التوازن في الحياة
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد.
قرأت كثيراً عن التوازن في الحياة، وكيف يستطيع الإنسان التوفيق بين جوانب الحياة المختلفة، ولكن أحد الإخوة لفت نظري مؤخراً إلى معنى جديد عليّ في هذا المفهوم الرائع، فإن التوازن يجب أن يكون في كل نواحي الحياة، حتى يجعل من الإنسان منسجماً مع كل متطلبات حياته، وكل المهمات التي يقوم بها، وقد وضع العلماء المختصون في هذا الجانب معادلات كثيرة لتحقيق هذا التوازن، وإعطاء كل جانب من حياة الإنسان حقه، كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، (فأعط كل ذي حق حقه)، غير أن الجديد في الموضوع، هو الجوانب التي قد يخوض بها الإنسان رغماً عنه لا باختياره، كأن تسند إليه مهام ليست من شأنه، ولا من اختصاصه، ثم يجد نفسه مرغماً على القيام بها، وإحسان أدائها، رغم معرفته ويقينه بأنه لا يحسن صنعها، ولا يفقه فنها، ولا خاض قبل في أتونها ومتونها..!
ثم خطر إليَّ سؤال كبير..! أوليس كثير من البشر -مرغمون أو مختارون- يقومون بأعمال لا يحبونها ولا يحسنون صنعها؟! أوليس كثير من أصحاب الوظائف العليا، تسند إليهم مهام التكليف الجسيمة، وهم غير قادرين على تحمل أعبائها، والنهوض بمسؤولياتها، ويجدون أنفسهم مجبرين على القيام بهذا الواجب؟!.. إما لأن البديل غير موجود، أو أن البديل أسوأ وأدهى وأمر..!
التوازن في الحياة بين المهمات التي اختارها الإنسان لنفسه، قد يكون أمراً مفهوماً ومنطقياً، حيث بإمكان المرء أن يمارس نشاطات حياته اليومية ويوزع بينها الأوقات والجهد، لكن التوازن بين الأمور الطارئة غير المحسوبة، أو التي قد تُفرض عليه دون اختيار منه يعقد المسألة، ويحتاج المرء معها إلى نظر وتفكير.
المعنى الجديد في هذا الأمر، أشبه ما يكون بمن وجد نفسه فجأة على حبل السيرك، وعليه أن يتوازن عليه ويتجنب الوقوع على الأرض، ويخطو خطوات متئدة ومدروسة، لأن أي خطأ نهايته وخيمة، ويجب عليه أن يتمايل يمنة ويسرة ليتجنب السقوط، وهكذا حتى يصل إلى نهاية الحبل ودفة النجاة، والتوازن في الحياة -في حالتنا هذه- هو تجنب الخطأ، وعدم الزلل، فإن أسندت إليَّ مهمة لا أعرفها ولا أتقنها، ورأيت نفسي مجبراً على أدائها، فليس من المهم الآن أن يرقى أدائي لرتبة المتقنين في هذه المهمة، ولكن المهم أولاً تجنب الزلل أو الوقوع في الخطأ، فقط إلى حين تجاوز العقبة وانتهاء المحنة، والوصول إلى بر الأمان، ولا شك أن هذا يتطلب قدرةً وصبراً عظيمين، ولكن العكس من ذلك هو الأسوأ دائماً، وهو الانهزام والانسحاب والابتعاد.