التنمية البشرية هي الغاية والنمو الاقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها
التنمية البشرية هي الغاية والنمو الاقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها
مصطفى العبد الله الكفري
الحوار المتمدن – العدد: 564 – 2003 / 8 / 15
المحور: الادارة و الاقتصاد
للتنمية البشرية جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية. فهي تشمل التعليم والمعرفة، والحياة الطويلة الصحية، والسكن المقبول، وهذا يعني مستوى معيشة لائق. إلى جانب ذلك هناك قضايا هامة جدا مرتبطة بالتنمية البشرية كالحرية والديمقراطية، وأمن الإنسان وتطوير المجتمع المدني وغير ذلك.
مفهوم ” التنمية البشرية ” في الخطاب الاقتصادي المعاصر:
الهدف من توظيف مفهوم ” التنمية البشرية ” في الخطاب الاقتصادي المعاصر هو الارتقاء بالفكر التنموي من المجال الاقتصادي الضيق الذي ظل سائدا خلال العقود الماضية إلى مجال أوسع ، مجال الحياة البشرية بمختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية . وارتبط مفهوم التنمية البشرية أصلاً بنظريات التنمية الاقتصادية ، وتطور هذا المفهوم مع مرور الزمن ، فقد تم التركيز خلال فترة الخمسينات من هذا القرن على مسائل الرفاه والتقدم الاجتماعي ، لينتقل في الستينات إلى التعليم والتدريب والتأهيل ، ثم إلى التركيز على موضوع التخفيف من وطأة الفقر وتأمين الحاجات الأساسية خلال فترة السبعينات ، أما في الثمانينات فقد جرى التركيز على سياسات الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي التي تبناها ونادى بها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير .
تعد عملية التنمية البشرية حالة من التفاعل الجدلي والمستمر بين الإنسان والمجتمع ،وبين الإنسان والطبيعة . فهي تسعى إلى تطور الإنسان جسماً وعقلاً وقدرة على المشاركة وتطوير هذه القدرة والارتقاء بها . (ولذلك تكون التنمية البشرية ما وصلت إليه حالة التنمية في تطوير قدرة الإنسان ، وبالتالي حالة وقدرة المجتمع بصفتها الجدلية ، وبوجود قدر من التماسك بين طرفي هذا التفاعل. وعليه ،فان هذه القدرات وتلك الحالات التي يمكن تحديدها وفق أولويات معينة، تتطلب توفير معايير قياسها) .
– التنمية البشرية والنمو الاقتصادي:
التنمية البشرية هي الغاية والنمو الاقتصادي هو الوسيلة لتحقيقها. فالهدف هو إثراء حياة الناس.ويلاحظ أحيانا انعدام الصلة التلقائية والمباشرة بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وحتى عندما توجد صلات بينهما فإنها قد تتآكل تدريجيا ما لم تعززها إدارة ذكية وماهرة، [1] لذلك يجب حماية هذه الصلات خوفا من أن تدمرها تحولات مفاجئة في السلطة السياسية أو في قوى السوق.
يستكشف تقرير التنمية البشرية لعام 1996 طبيعة وقوة الصلات بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وقد أكتشف أمرين مقلقين، الأول: أن النمو لم يتحقق خلال معظم السنوات الخمس عشرة الماضية في حوالي 100بلد، تضم ما يقرب من ثلث سكان العالم. والثاني: أن الصلات بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية قاصرة بالنسبة لأهالي البلدان الكثيرة ذات التنمية غير المتوازنة، وهي الدول التي يتحقق فيها نمو اقتصادي جيد مع قدر ضئيل من التنمية البشرية، أو التي تتحقق فيها تنمية بشرية جيدة ولكن مع قليل من النمو الاقتصادي أو بلا نمو على الإطلاق.[2]
” ويتبين من سجل النمو الاقتصادي والتنمية البشرية على مدى السنوات الثلاثين الماضية أنه لا يمكن لأي بلد أن يتبع مساراً للتنمية غير المتوازنة على مدى فترة زمنية طويلة ـ بحيث لا يقترن النمو الاقتصادي بتقدم في مجال التنمية البشرية، أو العكس. فالتنمية غير المتوازنة قد تستمر عقدا أو ما يقرب من ذلك، ولكنها تتحول بعدئذ إلى ارتفاعات سريعة في كل من الدخل والتنمية البشرية، أو تتحول إلى تحسينات بطيئة في كل من التنمية البشرية والدخل. ” [3] وهذا يعني أن تتبع البلدان واحدا من أربعة أنماط:
1 – تحقيق نمو اقتصادي بطيء مع تنمية بشرية سريعة.
2 – تحقيق نمو اقتصادي سريع مع تحقيق تنمية بشرية بطيئة.
3 – تحقيق نمو وتنمية بشرية يدعم كل منهما الآخر.
4 – تحقيق نمو وتنمية بشرية يخنق كل منهما الآخر.
مما تقدم نجد أنه من الممكن تحقيق تقدم قصير الأجل في مجال التنمية البشرية ـ ولكنه لن يكون تقدما مستداما بدون تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي. كما أنه لا يمكن أن يكون النمو الاقتصادي مستداما بدون تنمية بشرية وهذا يوضح لنا الصلات المتينة بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
واستطاعت الدول النامية أن تقطع شوطاً لا بأس به في مجال التنمية البشرية خلال السنوات الثلاثين الماضية وربما يعادل الشوط الذي قطعته المجتمعات الصناعية على مدى قرن كامل. فقد تم تخفيض معدل وفيات الرضع في تلك البلدان بما يزيد عن النصف. وزادت نسبة التسجيل في المدارس الابتدائية والثانوية معا بأكثر من الضعف. وازداد مؤشر متوسط العمر بمقدار (17 عاما) الثلث تقريباً. ولكننا لا نرى المنجزات التي تحققت في مجال التنمية البشرية بسبب انشغالنا بالمؤشرات الاقتصادية البحتة واتجاهاتها. [4]
ولكن التنمية البشرية التي حققتها المجتمعات البشرية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كانت تمثل مزيجاً من التقدم البشري غير المسبوق والبؤس البشري الذي لا يمكن وصفه. وقد حدث التقدم البشري على جبهات ومستويات عديدة ،كما أن التراجع قد حدث على جبهات ومستويات عديدة أخرى. وقد حققت كل دولة أو مجموعة من الدول تقدما في مجال التنمية البشرية كما تقاس بدليل التنمية البشرية ولكن بدرجات متفاوتة.
– دليل التنمية البشرية:
تم تحديد دليل التنمية البشرية بالاستناد إلى ثلاثة مؤشرات رئيسة :
الأول – متوسط طول العمر المتوقع،
والثاني – التحصيل العلمي،
والثالث – مستوى المعيشة.
ويتم حساب دليل التنمية البشرية بالاستناد إلى هذه المؤشرات الثلاثة: [5]
1 – طول العمر، ويتم قياسه بمتوسط العمر المتوقع عند الولادة؛
2 – التحصيل التعليمي، ويقاس بمزيج من:
– معدل معرفة القراءة والكتابة بين البالغين (وله وزن مرجح يعادل 2/3)،
– ونسب القيد في التعليم الابتدائي والثانوي والعالي معا(وله وزن مرجح يعادل 1/3)؛
3 – مستوى المعيشة، ويقاس بمقدار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بالدولار حسب تعادل القوة الشرائية).
ولحساب دليل التنمية البشرية حددت قيمتان دنيا وقصوى ثابتتان لكل مؤشر من هذه المؤشرات وفقا لما يلي:
1. العمر المتوقع عند الولادة: القيمة الدنيا 25 سنة والقيمة القصوى 85 سنة.
2. معرفة القراءة والكتابة بين البالغين: القيمة الدنيا صفر% والقيمة القصوى 100%.
3. نسبة القيد في التعليم بمختلف مراحله: القيمة الدنيا صفر % والقيمة القصوى 100%.
4. نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي (بالدولار حسب تعادل القوة الشرائية) القيمة الدنيا 100 دولار والقيمة القصوى 40000 دولار.
مما تقدم نجد أن حساب دليل التنمية البشرية يتم بالاستناد إلى المكونات الأربعة الرئيسة الواردة أعلاه. ويمكن حساب كل دليل من المكونات الأربعة بشكل مستقل وفقا للصيغة العامة التالية:
القيمة الفعلية – القيمة الدنيا
الدليل = ——————-
القيمة القصوى – القيمة الدنيا
وبذلك نستنتج أن دليل التنمية البشرية هو عبارة عن متوسط بسيط لدليل العمر المتوقع ودليل التحصيل التعليمي ودليل نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وهو يحسب بقسمة حاصل جمع هذه الأدلة الثلاثة على. 3
واستطاعت الدول العربية أن تقطع شوطاً لا بأس به في مجال التنمية البشرية خلال السنوات الثلاثين الماضية وربما يعادل الشوط الذي قطعته المجتمعات الصناعية على مدى قرن كامل .فقد تم تخفيض معدل وفيات الرضع في الوطن العربي بما يزيد عن النصف. وزادت نسبة التسجيل في المدارس الابتدائية والثانوية معا بأكثر من الضعف .وازداد مؤشر متوسط العمر بمقدار الثلث تقريبا. ولكننا لا نرى المنجزات التي تحققت في مجال التنمية البشرية بسبب انشغالنا بالمؤشرات الاقتصادية البحتة واتجاهاتها.
يقدم تقرير التنمية البشرية الذي يصدر سنوياً عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة منذ عام 1990 إسهاماً مهماً جداً في من زاوية الاقتصاد السياسي ، يعالج مختلف مسائل التنمية في العالم وبخاصة في دول العالم الثالث ، مما يستدعي متابعته عن كثب وبجد وانفتاح وروح علمية نقدية هادفة . وقد جاء تقرير التنمية البشرية لعام 1996 متميزاً عما سبقه من تقارير مماثلة في السنوات السابقة ، لما بينه من صلات قوية بين النمو الاقتصادي والتنمية البشرية .
ومن الضروري تطوير عملية جمع البيانات الإحصائية بالسرعة الممكنة نظراً لأهميتها في رصد اتجاهات التنمية البشرية على الصعيدين الوطني والعالمي . وخير مثال على ذلك الإحصاءات المتعلقة بمعدلات معرفة القراءة والكتابة حسب العمر ، أو النشاط الاقتصادي لمن هم ليسوا في سن العمل (الأطفال أو من تجاوزوا سن العمل) وغير ذلك من الإحصاءات