تنمية بشرية

الكنز ذو الأحرف الثلاثة

في يوم من الأيام، فقد الشبل الرضيع أهله من الأسود، وظل هائمًا على وجهه، إلى أن مر به قطيع من الغنم، فسار الشبل معها وصاحبها، وأكل الأعشاب كما تأكل، وكان يرعى الكلأ كما ترعى، إلى أن شب وكبر، ونما وترعرع، لكنه لا يزال يمأمئ كما تمأمئ الغنم، ويأكل كما تأكل، ولم يلفت انتباهه تفوقه عليها قوة وشجاعة.

وفي صباح ذهب ليشرب من النهر، فرأى صورته فتعجب، إنها لا تشبه أباه الكبش، ولا أخاه الحمل، ولا أمه النعجة، فصادف فيلًا وسأله: من أنا؟ قال له: أنت أسد وسليل أسود، حينئذ زأر زئيرًا طارت لهوله قلوب الكباش، تلك التي كان يمأمئ معها قبل قليل، ما الذي حدث لهذا الحيوان؟ وما الذي طرأ عليه وما الذي تغير فيه؟ لا شيء سوى أنه اكتشف نفسه، وأبدى قدرته، وكشف الغطاء عن ذاته.

فأنت ـ عزيزي القارئ ـ هو ذلك الشبل، وأنت سليل أسود هذه الأمة؛ وأنت لابد أن تحافظ على كنز النجاح ذو الأحرف الثلاثة وأن تنميه، إنه كنز “ث ق ة”، أي الثقة بالنفس؛ فإنها مصدر الطاقة الذي يحرك مراكب الناجحين على طريق التميز، فزوِّد نفسك بالوقود اللازم؛ فطريق النجاح طويل، وكلما كان الوقود كافيًا، كان الوصول إلى القمة أسرع.

معنى الثقة بالنفس:

و نعني بها إيمان الإنسان:

1. بقدراته وإمكانياته:

فحينما يثق الإنسان في نفسه، يكون صادقًا في تقدير إمكانياته وقدراته، فهو لا يضخم منها ولا يغتر بنفسه، ولكنه يعترف بما حباه الله من القدرات وما وهبه من الإمكانيات ويسعى دائمًا إلى استثمارها وتنميتها وتطويرها.

2. بأهدافه وقراراته:

فالشخص الواثق من نفسه هو الذي يحدد أهدافه بدقة، ويدافع عنها عند انتقاد الآخرين لها، وكذلك هو الشخص الذي ما إن يتخذ القرار، إلا ويشرع في تنفيذه كما أنه يتحمل المسئولية الكاملة عن أهدافه التي حددها، وقراراته التي أتخذها.

مفتاح الكنز:

لو تصورنا أن الثقة بالنفس كنز، فمفتاحه أن تعرف ما لديك، وأن تؤمن بقدراتك وإمكانياتك التي حباك الله تعالى إياها؛ لتعمل على تحسينها وتضيف إليها، فإن (وجود الإيجابيات فيك يعني أنك قادر على التغيير والانطلاق للأمام، ومعرفتها سيكون بمثابة المصباح الذي يضيء لك الطريق، عندما تعترضك بعض العقبات، أو يضيق صدرك ويعتريك بعض الضعف البشري الطبيعي).

حول ما تظنه عيب إلى نجاح باهر:

تمامًا كما فعل عبد الله بن مسعود t، الذي صعد يومًا أعلى شجرة فضحك الصحابة رضوان الله عليهم من دقة ساقيه، فقال لهم r: (ما تضحكون؟ لَرِجلُ عبد الله أثقل فى الميزان يوم القيامة من أحد) [رواه أحمد]، فحوَّل ضحكات الصحابة وقودًا للنجاح، حتى قال عنه النبي r: (من أحب أن يقرأ القرآن غضًا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) [رواه أحمد].

اجعل بينهما حاجزًا:

ومن الأمور التي تعينك على اكتساب الثقة بالنفس والحفاظ عليها، أن تفصل بينك وبين المشاكل والعقبات، فحدوث تلك المشاكل، أو التعثر في تلك العقبات ليس نهاية المطاف، وليس معبرًا عن ضعف في ذاتك، ولكنه أمر طبعي، طالما تعرض إليها الساعون في ركب الناجحين، ولكن تذكر دائمًا قول رالف والدو إيمرسون أنه (عندما تظلم السماء بالقدر الكافي، ستتمكن من رؤية النجوم).

شتان ما بينهما:

ولكن ديننا دين الوسط والاتزان والاعتدال؛ فلا تظنن أن الثقة بالنفس نوعٌ من الغرور؛ فشتان ما بينهما، فكما يقول الشيخ عائض القرني في كتابه لا تحزن: (الثقة بالنفس فضيلة كبرى، عليها عماد النجاح في الحياة، وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة، والفرق بينهما أن الغرور اعتماد النفس على الخيال وعلى الكبر الزائف، والثقة بالنفس اعتمادها على مقدرتها ـ بعد اعتمادها على الله ـ على تحمل المسئولية، وعلى تقوية ملكاتها وتحسين استعدادها).

كما أنه لا يعني كون المرء عارفًا بقدر نفسه، شاعرًا بتكريم الله له، أن يكون متكبرًا على غيره، متعاليًا عما سواه، فليس ذلك من خلق المؤمن الذي تربى على قول النبي r: (الكبر بَطَر الحق، وغمط الناس) [رواه مسلم].

فالمؤمن الحق يعلم أن رفعته في الدنيا، وعلو منزله يوم القيامة مرتبطٌ بما يتفضل الله عليه من مكانة ومنزلة، والنبي r يقول في الحديث: (من تواضع لله رفعه)[رواه الطبراني وصححه الألباني]، فليست الرفعة إلا في تواضع العبد مع إحساسه بقدرته وقوته.

ماذا بعد الكلام؟

1.اختر أمرًا تظنه دومًا أمرًا مستحيلًا، كالحديث أمام الآخرين مثلًا، وواجه خوفك من هذا الأمر بأن يكون لك مشاركة في كل حوار تستطيع أن تدلي فيه بدلوك.

2.حدث نفسك حديثًا إيجابيًا، تركز فيه على مواطن القوة لديك وليس على مواطن الضعف.

أهم المراجع:

1. بواعث السرور، د.خالد الدسوقي.

2. صناعة النجاح، د. عبد الله السبيعي.

3. نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان.

4. لا تحزن، د.عائض القرني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى