التكيف النفسي مع ضغوط الامتحانات
اقتربت الامتحانات حاملة في طياتها -كعادتها- وقعها النفسي، وآثارها وتغييراتها الاجتماعية؛ في البيوت والمدارس وفي علاقات الناس وزياراتهم وقضاء أوقاتهم.
تؤدي الامتحانات -كأي ضغط نفسي اجتماعي من ضغوط الحياة- إلى تحفّز واستنفار نفسي ذهني جسدي، نتيجة لاستثارة عصبية لا إرادية في الجهاز العصبي، تُفرز خلالها هرمونات ونواقل عصبية خاصة، لتهيئي الجسم والنفس والذهن للاستعداد والتكيف مع متطلبات هذا الضغط النفسي الذهني.
يمر أغلب الناس بمرحلة تكييف نفسي طبيعي، بما فيها من تغيرات ذهنية ونفسية وجسمية، وما معها من أمارات وعلامات تدل على كون التكيف طبيعياً (كما في الجدول المرفق), ويتعثر بعضهم في مرحلة التكيف إلى درجة المعاناة النفسية والذهنية والجسدية.
يعود اختلاف ردود أفعال الناس تجاه ضغوط الامتحانات إلى اختلافهم وتفاوتهم في عوامل متعددة منها:
1- طبيعة الشخصية وصفاتها المزاجية والعقلية والسلوكية مثل:
– مقدار تقدير الذات والثقة بالنفس.
– مستوى التحفز والدافعية والاستثارة.
– مستوى الصبر والتحمل والمرونة.
– مهارات إدارة الذات وتنظيم المهمات والأوقات.
– فهم التوكل على الله تعالى و تطبيقه عملياً.
2- الخبرات السابقة وتجارب الحياة ومواقفها وآثارها النفسية
3- الظروف المحيطة: كظروف الامتحانات والظروف الصحية والاجتماعية ووجود الاستقرار والدعم النفسي…
التغيرات الطبيعية
1 زيادة التحفز الذهني النفسي وما ينتج عنه من حرص واهتمام وانتباه وتركيز وحذر وبذل جهد واستثمار وقت وتنظيم ومراجعة وحفظ وفهم وسعة الاستيعاب الذهني وقد يصاحب ذلك نزق يسير في المزاج والأخلاق.
2 استثارة للجهاز الدوري الدموي حيث تزيد دقات القلب سرعة وشدة لضخ المزيد من الدم ولاسيما للدماغ
3 استثارة للجهاز التنفسي حيث يزيد معدل الشهيق والزفير لتوفير مزيد من الأكسجين
4 استثارة في الجهاز الهضمي مع تغيرات في درجة حموضة المعدة وحركة الأمعاء وشهية الأكل.
5 شدة توتر في عضلات الجسم, قد ينتج عنه بعض الألم اليسير أحياناً
6 اختلال يسير في النوم مع ظهور أحلام مزعجة حول الامتحانات
أهم علامات التكيف الطبيعي
1)تكون شدة التحفّز والتغيرات الجسمية والذهنية متناسبة مع مقدار الضغط النفسي وشدته في توقيت البداية والنهاية والزيادة والنقصان.
2) تكون التغيرات الطبيعية الذهنية والنفسية والجسمية إيجابية التأثير في مواجهة الظرف الضاغط فتعين على التكيف معه وتجاوزه بإنجاز حسن ولا تؤدي إلى إرباك حياة الشخص إرباكاً يؤثر سلباً على إنتاجيته وإنجازه.
3) تكون أساليب المواجهة النفسية سليمة تتعامل مع الضغط النفسي بحكمة مثل: بذل المزيد من الجهد مع حسن التخطيط واستثمار الأوقات بخلاف الأساليب الهروبية بأنواعها.
يسأل كثير من الناس سؤالاً مهماً: ” كيف أعرف عملياً -واقعياً- أني خرجت عن التكيف الطبيعي عند ضغوط الامتحانات إلى حيّز الاعتلال المرضي؟ “
وللإجابة على هذا السؤال المهم أقول:
توجد علامات وأمارات متعددة تشير إلى ذلك منها:
1- عندما تكون التغيرات الجسمية والذهنية والنفسية شديدة وبدرجة أكثر مما يتطلبه الموقف، أو تسبق وقتها بمدة طويلة غير معتادة، كمن يقلق للامتحانات النهائية وهو في بداية الفصل الدراسي قلقاً شديداً وكأنه سيمتحن غداً .
2- إذا نتج عن التغيرات الطبيعية آثار سلبية ومعاناة جسمية أو ذهنية أو نفسية (كالأرق الشديد أو الصداع المستمر، أو الشرود الذهني المتسمر، أو النوم الزائد، أو الإمساك الشديد أو الإسهال المتواصل، أو الخفقان الشديد أو سرعة التنفس بإفراط, أو إفراز العرق بغزارة شديدة باستمرار، أو القلق المتواصل أو الحزن والكآبة).
3- إذا مالت النفس إلى الإكثار من الحيل النفسية الهروبية؛ التي لا تواجه فيها حقيقة الضغط النفسي، إنما تخفف عن ذاتها هرباً بأساليب غير مباشرة مثل: التمارض(التعذر بالتعب و المرض مهما كان يسيراً), أو الانشغال بأمور ليست بأهمية الامتحانات (كإعادة ترتيب المكتبة أو تنظيم الكتب أو الاهتمام بالسيارة أو بهواية من الهوايات), أو إسقاط اللوم على الظروف وتبرئة النفس مع العجز والتواني.
من العوامل المهيئة لضعف التكيف النفسي مع الامتحانات
1- ضعف التوكل على الله ونقص الثقة بالنفس أو الاعتداد الزائد بها والاعتماد عليها تماماً.
2- ربط تقدير الذات بالمعدل والنتائج الدراسية فقط وكأن شخصية الفرد صارت فقط نسبة مئوية.
3- الإفراط في طلب الكمال والمثالية والتفوق وغلبة الأقران والارتفاع عن المنافسين.
4- فرط الغيرة ووجود الحسد والشح الزائد في النفس.
5- ضعف الصبر وسرعة الضجر والجزع وقلة المرونة.
6- صعوبة الامتحانات وغموضها وصلف المعلمين (أو المعلمات) وشدتهم وتعنّتهم.
7- ضعف القدرات الذهنية والمهارات النفسية وقلة التحصيل العلمي
8- وجود ضغوط خارجية من بعض أفراد الأسرة لا تراعي ظروف الطالب وقدراته ونفسيته وتلح عليه بشدة بتحقيق ما ليس في استطاعته, واتخاذه وسيلة للوجاهة الاجتماعية العلمية (مثلاً: ابني معدله كذا وكذا إذن هو ذكي متميز لأني أبوه…)
9- وجود ضغوط نفسية جسدية أو اجتماعية إضافة إلى ضغوط الامتحانات (كوجود مرض جسمي أو خلاف أسري أو نحو ذلك).
من الأخطاء التي يقع فيها كثير من الطلبة عند الامتحانات
1- إرباك النظام الطبيعي للجسد والذهن بالسهر المتكرر المتواصل وعدم إعطاء الذهن والجسم حظه من الراحة الضرورية, ومن المعلوم الثابت في الطب أن نوم الليل ضروري لصحة العقل والجسد ولا يغني عنه نوم النهار فسبحان من جعل الليل سكناً .
2- الإفراط في تناول القهوة والشاي وفي أوقات متأخرة ما يمنع النوم ومن ثم يسبب القلق والتوتر والأرق والفتور وضعف الهمة والعزيمة.
3- تناول المنشطات العقلية الممنوعة [ كحبوب كبتاقون ] طلباً لسرعة الفهم وسعة الاستيعاب وقوة الحفظ والاستظهار وهي مادة خطرة جداً على العقل تسبب الجنون والعدوانية واضطرابات المزاج.
4- هروب النفس إلى بعض الملهيات والهوايات في أضيق الأوقات والانهماك بذلك تخفيفاً على النفس من وطأة الامتحانات ووقعها ومن ذلك الانشغال بالجرائد والمجلات ومواقع الإنترنت والبرامج الفضائية أو الهوايات الأدبية ككتابة مقالة أو رواية أو قصة قصيرة أو نحو ذلك مما لا تلبث أهميته أن تزول إذا انقشعت سحابة الامتحانات, ومن المراهقين من يهرب إلى التفحيط ومنهم من يذهب إلى المغازلات ونحو ذلك من أمور لا تحمد عقباها.
5- استسلام الشخص لإيهام الناس إياه بأنه مصاب بعين ونحوها وما يترتب على ذلك من خوف الناس وضعف اليقين وقلة التوكل ومن ثم التفريط والتقصير والتواني والإهمال وإسقاط الإخفاق على الآخرين.
إرشادات لتحسين التكيف مع ضغوط الامتحانات
1- التوكل الصحيح على الله تعالى وما يقتضيه من بذل الأسباب ومنها الدعاء والاجتهاد في التحصيل.
2- إصلاح النية في العلم والتعلم والتخلص من الحسد والتحاسد ومماراة الناس ومباهاتهم، مع الرغبة في تحقيق النتائج الحسنة والتنافس الشريف التعاوني البناء المثمر .
3- إدارة الوقت والمهام والأولويات بكفاءة وفاعلية بحسن تخطيط وتنظيم ومتابعة وتطوير.
4- إعطاء النفس حظها المعقول من الراحة والاستجمام (دون إفراط) مع حسن التغذية.
5- تأجيل ما يمكن تأجيله من المهام إلى ما بعد الامتحانات, والانتباه لحيلة الهرب إلى الملهيات من الهوايات ونحوها.
6- تحمل مسؤولية الذات مهما كانت صعوبة الضغوط والظروف مع الاستعانة بالله تعالى والمثابرة والصبر وتفويض النتائج إلى الله سبحانه, وعدم لوم الظروف أو إلقاء التبعات على الغير والظروف .
7- تطوير القدرات الذهنية والمهارات التعليمية (الذاكرة- الخرائط الذهنية -القراءة السريعة- ونحو ذلك) وهذا ينبغي أن يُلفت إليه في وقت مبكر قبل حلول موسم الامتحانات لتحسين الاستيعاب الذهني بوقت كافٍ.
8- التدرب على الاسترخاء الذهني والجسدي وممارسته بتكرار, للتخفيف عن النفس والجسد والذهن بين وقت وآخر.
9- التواصل الأسري العاطفي الهادف من قبل الوالدين ( أو من يقوم مقامهما) للتخفيف من حدة التوتر وإعطاء الدعم النفسي ورفع المعنويات والتطمين والتشجيع والتحفيز ولا سيما عندما يقل مستوى أداء الابن أو البنت وتضعف معنوياته, مع تجنب إرهاقه بالمطالبة بتحقيق ما ليس في وسعه
أ.د. محمد بن عبد الله الصغير