواءً من الوجهة الوظيفية، أو الاستعمالية، أو من النواحي الجمالية، أو الفنية، أو الفكرية، أو الثقافية، أو الحضارية.
رابعًا: المناخ الإبداعي:
يتحدد بناء على هذا المحور، كفاءة أو فعالية التفكير الخلَّاق في أية صورة من صوره، أو في أي مجال من مجالات الإبداع. ويقصد بالمناخ هنا، “المناخ النفسي والاجتماعي” بوجه خاص والذي يعرَّف بأنه: “مجموعة الخصائص السائدة في البيئة المحيطة بشخص ما، وعناصر التنبيه المختلفة فيها، والتي تشكل إدراكاته الخاصة لهذه البيئة واتجاهاته نحوها، كما تؤثر في سلوكه أو أدائه في مستوى نشاطه عمومًا”.
والمناخ النفسي/الاجتماعي، يضم عدة مناخات:
o المناخ العقلي: ويشمل كل الظروف والأحداث المعرفية، المتفاوتة التأثير، والتي تمد الفرد بفرص النمو العقلي عمومًا.
o المناخ الوجداني: ويتضمن مختلف الظروف المؤثرة في النمو الثقافي للفرد عمومًا.
o المناخ الاجتماعي: ويضم مختلف المثيرات الاجتماعية المؤثرة في كفاءة التفاعل فيما بين الفرد، ومحيطه الاجتماعي عمومًا.
o المناخ الطبيعي: ويقصد به عناصر البيئة المادية المحيطة بالفرد، وما تيسره من سُبُل، وتقنيات، ومساحات مكانية مواتية لأنشطة الفرد.
المناخ المؤثر في الإبداع:
هو: المناخ الإبداعي ويشمل:
1- عوامل المناخ الخارجي للإبداع: ويقصد به مختلف المتغيرات والبيئة المحيطة المؤثرة في قدرة الفرد على الأداء الإبداعي، أو كفاءته في حل المشكلات بطريقة إبداعية.
2- عوامل المناخ الداخلي للإبداع: وتشمل مختلف الاتجاهات التي يتبناها الفرد، ودوافعه، وقيمه الخاصة، وسمات شخصيته، وغيرها من الخصال التي يمكن أن تؤثر في سلوكه، وفي مدى قبوله للتحديات في مختلف المواقف، ومنها المواقف التي تتطلب الإبداع تحديدًا.

شروط المناخ الخارجي الحافز على الإبداع:
( أ) شروط مادية، تكون حافزة على تفعيل التفكير الخلَّاق، وذلك إذا أمكن أن يتحقق في البيئة، كل ما يعين على الإنجاز الكفء لأية مهمة إبداعية، ويدخل في ذلك كونها:
• تتيح حرية الفكر، والتجريب والفعل، بطريقة مستقلة.
• يتوفر فيها المستوى الأمثل من الضغوط النفسية المثيرة للقلق، أو الشعور بالتهديد.
• تتطلب تحقيق أهداف واقعية، أو غير مغالية في الطموح أو المثالية.
• يتوفر فيها الحد الأدني من الإشراف المباشر، أو ضغوط السلطة الأعلى.
• تتحقق فيها فرص تحمل المسئولية، عن طريق التفويض في السلطة، أو أي بديل آخر.
• تشجع على المشاركة والتعاون فيما بين الأفراد، في صورة فريق متكامل.
• يتحقق للأفراد في ظلها المعرفة العاجلة بعائد جهودهم، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة.
• تتوفر فيها المصادر الضرورية، وصور المساندة الواجبة لإنجاز المهام أو تحقيق الأهداف، بالطريقة والوقت المناسب.
(ب) شروط نفسية/اجتماعية، ويقصد بها خصائص البشر في بيئة العمل، أو الدراسة، أو غيرها، أيًا كانت أوضاعهم أو مناصبهم.
الشروط الداخلية للمناخ الإبداعي، سواء المادية، أو النفسية/الاجتماعية:
– أن تكون متقبلة للأفكار مهما بدا فيها من شطح الخيال، أو المغايرة للمألوف.
– أن تقدّم العون والمساعدة، بما يحقق نمو الأفكار، وتطويرها، وإنضاجها.
– أن تشجع على المخاطرة، أو التصدي للتحديات.
– أن تتيح الوقت والفرصة للجهود الإبداعية الفردية.
– أن تعين على النمو والارتقاء المهني، أو الأكاديمي، أو العملي عمومًا.
– أن تتيح فرص الاعتراف الصريح، والتقدير المباشر، للأفكار الخلَّاقة، أيًا كانـت.
– أن تؤكد الثقة بالنفس، والقدرة على الإنجاز الإبداعي، وقيمة ما يصدر عن الأفراد من أفكار خلاقة.
مؤشرات شروط المناخ الداخلي للإبداع لدى الفرد المبدع:
• حدود انفتاحه على الخبرات والأفكار الجديدة.
• مقدار فضوله المعرفي، أو حب الاستطلاع لديه، أو شغفه بتحصيل المعرفة.
• مدى نزوعه إلى الاستقلال، في الفكر، أو الرأي، أو السلوك.
• مثابرته، أو مداومته على إنجاز أي عمل، تحت مختلف الظروف.
• مدى توفر سمة المخاطرة في شخصيته، وحدود قبوله للتحديات.
• حدود ميله إلى اللعب بالأفكار، ومدى استمتاعه بذلك أصلاً.
أي النوعين من العوامل السابقة(الداخلية، أو الخارجية) أكثر أهمية في موقف الإنجاز الإبداعي؟
الواقع أن هناك ما يؤكد أهمية العوامل الداخلية، على العوامل الخارجية، في مواقف الإنجاز الإبداعي، باعتبار أن الإبداع ينبع أساسًا من داخل الفرد المبدع، أو المفكر الخلَّاق، وأن مظاهر الاختلال في البيئة المحيطة به، يمكن أن يتغلب عليها بالعقل المتفتح، وبالاتجاهات الإيجابية لديه، وبعناصر القوة في شخصيته، أي أنه إذا كانت عوامل المناخ الخارجي غير مواتية، أو معوّقة للإبداع، وعوامل المناخ الداخلي إيجابية ومساندة، فإن التغلب على صور الإعاقة الخارجية في هذه الحالة سيكون أمرًا ميسورًا، حيث لن تجدي العوامل الخارجية نفعًا، إذا كانت البيئة الداخلية خامدة، أو مقاومة.

م/ إبراهيم أبو السعود
خبير تنمية بشرية وتطوير الذات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى