العدالة الضريبية الغائبة.. والشرعية القانونية المفقودة
لايمكن إصلاح قانون الضريبة العقارية عن طريق تعديلات جزئية لعدد من مواد القانون الصارخة في عدم الدستورية, والفاضحة في مخالفة القواعد الراسخة للعدالة الضريبية.
والمتناقضة جملة وتفصيلا مع أبجديات المساواة في تحمل الأعباء بين المواطنين وتوزيعها عليهم بالعدل والقسطاس وفقا لمقدرتهم المالية من الثروة والدخل , وقدرتهم بالتالي علي تحمل النصيب الأكبر أو الأقل من الأعباء العامة والتي تسمي في علم المالية العامة المقدرة التكليفية للممول, وتستوجب مسئوليات وزراء المالية العلم بها والالتزام الدقيق بتنفيذها, حتي لا تنزلق السلطة لفخ الصدام مع المواطن وتمزيق النسيج الاجتماعي والسياسي للدولة, وفي ظل ان الخلل الحقيقي لقانون الضريبة العقارية يرتبط بالأساس وفي الأصل بفلسفة القانون الضريبية والمالية التي تتعارض جملة وتفصيلا مع نصوص الدستور المصري وروحه, وتتصادم مع حقائق الحياة ومفرداتها الواقعية, فإن العلاج الوحيد والضروري يرتبط باعداد مشروع قانون جديد من الألف إلي الياء للضريبة العقارية يتبني فلسفة ضريبية ومالية قائمة علي احترام قواعد الدستور وثوابته, وتلتزم التزاما صارما بقواعد العدالة والمساواة بمعناها الصحيح والسليم الذي لايعترف بالشعارات الجوفاء الفارغة, ويتجاوز التبريرات والسلوكيات غير القويمة التي رافقت مشروع القانون وانتهت بالجميع إلي مأزق كارثي بتوجيه الاتهام للسلطة التشريعية بالمسئولية عن الانحراف بالتشريع بما يخالف الدستور وأحكامه, والتي لايجوز الخروج عليها قيد أنملة وإلا كان ما لا يحمد عقباه.
ولايبقي إلا الأمل الحقيقي المعقود علي الرئيس محمد حسني مبارك رئيس الجمهورية لإصدار أوامره وتعليماته الدقيقة والشاملة بوصفه الرئيس الأعلي للسلطة التنفيذية ويتحقق ذلك بأن تتم مراجعة قضية قانون الضريبة العقارية بصورة متكاملة وسليمة عن طريق فريق من الخبراء والمختصين, ومن خارج نطاق دائرة المستشارين المرتبطين بالمصلحة وبالمنفعة بوزارة المالية وتوابعها, وان يستظل الفريق في عمله بتعليمات واضحة بالاحترام المشدد للدستور نصا وروحا وبالقواعد الضريبية المستقرة والثابتة والراسخة, واعتبار ان ما جري في قانون الضريبة العقارية وفي قانون ضرائب الدخل من تعديلات وتبديلات, ماهي إلا مرحلة طارئة وانتقالية كانت تعكس جوانب من الفكر العالمي للرأسمالية الأصولية, التي كانت تسود في الدول الصناعية الكبري وتغري بالمحاكاة والتقليد في باقي دول العالم, حتي قادت العالم كله إلي كارثتي الأزمة المالية والأزمة الاقتصادية في سبتمبر2008, والتي أفاق معها كل العالم علي حقائق جديدة ومتغيرات عاصفة قاسية ومدمرة تؤكد أن ثوابت الأصولية الاقتصادية وفي مقدمتها ثوابت الفلسفات الضريبية لليمين المحافظ الأمريكي القائلة بالإعفاء الضريبي للأغنياء والأثرياء لمساندة تراكم الثروة وضخ المزيد من الاستثمارات وإقامة المزيد من الأعمال لم ينتج عنها إلا طوفان من المضاربات الفاسدة سيئة السمعة, والنتائج كادت تدفع بكل العالم إلي النفق المظلم للكساد العظيم بكل ويلاته وعواصفه ودماره.
