ذات صلة

جمع

لمحة عن مفهوم التقارير المالية

بسم الله الرحمن الرحيم ماهي التقارير المــــالية تعتبر التقارير المالية المنتج...

لمحة عن قيود الرواتب

الرواتب بداية يتم فتح الحسابات التالية فى الدليل المحاسبى :- 1-...

لمحة عن النسب المــــــــــاليـــــــــــــــــــة

النسبة المالية دون معنى لا قيمة لها وهو ما يعنى...

لمحة عن الدورة المحاسبية

الدورة المحاسبية : هى قياس وتوصيل البيانات المالية للاطراف...

لمحة عن الإهلاك وأسبابه وكيفية إحتسابه ومعالجته محاسبيا

الإهلاك وأسبابه وكيفية إحتسابه ومعالجته محاسبيا: ترتبط كلمة الإهلاك...

التنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية

 

التنمية البشرية المستدامة
ودعوة الفكر الاقتصادي الى رحاب الانسانية

أ.د. أسعد جواد كاظم

جامعة البصرة/ كلية الادارة والاقتصاد
أيلـــول 2002

 

المقدمــة
لقد مر الفكر التنموي بتحولات كبيرة انتقلت فيه افكار التنمية من المفهوم الكلاسيكي الذي ركز على النمو الاقتصادي الى مفهوم التنمية البشرية المستدامة الذي ركز على الوجه الانساني للتنمية وهموم الناس وحقوقهم وواجباتهم الاقتصادية والاجتماعية. فقد اقتصر الفكر التنموي التقليدي على معالجة المشكلات الاقتصادية التي انبثقت عن خصائص وواقع حياة الدول دون ان تتعامل مع الانسان كمستهلك ومنتج او فيما يتعلق باحتياجات غالبية الناس. واعيد مفهوم التنمية بطرق شتى ليعكس التداخل بين الجوانب الاقتصادية والجوانب الاجتماعية في حياة الناس، وما توصل اليه الفكر الاقتصادي في نظرته الى التنمية الشاملة كمحاولة للهروب من المفهوم التقليدي الضيق، وادخال القيم غير الاقتصادية في التعريف والنماذج والسياسات التنموية. وجاء مفهوم التنمية البشرية المستدامة ليمثل انتقاله من التنمية الشاملة المحدودة المعالم والاهداف الى تنمية بشرية ذات صفة توزيعية للمنافع ومؤكدة على حقوق الاسنان وخياراته.
وعند قراءتي لبحوث الندوة الفكرية التي نظمها قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة ببغداد خلال شهر شباط لعام 2000 برز امامي تساؤل، هل ان الفكر الاقتصادي الحديث اعطى الاهمية الحقيقية للانسان ودوره في التنمية أي هل عاد الفكر الاقتصادي الى احضان الانسانية، وهل ان اراء التنمية البشرية المستدامة هي دعوة للفكر الاقتصادي ليكون فكراً انسانياً مرتبطاً بالتطلعات الانسانية وتطوير قدرات البشر. ولغرض معرفة ذلك فقد اشرت في هذا البحث الى التحولات التي مر بها الفكر الاقتصادي بشكل موجز ثم تناولت الجانب الانساني الذي ورد في اراء التنمية البشرية المستدامة.
أولاً. آراء في النمو الاقتصادي
لقد كانت افكار الاقتصاديين التجاريين في المفهوم الكلاسيكي وقبل ظهور النظرية الكلاسيكية تتمثل في دعوتهم لضرورة تعزيز قوة الدولة في الحياة الاقتصادية وزيادة ثروتها وبالتالي تقوية نفوذها الاقتصادي والسياسي. ودعوا من اجل ذلك الى تشجيع الصادرات والتقليل من الواردات كما نادوا بتشجيع قيام الصناعات التحويلية، ورغم ذلك كانوا يضعون نشاط التجارة في مقام اعلى من فروع النشاطات الاقتصادية الاخرى ومنها الصناعة.
وكان لظهور المذهب الفردي بآرائه التحررية في شأن الدعوة لحرية العمل وحرية التجارة اثاره العميقة في تغيير وجه الحياة الاقتصادية مما أسفر عن ازدهار الصناعة وانتعاش النشاط الزراعي والتجاري وفي ظل تلك البيئة الاقتصادية ظهرت النظرية الكلاسيكية التي تستند في الاساس على الحرية الفردية. وعرف النظام الاقتصادي الذي ساد دول اوربا في تلك الفترة بالنظام الرأسمالي الحر.
وجاءت افكار “آدم سمث” والطبيعيين والتي دعت الى ترك الحرية للافراد وفقاً للنظام الطبيعي واعتبار مصلحة الافراد هي جزء من مصلحة الجماعة وطالبوا بعدم تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية لتترك الحياة الاقتصادية تسير نحو التوازن التلقائي بفعل جهاز الائتمان الذي يضم قوى العرض والطلب. فقد ركز “آدم سمث” على استخدام اسلوب التحليل ذو الطابع الحركي للنظرية الاقتصادية وموضحاً اهمية عملية تراكم راس مال لتحقيق النمو الاقتصادي. كما جاءت افكار “دايفيد ريكاردو” لتوضح اهمية طبقة الرأسماليين في تنظيم عملية الانتاج ودفع التنمية الاقتصادية فهي الطبقة التي توظف ارباحها في عمليات التراكم الرأسمالي بهدف زيادة الدخل القومي. كما اوضح “ريكاردو” بان النمو الاقتصادي يتحقق عن طريق الفائض الاقتصادي. بينما اوضح “روبرت مالتس” ان النمو الاقتصادي يتحقق عن طريق تقليل الفجوة بين موارد الثروة المحدودة والرغبات الانسانية غير المحدودة. ويتم ذلك عن طريق زيادة الثروة والعمل على تنويع مواردها وتحقيق اقصى استخدام ممكن لها، مع تأكيده على دور العمل في زيادة الناتج.
وفي ظل التجربة الواقعية فقد خضعت اراء الكلاسيك الى الكثير من الانتقادات وخاصة استئثار للحرية الفئات الرأسمالية الاقتصادية وامتلاكهم العناصر والانتاج اتاح لهم التسلط على علاقات العمل. ولذلك سوء توزيع الموارد المتاحة وتركز المشروعات في مناطق معينة. وتعميق استغلال الشعوب ونهب خيراتها من خلال افكار المنافسة بشروطها المثالية وفكرة التوازن التلقائي عن طريق تحركات قوى العرض والطلب.
ويعتبر “كارل ماركز” من اشد النقاد للنظرية الكلاسيكية والتي ارتكزت آراءها على فكرة التفسير المادي للتاريخ والتي تقرر ان تاريخ البشرية عملية واحدة تخضع لقوانين يمكن اكتشافها حيث تتضمن عملية تغيير مستمرة. وان الاساس في النظام الاقتصادي هي طرق الانتاج والبيئة والظروف الاقتصادية. ولذلك فقد انتقد طريقة الانتاج في النظام الاقتصادي الرأسمالي والتي تهدف الى تعظيم ارباح الرأسماليين. كما أكد على فكرة فائض القيمة التي يحصل عليها الرأسماليون نتيجة استغلال العمال والفرق ما بين قيمة انتاج العامل والاجور التي يحصل عليها. ودعا الى الملكية الجماعية لوسائل الانتاج والغاء الملكية الخاصة للمشروعات. وحدد هدف النشاط الاقتصادي باشباع حاجات الجماعة وليس الربح. كما نبه الى حقائق الصراع الطبقي والازمات الاقتصادية في النظام الرأسمالي معزياً ذلك الى الملكية الخاصة لوسائل الانتاج من ناحية واستغلال الطبقة العاملة من ناحية ثانية.
ثم جاءت افكار “جون مانياردكنيز” من خلال مؤلفه الشهير النظرية العامة للتوظيف وسعر الفائدة والنقود وذلك في عام 1936 والذي تسبب صدوره ثوره في الرأي واختلاف وتعدد اراء المفكرون في ذلك الوقت حيث استهدفت نظرية كينز تحديد العوامل الواقعية المؤثرة حجم التوظيف الفعلي في المجتمع وبحث كيفية القضاء على البطالة. فأكد كينز ان العوامل الرئيسية المحددة للتوظيف هي العرض الكلي والذي تقابله كمية النقود التي يرى المنظمون ضرورة الحصول عليها من بيع منتجاتها، والطلب الكلي ويقابله كمية النقود التي يتوقع المنظمون الحصول عليها من بيع منتجاتها. ويرى ان انعاش الطلب الفعلي سيزيد من حجم التوظف وامتصاص البطالة في المجتمع. وهكذا فقد حققت نظرية كينز لعلم الاقتصاد كسباً هو ادخالها لطريقة تحليل التوازن الكلي التي تتناول دراسة المجاميع الاقتصادية الكلية، وما اوضحته من امكانية استخدام ادوات التحليل الاقتصادي في حل المشكلات الاقتصادية على المستوى القومي وخاصة مشكلة البطالة.
وهكذا تواردت افكار واراء الاقتصاديين في النمو والانماء الاقتصادي خلال القرن الماضي ومن ابرزهم ((شومبيتر)) ونظريته في التجديد ودور المنظمين في النمو وتقلبات النشاط الاقتصادي مركز في كتابة التنمية الاقتصادية على كيفية حدوث النمو وعوامله الاساسية حيث اعطى دوراً مؤثراً لتنظيم العملية الانتاجية، فقد اعتبر النشاط التجديدي للمنظم هو محور حركة راس مال والربح والفائدة اذ ان راس المال النقدي لا يهم في حد ذاته فالمنظم هو الذي يتحكم في تكريسه للانتاج في شكل عناصر انتاجية وان الربح الفائض بعد التكلفة الانتاجية..
ثم جاءت نظرية “آرثر لويس” عن التنمية الاقتصادية في ظل عرض العمل غير المحدود فقد افترضت النظرية وجود فائض عماله في القطاع التقليدي الزراعي وان عرض العمال تام المرونة عند معدل الاجر الجاري وفي ظل وضع اقتصادي مستقر حيث يرى ان السبيل لتحقيق التنمية الاقتصادية هو تحويل ذلك الفائض العمالي الذي يعاني من البطالة المقنعة في القطاع الزراعي التقليدي للعمل بالقطاع الصناعي المتقدم، كما يفترض اقتران معدل التركيم الرأسمالي في القطاع الصناعي دائماَ بمعدل حركة انتقال العمال من القطاع التقليدي الى القطاع الصناعي والذي يستخدم فيه السلع الرأسمالية من آلات ومعدات ترفع من مستوى الانتاجية..
وجاء نموذج “هارود – دومار” ليؤكد على اهمية ودور التكوين الرأسمالي حيث ركز على اهمية راس المال في التكوين الرأسمالي الذي يتوقف على احداث زيادة صافية في معدلات الدخل وبالتالي رفع معدلات النمو الاقتصادي ومشيراً الى ان العوامل الاساسية التي يتوقف عليها نمو الدخل القومي هي في الميل الحدي للادخار وانتاجية راس المال او معامل الانتاج لراس المال.
اما الاقتصادي “زالت روستو” فقد اكد ان فكرة النمو الاقتصادي تقوم على اساس ان الاقتصاد القومي ينتقل من مرحلة الى اخرى حتى يصل الى اعلى درجات النمو الاقتصادي. كما اكد على ان عملية التنمية الاقتصادية التي تسعى لها الدول النامية مسألة ممكنة طالما انها قد استوعبت العوامل التي تنقلها من مرحلة الى اخرى ومتخطية كل الصعاب التي تصاحب كل مرحلة. وقد حدد روستو مراحل لعملية النمو الاقتصادي عند الدول النامية تتلخص بخمسة مراحل هي:
1- مرحلة المجتمع التقليدي 2- مرحلة التهيؤ والانطلاق
3- مرحلة الانطلاق 4- مرحلة النضج 5- مرحلة الاستهلاك الكبير.
واعطى تفصيلاً لكل مرحلة مدعياً انها نتائج عامة مستنبطة من الاحداث الاقتصادية التي شهدها التاريخ الحديث.
وبعد ان استعرضت بإيجاز بعض اراء ونظريات النمو الاقتصادي المختلفة وكان الهدف هو ان نتعرف على المتغيرات التي تقف وراء عملية التنمية وتطور الفكر الاقتصادي والتي كانت سبباً في ظهور سياسات واستراتيجيات تنموية مختلفة باختلاف البلدان واقتصادياتها فالاستراتيجية في أي دولة تبنى على تحليل كامل للقوانين الموضوعية التي تحكم نمو الاقتصادي القومي ثم وضع تصور لما يجب ان تكون عليه التنمية في المستقبل. وعليه فالاستراتيجية هي الاطار العام او التوجهات الرئيسية التي تصاغ وفقاً لها اهداف العمل التنموي. وليس هناك استراتيجية او برنامج انمائي واحد يصلح لجميع البلدان النامية. لذلك برزت في الفكر الاقتصادي عدة استراتيجيات تنموية منها(1):
– استراتيجية للتنمية تعتمد على الامكانات المحلية والسوق الوطنية. واخرى تعتمد على السوق والامكانات الخارجية.
– استراتيجية للتنمية التي تعتمد على الدور الرائد للدولة والقطاع العام. واخرى تقوم تلقائياً وتدريجياً على النشاط الخاص.
– استراتيجية للنمو المتوازن في كافة قطاعات الانتاج تقوم على دفعة قوية من حد ادنى واخرى للنمو غير المتوازن الذي يبدأ بالتركيز على بعض القطاعات.
– استراتيجية للتنمية الشاملة تجمع في اطار واحد بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والاخلاقية في حياة المجتمعات واخرى تركز فحسب على الجانب الاقتصادي.
ومهما تكن أهداف السياسات الاقتصادية فانها لا تزال قاصرة عن مواجهة المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها البلدان النامية خاصة وان هذه البلدان استمرت لفترة طويلة تتكل على الصيغ الجاهزة والخبرات المستوردة وابتعاد الآراء والأفكار والنظريات عن الواقع العملي وعدم استطاعتها اقتراح حلول عملية للمشاكل الاقتصادية.
فقد اشار الاستاذ الدكتور عبد المنعم السيد علي الى ان تاريخ الفكر الاقتصادي بعد “آدم سمث” هو قصة الكيفية التي حاول فيها الاقتصاديون جعل علم الاقتصاد علماً تحليلياً اكثر دقة واحكاماً. وقد اصبح هدف علم الاقتصاد هو تخليص العالم الاقتصادي مرة واحدة من النشاط الاقتصادي الهادف. أي جعل هذا العالم نموذجاً مجرداً للحقيقة الطبيعية، ومن ثم يستخلص منه اقل عدد ممكن من القوانين التي تحكم العالم الواقعي، واحدى هذه القوانين البديهيات هو ان النمو الاقتصادي لا يختلف مبدئياً عن التغيير الطبيعي.. وبذلك اصبح العالم الاقتصادي جبرياً بارداً غير مكترث بالتطلعات الانسانية .. فبتحطم بديهيات علم الاقتصاد الرأسمالي سيتم تحرير الانسانية في استنتاجاته الباردة(2). فهل يا ترى تستطيع اراء التنمية البشرية المستدامة من توجيه تطور الفكر الاقتصادي فكراً انسانياً مرتبطاً بالتطلعات الانسانية؟ سأحاول الاجابة على هذا التساؤل من خلال المباحث التالية:
ثانياً: البعد البشري في التنمية
لقد تباينت اهمية البشر في الفكر التنموي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى التسعينات. لذلك فقد ورد في ادبيات الفكر الاقتصادي الى ان البعد البشري في التنمية تميز بمرحلتين الاولى تمتد ولغاية التسعينات من القرن الماضي، والثانية في فترة التسعينات ولحد الان والتي تمثلت بظهور التنمية البشرية.
ففي عقد الستينات تم التأكيد على تأهيل الكوادر الفنية الوطنية وبسبب استراتيجيات التصنيع وبان النمو الاقتصادي يعد الاساس الذي يمكن التعويل عليه لتحقيق التنمية. وفي هذه الفترة كان الاهتمام بوضع الجزء وهو تنمية الموارد البشرية ضمن الكل وهو “التنمية البشرية” ففي تقرير صادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي عام 1967 حددت ثلاثة اوجه رئيسية لتنمية الموارد البشرية وهيالتنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية3)
1. استخدام افضل للقوى العاملة من خلال توفير مستويات اعلى من التشغيل المنتج.
2. تحسين نوعية القوى العاملة من خلال التعليم المهني والتدريب.
3. تحفيز الدعم الشعبي لجهود التنمية الوطنية واشراك اوسع الفئات الاجتماعية.
وفي عقد السبعينات عالج الفكر التنموي مسالتين مهمتين: ((الاولى تتعلق بعدالة توزيع الدخل وظاهرة الفقر، والثانية ترتبط باهمية وتامين “الحاجات الاساسية” لافراد المجتمع كافة)). ولقد لقيت هاتان المسالتان دعماً قوياً من خلال تبنيهما من قبل منظمة العمل الدولية والبنك الدولي. وقد كانت منظمة العمل الدولية هي المبادرة الى طرح منهج الحاجات الاساسية الذي يتلخص جوهره بان على الحكومات واجب العمل على تقديم الخدمات الاساسية كالعناية الصحية والبنى التحتية الاساسية وخدمات التعليم.
وفي هذه المرحلة قد تبين ان جانب ((البشر هم هدف التنمية)) قد بدا ينضج اكثر فاكثر غير ان هذا المسار الايجابي للفكر التنموي انحرف في عقد الثمانينات عن مساره، حيث بدأ التركيز على النمو الاقتصادي واقتراح سياسات التكييف الهيكلي التي ركنت البشر في المرتبة الثانية ومع ما استنتج ذلك من تقليص لدور القطاع العام وتعظيم لدور القطاع الخاص من دون النظر الى اثار هذه السياسات في الفئات الاجتماعية المختلفة. وهكذا اصبحت المنافع التي تصيب السكان وخاصة تلبية الحاجات الاساسية، في المرتبة الثانية، أي تتحقق كنتيجة طبيعية لعملية النمو الاقتصادي. وقد اثبتت تجارب التطبيق لسياسة التكييف الهيكلي، تدنياً كبيراً في اوضاع الطبقات الوسطى والفقيرة بينما زادت الفئات الغنية غناً. ومع انخفاض مستويات المعيشة لشرائح واسعة من المجتمع فقد انتشرت البطالة التي تعد هدراً للبشر وانهاكاً لحقوقه وكرامته.
وبعد منتصف الثمانينات ومع الاخفاقات التي منيت بها برامج التكيف الهيكلي المطبقة من قبل صندوق النقد الدولي والتي اهملت الى حد بعيد الجوانب البشرية في التنمية. فقد ازداد الاهتمام في ادخال تنمية الموارد البشرية ضمن استراتيجيات التنمية البشرية المعاملة. فقد دعت تقارير برنامج الامم المتحدة الانمائي الى اجراء الابحاث التنموية حول مواضيع الموارد البشرية ودورها في التنمية كما ورد في احد هذه التقارير توصية تدعو الى ((اصدار تقرير دوري حول حالة الوضع البشري يغطي تغير الواقع البشري في كافة ارجاء العالم. وفي تقرير للجمعية العامة صدر عام 1988 ورد انه ((… من المتفق عليه الان على نطاق واسع ان تنمية الموارد البشرية وتؤكد على ان البشر هم في المرتبة الاولى)).(4)
وهكذا ساد في الفكر الاقتصادي التنموي حتى ان التنمية يجب ان تكون انسانية مستندة على رغبة ومصالح كل مجتمع ويجب ان تعكس هويته وحضارته الاصلية. والى كل فرد في المجتمع يجب ان يتوقع الحصول على منافع من هذه التنمية وان يتجه الفكر الاقتصادي لالغاء (الاسنان الاقتصادي) واستبداله بـ(الاقتصاد الانساني).
وفي هذا الاطار الفكري جاء اول تقرير للتنمية البشرية في عام 1990 والذي نشر كدراسة مستقلة مدعوه من برنامج الامم المتحدة الانمائي. ثم ناقشت مكاتب برنامج الامم المتحدة الانمائي فكرة اصدار تقارير التنمية الوطنية مع حكومات البلدان التي تتعاون معها فوجدت اهتماماً حقيقياً بذلك. وفي عام 1992 نشرت اربعة تقارير للتنمية البشرية الوطنية عن اربعة دول وفي عام 1994 نشرت ثمان دول اخرى تقاريرها وبعد سنتين اخرى ازداد عدد التقارير لدول المختلفة الى 20 تقرير وبحلول عام 2000 فأن هناك نحو 138 دولة تنشر تقاريرها عن التنمية البشرية وقد اشارت الخبيرة الدولية في التنمية البشرية “نادية حجاب، الى هذه الظاهرة حيث يبدو ان هاك ثلاثة اسباب رئيسية جعلت هذه التقارير ذات اثر في مناقشة مفهوم التنمية على الصعيد العالمي واثارة الاهتمام به على اوسع نطاق:
الاول: انها تناولت التنمية بوصفها قضية شاملة ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وبيئية.
الثاني: ان هذه التقارير تنبه العالم الى ان الهدف الاساس من التنمية هو حياة افضل للناس، وليس نمو اقتصادياً اكثر فقط. ذلك ان البشر هم الهدف من التنمية وليسوا عبيد للنمو.
الثالث: لقد تناولت تلك التقارير تقدم التنمية في الشمال والجنوب على حد سواء، فقد اشارت تلك التقارير الى انه لا يوجد حتى الان بلد واحد في العالم قد انجز التنمية واستدامتها لكل ابناء مجتمعه(5)
ومن المعروف ان هذه التقارير لم تكن مفروضة من أي جهة كانت وتركت الحرية لجميع الدول باصدار ونشر تقاريرها، ولم يكن هناك نموذج واحد ملائم للتطبيق في جميع الحالات، كما ان هذه التقارير تشجع على العمل المشترك وترفع من مستواه، وقد حقق نشر تقارير التنمية البشرية الوطنية تقدماً في مجال جمع البيانات وانظمة التحليل المستخدمة ومناقشة قضاياها بطرق علمية وعقلانية.

ثالثاً. التنمية البشرية المستدامة.. المفهوم والبعد الانساني
لقد برز مفهوم التنمية البشرية المستدامة بوصفه تركيبة مشكلة من استراتيجية التنمية البشرية كما عبرت عنها تقارير التنمية البشرية التي يصدرها البرنامج الانمائي للامم المتحدة ومفهوم التنمية المستدامة الذي تم تبنيه من قبل مؤتمر الامم المتحدة حول البيئة منذ عام 1992 ونستدل على خلاصة هذه التركيبة الناشئة في التعريف الشامل للتنمية البشرية المستدامة والذي ورد في برنامج الامم المتحدة الانمائي ((التنمية البشرية عملية تهدف الى زيادة الخيارات المتاحة امام الناس. ومن حيث المبدأ، فأن هذه الخيارات بلا حدود وتتغير بمرور الوقت. اما من حيث التطبيق، فقد تبين انه على جميع مستويات التنمية، تتركز الخيارات الاساسية في ثلاثة : هي ان يحيا الناس حياة طويلة خالية من العلل، وان يكتسبوا المعرفة، وان يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق مستوى حياة كريمة. وما لم تكن هذه الخيارات الاساسية مكفولة، فأن الكثير من الفرص الاخرى سيظل بعيد المنال .. بيد ان التنمية البشرية لا تنتهي عند هذا الحد. فهناك خيارات اضافية يهتم بها الكثير من الناس وهي تستمد من الخبرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الى فرص اللق والابداع، واستمتاع الاشخاص بالاحترام الذاتي، وضمان حقوق الانسان..(6)
وفي بحث للدكتور آمال شلاش(7) اشارت فيه الى ان تحول اهتمام الفكر الاقتصادي العالمي بالتنمية البشرية وبلورة مفاهيم ومؤشرات ومقاييس لها، شكل من اشكال التطويع لادوات العلوم الاجتماعية ومحاولة البلورة نظرية للتنمية تتلائم مع خصائص وواقع الحياة في البلدان النامية وقادرة على الكشف عن عناصر الاختلال في عناصر التوازن على الصعيد العالمي مثلما تكشف عن اختلال عناصر التنمية في داخل البلدان … ان الفكر والمفهوم الذي ينبع منه لكي يكون عالمياً يجب ان يكون انسانياً، ولكي يكون انسانياً يجب ان يفي بحاجات الناس وان يحقق اهدافهم في الحياة.
ومع نضوج مفهوم التنمية البشرية بدا البرنامج الانمائي يطرح مفاهيم مكملة مفهومه الاساس ومنها مفهوم التنمية المستدامة التي وصفت من قبله انها تنمية موالية للناس وموالية للطبيعة، وهي تعطي اولوية للحد من الفقر والعمالة المنتجة وللتعامل الاجتماعي ولاعادة توليد البيئة وهي توازن بين الاعداد البشرية وبين ما لدى المجتمعات من قدرات متوائمة، وما لدى الطبية من قدرات هائلة.(8)
وان مضمونه التنمية البشرية المستدامة يستند الى فكرة ضمان فرص العمل للاجيال المقبلة أي بمعنى الانصاف في التوزيع او تقاسم الفرص الانمائية بين الاجيال الحاضرة والاجيال المقبلة فهي تنمية لا تولد فقد نمواً اقتصادياً ولكنها تهتم بالتوزيع ايضاً وهي ايضاً قد اضافت الى ابعاد مفهومي التنمية البشرية والتنمية المستدامة بعداً آخر هو راس المال الاجتماعي الذي يتلخص بانه استعداد الناس للالتزام الواعي بالتنازل عن بعض طموحاتهم من اجل الاجيال الحالية او المقبلة.

رابعاً: حقوق الانسان فيلا مفاهيم التنمية البشرية
الحياة هي هبة من الله عز وجل الى الانسان، فهي حق له ويجب عليه الحفاظ على مقوماته الجسمية والنفسية. وله الحق في التنمية والعيش بحرية وبسلام. وقد جاء في الاعلان عن الحق في التنمية الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في عام 1986 من ان الحق في التنمية هو حق من حقوق الانسان غير قابل للتصرف وان الانسان هو الموضوع الرئيس للتنمية فهو الهدف والوسيلة وهو المشارك النشط في الحق في التنمية والمستفيد منها. وان افراد المجتمع مسؤولين فردياً وجماعياً عن عملية التنمية اخذي بالاعتبار ضرورة الاحترام التام لحقوق الانسان والحريات الاساسية الخاصة بهم وواجباتهم تجاه المجتمع فقد ورد في الاعلان(9)
1. الحق في التنمية حق من حقوق الانسان غير قابل للتصرف وبموجبه يحق لكل انسان ولجميع الشعوب المشاركة والاسهام في تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية والتمتع بهذه التنمية التي يمكن فيها اعمال جميع حقوق الانسان والحريات الاساسية اعمالاً تاماً.
2. ينطوي حق الانسان في التنمية ايضاً على الاعمال التام لحق الشعوب في تقرير المصير. والسيادة التامة على جميع ثرواتها ومواردها الطبيعية.
لقد تعرفنا على التنمية البشرية بانها عملية توسيع لخيارات الناس ويتحقق هذا التوسع بزيادة القدرات البشرية وطرائق العمل البشرية والقدرات الاساسية للتنمية البشرية على ميع مستويات التنمية كما يراه(10) الخبير في حقوق الانسان “باسل يوسف” والتي بدونها ستظل خيارات كثيرة غير متاحة وهي:
1. ان يعيش الناس حياة طويلة وصحية.
2. ان يكونوا مزودين بالمعرفة.
3. ان يكونوا بامكانهم الحصول على الموارد اللازمة لمستوى معيشة لائق.
وفي قرار صدر عام 1999 عن لجنة حقوق الانسان في دراستها الخامسة والخمسين حيث جاء في الفقرة العاملة الثالثة من القرار بان اللجنة تكرر انالتنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية11)
1. جوهر الحق في التنمية هو المبدأ القائل بان الانسان وهو المقصود الرئيس بالتنمية وبان الحق في الحياة يعني فيما يعنيه توافر الكرامة الانسانية والضروريات الدنيا للحياة.
2. انتشار الفقر المدفع على نطاق واسع يحول دون التمتع الكامل والفعلي بحقوق الانسان ويضعف الديمقراطية والمشاركة الشعبية.
3. استتباب السلام والاستقرار يقضي بالعمل والتعاون على الصعيدين الوطني والدولي من اجل اتاحة افضل للمجتمع في جو من الحرية افسح يتمثل عنصرها الحاسم في القضاء على الفقر.
وتعد مؤشرات التنمية المستدامة بمثابة انعكاس لواقع حقوق الانسان والتنمية وكلما تطورت هذه المؤشرات هي دلالة على مفهوم البعد البشري في التنمية والذي يستند الى ثلاثة مؤشرات هيالتنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية12)
1. طول العمر مقاساً بالعمر المتوقع عند الولادة.
2. التحصيل العلمي مقاساً بمؤشرات فرعية هي:
أ. نسبة البالغين الذين يقرءون ويكتبون
ب. معدل التسرب الإجمالي لمراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والاعدادية.
3. مستوى معيشة مقاساً بنصيب الفرد الحقيقي من الناتج المحلي الاجمالي.
ويتم قياس كل مؤشر من هذه المؤشرات الثلاث التي تمثل الدليل العام للتنمية البشرية بموجب صيغ معينة، حيث يؤخذ المتوسط الحسابي لقيم هذه المؤشرات للتعبير عن مستوى التنمية البشرية وللمقارنات الدولية ايضاً.
وانطلاقاً من هذه التصورات وتأسيساً على ان حق تلبية الحاجات الاساسية للفرد هو حجر الزاوية في انسانية مفاهيم التنمية فان تخفيف معاناة الشرائح الاجتماعية الفقيرة لا يتم الا من خلال اعادة توزيع الدخل. وزيادة الدخل مرهون بالنمو الاقتصادي وتحقيق معدلات تنموية اعلى ويقع ذلك على عاتق مشاركة الانسان النشطة فهو هدف التنمية ووسيلتها ويتحمل افراد المجتمع مسؤولية التنمية اخذين بنظر الاعتبار الاحترام التام لحقوقهم وحرياتهم. ومن حق الدولة وضع سياسيات انمائية وطنية تهدف الى التحسين المستمر لرفاهية جميع السكان.

