ترتبط عملية التحليل المالي بعلاقة وثيقة ومباشرة بالمحاسبة (نظم المعلومات المحاسبية) انطلاقاً من الآتي
أولاً. تعتمد عملية التحليل المالي على القوائم المالية بوصفها أساساً في تحقيق أغراضها المتعددة وكما هو معروف فأن القوائم المالية تمثل المخرجات الرئيسة لنظم المعلومات المحاسبية ، وبما يعني أنه لا يمكن أن تكون هناك عملية تحليل مالي إلاّ إذا كان هناك نظام للمعلومات المحاسبية في الوحدة الاقتصادية يقوم بأعداد وتقديم مجموعة القوائم المالية اللازمة لإجراء عملية التحليل المالي ، فضلاً عن أنه يمكن زيادة فاعلية نظم المعلومات المحاسبية من خلال النظر إلى عملية التحليل المالي على أنها نظاماً فرعياً للمعلومات ضمن نظام المعلومات المحاسبية يمكنه أن يساهم في خدمة أهداف الوحدة الاقتصادية (باعتبارها نظاماً كلياً) من خلال علاقات التكامل والترابط و التنسيق مع النظم الفرعية الأخرى التي يمكن أن تتواجد ضمن نظام المعلومات المحاسبية بصورة خاصة ونظم المعلومات الفرعية الأخرى على مستوى الوحدة الاقتصادية بصورة عامة ، والذي يمكن أن يتكون من العناصر التي يمكن أن تتواجد في أي نظام آخر للمعلومات وكما يأتي :
1. المدخلات : التي تمثل البيانات اللازمة لإجراء عملية التحليل المالي و التي يمكن الحصول عليها من خلال النظم الفرعية الأخرى التي يمكن أن تتواجد في الوحدة الاقتصادية (فضلاً عن نظم المعلومات المحاسبية) من خلال القوائم والتقارير المختلفة التي تقوم تلك النظم بإنتاجها والتي تمثل المصدر الأساسي والرئيس لإجراء عملية التحليل المالي
2. العمليات التشغيلية : من خلال مجموعة الأساليب التي يمكن استخدامها في عملية التحليل المالي والتي تمثل مجموعة من الأدوات الاقتصادية والرياضية والإحصائية المستخدمة في تحليل مختلف الأنشطة التي تمارس في الوحدات الاقتصادية .
3. المخرجات : التي تتمثل بالتقرير الذي يمكن أن يقدمه المحلل المالي والذي يدرج فيه تفسيراً للنتائج التي يحصل عليها جراء استخدام مجموعة الأساليب والطرق اللازمة لإجراء عملية التحليل المالي على البيانات المالية (المدخلات) .
4. التغذية العكسية : من خلال عملية تقييم العناصر السابقة ومدى مساهمتها في الحصول على المعلومات التي يمكن أن يستفيد منها مستخدمو القوائم المالية فعلاً في اتخاذ قراراتهم المختلفة المتعلقة بالوحدة الاقتصادية موضوع التحليل .
ثانياً. يقوم المحلل المالي (شخصاً كان أو جهة أخرى متخصصة) بتقديم الخدمات الاستشارية للمستفيدين من عملية التحليل المالي سواء كانوا من داخل الوحدة الاقتصادية أو من خارجها .
ولكي يقوم المحلل المالي بتحقيق الأهداف التي يسعى إليها بكل فاعلية ، يجب أن يتمتع بدراسة أكاديمية علمية وخبرة عملية تمكنه من فهم ما تعنيه الأرقام والعناصر التي تحتويها القوائم المالية فضلاً عن الإلمام بكيفية نشوء البيانات المالية والقدرة على تفسير وتوضيح النتائج التي يتم التوصل إليها من خلال عملية التحليل المالي في ضوء الإجراءات والمبادئ والسياسات التي استخدمت في سبيل الحصول على تلك البيانات .
ولكي تساهم عملية التحليل المالي في زيادة فاعلية نظم المعلومات المحاسبية من خلال تقديم الفائدة لمستخدمي القوائم المالية التي يقوم نظام المعلومات المحاسبية بإنتاجها وتقديمها إليهم والتي يمكن من خلالها الحكم على فاعليته ،فأنه من الضروري أن تقوم جهة متخصصة في مجال المحاسبة بأجراء عملية التحليل المالي والتي يمكن أن يمثلها المحاسب أو المدقق الداخلي أو مراقب الحسابات للوحدة الاقتصادية المعنية انطلاقاً من الآتي :
1. إن الشخص المتخصص في مجال المحاسبة هو الشخص الذي يكون اكثر فهماً وإدراكاً لما تحتويه القوائم المالية من بيانات مختلفة لأنه هو الذي يعمل على قياس كافة الأحداث الاقتصادية التي تقوم بها الوحدة الاقتصادية ومن ثم تحليلها وعرضها في تلك القوائم .
2. إن المحاسب – باعتباره أحد القائمين على عمل نظم المعومات المحاسبية – يعتبر المسؤول الأول عن أية بيانات أو معلومات تتعلق بالوحدة الاقتصادية ولا يمكن الاستغناء عنه أبداً على اعتبار:
آ. إن نظام المعلومات المحاسبية هو المصدر الرسمي للمعلومات في الوحدة الاقتصادية ويشكل الركيزة الأساسية والمهمة بالنسبة لنظم المعلومات الأخرى التي يمكن أن تتواجد في الوحدة الاقتصادية من خلال تمكينه الجهات المستفيدة من الحصول على صورة متكاملة وصحيحة عن الوحدة الاقتصادية واتصاله بنظم المعلومات الأخرى عن طريق مجموعة قنوات تعتبر حلقات وصل بين مصادر الحصول على المعلومات ومستخدمي هذه المعلومات .
ب. إن نظام المعلومات المحاسبية هو النظام الرئيسي في الوحدة الاقتصادية ولا يمكن الاستغناء عن وجوده في أي وحدة اقتصادية صغيرة كانت أم كبيرة وعلى اختلاف النشاط الذي يمكن أن تمارسه .
جـ. بما أن عمل المحاسب وقدرته المهنية في الوفاء بواجباته كمنتج للمعلومات وموصل لها يجب أن يتواصل بعد إعداد القوائم والحسابات الختامية ولا يتوقف عندها ، فإنه من المفضل أن يقوم المحاسب بدوره كمحلل للقوائم المالية التي يقوم نظام المعلومات المحاسبية بإنتاجها في أي وحدة اقتصادية .
3. يمكن أن يقوم المدقق الداخلي للوحدة الاقتصادية بعملية التحليل المالي من خلال قدرته على التحقق من صحة ودقة البيانات التي تحتويها القوائم المالية وبما يعطيه إمكانية اكبر (واكثر من سواه) في تفسير وتوضيح طبيعة العلاقات التي تنشأ بين تلك البيانات وكيفية نشوئها ومتابعة أسباب ذلك .
4. يمكن أن يقوم مراقب الحسابات (المكلف بتدقيق حسابات الوحدة الاقتصادية) بعملية التحليل المالي باعتباره شخصاً موكلاً عن جهة يهمها أمر الوحدة الاقتصادية من خلال الحكم على صحة ودقة ما تحتويه القوائم المالية التي توضح نتائج أعمالها ومركزها المالي، الأمر الذي يتطلب منه زيادة خدماته التي يمكن أن يقدمها لتلك الجهة عن طريق توضيح وتفسير بعض العلاقات التي تهمها والتي يمكن أن تساعدها في اتخاذ القرارات الخاصة بالوحدة الاقتصادية المعنية ، وما يؤيد هذا الرأي أن مجلس المعايير المحاسبية والرقابة العراقي قد أوضح أن من الإجراءات التي يمكن أن يقوم بها مراقب الحسابات هو ((تحليل النسب والاتجاهات الهامة فضلاً عن التحري عن التغيرات والبنود غير العادية)).
ونتيجة للعلاقة الوثيقة والمباشرة بين عملية التحليل المالي والمحاسبة يلاحظ أن هناك خلطاً من قبل بعض الكتاب والباحثين في تناول موضوع التحليل المالي وخاصة من حيث تحديد موقع هذا العمل ضمن الوظائف العديدة التي يمكن أن تمارس في الوحدات الاقتصادية وكذلك من حيث الجهة التي يمكن أن تقوم به، ويتضح ذلك من خلال التعارض بين الكتاب والباحثين في اعتبار عملية التحليل المالي ضمن وظائف الإدارة المالية من خلال اعتبار البعض أنها “وظيفة جديدة للإدارة المالية” ، بينما يعتبر آخرون أن “التحليل المالي بكل أشكاله وأدواته من أساليب الرقابة المالية المتطورة” وأنه يمثل أحد العوامل الأساسية ضمن الدورة المحاسبية التي تمثل صلب العمل المحاسبي ، مما يعطي إنطباعاً أن عملية التحليل المالي متأرجحة بين الإدارة المالية والمحاسبة ، ويمكن مناقشة بعض الآراء المتعلقة بذلك كما يأتي :
أولاً. من حيث التطرق إلى عملية التحليل المالي ضمن التعاريف الواردة لكل الإدارة المالية والمحاسبة ، يلاحظ الآتي :-
1. هناك العديد من التعاريف التي ترد بشأن الإدارة المالية (إضافة إلى ماذكرناه في الفصل الأول من هذا الكتاب) منها :
آ. إن الإدارة المالية هي إحدى وظائف المنشأة التي تشمل تنظيم مجرى الأموال فيها وتخطيطه والرقابة عليه وتكوين المديرين الماليين والتحفيز المالي لأفراد المنشأة.
ب. إن الإدارة المالية تعرف من خلال وظائفها التخطيطية والرقابية ومسؤولية توفير الأموال اللازمة من مختلف المصادر لإدارة النشاط الاقتصادي للوحدة وبالتكلفة المناسبة .
ج. الإدارة المالية هي الفعالية المتعلقة بتخطيط وتجهيز الأموال ورقابتها وإدارتها في المنشأة .