ويقدم قانون الضريبة العقارية نموذجا صارخا علي فلسفة ضريبية دخيلة وشاذة علي الدولة المصرية المعاصرة, والتي لا تتعارض فقط مع الدستور أبو القوانين ولكنها تتعارض مع ما هو أخطر وأهم, والمرتبط بالعقد الاجتماعي غير المكتوب الذي يحفظ الاستقرار والتوازن في أحلك الظروف وأصعبها بحكم ما يتضمنه من ثوابت وطنية وقومية عليا تشكل خطوطا حمراء تلزم الدولة والمواطن والمجتمع, وتشكل رقيبا علي جميع السلطات والأجهزة والأعمال والمعاملات باعتبارها حصن الأمان للكافة وللجميع, والذي يلزمهم أول ما يلزمهم باحترام الدستور والحرص علي عدم تعارض أو تنافر التشريعات مع الدستور, نصا وروحا طالما انه قائم ونافذ, وقد جاء قانون الضريبة العقارية بفلسفته, وبالتالي بأحكامه الواردة في مواده ونصوصه ليقدم نموذجا فاضحا للخروج علي جميع الخطوط الحمراء الحاكمة للدولة وللمجتمع وللمواطن, وكاد يدفع المنظومة الكاملة للوطن إلي فوضي مدمرة, وجاءت كلمات الرئيس لتعطي الأمل الحقيقي في نوبة صحيان تعيد الأمور إلي نصابها الصحيح والقويم وتسهم في تصحيح الكثير من المفاهيم الخاطئة والدخيلة وتصوب العديد من الممارسات التي اقتحمت الحصون وهددت الركائز بإهمال العدل والعدالة في التشريع الضريبي, والاستخفاف بقواعد المساواة الضريبية ومعانيها وتطبيقاتها في القوانين والتشريعات.
تشدد يخضع المسكن الخاص.. وتسيب يعفي اصحاب الثروة
ويقدم قانون الضريبةالعقارية نموذجا غريبا ومريبا للانحياز الأعمي والصارخ للأكثر دخلا والأكثر ثروة, في الوقت الذي يقدم فيه نموذجا مقيتا ومريضا للانحياز الفج والسافر ضد الأقل ثروة والأقل دخلا, وهو بذلك يتجاوز أسوأ ما قدمته الأصولية الاقتصادية واليمين المحافظ من فلسفات رأسمالية يصفها العالم حاليا بالوحشية والمتوحشة, وهو قانون يفضح نفسه بأنه قانون ضد العدالة بأبسط معانيها وبأعقدها, وهو قانون ضد المساواة بالحد الأدني من معاييرها, وبالحد الأقصي لقواعدها, وهو بذلك يخرج تماما عن معني التشريع الصحيح, ويدخل تحت مظلة أعمال الحواة التي تصرف الأنظار والأبصار عن حقيقة اللعبة وخباياها وخفاياها, ولكن صانعه ينسي أن السحر دائما ينقلب علي الساحر, ومجرد نظرة واحدة سريعة إلي الإصرار الظالم علي عدم إعفاء المسكن الخاص بالرغم من أن المسكن حق انساني ودستوري لكل مواطن توفره الدولة الحديثة من مواردها إذا عجز المواطن عن توفيره من موارده الذاتية, وأيضا بالرغم من أن المسكن الخاص في الغالب الأعم يشكل شقي العمر للانسان المصري من العمل بالداخل أو الغربة والمرمطة خارج الوطن, بالرغم من كل ذلك فإن وزير المالية رفض من خلال جميع الحيل والألاعيب أن يتمتع المواطن المصري بالعيشة الهادئة والمستقرة في سكنه الخاص الذي لايحقق من ورائه دخلا أو ايرادا ولا يحقق من ورائه ثروة بالبيع والشراء والمتاجرة, فتقرر في القانون أن يحرم المواطن مما استقر عليه الأمر لعقود طويلة بالقانون المتضمن دائما إعفاء السكن الخاص من الضريبة العقارية, بحكم قواعد الدستور الواضحة والصريحة التي لاتجيز فرض الضريبة بجميع صورها وبجميع أشكالها علي رأس المال, بل علي ما يدره من دخل وايراد حتي لا تتآكل رءوس الأموال التي هي الأصول الوطنية التي يعول عليها في التنمية والبناء وضرب عرض الحائط بأحكام المحكمة الدستورية العليا التي حكمت من قبل بعدم دستورية فرض ضريبة علي الأرض الفضاء غير المستغلة بحكم أنها لاتحقق دخلا أو إيرادا لمالكها.
والغريب والمريب أن هذا الوزير العنيد والمتشدد في حرمان المواطن من اعفاء ضريبي لمسكنه الخاص, قد وضع في قانون الضريبة العقارية من الأحكام والقواعد ما يتيح للأغنياء والأثرياء أن يحصلوا علي إعفاء عقاري متكرر بغير نهاية مهما كانت ضخامة الثروة العقارية التي يملكونها, ومهما انتقلت من مرحلة الملكية العقارية المحدودة إلي نظام الاستثمار العقاري الواسع النطاق, وتفتقت عبقرية الوزير الفذة عن ربط الاعفاء الضريبي بالوحدة العقارية ومنح كل وحدة عقارية بمعني الشقة الواحدة اعفاء سنويا قيمته ستة آلاف جنيه, ويعني ذلك تجزئة شاذة لمفهوم العدالة واجتراء مفضوحا علي قواعد المساواة, فمن يملك شقة واحدة يؤجرها يتمتع باعفاء ستة آلاف, ومن يملك مائة شقة يؤجرها يتمتع باعفاء قيمته600 ألف جنيه, ومن يملك ألف شقة يؤجرها يتمتع بإعفاء قيمته ستة ملايين جنيه, وصنع القانون بذلك قاعدة تستعصي علي الشرح والتحليل لتعارضها مع قاعدة المقدرة التكليفية للممول وضرورة تناسب الأعباء الضريبية معها, وهي قاعدة لا تعني علي الاطلاق وفقا لجميع مراجع علم المالية العامة, تصاعد قيمة الاعفاءات مع تصاعد الممتلكات والايرادات والأرباح والعوائد, وهو ما يعني ليس فقط ان الدستور في اجازة, ولكنه يعني أيضا أن العلم والمعرفة في مصر أم الدنيا والحضارة في اجازة, وان من يملك السلطة والنفوذ يستطيع أن يلغي العلم ويهدر رأي العلماء بغير حسيب أو رقيب.
وما يدفع إلي الانزعاج المخيف أن قانون الضريبة العقارية الذي يغدق الاعفاءات بغير حساب وبدون تبصر ومع سبق الاصرار والترصد, يتفنن في نفس الوقت واللحظة في ملاحقة أصحاب المسكن الخاص وكأن هناك مهمة مقدسة لم تتكشف أسرارها الكاملة بعد لملاحقة أصحاب المسكن الخاص, ومع يقين أساطين الخبرة السوداء بوزارة المالية بأن شرط اعفاء الوحدة العقارية الواحدة من الضريبة طالما أنها لاتحقق دخلا يصل إلي ستة آلاف جنيه سنويا وهي لن تحقق ذلك بحكم ان صاحب المسكن الخاص لن يدفع لنفسه ايجارا, فقد تضمن القانون قاعدة تعجيزية تمكنه من أن ينال من هؤلاء الأعداء وقوي الظلام والخديعة التي احتلت مساكنها الخاصة, فأضاف شرطا ثانيا للتمتع بالاعفاء, وهو أن تقل قيمة الوحدة العقارية عن500 ألف جنيه, ومع مستويات الأسعار والتضخم وجنون أسعار الأراضي للبناء بالمدن والقري والنجوع والمتغيرات الحادة لتكاليف البناء وما أقره القانون من قاعدة القيمة السوقية للعقار فإن أصحاب المسكن الخاص حتي لو لم يؤجروه لأنفسهم قهرا وعدوانا فإنهم سيخضعون لسداد الضريبة العقارية, وكأن الأمر يرتبط بمحاربة وتعقب مبدأ الملكية العقارية للبسطاء وكأنه ملاحقة للمالك الصغير, وكانه مطاردة لحق من حقوق المواطنة المعاصرة المرتبط بتوفير مسكن ملائم لكل انسان, وهو ما يتضمنه الاعلان العالمي للحقوق الاقتصادية للانسان الذي يرصد علامات فارقة بين التقدم والتخلف تقاس عليها مراتب الدول في سلم التصنيف العالمي.
الإعفاء الضريبي للأنشطة الزراعية الكبيرة.. وضرورة التصويت العاجل
وقمة الريبة والشك يتضح الكثير من معالمها وأبعادها من المواد التي عدلها وبدلها قانون الضريبة العقارية والتي كانت واردة في قانون ضرائب الدخل, لانها تكشف أن هدف تحقيق الحصيلة الضريبية لا يرتبط إلا بالأقل ثروة ودخلا, وان فلسفة اليمين المحافظ صاحب الأصولية الرأسمالية والمسمي في أمريكا والغرب بصاحب الايديولوجية الأصولية المسيحية الصهيونية, قد تحركت خطوة كبيرة في الواقع المصري بالمزيد من التبجح الاهوج لتقنين اعفاءات ضريبة مفرطة وصادمة لأصحاب الثروة والأغنياء, حيث تم الغاء المادة38 من قانون ضرائب الدخل وبذلك استبعد القانون إيرادات الأراضي الزراعية والنشاط الزراعي من الخضوع للضريبة, ويعني ذلك إعفاء واسع النطاق يستفيد منه بالدرجة الأولي اصحاب الملكيات الزراعية الكبيرة, حيث إن صغار الملاك الزراعيين كانوا يتمتعون بحدود إعفاء لاتخضعهم لضريبة الدخل, وفي ظل مفهوم تنمية زراعية يرتكز علي الملكية الكبيرة, فإن المستفيد الأول والأخير هم كبار الملاك, وينفي ذلك الإعفاء جميع حجج وأحاديث السعي للحصيلة لسد احتياجات الموازنة العامة وتخفيض العجز المتصاعد, ويتعارض هذا التعديل المحير والغريب مع أبسط قواعد العدالة الضريبية ويشكل ردة في مسيرة ضرائب الدخل التي سعت دائما إلي خضوع جميع الأنشطة بغير استثناء في حين ان القانون وبجرة قلم وارضاء لأصحاب المصلحة والنفوذ استثني قطاعا اقتصاديا كاملا هو الزراعة من الخضوع لضريبة الدخل في ظاهرة ضريبية عجيبة ومريبة تضاف الي عجائب الدنيا السبع بلا خجل وبدون حياء.
غرائب وعجائب الإعفاءات غير المبررة للأنشطة الاستثمارية الخاصة
وتصل عجائب وغرائب قانون الضريبة العقارية الي قمة عالية من قمم الريبة والشك تجد مثيلها الوحيد في قوانين المستعمرات والمستعمرين من خلال قائمة الإعفاءات الأخري التي تضمنت المستشفيات والمؤسسات التعليمية, وتضمنت الإعفاءات ايضا المستوصفات والملاجئ والمبرات, وقد فهم خلال مناقشة القانون لإقراره أن المدارس والجامعات الخاصة ستخضع للضريبة, وفهم كذلك أن المستشفيات الاستثمارية والخاصة ستخضع ايضا للضريبة, ولكن اللائحة التنفيذية جاءت بالعجب العجاب التي يفصح عن طبيعة فلسفة القانون والفئات المستفيدة منه, فقد حددت اللائحة التنفيذية ان الاعفاء للمؤسسات التعليمية يرتبط بخضوعها لاشراف وزارة التربية والتعليم أو التعليم العالي أو الازهر الشريف وليس هناك في الواقع مؤسسة تعليمية عامة أو خاصة لا تخضع لإشراف هذه الجهات بما فيها المدارس والجامعات الاجنبية ومدارس الإرساليات الدينية وغيرها, وكذلك الحال بالنسبة للمستشفيات والمستوصفات والمبرات حيث اشترطت اللائحة أن تكون مرخصا بها من وزارة الصحة وليس هناك نشاط عام أو خاص أو استثماري يمكنه العمل والنشاط الا بترخيص من وزارة الصحة مما يكشف عن حجم الإعفاءات الضخم والكبير الذي يمنحه هذا القانون بغير منطق وبدون سند مما يشكل اهدارا متعمدا للموارد العامة لحساب البعض علي حساب المجتمع والدولة, ولو كان القانون يحرص بالفعل علي الابعاد الاجتماعية والانسانية للضريبة العقارية لقرر الاعفاء فقط للمستشفيات والمستوصفات والمبرات والمؤسسات التعليمية التي تقدم خدمة تطوعية مجانية أو شبه مجانية أو بالتكلفة الفعلية للمجتمع ويشرف عليها ويملكها ويديرها جمعيات أهلية من المجتمع المدني, ولا ترتبط بالمليكة الخاصة ومفهوم النشاط الخاص الساعي للربح وهو ما دفع وزارةج المالية لأن تفرض ضريبة الدخل علي المشروع الصغير والحرفي وعمال اليومية بزعم العدالة وتطبيق قواعد الرأسمالية الصحيحة وما يتضمنه قانون الضريبة العقارية من اعفاءات لا يمكن ان تسمي إلا بالاعفاءات الكيدية مما يعد انحرافا تشريعيا جسيما يضر بالدولة والمجتمع والمواطن ويشكل هدرا متعمدا لموارد الخزانة العامة وهو ما يعد خيانة للأمانة وللمسئولية.
ولا تقتصر فوضي الإعفاءات في قانون الضريبة العقارية علي ذلك بل يصل الأمر الي ان القاعدة التي يتم تسويق القانون اعلاميا علي اساسها والقائلة بأن الوحدات العقارية التي تقل قيمتها عن500 ألف جنيه معفاة ولا تخضع للضريبة تعد قاعدة غير صحيحة دائما عند التطبيق, لأن أي وحدة عقارية مهما كانت قيمتها حتي لو كانت قيمتها خمسين الفا وتؤجر سنويا بأكثر من ستة آلاف جنيه سيتم خضوعها للضريبة, لأن شرطا من شروط الاعفاء لم يتحقق مما يدفع الي منازعات وصراعات لا أول لها ولا آخر بين الممولين ومصلحة الضرائب العقارية وهو ما يعكس التداخل في القانون بين مفهومين مختلفين لفرض الضريبة حيث يتبني القانون مفهوم فر ض الضريبة علي الدخل ويتبني في نفس الوقت مفهوم فرضها علي قيمة العقار خلافا لحكم المحكمة الدستورية العليا التي أكدت انه من أهم مبادئ الضريبة انها تفرض علي الدخل ولا تفرض علي رأس المال الا بصورة استثنائية حتي لا يتآكل رأس المال.
{{{
وحتي لا تضيع فرصة حقيقية للإصلاح الضريبي الشامل فإن تخليص قانون الضريبة العقارية من الاخطاء الجسيمة والفادحة يشكل خطوة مهمة لتأكيد احترام الدستور والقانون واحترام قواعد العدالة والمساواة وإعادة تأكيد الالتزام بثوابت العقد الاجتماعي وعدم تجاوز خطوطه الحمراء, وفي نفس الوقت واللحظة اعادة الاعتبار لحقوق الخزانة العامة للدولة لدي جميع فئات المجتمع وتأكيد توزيع الأعباء العامة بين المواطنين بما يتناسب مع ثرواتهم ودخولهم وعوائدهم في كل الأنشطة والمجالات مع مراعاة الأقل دخلا والأكثر احتياجا وفقا لقواعد العدالة الضريبية المستقرة عالمية.
وفي ظل الأزمة العالمية الكارثية والمراجعات العاصفة للأصولية الرأسمالية وما نجم عنها من انحراف وفساد وعبث بمصائر الدول والأمم والشعوب وفي مقدمتها الدول الصناعية الكبري فإن عودة عقارب الساعة في أعتي هذه الدول محافظة وأصولية مثل بريطانيا وامريكا, واقرار سياسات جديدة للتصاعد الضريبي ترفع اسعار الضريبة علي الأكثر دخلا والأكثر ثروة مع زيادة قيمة الاعفاءات الضريبية الأساسية يحتم ان تعيد مصر تقييم توجهاتها الاقتصادية والمالية والنقدية والضريبية بما يتلاءم مع توجهات العالم وتصوراته وتصميماته بشكل عاجل, ولا يستقيم الحال مع سعر ضريبي يصل في حده الأقصي الي20% ويصل في التنفيذ الحقيقي الي15% وأقل من ذلك كثيرا في بعض التحليلات والدراسات, في الوقت الذي تتصاعد فيه نفقات الموازنة العامة ويرتفع العجز ولا تزيد الإيرادات العامة وفي مقدمتها الضرائب بنفس المعدل.
ويستحيل ان يلطم وزير المالية الخدود بغير حق لاحتياج الموازنة العامة للكثير من الأموال الضخمة لتلبية الاحتياجات العامة الكبيرة, ويستمر في نفس الوقت في إعفاء توزيعات الأرباح علي ملاك الشركات واصحابها من الضريبة, وهي تبلغ للبعض مئات الملايين وللبعض الآخر مليارات الجنيهات ثم نبكي علي شح الموارد وقلتها, ومجرد نظرة تقييمية علي توزيعات الأرباح لأصحاب رأس المال المعفاة من ضريبة الدخل وفقا للفلسفة الضريبية الغريبة والشاذة والبعيدة تماما عن ظروف الواقع واحتياجاته تكشف عن حجم الهدر الكبير والضخم بالقانون الضريبي لإيرادات هي حق للخزانة العامة وحق للتنمية وضرورة لتلبية طموحاتها المشروعة التي تأخرت كثيرا.
لابد من مراجعة دقيقة لاستراتيجية التنمية بجميع عناصرها ومشتملاتها وقطاعاتها, ولابديل عن مراجعة شاملة لتوجهات وسياسات التنمية وتشريعاتها المالية والاقتصادية بما يصب في خانة التنمية الشاملة والتنمية المستدامة التي تسعي للارتقاء بمستوي معيشة المواطن, وتوفير الخدمات العامة بجودة عالية والاهتمام المكثف بتوفير فرص العمل وتأهيل الثروة البشرية لرفع إنتاجيتها وكفاءتها ومهاراتها بما يواكب احتياجات سوق العمل, وبغير هذه الإجراءات الجذرية لا يمكن صناعة المستقبل المستقر والأمن المزدهر؟!