إذا كان للضريبة هدف جبائي يتمثل بحصول الدولة ، من خلال الضريبة ، على إيرادات سيادية لتمويل قنوات الإنفاق العام ، لكن هذا الهدف قد يبدو
بحاجة إلى أن يكون متسقاً مع قاعدة العدالة الضريبية ، مما يدعو إلى التساؤل عن آلية الموائمة بين ذلك الهدف ، وتلك القاعدة ، فهل أن هدف الجباية والتحصيل يعطل أو يطغى على قاعدة العدالة الضريبية ؟ أم أن مظاهر العدالة الضريبية بفرض الضريبة يطغى أو يسمو على مظهرها الجبائي ؟
حاول الفقه المالي دمج أساس فرض الضريبة مع قاعدة العدالة حين بين أن نظرية التضامن الاجتماعي تقرر مظهراً أساسياً من قواعد العدالة الضريبية هو: تناسب حجم الضريبة التي يدفعها المكلف مع مقدرته التكليفية ، لا أن تكون مساهمته الجبائية متوقفة ، في مقدارها ، على مقدار انتفاعه من الخدمات العامة .
في حين قضت المحكمة الدستورية العليا المصرية:” أن فرض هذه الضريبة كان عملاً عشوائياً منافياً لعدالتها الاجتماعية ، مجاوزاً الحدود التي يكون فيها أداؤها واجباً قانوناً ، معطلاً دورها في مجال تحقيق الكفاية والعدل اللذين جعلهما الدستور أساساً للنظام الاقتصادي ، وغدا تحصيلها بالتالي مجرد جباية لا ضابط لها ولا يستقيم بنيانها وفق الأسس الموضوعية التي لا تقوم الضريبة دستورياً في غيابها ” ، بل أنها أكدت ، قبل هذا الحكم ، أن جباية الأموال ، من خلال الضرائب ، في ذاتها لا تعد هدفاً يحميه الدستور ، بل يتعين أن تكون الجباية على وفق قواعد الدستور وتطبيقاً لأحكامه .
كما توجهت المحكمة الدستورية ذاتها أن القانون الضريبي يجب أن يحقق التوازن بين الهدف الجبائي وقاعدة العدالة ، ولكن من دون بيان الضابط القانوني في إقامة ذلك التوازن ، وبذلك قضت :” أن قانون الضريبة العامة ، وإن توخى حماية المصلحة الضريبية للدولة باعتبار أن الحصول على إيرادها هدفاً مقصوداً ابتدأ ، إلا أن مصلحتها هذه ينبغي موازنتها بالعدالة الاجتماعية بوصفها مفهوماً وإطاراً مقيداً لنصوص هذا القانون .
مما تقدم أظن أن فرض الضرائب إذا كان هدفه النهائي هو الحصول على تيارات نقدية لتمويل أوجه الصرف العام ، فإن ذلك لا يولي النظر عن البناء الضريبي على وفق قواعد فرض الضريبة ، ومقصدها القريب بإسهام المخاطبين بها بتحمل الأعباء العامة لتلبية متطلبات إشباع الحاجات العامة ، وهو مظهر من مظاهر التضامن الاجتماعي بوصفه من أهم الأسس التي قيلت في فرض الضرائب ، فضلاً عن كون البناء الضريبي ، على وفق قواعده ، يقضي أن تكون الضريبة متكأه على قاعدة العدالة بوصفها من بين تلك القواعد .
لذا قد تكون الإجابة عن التساؤل المتقدم يسيرة بوجوب بناء الضريبة على وفق قاعدة العدالة ، وأن تكون تلك القاعدة مفهومة ، في أوجه من وجوهها ، على وجوب مراعاة المقدرة التكليفية للمكلفين ، وأن تنصب على دخول متحققة فعلاً ، غير موهومة في حقيقتها ، أو مستحيلة في تدفقها ، أما الهدف الجبائي سيكون بمثابة النتيجة النهائية المتوقفة على صحة أسبابها ، لا أن يكون هذا الهدف مسعى يغلب على مقاصد التشريع الضريبي ، ولا يكون هذا الهدف مرجحاً في فحص دستورية القانون الضريبي .