يثير كثير من المشككين بعض الشبهات الشرعية حول صحة بيع المرابحة كما تجريه البنوك الإسلامية، ومن هذه الشبهات ما يلي:
أولاً: ربح بيع المرابحة وسعر الفائدة المصرفيَّة:
إنَّ من أشد حملات التشكيك عنفاً على المصارف الإسلامية ادعاء المشككين أنَّ الربح الناجم عن بيع المرابحة للآمر بالشراء، ما هو إلى الوجه الآخر للفائدة التي تتقاضاها البنوك التقليدية.
ولإيضاح الفرق نضرب المثال التالي :
لو تاجران أرادا استيراد بضاعة معينة من الخارج ، فقام أحدهما بالاتفاق مع مصرف إسلامي ، على أن يشتري البضاعة من المصنع ، بمائة ألف على أن يربحه فيها عشرة آلاف عند استلام التاجر للبضاعة سليمة من المصرف وقام الآخر بفتح اعتماد مستندي من بنك تقليدي ، لاستيراد البضاعة بمائة ألف مضافاً إليها الفوائد التي يحتسبها البنك على التاجر نظير قيام البنك بتسديد مديونية التاجر للمصدر ، فكيف نقول أنَّ الصورة الأولى بيع والثانية ربا ؟؟ .
والجواب على هذا يكون بتوضيح النتائج المترتبة على كلا العقدين ، ففي العملية الأولى يقوم المصرف الإسلامي بالشراء لحسابه ، ثم يبيع البضاعة للتاجر، وبالتالي تقع على المصرف تبعة الرد بالعيب الخفي ، إذا ظهر في البضاعة عيب أو مخالفة للمواصفات ، وتبعة مخاطر هلاك البضاعة أو تأخيرها.
أما العملية الثانية فإن البنك التقليدي غير مسؤول عن هلاك البضاعة أو تأخيرها، أو مخالفتها للموصفات المطلوبة ، لأن البنك التقليدي يبدأ بتسجيل الدين وفوائده على التاجر بمجرد استلام إشعار من البنك المراسل في الخارج بأن البضاعة قد شحنت وأنه سدد قيمتها للمستفيد ، ولا شأن للبنك المحلي (ولا البنك المراسل) بالبضاعة بعد ذلك ، سوى تزويد المتعامل بمستندات الشحن ليتمكن من تخليص البضائع من منفذ الوصول .
وبمعنى آخريقوم المصرف الإسلامي بالمتاجرة شراء لحسابه، ثم بيعاً لبضاعة حقيقية، أما البنك التقليدي فهو يبيع نقوداً مقابل مستندات (Documents)!! وقد سمعنا وسمع العالم كله بقضايا احتيال كبرى في الاستيراد، فكثيراً ما استورد المستوردون رملاً أو نشارة خشب ، على أنه زخارف أو بضائع نفيسة ، ولم تتحمل البنوك التقليدية فاتحة الإعتمادات المستندية أي مسؤولية أمام متعامليها نتيجة لذلك . وكثيراً ما يحدث أن تفلس البواخر التي تحمل البضاعة ، ولا تتحمل تلك البنوك أي مسؤولية نتيجة لذلك ، لأنها ببساطة لم تَشْتَرِ ولم تستورد ،وإنما أقرضت ، أمَّا المصارف الإسلامية فإنها تتحمل المسئولية ، لأنها لم تقرض، وإنما اشترت لحسابها من أجل إعادة البيع .
ونشير بإيجاز إلى واقعة فعلية حدثت في قطر عام 1404 هـ أوردها الدكتور يوسف القرضاوي في كتابة القيّم: (بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية ) تبين عملياً ، وبوضوح شديد ، الفرق بين تبعة بيع المرابحة في المصرف الإسلامي وتبعة الاستيراد عن طريق فتح الاعتمادات المستندية في البنوك التقليدية.
” أنَّ باخرة تتبع شركة كبيرة للملاحة كانت تحمل بضاعة لعدد من الشركات والتجار في الخليج ، وكان لمصرف قطر الإسلامي بضاعة على هذه الباخرة اشتراها ، ليبيعها بطريق المرابحة لأحد متعامليه (مفروشات الخليج)، وتصادف أنَّ الشركة مالكة الباخرة أعلنت إفلاسها، فحجز على الباخرة وهي في ميناء بور سعيد، فما كان من المصرف إلاَّ أن تحمل المسئولية كاملة ، وقام بمخاطبة الجهات ذات العلاقة ، للعمل على حفظ البضاعة بعد تفريغها من الباخرة المحجوز عليها ، ونقلها إلى باخرة أخرى لتوصيلها إلى الدوحة ، والمتعامل لا علاقة لـه بهذه الإجراءات ولا حتى بالتكاليف الإضافية ، لأن البضاعة ملك للمصرف حتى يسلمها للمتعامل في ميناء الوصول المتفق عليه ” .
” وكان لنفس المتعامل (مفروشات الخليج) بضاعة على نفس الباخرة ، اشتراها عن طريق فتح اعتماد مستندي لدى (تشارترد بنك بالدوحة) فطلب المتعامل من البنك أن يحذو حذو المصرف ، إلاَّ أنَّ البنك رفض ، ورفضه يبرره القانون ، لأن البضاعة ليست ملكاً للبنك وإنما هي للعميل ، وان دور البنك لم يكن سوى دور المقرض ، فقام المتعامل باتخاذ الإجراءات المتعلقة بشحن باقي البضاعة ودفع التكاليف الإضافية من حسابه الخاص “.
وكان من شأن هذه الحادثة – رغم خسارة مصرف قطر الإسلامي فيها – أن مكَّنتْ المصرف من شرح مفاهيم بيع المرابحة بصورة عملية بمثل حي، بَيَّنَ أنَّ الفرق بين المصرف الإسلامي والبنك التقليدي هو فرق في الأسماء وفي المضامين أيضاً.
ثانياً: أنَّ بيع المرابحة هو بيع البنك لما لا يملك:
وهو ما يُسمى ببيع المعدوم وهو بيع نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرد على هذا القول أن بيع المرابحة للآمر بالشراء ليس كذلك لأن المصرف لا يبيع شيئاً بمجرد اتصال العميل به ، وإنما يتلقى أمراً بشراء سلعة ذات مواصفات محددة بدقة . وبناءً على هذا الأمر يقوم المصرف بالشراء ثم يعرض السلعة على الآمر بالشراء فإذا كانت مطابقة للمواصفات تم عقد البيع . وعليه فإن البنك لا يبيع حتى يملك السلعة ويدفع أو يتعهد بدفع ثمنها للبائع الأصلي .
ثالثاً: أنَّ بيع المرابحة معاملة لم يقل أحد بحلها:
رد الدكتور العلاّمة يوسف القرضاوي على هذا الاعتراض بقوله “ليس من اللازم محاولة علماء العصر رد كل معاملة جديدة إلى صورة من صور المعاملات القديمة لتخرّج عليها وتأخذ حكمها ، لأن الأصل في المعاملات عامه ، وفي البيع خاصة ،هو الحِلُّ ، وما جاء خارجاً على الأصل لا يسأل عنه طالما أنه لا يُحِلُ حراماً ولا يُحِّرمُ حلالاً” .
رابعاً: أنَّ بيع المرابحة ينطوي على ربح ما لم يضمن:
وهو ليس كذلك، لأن المصرف وقد اشترى البضاعة أصبح ممتلكاً يتحمل تبعة الهلاك قبل التسليم وتبعة مخالفة المواصفات وبالشروط المتفق عليها ويتحمل تبعة الرد فيما يستوجب الرد بعيب خفي. أما بعد التسليم فلا ضمان على البنك.