خامساً: التمكين الاقتصادي حق انساني في التنمية البشرية
لقد اشار الدكتور علي الراوي (13) الى مفهوم التمكين الاقتصادي بأنه ينصرف الى كل الممارسات والافعال والانشطة والاجراءات التي تفيض الى تنمية قدرات الافراد بصورها المختلفة وحفزها وخلق الظروف التي تجعلهم قادرين على ان يكونوا ناشطين ومساهمين حقيقيين في عمليات توليد الدخل والثروة في المجتمع. وبهذا المعنى فقد اصبح التأهيل الاقتصادي ومن اجل القبول بالتمكين بصفته حقاً انسانياً وواجباً وعلى الجميع العمل عليه والقبول به. وايضاً تتسق الدعوة الى زيادة فرص التمكين الاقتصادي مع الدعوة لتعميق وزيادة التنمية البشرية وجعل التنمية اكثر عدلاً واكسائها بوجه وتقليل ضحاياها وعوادمها لتكون تنمية بشرية وانسانية حقاً.
ومن الوسائل الفاعلة لزيادة تمكين الافراد اقتصادياً هي في تحسين الوضع الاستهلاكي لهم وان تستهدف التنمية الحقة توفير السلع والخدمات اللازمة للوفاء بالحاجات الاساسية للناس ومنها الغذاء والرعاية الصحية والتعليم الاساسي والمأوى المناسب والتي تمثل بمؤشرات تحسين مستوى التنمية البشرية. وتشير بعض الادبيات الاقتصادية الى ان التنمية البشرية لا تتحقق الا عن طريق اشباع الحاجات الانسانية. وفي ضوء هذا التطور حددت مؤشرات التنمية البشرية بمجموعات رئيسية هيالتنمية البشرية المستدامة ودعوة الفكر الاقتصادي إلى رحاب الإنسانية14)
1) المؤشرات المباشرة في دلالتها على حالة الانسان وعلى مدى اشباع حاجاته المادية والاجتماعية والمعنوية والروحية والنفسية.
2) المؤشرات الدالة على حالة التنظيم الاجتماعي من حيث مدى تماسكه وكفاية الاداء لمؤسساته، وحراكه الاجتماعي وديمقراطية حركته وقراراته مما يتيح الوفاء بحاجاته المجتمعة من اجل البقاء والنماء والتطور.
3) المؤشرات الدالة على توافر القوة العاملة بمعارفها ومهاراتها العلمية والفنية والتقنية وقيمها الاجتماعية المنشودة لتحقيق التنمية الشاملة.
4) المؤشرات الدالة على قدرة المجتمع على انتاج المعرفة العلمية والتقنية والفنية والادبية وتوظيفها لتحسين نوعية الحياة فيه.
5) مؤشرات القدرة والموارد التي تمثل مدخلات في اشباع حاجات الفرد وحاجات المجتمع، والمادة الاولية في توظيفها لانتاج السلع والخدمات.
6) مؤشرات التوازن الايكولوجي ومدى صيانة البيئة الطبيعية ومواردها من التدهور والتلوث.
وتأسيسا على هذه المؤشرات فانه لم يعد محور الاهتمام في عملية التنمية هو النهوض بمعدل نمو الناتج الإجمالي او الدخل القومي فحسب بل بدات تبرز في كتابات واتجاهات التنمية الاقتصادية قضية التوزيع كأحد المبادئ الأساسية للعمل التنموي. واصبحت عدالة التوزيع او انتشار مناسب النمو على مستوى القاعدة العريضة من افراد المجتمع هدفاً اساسياً للتنمية وركناً رئيسياً في السياسة الاقتصادية ولم تعد المقولة من ان تحقيق التنمية الاقتصادية في شكل تراكم رأسمالي من شانه ان يؤدي بعد مرحلة انتقالية الى توفير فرص العمالة وزيادة الانتاج مما يعم اثره على المجتمع باسره مقبولة او مبرراً لانعدام عدالة التوزيع في المراحل الاولى للتنمية الاقتصادية.
وانطلاقاً من هذا التصور فان تخفيف معاناة الشرائح الاجتماعية الفقيرة لا بتم الا من خلال توزيع الدخل، واذا كان المفهوم السائد للفقر بانه يمثل عدم القدرة على اشباع الحاجات الاساسية فقد تطور هذا المفهوم ليشمل الحرمان من حق الاختيار الذي يمثله التعليم والصحة والمشاركة السياسية وهذا يعني ان مفهوم الفقر لا يعني مجرد نقص الدخل بل توسع ليعني قصور القدرة الانسانية.(15)
كما تقدمت دراسات التنمية المهتمة بالجانب التوزيعي للدخل والتي تقوم على تحليل الرفاهية الاقتصادية من ناحية النتائج التوزيعية للنمو الاقتصادية حيث ميزت تلك الدراسات بين مستوى الدخل المطلق والفقر والتفاوت النسبي في الدخل، وذلك في سبيل التعرف على اكثر الفئات استفادة من مكاسب النمو وان بعض الدراسات ركزت على مصادر التوزيع للدخل حيث يمكن قياس منافع النمو من حيث مدى تأثيرها على عدالة توزيع الدخل.(16)
وهكذا يصبح هدف التنمية في تحقيق عدالة التوزيع الوجه الإنساني للتمكين الاقتصادي تستهدفه التنمية البشرية المستدامة. وما تدعو اليه السياسيات الاقتصادية التي تقوم على انطلاق العمل الانمائي من ستراتيجية الوفاء بالحاجات الاساسية للكثرة الغالبة من افراد المجتمع حيث يتجه البنيان الانتاجي الى نوع من التكامل الاعتماد على السوق الداخلية بدلاً من الاعتماد على الخارج في ظل العلاقات الاقتصادية الدولية غير المتكافئة ويستتبع ذلك تحديث عملية التنمية من منطلق وطني يتصدى للسيطرة الاجنبية مما يمكن ان يطلق عليه “التجدد الذاتي” الذي يتمثل في تحديث الانتاج وفقاً لمتطلبات افراد المجتمع.(17)
واذا كان التمكين الاقتصادي يعبر عن الوجه الانساني للتنمية البشرية فان وظيفة السياسة الاقتصادية على صعيد التمكين الاقتصادي والاجتماعي تنشر على مساحة واسعة من الحقول والمحاور والاجراءات والتكيفات والتشريعات التي يتطلبها تحقيق هذا الهدف.
ويرى الدكتور علي الزاوي(2) في بحثه المشار اليه الى ان اول وظائف السياسة الاقتصادية الكلية ومهماتها هي صياغة توجهات البرامج الانمائية وتحديد اتجاهاتها واهدافها والقطاعات التي تتمحور حولها واولوياتها. كما يجب ان تتجه السياسة الاقتصادية الى أي وتنمية قدراته والتي يعبر عنها بنسبة الموارد المخصصة لصالح الاستثمار البشري والخدمات المساندة لهذا الاستثمار. وان تهتم هذه السياسة في توفير فرص العمل ومستوى اجور مقبولة وفي خلق الاسواق المساعدة للطبقات الفقيرة. وتنشيط عمليات الانتاج والتسويق وتمويل الافراد وتمكينهم من توسيع دائرة نشاطاتهم وتوفير الحماية اللازمة والامن الاجتماعي لهم.

سادساً: الخاتمــــة
تشير تجارب وواقع الدول الى عجز الليبرالية الجديدة المتطرفة عن تحقيق نسب نمو عالية والقضاء على البطالة وتحسين المستوى المعيشي للناس. فهناك تراجع في الكثير من دول العالم عن المكاسب الاجتماعية. وتدهورت القوى الشرائية وازدادت نسبة البطالة، وازداد الفقراء فقراً كما ازداد غنى الاغنياء الذين يستأثرون بأغلبية ثروات المجتمعات واذا ما تحققت هنا او هناك نسب تعبر عن نمواً اقتصادياً وخاصة في الدول الصناعية، فهذا من وجهة نظر فنية دون ان يكون لذلك اثر واضح في الحياة الاجتماعية.
لقد تعرفنا من خلال البحث على مؤشرات التنمية البشرية المستدامة وعلى الوجه الانساني لها، وسعى الكثير من الدول نشر تقاريرها التنموية، وتاكيدها على الجوانب الاجتماعية، واهتمامها بتوفير المعلومات الخاصة بمؤشرات التنمية البشرية. الا ان الاندفاع وراء الافكار والاراء التنموية التقليدية ووراء النماذج التنموية المتمثلة بالتثبيت والتكييف الهيكلي، والانضمام الى التجارة الحرة وما افرزته من مشاكل اقتصادية واجتماعية وزيادة ازمات الوقوع في فخ المديونية والدعوة الى تطبيق افكار الليبرالية العالمية ونظامها الاقتصادي ومفاهيم الحرية الاقتصادية والتي تشكل جميعاً مجموعة التحديات اما التطلعات الانسانية ومؤشرات التنمية البشرية المستدامة في حقوق الانسان وحرية اختياراته ودوره وحقوقه في التنمية.

الهوامـــش
1) د. جبري محمود حسين د. عصام البدراوي “التخلف والانماء الاقتصادي” جامعة المنصورة كراس داخلي غير منشور عام 1987.
2) انظر د. هوشيار معروف “ازمة علم الاقتصاد وبناء النظرية الاقتصادية. وذلك ما ورد في تقديم الكتاب للاستاذ الدكتور عبد المنعم السيد علي. الجامعة المستنصرية عام 1986 صفحة 7.
3) جورج القصيفي: التنمية البشرية: مراجعة نقدية للمفهوم والمضمون. التنمية البشرية في الوطن العربي مركز دراسات الوحدة العربية 1995 ص86.
4) جورج القصيفي: المصدر السابق ص87.
5) نادية حجاب: تقرير التنمية البشرية ، الاثر الوطني والدولي. بحث منشور في دراسات في التنمية المستدامة في الوطن العربي- منشورات دار الحكمة – بغداد. عام 2001 ص13.
6) برنامج الامم المتحدة الانمائي: تقرير التنمية البشرية لام 1990.
7) د. آمال شلاش: التنمية البشرية المستدامة المنظور العام ومنظور الخصوصية. بحث منشور في دراسات في التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي. نفس المصدر السابق ص23.
8) البرنامج الانمائي للامم المتحدة تقرير التنمية البشرية لعام 1994 ص58.
9) باسيل يوسف: حقوق الانسان كمرجعية مفاهيمية للتنمية البشرية بحث منشور في دراسات في التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي مصدر سابق. 63.
10) باسيل يوسف: المصدر السابق. ص53.
11) باسيل يوسف: المصدر السابق. ص69.
12) د. صلاح عبد الحسين: الاطار المفاهيمي المستخدم في قياس التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي. مصدر سابقز ص87.
13) د. علي عبد محمد سعيد الراوي “التمكين الاقتصادي والتنمية البشرية المستدامة السياسة الاقتصادية” بحث منشور في دراسات في التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي. مصدر سابق ص168 وما بعدها.
14) عثمان محمد “قياس التنمية البشرية ”
15) عدنان ياسين مصطفى: التنمية المستدامة بين اوديولوجيا الشمال ومأزق الجنوب، رؤية سيسيولوجية، بحث منشور في دراسات التنمية البشرية المستدامة في الوطن العربي، مصدر سابق، ص 248.
16) راجع: د. اسماعيل صبري عبد الله. نحو نظام اقتصادي عالمي جدي، الهيئة المصرية للكتاب عام 1976 ص 23.
17) د. علي عبد محمد الراوي، مصدر سابق، ص 177.