بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : أَفَمَن يَمُشِى مُكِبًّا عَلَى وَجهِهِ أَهدَى أَمَّن يَمُشِى سَوِيًّا .
سورة الملك آية (21)
تمهيد
علم نفس النمو :
إن علم النفس هو العلم الذي يدرس سلوك الكائن ، وما وراءه من عمليات عقلية ، دراسة عملية يمكن على أساسها فهم وضبط السلوك والتنبؤ به والتخطيط له .
والسلوك هو أي نشاط ( جسمي أو عقلي أو اجتماعي أو انفعالي ) يصدر من الكائن الحي نتيجة لعلاقة دينامية وتفاعل بينه وبين البيئة المحيطة به .
وعلم نفس النمو أو سيكولوجية النمو فرع من فروع علم النفس يدرس النمو النفسي في الكائن الحي ويشمل ذلك الانسان والحيوان .
علم نفس النمو بين مجالات علم النفس الأخرى :
يشترك علم نفس النمو مع سائر مجالات وميادين علم النفس في أنه يختص بدراسة السلوك وضبطه والتنبؤ به والتخطيط له . ونحن نلاحظ أن حقائق وقوانين ونظريات التعلم والإدراك والدوافع …. الخ ، تنطبق في علم النفس كما تنطبق في سائر فروع علم النفس الأخرى .
علم نفس النمو والعلوم الأخرى :
ليست ظاهرة النمو حكراً على علم النفس ، بل نجد عدد من العلوم تتكامل وتتخذ منها مجالات ، ويستفيد علم النفس من علوم أخرى مثل علم الحياة وعلم الأجنة وفسيولوجيا النمو وعلوم الاجتماع وعلم الإنسان وعلم الأجناس .
موضوع علم نفس النمو :
إن موضوع علم نفس النمو هو دراسة سلوك الأطفال والمراهقين والراشدين والشيوخ ونموهم النفسي منذ بداية وجودهم،أي منذ لحظة الأخصاب إلى الممات
المقدمة
يتعلم معظم الأطفال والشاب والسلوك المعياري السوي خلال تنشئتهم الاجتماعية ، ويسايرون في سلوكهم معايير السلوك الاجتماعي السوى . ولكن البعض ينحرفون أو يجنحون في سلوكهم عن هذه المعايير بدرجة قد لا تكون خطيرة بينما البعض يجنحون عنها بدرجة مرضية تمثل مشكلة .
ونحن نعرف أن الجناح هو الفعل أو السلوك الجانح . والجانح هو الحدث ( الطفل أو المراهق ) الذي يرتكب عملاً خارجاً على المعايير الاجتماعية وعلى القانون .
الجانح شخص يقل عمره عادة عن سن 18 ويقع تحت طائلة محاكم الأحداث ويوسف بصفات عامة غير محددة مثل : فاسد مطرود هارب ( كما في حالة الهروب من المدرسة ) وبعض الأفعال التي تخالف القانون ويعاقب عليها وينظر إليها على أنها نوع من الإجرام . ومن الصعب أن نجد نظرية ما تفسر لنا الأسباب التي تكمن وراء كل أنواع الجناح التي تترواح بين التغيب عن المدرسة إلى الأنشطة الجماعية المنظمة التي ينظر إليها البالغون على أنها نوع من الإجرام .
ومشكلة جناح الأحداث من المشكلات النفسية الاجتماعية الاقتصادية التي تواجه الأسرة والمدرسة والمجتمع والتي فهم علماء الاجتماع وعلماء التربية ورجال القانون والأمن . والتي تهمنا بصفة خاصة في دراسة علم نفس النمو والصحة النفسية والعلاج النفسي ، ويبدو أن جناح الأحداث في تزايد يستوجب التدخل للوقاية والعلاج حتى نتجنب الخسارة البشرية الناتجة عن هذه المشكلة .
والجناح كمشكلة اجتماعية تبدو مشكلة متزايدة وربما ترجع بعض أسباب هذه الزيادة إلى تزايد عدد السكان من جهة – والبعض يرجع إلى تزايد عدد الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً بالمقارنة بالتعداد الكلي للسكان ، وبعض الأسباب يرجع إلى أن نسبة كبيرة من السكان الأقل من 18 سنة يعيشون في ببيئات حضرية بينما تقل نسبة من يعيشون في البيئات الريفية كما أن احتمال اعلان حالة فرد ما على أنه جانح يتوقف على عدد رجال البوليس المتوافرين في نفس المنطقة فالصغار من أبناء الريف لا يعرفون كجانحين لا لأنهم لا يرتكبون مخالفات وأفعالا جانحة – ولكن لأن القانون ومؤسساته الرسمية لا ينتشر في مثل هذه الأماكن .
أنواع الجانحين :
هناك أنواع مختلفة من الجناح بعضها لا يتعلق بالآخر وإذا ما نظرنا إلى ظاهرة الجناح ككل فإنه من الصعب أن نقول أن أي تفسير لحالة جناح معينة يمكن أن ينطبق على جميع الحالات ويكون له نفس التأثير بين تلك الأعداد الكبيرة من الجانحين . ويمكننا أن تصنف أنواع الجانحين على أساس نوع العمر أو الإثم أو الضرر . فمن المعروف أن صغار الناس المعروفين بأنهم جانحون نتيجة لكثرة هروبهم من المدرسة يختلفون عن الجانحين الذين يفرون من منازلهم وكلاهما يختلف عن الجانحين السكارى واللصوص أو الذين يسرقون المحال التجارية ، وهم يختلفون في نواح كثيرة منها :
1- تأثير الفعل الجانح على الآخرين .
2- والعلاج الفعال للسلوك المشكل أو لأنواع السلوك المشكل .
وهناك طريقة أخرى لتصنيف الجانحين هو أن نقارن الطبقة الدنيا بالطبقة الوسطى أو الاجتماعية بالإنعزاليين Solitary والااجتماعي بالعصابي من الجانحين . وتتداخل فئات الطبقة الدنيا والاجتماعية واللااجتماعية إلى درجة معقولة بينما تتداخل الطبقة المتوسطة والانعزالية والعصابية معاً .
ومن الواضح أن أسباب الجناح تختلف فيما بين هذه الأنواع من الجناح . فالجانح الانعزالي ينتمي عادة إلى بيئة منزلية تبدو في ظاهرها طبيعية ، وتبدو عليه اضطرابات نفسية لها أهميتها ، والسلوك الجانح الذي يقوم به هو نتيجة لحاجات نفسية عميقة .
أما الجانح الاجتماعي والذي ينتمي عادة إلى الطبقة الدنيا والبيئات الشعبية فاضطراباته النفسية قليلة . ويرجع السلوك الجانح الذي يقوم به أساساً إلى أن قيم ثقافته الفرعية تتقبل مثل هذه الأفعال الجانحة .
وهناك أنماط كثيرة من الجناح وما سبق أن قدمناه إنما هو نماذج لهذه الحقيقة ، وأن سبب أو أسباب الجناح تتنوع بين الأنواع المختلفة من الجناح .
أسباب الجناح :
أولاً : الأسباب الوراثية المرتبطة بالجناح :
لتوضيح العلاقة بين الأسباب الوراثية والجناح سنتناول أحد المجالات التي توضح الأسس الوراثية لبعض أنواع الجناح والجرائم . يوجد لدى الإنسان نوعان من الكروموسومات الجنسية هما XX في حالة الإناث ، و XY في حالة الذكور ، وتوافر أي نوع من هذه الكروموسومات يحدد جنس الفرد ، وفيما يختص الجناح والجريمة فإن الذكر يكون لديه التكوين الكروموسومي الجنس XYY أي بزيادة كروموسوم Y .
وقد كان ( ماكليمونت وبريتاين ومالفيل وبرنتون وجاكوب (1965) أول من أكتشف أن الذكور الذين يتصفون بعض الأحيان يكنون أقل ذكاء عن التوسط وقد يمثل ذلك علاقة واضحة بأسباب ارتكابهم للجرائم ووقوعهم بعد ذلك في أيدي رجال القانون بسهولة ، وهناك علاقة أيضاً بين كون القرد ذكراً ولديه كروموسومان Y واحتمالات ارتكاب السلوك الإجرامي ، ومع ذلك فإن هذا الإرتباط ضعيف نسبياً ، فأغلب الذكور ممن تركيبهم الوراثي XYY ليسوا مجرمين ، وأغلب المجرمين من الذكور تركيبهم الوراثي ليس XYY فالجريمة لا ترجع إلى الحتمية الوراثية للفرد – إذا ما صرفنا النظر عن تكوينه الوراثي الجنسي .
كما أن التأثيرات الجينية المتعددة إلى جانب التركيب مالكروموسومي XYY تحدد جميعها أحتمال أن يصبح الفرد جانحاً أو مجرماً من عدمه .
ثانياً : الأسباب الفسيولوجية المرتبطة بالجناح :
يشير جلوك وجلوك Glueck & Glueck (1957) إلى وجود ارتباط بين نمو الجسم وبين الجناح فأكثر الجانحين يتميزون بالنمط الجسمي المتوسط ( ميزومورفي أو ذوي البناء الجسمي الرياضي ) .
وقد يرجع ذلك للتوقعات الاجتماعية ، فالفرد ذو البناء الرياضي يتوقع منه أن يكون نشطاً وأن يؤدي دوراً يتفق مع هذا البناء الجسمي . ومع ذلك فأصحاب هذا النمط الجمسي قد يختلفون فيما بينهم فيما يختص بالجناح ، فمثلاً قد توجد بينهم فروق هامة في المستوى العام للنشاط المبذول وفي مقدار الاستثارة التي قد ترجع إلى عوامل فطرية أو إلى الخبرة – مما يجعل الأشخاص يختلفون في احتمال أن يصبحوا جانحين . فذوو المستوى العالي من الإستثارة هم أكثر الأفراد بحثاً عن أعلى مستوى من الإثارة وأكثرهم هم نشاطاً وبالتالي أكثر عرضة لأن يندمجوا في ألوان من النشاط الجانح .
وقد يكون العالم الآن متجهاً نحو البعد عن النظام – إلى الفوضى . فكثير منا يرى أن العالم يتغير إلى الأسوأ – ويرجع بعض هذا التشاؤم إلى أننا نتقدم في العمر ونتحول بالتدريج إلى الشك في طبيعة الدوافع البشرية . فقد تكون هناك بعض العوامل الفسيولوجية المهمة التي تغيرت مع الزمن وعرضتنا لكثير من الأنحراف عما هو قائم . فهناك مثلاً بحوث تشير إلى أن التعرض للمبيدات الحشرية يؤدي إلى زيادة العدوان ، وأن استخدام بعض المواد التي تضاف إلى الأطعمة يؤدي إلى النشاط والحركة الزائدة .
وقد تكون هناك بعض العوامل الفسيولوجية الأخرى تتعلق بالتغير الاجتماعي الذي نراه ، وقد تكون بالغة الأهمية في تأثيرها أكثر من تأثير التليفزيون .
ثالثاً : العوامل النفسية المرتبطة بالجناح :
لقد درس الباحثون عدداً ضخماً من العوامل النفسية المتعلقة بجناح الأحداث . حيث يربط الذين ينتمون لمدارس التحليل النفسي بين الجناح وبين الحرمان من حب الأم وحنانها خاصة في الأعوام الثلاثة الأولى من عمر الطفل . أما كثير من علماء النفس الأقل صلة بالاتجاهات التحليلية فيركزون على علاقة الوالدين بالطفل وعلى مراحل النمو .
وقد اتجهت بعض الدراسات نحو اكتشاف الخصائص النفسية للجانحين وغير الجانحين، العصابيين ( الشخصية المشكلة ) والجائحين ( السلوك المشكل ) ، والعاديين (ممن لا يتميزون بأية مشكلات ) من الأطفال ، وكذلك بالأنواع المختلفة من الجناح . وقد كشف كل هذه الدراسات عن فروق مهمة في درجات الشخصية بين المجموعات كما تكشف عنها اختبارات الشخصية المقننة . وترجع بعض أسباب هذه الفروق أساساً إلى الوضع الأسري . وعلى سبيل المثال فقد وجد أن الجانحين كمجموعة لديهم صعوبات قصوى مع نماذج السلطة الذكرية .
كما وجد أن الجانحين الإنعزاليين العصابيين يتميزون بعلاقات مضطربة مع الامهات بينما لا يظهر ذلك لدى أغلب الجانحين من الأنماط الأخرى . وهناك عامل آخر في علاقة الوالدين بالطفل ، فيرر ( هوفمان وسالتزستاين ) ( 1967) أن نمو الضمير ضعيف (وينحو نحو الجناح( في أطفال الأسر التي يكثر فيها الآباء من استخدام السلطة والعقاب على سبيل المثال – لن أخبرك لماذا أريدك أن تعمل هذا ؟ عليك أن تطيع لأنني أريد ذلك. ويتكون الضمير على الأقل من عنصرين أساسين غير متعلقين ببعضهما هما : مقاومة الإغراء أو الغواية ، وارتكاب الذنب بعد الاستسلام للاغراء والغواية أي المقاومة ونقص المقاومة ومن هذين العنصرين يتعلق نقص المقاومة بقوة النجاح . ومن الملاحظ في كثير من البيوت أن الآباء لا يهتمون بكل من العنصرين ككل – بل يهتمون بكل منهما أهتماماً منفصلاً الأمر الذي قد رجح كفة أحدهما على الآخر . . وربما كان الأمر في حاجة ماسة لدراسة التأثيرات المنفصلة لسلوك الآباء على هذين البعدين المختلفين من الضمير .
إن الارتباط قوي بين العوامل النفسية القائمة في بيئة الفرد وبين الجناح ، ولكن بالنسبة لبعض أنواع الجناح ، وترجع بعض الأنواع الأخرى إلى عوامل اجتماعية أو ثقافية.
رابعاً : العوامل الاجتماعية المرتبطة بالجناح :
إن غياب الأب كعامل مهم في البناء الاجتماعي للطبقة الاجتماعية والسلالية يمثل بعداً مهماً من أبعاد المتغيرات البيئية المؤثرة على السلوك السائد لدى الأطفال فأبحاث كل من » لين وساروي « (1959م) و (سيجمان ) (1966) بينت أن غياب الأب على الأقل قبل سن الخامسة يؤدي إلى نع من التعويض بل يؤدي غالباً إلى ذكورة جانحة في المراهقة . فحيث أن غياب الأب أو فقده يرتبط بالطبقة الاجتماعية وبالسلالة – وخاصة بالطبقة الدنيا حيث يوجد أكبر نسبة من تغيب الآباء لسبب أو لآخر – فليس من المستغرب أن توجد في مثل هذه الجماعات أكبر نسبة من الجانحين .
ويساعد غياب الأب على عمق العلاقة بين الطفل وبين الجماعة الخارجية ( الشلة ) ونجد في الطبقات الشعبية أن أغلب الصغار من الذكور ينتمون إلى شلل ويجب أن يحدث ذلك كمحاولة لحماية الذات . ورغم أن العصبة أو الشلة تقوم على أسس معينة منها الوضع الاجتماعي للآباء – فإن عضوية الشلة وعلى الأخص القيادة في ذه الشلة – إنما تقوم على الصفات الشخصية والمهارة . وربما لأن الصغار من الطبقة الدنيا تنبذهم الشلل الأخرى بسبب مهن آبائهم – فإن للذكور من هذه الطبقة الدنيا يلجأون إلى الاندماج في شلل لا ترتبط فيها أهمية الشخص بمقدار دخل الأسرة ، ووجود شعور بالتطابق وبأهمية الذات بعد عاملاً مهماً جداً أكثر من إطاعة الآخرين . وعلى المدى الطويل تصبح مثل هذه الأمور هي الإستجابة التوافقية لهؤلاء الأفراد .
ويذكر كثير من الباحثين منهم ( ثراشر Thrasher ، (1927) ووايت (1943) وشاو ومور (1931) ( وفاريل ) (1935 ) أن ظاهرة الجناح أصبحت ظاهرة منتشرة بين الناس وأن الجانحين من الطبقة المتوسطة يتزايدون باستمرار .
وهذا يعني في رأيهم الثقافة تتغير باستمرار بطريقة تعرض أفرادها للجريمة والعنف . وعند دراسة العلاقة بين الآباء والطفل لوحظ أن هناك مواقف من التفاعل الاجتماعي يختلف فيها الجانحون عن غير الجانحين سواء من حيث خصائص الموقف أو الهدف منه :
1- عواطف الآباء نحو الطفل – فهي تتميز في نظر الجانحين بأنها غير واضحة أو صريحة بينما يذكر غير الجانحين أنهم يعرفون مدى حب آبائهم لهم .
2- القائمون على رعايتهم بدلاً عن الآباء – يتصف التفاعل بين الجانح وبين الآباء البديلة بأنه لا يراعي اجتياجاتهم المختلفة كما أن عملية الإشباع تتم في إطار خال من العواطف والتقدير والقبول ، على عكس ما ذكره الأطفال غير الجانحين .
3- العلاقات القوية في الأسرة – تنقص الجانح وتتوفر للطفل غير الجانح .
4- نبذ الأب للطفل – شائع بين الجانحين وقليل بين غري الجانحين .
5- نبذ الأم للطفل – شائع بين الجانحين ولكن بنسبة أقل من نبذ الآباء للطفل . ونادر بين غير الجانحين .
6- التوجيه غير الملائم – تكثر التعليمات والتوجيهات غير السليمة وغير الملائمة سواء لطبيعة الطفل أو لمرحلة النمو التي يمر بها بالنسبة للجانحين – بينما تتصف توجيهات الآباء للأطفال غير الجانحين بأنها هادئة ومتزنة وتراعى المطالب الأساسية للنمو .
7- الأم التي لا تقوم بتهديب الطفل – يكثر مثل هؤلاء الأمهات في حالة الأطفال الجانحين عنها في حالة غير الجانحين .
8- الأ[ الذي يستخدم الغلظة أو القسوة في تهذيب الطفل – يشيع مثل هذا النوع من السلوك بين آباء الجانحين ويقل لدى غير الجانحين .
9- عدوان الطفل على الأب – يزيد عدد مواقف العدوان على الأب بين الجانحين عنه بين غير الجانحين .
10- عدوان الطفل على الأم – يزيد عدد المواقف التي يعتدي فيها الجانحون على الأم عنه في حالة غير الجانحين .
11- العدوان على الإخوة والأخوات – يكثر عدوان الأطفال الجانحين على أخوتهم وأخوانهم عما هو موجود لدى غير الجانحين .
12- اعتقاد الأولاد بأن الأم لا تهتم برعايتهم – يكثر هذا الشعور بين الجانحين ويقل بين غير الجانحين إلى حد كبير .
13- اعتقاد الأولاد بأن الأب لا يهتم برعايتهم – نفس الأمر الموجود في حالة الأم ولكن بنسبة أكبر .
14- عدم ملائمة الأب كنموذج صالح لتطابق الطفل معه – يسيطر على الجانح مفهوم بأن الأب لا يصلح لأن يكون مثلاً له – ويقل هذا المفهوم بين غير الجانحين .
خامساً : العوامل الثقافية المرتبطة بالجناح :
يذكر ( بول جودمان ) أن الثقافة التي نعيشها ثقافة مريضة مليئة بالمتناقضات وعدم التوازن في مكوناتها المختلفة ، وأننا نعيش أغلب أوقاتنا مرتبطين بوظائفنا التي تتميز في غالبية الأحيان بأنها مغير ممتعة وغير مفيدة .
فالثقافة بوضعها الراهن في المجتمعات الحضرية المتقدمة ثقافة مضللة ومثيرة لكثير من الصراع وينقصها الإحساس بالمعني والإحساس بالأهمية وبالقيمة . وتقدم ثقافة البالغين فرصاً قليلة للقيام بأعمال ممتعة وذات معنى بالنسبة للأفراد . لذا فإن ثقافة جماعة الرفاق تؤدي ما يمكنها به أن تملأ هذا الفراغ – عن طريق القيام بأعمال مثيرة من جهة وعن طريق رفض ثقافة الكبار من جهة أخرى .
والانحراف عن معايير الجماعة كأحد وسائل رفض الثقافة أصبح بتقدم المجتمعات وزيادة أعداد أفرادها ظاهرة هامة . فالشخص المنحرف طبقاً لرأي ( سيمان ) (1959) يشعر بالضعف في مواجهة المجتمع ، ولم تتم لديه مجموعة قوية من المعايير يمكن أن يحكم من خلالها على سلوكة أو على سلوك الآخرين ، ويشعر بأنه معزول وبعيد عن الآخرين ، كما يشعر بالتباعد عن نفسه أيضاً . ولكن الجانح لا يواجه كل هذه المعايير حيث تتوفر لديه معايير للحكم على سلوكه . ولكن بالنظر إلى معيار الشعور بالضعف في مواجهة الجماعة يعد الجانحون منحرفين – وأنهم كلما كانوا أكثر احداثاً وإثارة للمتاعب كلما كانوا أكثر شعوراً بهذا الضعف ، فحركات الهيبيز والبيتنيك تمثلان حالات من الإنحراف والرفض لثقافة الجماعة ولكنها ليست جانحة ، لقد أصبح من الصعب على الفرد أن يحس بمعنى وجوده وأصبح العنف هو الوسيلة لتأكيد وجوده وطريقة ليعرف العالم بوجود الشخص وأهميته ومربما كان العنف المتزايد في المجتمعات عائد إلى كون القيم السائدة في هذه المجتمعات قد أصبحت غير واضحة .
تجربة هومرلين :
منذ خمسين عاماً مضت – ذكر ( هومرلين ) من خلال عمله في أحد معسكرات الإصلاح أن الأحداث الجانحين يمكن علاجهم عن طريق الحب الذي يقدمه المسؤولون عن الطفل . لقد جمع هومرلني مجموعة من الأولاد والبنات الخطرين من محاكم لندن وهم يتميزون بميولهم المضادة للمجتمع ومات فيهم الشعور بالخجل ولهم شهرة واسعة في النهب والسرقة وبانتمائهم إلى عصابات محترفة . جمُع هؤلاء الأطفال الجانحون إلى معسكر إصلاح يتوفر فيه مجتمع قائم على الحكم الذاتي والتقبل المبني على الحب ، وبالتدريج أصبح هؤلاء الأطفال أكثر لطفاً وأمانة .
كان ( هومرلين ) ناجحاً في تفهمه وتعامله مع الاطفال الجانحين ، عالجهم لأنه دائماً كان يعطي الحب والتفهم ، وكان دائماً ينظر بعمق إلى الدوافع الدفينة في أي جانح كما كان مقتنعاً بأن خلف أي جريمة توجد رغبة كانت في الأصل طيبة . كما وجد أن الحديث مع الأطفال لا فائدة منه ولكن الفائدة المرجوة توجد في الفعل والعمل . وأنه لكي نخلص طفلاً ما من عادة اجتماعية سيئة يجب علينا أن نمكن الطفل من أن يعيش خارج حدود رغباته .
ففي إحدى المرات عبر أحد الصغار أمام ( هومرلين ) عن غضبة ورغبته في أن يحطم الأكواب وأطباقها الموجودة على مائدة الشاي فأعطاه لين قطيباً من الحديد وطلب منه أن يحمله ثم يضرب به في الهواء حتى يهدأ وفعلاً أخذ الصغير الجانح الحديد وأخذ يلوح به محطماً الأكواب والأطباق وفي اليوم التالي عاد الطفل إلى لين ورجاه أن يعطيه مزيداً من المسئولية وعملاً يعطي دخلاص أفضل من الذي يقوم به في المعسكر . فسأله ( لين ) لماذا يطلب عملاً يدر دخلاً أفضل ؟ فقال له لأنني أود أن أدفع ثمن ما كسرته من أكواب وأطباق ، وكان تفسير ( لين ) أن عملية تحطيم الأكواب كانت بمثابة تفريغ للصراعات والأحباطات التي يعانيها الطفل والتخفيف منها . فلأول مرة في حياة هذا الطفل يشجع عن طريق السلطة على تحطيم شيء ما والتخلص من غضبه ولابد أن يكون لذلك تأثير إنفعالي إيجابي عليه .
كان الجانحون الذين درسهم ( هومرلين ) من أحياء شعبية قذرة – ورغم ذلك لم يعد أي منهم ثانية إلى العصابات . وتسمى هذه الطريقة بطريقة منح الحب أو طرح الكراهية بعيداً . وحيث لا تشفى الكراهية إنساناً ما من أي شيء ما – فإنها أيضاً لن تجعله اجتماعياً .
وفي هذه الأيام يبدي كثير من ضابط البوليس رغبة مخلصة في محاولة فهم الجانحين ، كما يعمد الأخصائيون النفسيون إلى تعريف الجانح على أنه يحتاج للحب بدلاً من الكراهية والفهم بدلاً من النظرة الجامدة الخاطئة ، ونظرة سليمة نحو ربط الجانح بالمجتمع بدلاً من تعميق كراهيته لهذا المجتمع .
فلم يسمع عن بناء إنسان على أساس من العنف والقسوة والكراهية . فالجانحون أفراد يتميزون بأنهم تعساء وكارهون ولديهم مشاعر نقص وإضطراب وجداني . كما أنهم محرومون من الاحترام يعيشون جواً من التوتر والشك .
الأسباب النفسية :
الصراع ، والأحباط ، والتوتر والقلق ، والإنقباض والحرمان العاطفي ، والجوع الإنفعالي ، وانعدام الأمن والخبرات المؤلمة والأزمات النفسية ، وعدم اشباع الحاجات ، والنمو المضطرب للذات ( مفهوم الذات السالب ) ، وعدم تعديل الدوافع ، الضعف العقلي ، والضعف الخلقي ، وتأخير النضج النفسي .
الأسباب البيئية :
ومنها أسباب بيئية عامة مثل أسلوب التنشئة الإجتماعية الخاطئة في عملية تعلم القيم والمعايير الاجتماعية ، والبيئة الجانحة وتأثير الكبار ، ونقس وسائل الترفية ومشكلات وقت الفراغ ، وسوء التربية الجنسية ، والفقر والجهل والمرض . ومنها ما يكون داخل المنزل مثل أسلوب التربية الخاطئة ( أفراط اللين والتساهل والأفراط في الرعاية والحماية ) – قلة الضبط والرقابة – اللامبالاة – القسوة والافراط في العقاب – التفرقة في المعاملة – اضطراب العلاقات بين الوالدين والطفل – الأهمال – الرفض – عدم الأستقرار العائلي وتفكك الأسرة ( الهجران – الأنفصال – الطلاق – السجن – الموت ) ، الناحية الاقتصادية ( الفقر – ازدحام المنزل – انعدام وسائل الراحة ) ، الحالة الاخلاقية ( الادمان – المجون- التشجيع على الانحراف ) العلاقات الانفعالية المضطربة في الأسرة . ومن الأسباب البيئية ما يكون خارج المنزل مثل قرناء السوء ، ومشكلات الدراسة والهروب من المدرسة والفشل الدراسي ومشكلات العمل .
أعراض جناح الأحداث :
فيما يلي أهم أعراض جناح الأحداث :
الكذب المرضي ، والسرقة والنشل والتزييف ، والتخريب والشغب والخطورة علىالأمن ، والهروب من المنزل والمدرسة والفشل الدارسي ، والتشرد والبطالة والعدوان والتمرد على السلطة وعدم ضبط الأنفعالات ( حدة الطبع والتقلب ) والسلوك الجنسي المنحرف اكهتك العرض والجنسية المثلية ، وتعاطي المخدرات والمسكرات والأدمان والقتل ، وغير ذلك من ألوان السلوك الاجرامي .
الشعور بالرفض والحرمان ونقص الحب وعدم الأمن وعدم فهم الآخرين له ، والشعور بالعجز ( الحقيقي أو المتخيل ) ومشاعر النقص في الأسرة وفي المدرسة ومع الرفاق والشعور بالمرارة والغيرة نحو واحد أو أكثر من الأخوة بسبب التفرقة في المعاملة ، والشعور بالذنب بخصوص السلوك الجانح ، ويلاحظ عدم الارتياح بخصوص الأسرة وسوء سلوك الوالدين في التنشئة الاجتماعية للطفل والمراهق . ويشاهد الشقاء بسبب وجود صراعات نفسية عنيفة ( مكبوتة غالباً )
وجود مفهوم سالب للذات وتشوه صور الذات . وقد وجد أنور الشرقاوي 1970 أن صورة الذات المشوهة شائعة بين الأحداث الجانحين وان اتجاهات الجانح نحو ذاته تتميز بالسلبية نتيجة الخبرات السيئة التي كونها عن نفسه مما جعله غير متقبل لذاته ، وأن تقدير الجانح لذاتة يتميز بالدونية والقصور وعدم الواقعية وأنه أقل رضا عن ذاته بالنسبة لمثله الأعلى أو توقعات الجماعة له وخاطئه أسرته .
ويصاحب هذا كله أعراض مثل نقص البصيرة وعدم التبصر بعواقب السلوك وعدم التعلم من الخبرة وعدم القدرة على الحكم السليم ، وعدم المسئولية وخطأ الحكم وعدم الأهتمام بالمستقبل وعدم وضوح أهداف أو فلسفة للحياة ، والأنانية ونقص النقد الذاتي ، والبله الاخلاقي وعدم الشعور بالذنب وضعف الضمير . والاستهار بالتعاليم الدينية والقيم اللاخلاقية والمعايير الاجتماعية .
ويلاحظ أيضاً من الجانحين يكونون أذكياء ، ألا أن الأغلبية حالات حدية وضعاف عقول . والصحة العامة للجانحين أقل من المتوسط ويشاهد العيوب الجسمية والتعرض للحوادث ، ويشاهد أيضاً العصابية ، وزيادة النشاط الحركي وعدم الإستقرار والأندفاع والقابلية للايحاء وعدم ضبط النفس والاتجاهات الدفاعية والعدائية ونقص التعاون ومناواة السلطة والمخاطرة والتمرد والتدخين وغير ذلك في سن مبكرة ( بيترسون وآخرون 1968 ) .
الوقاية من جناح الأحداث :
يجب الأهتمام بالاجراءات الوقائية الشاملة من جناح الأحداث ، ويتضمن ذلك الاجراءات النفسية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية الواجب أتخاذها أثناء رعاية النمو النفسي والتربوي وأثناء عملية التنشئة الاجتماعية للأطفال والشباب حتى يشبوا مواطنين صالحين .
وفيما يلي أهم الاجراءات الوقائية من جناح الأحداث :
يجب تبني وجهة نظر أصحاب نظرية الدفاع الاجتماعي واتخاذ كل التدابير الوقائية اللازمة في اطار الأسرة والمدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة والاهتمام بوسائل رفع مستوى المعيشة وبرامج التوعية . وتضافر جهود الأسرة والمدرسة ووسائل الأعلام والمجتمع بصفة عامة في تفادي أسباب الجناح عند الأطفال .
محاولة التنبؤ المبكر بالجناح وتحديد القابلين له باستخدام مقاييس القابلية للانحراف السلوكي حتى يمكن اتخاذ الاجراءات الوقائية قبل تفاقم المشكلة . واعداد المعلم لمواجهة حالات الجناح ومواهجة الانحراف بطريقة عملية في تعاون مع الأسرة ومع الهيئات العلاجية الأخرى . وإرشاد الأطفال والمراهقين ، وتوفير المناخ الأسري الآمن ، وتوفير الضروريات مع الأشراف المرن والاهتمام بنمو الضمير والنمو الديني والاخلاقي للأطفال والشباب .
الأهتمام بالأحكام التشريعية والتدابير الاجتماعية لحماية الأطفال والشباب من الأهمال والتعرض لأسباب الجناح وعلى رأسها الفقر والجهل والمرض ، وإنشاء مؤسسات رعاية الأطفال والشباب ومراكز الإرشاد النفسي وخاصة الإرشاد الزواجي والأسري وارشاد الأطفال والشباب .
علاج جناح الأحداث :
وفيما يلي أهم توصيات علاج جناح الأحداث :
العلاج النفسي :
الفردي والجماعي ومحاولة تصحيح السلوك الجانح وتعديل مفهوم الذات عن طريق العلاج النفسي الممركز حول العميل ، مع الاهتمام بعلاج الشخصية والسمات المرتبطة بالجناح ، وحل الصراعات ، ومقابلة عوامل الاحباط وإزالة مصادر الضغط والتوتر الإنفعالي ومحاولة التغلب على دافع العدوان ، وإشباع الحاجات النفسية غير المشبعة وخاصة الحاجة إلى الأمن ، وإبدال السلوك العدواني بسلوك بناء ، والعلاج الديني والعلاج بالطهي والعلاج بالعمل ، والأهتمام بالتربية الجنسية . وإنشاء المزيد من العيادات النفسية المختصصة لعلاج جناح الأحداث ، وقد ساهم المؤلف في إنشاء أولى هذه العيادات التابعة للإدارة العامة للدفاع الاجتماعي بوزارة الشئون الاجتماعية .
الارشاد العلاجي والتربوي والمهني :
للحدث الجانح هو جو نفسي ملائم يتسم بالصبر والفهم والمساندة والتوجيه السليم نحو سلوك فعال مقبول ، ومساعدة الحدث الجانح على رسم فلسفة جديدة لحياته . وفي نفس الوقت يجب الاهتمام بارشاد الوالدين ، وتحميلها مسئولية العمل على تجنب الطفل التعرض للازمات الانفعالية ومواقف الصراع والاحباط ، وافهامهما أن العقاب العنيف لا يجدي مع الجانحين وتصحيح أساليب المعاملة الوالدية المضطربة ، وأساليب التربية الخاطئة وآثارها السيئة وحثهما على الصبر في معاملة الأطفال والشباب مع مراعاة العطف والحزم مومالأعتراف بشخصية الأولاد وعدم التفرقة في المعاملة بينهم ، وعدم المقارنة بين الأطفال ، وأن يكونوا قدوة سلوكية حسنة للأولاد .
العلاج البيئي :
وتعديل العوامل البيئية داخل المنزل وخارجه ، وشغل وقت الفرغ والترفية المناسب والرياضة والنشاط الاجتماعي . وتوفير الرعاية الاجتماعية للحدث الجانح في الأسرة والمدرسة أو المؤسسة ، واستخدام كافة امكانيات الخدمة الاجتماعية المتيسرة في المجتمع . والايداع في المؤسسات للتأهيل النفسي والتربوي والمهني ، وإعادة التطبيع الاجتماعي وتعديل الدوافع والاتجاهات في ضوء دراسات وخطط علاجية مدروسة والعمل مع الجانحين على أساس من الفهم والرعاية بهدف الاصلاح والتقويم وليس العقاب .
الخاتمة
الحمد لله رب العالمين ، وشكراً للمولى عز وجل ، وحمداً لرب العباد الذي أعانني ، وأسجد له خاشعاً خاضعاً ، لما شملني به من نعم لا تحصى ولا تعد .
أرجو لكل قارئه لهذا البحث أن تلتمس لي العذر أن كنت مقصره ، وأن ترشدين للصواب ان كنت مخطئة .
واستغفر ربي من كل خطيئة وزلل ، واسأله أن يقابل أعمالنا بالقبول ، ونحمده على ما وفقنا من نافع العلم وصالح العمل ، وأن يصلح من شأننا ، ويحقق للإسلام والمسلمين كل الآمال ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم ، آمين يا رب العالمين ، والحمد لله رب العالمين .
وفى النهاية ارجو التثبيت
والتقييم حسب التقدير