* * *
يتخذ البعض من فتح حسابات للمصارف الإسلامية في بنوك تجارية ذريعة إمَّا للطعن في عدم التزام المصارف الإسلامية نفسها بالإسلام ، أو للتدليل على أن لا فرق بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية .
والواقع أنَّ هذا التعامل له ما يبرره، ففي غياب المصارف الإسلامية في الخارج، ولكي تتم المعاملات التجارية الدولية، يكون المصرف الإسلامي مضطراً لفتح حسابات مع البنوك التجارية، ولكنه في هذا يلتزم بالضوابط الآتية:
(1) خلو معاملات المصرف الإسلامي مع البنك التقليدي من عناصر الربا أخذاً وعطاءً، وبمعنى آخر، جعل البنوك التقليدية تلتزم بعدم تعاطي الربا في تعاملها مع المصرف الإسلامي .
(2) الحرص علـى أن تكون أرصدة المصرف لدى هذه البنوك عند أدنى حد لها، ولأقصر فترة ممكنة.
(3) إنهاء المصرف التعامل مع البنك التقليدي إذا وجد البديل الإسلامي الكامل، نظراً لانتفاء مبدأ الاضطرار الذي أوردتـه الآية الكريمة ( فمن اضطر غير بــاغٍ ولا عـــادٍ فلا إثم عليه ) أو المبدأ الذي تنص عليه القاعدة الشرعية المعروفة (الضرورات تبيح المحظورات) .
إنَّ الاختلاف في معدلات التوزيع وارد بالطبع، لأن موارد الأرباح المتأتية للمساهم تزيد كثيراً على تلك المتأتية للمودع.
* فبالإضافة إلى حصة المساهم في أرباح تشغيل حصته في الأموال المتاحة للاستثمار، يحصل على جزء من عائد المودعين ، وهي حصته في عملية المضاربة، أليست الودائع في المصرف الإسلامي أموالاً تستثمر عن طريق المضاربة ، يشارك فيها المودع برأسماله والمصرف بعمله وإدارته؟؟ وبالتالــــــي يتم توزيع نتائج المضاربة بين الطرفين بنسب محددة؟؟.
* يوجب القانون على كل بنك ( إسلامي أو تجاري ) أن يودع لدى البنك المركزي مبلغاً من المال، يمثل نسبة معينة من ودائع المتعاملين فيما يسمى بالاحتياطي النقدي الإلزامي (Cash Reserve Ratio). وهذا يعني تخفيض محصلة هذه النسبة من وعاء الاستثمار المتاح لأموال المودعين (دون المساهمين) في المصرف الإسلامي.
* هناك حسابات جارية يستثمرها المصرف ولا يشارك أصحابها في الأرباح وفقاً لمبدأ شرعي هو (الخراج بالضمان) أي أن المصرف يضمن إعادة الأموال في الحسابات الجارية لأصحابها مقابل تخلي هؤلاء عن عوائد (خراج) استثمار المصرف لأموالهم. وبالطبع لا يشارك أصحاب الودائع الآجلة في الأرباح الناجمة عن تشغيل الحسابات الجارية، لأنه لا دخل لهم بإدارتها، ولا هم مسئولين عن ضياعها إذا ضاعت.
* هناك عمولات يتقاضاها المصرف (المساهمون) دون المودعين نتيجة تقديم بعض الخدمات المصرفية التي لا تتصل بتشغيل أموال المودعين، كعمولة فتـح الإعتمادات المستنديـة، وإصدار الكفالات المصرفيـة، وفروق أسعار الصرف ، والمتاجرة بالشيكات السياحية وغيرها .
كل هذا يجعل من الطبيعي أن لا تتساوى نسب الأرباح الموزعة على المودعين عن تلك الموزعة على المساهمين، بل وأن تساويها فيه ظلم طبقاً لمقولة مشهورة ( مساواة غير المتساويين ظلم).