ومن خلال التعاريف السابقة يلاحظ أن أي منها لم يحدد ما يمكن أن تحتله عملية التحليل المالي ضمن وظيفة الإدارة المالية على اعتبار أن المهمة الرئيسة والأساسية للإدارة المالية تكمن بما يتعلق بكيفية الحصول على الأموال اللازمة وطرق استخدام تلك الأموال من خلال عمليات التخطيط والرقابة على أموال الوحدة الاقتصادية ، وهي مهمة تختلف عن الأهداف والآراء التي تعمل عملية التحليل المالي على السعي نحو تحقيقها (وكما أوضحنا سابقاً) .
2. هناك العديد من التعاريف التي ترد بشأن المحاسبة أهمها :
آ. عرف المعهد الأمريكي للمحاسبين القانونيين (aicp) المحاسبة بأنها فن تسجيل وتبويب وتلخيص العمليات والأحداث ذات الصفة المالية بأسلوب مفيد واستخلاص نتائجها وتحليلها .
ب. المحاسبة هي التلخيص الفعال وكتابة التقارير والتحقق والتفسير والتحليل للحقائق ذات الصيغة المالية بهدف الوصول إلى رقم الربح الذي حققه نشاط المشروع خلال فترة زمنية محددة وإظهار مركزه المالي في لحظة زمنية معينة .
ومن خلال التعريفين السابقين يلاحظ أن عملية تحليل وتفسير المعلومات التي تقوم المحاسبة بإنتاجها يمثل أحد الأركان الهامة فيها ، وبما يعني أن عملية التحليل المالي أقرب ما تكون منها إلى المحاسبة وليس إلى الإدارة المالية .
ثانياً. من حيث التطرق إلى عملية التحليل المالي ضمن الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها الإدارة المالية والمحاسبة يلاحظ الآتي :
1. يكاد يجمع كتاب الإدارة المالية على أن الإدارة المالية تسعى إلى تحقيق الأهداف الآتية:
آ. تحديد أقصى الموارد المالية (تحقيق السيولة الملائمة) .
ب. تحقيق أقصى الأرباح الممكنة .
ج. تحقيق أعلى قيمة للمنشأة (أعلى قيمة سوقية) .
ويلاحظ أنه لم يرد ضمن هذه الأهداف ما يشير إلى المساهمة فيما يتعلق بأهداف عملية التحليل المالي أو أي من إجراءاتها .
2. تسعى المحاسبة إلى تحقيق العديد من الأهداف وكما يأتي :
آ. تتضمن دورة المحاسبة عمليات وضع الموازنات التخطيطية ، والنظام المحاسبي ، والتسجيل ، والتدقيق ، ثم التحليل المالي .
ب. تعمل المحاسبة الإدارية على ربط المحاسبة بالإدارة من خلال تنظيم البيانات والجداول المالية (التي يعتمد عليها الإداري في إصدار قراراته الصائبة) كالموازنات التخطيطية وتحليل التعادل وجداول التحليل بالنسب المالية (التحليل المالي) ومؤشرات الإنتاجية .
ج. ينظر إلى أهداف المحاسبة على أنها “تذكيرية وتقريرية وتبصيرية” أي تفسيرية بهدف تبصير مستخدمي القوائم المالية بما تحتويه وبما يمكن أن يساعده في فهم محتواها وبالتالي تسهيل قيامهم بعمليات اتخاذ القرارات المختلفة في ضوء ذلك.
د. من النقاط الواجب مراعاتها لتلبية شروط الإفصاح التام في القوائم المالية التي تقوم المحاسبة بإنتاجها : “تقديم معلومات إضافية للمساعدة في التحليل المالي والاستثماري”.
هـ. إن المحاسبين هم – أولاً وأخيراً – مسؤولون عن عرض البيانات المالية وتحليلها وتفسيرها .
و. تهدف المحاسبة من خلال تقديم القوائم المالية المختلفة إلى “الإخبار الدقيق والموضوعي عن المعلومات المحاسبية بعد تحليلها تحليلاً مالياً، سواء كان هذا التحليل مالي استاتيكي باستخدام النسب المالية أو تحليل مالي ديناميكي باستخدام الأساليب الإحصائية والرياضية”.
ومن خلال ما تقدم يتضح أن عملية التحليل المالي تعتبر أحد المهام الأساسية ضمن مهام المحاسبة من حيث توافق عملية التحليل المالي مع طبيعة العمل المحاسبي ، وبما يمكن القول معه أن عملية التحليل المالي تعتبر امتداداً للعمل المحاسبي وجزءاً لا يتجزأ منه .
أما بشأن علاقة التحليل المالي بالإدارة المالية ، فيمكن القول أن التحليل المالي يمثل أداة مهمة من أدوات الإدارة المالية تساعدها في فهم وتفسير العديد من البيانات الواردة في القوائم المالية (التي قامت المحاسبة بإعدادها) ، وبذلك يمكن القول أن التحليل المالي يمثل عاملاً مشتركاً للعلاقة الوثيقة بين الإدارة المالية والمحاسبة.