ذات صلة

جمع

1500 جنيه انخفاضا فى سعر الجنيه الذهب خلال تداولات اليوم

هبط سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 23 أبريل...

68.05 دولار للبرميل.. تعرف على أسعار النفط بالأسواق العالمية

ارتفعت أسعار النفط خلال التعاملات المبكرة اليوم1% تقريبًا مواصلة...

في منتصف التعاملات.. أسعار الدولار والعملات الأجنبية اليوم الأربعاء 23 – 4 – 2025

في منتصف التعاملات.. ننشر أسعار الدولار وباقي العملات الأجنبية...

هبوط مفاجئ وكبير في سعر الذهب اليوم بمصر بأكثر من 180 جنيها.. تفاصيل

واصلت أسعار الذهب العالمية والمحلية تراجعها لليوم الثاني على...

مدبولي: تطبيق ضريبة إضافية موحدة بدلًا من الرسوم المتعددة تنفيذًا لتوجيهات الرئيس

أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، اليوم الأربعاء،...

المرض المزمن”النفاق الوظيفي”

كم موظف سواء أكان في مؤسسة حكومية أم خاصة ابتسم لمديره موحيا له بقبول ما يقوله، ومن الخلف لعنه ألف لعنة، ووصفه بأقذع الأوصاف وأبشعها.. بالطبع هذا أمر نراه كل لحظة في حياتنا العملية؛ بل إنه سلوك لاشعوري يُقْدم عليه البعض دون وعي أو تأنيب ضمير لأنه أضحى جزءا من ثقافة العمل في مؤسسات مختلفة بشقيها العام والخاص.

ولعل خطورة النفاق الوظيفي على الأداء الإنتاجي للمؤسسات بات واضحا رغم وجود مقوم ديني يحذر من خطر النفاق، ويعتبر ممارسيه في الدرك الأسفل من النار أي إنهم الأشد خطرا.
والنفاق كما نراه في مؤسساتنا هو محاولة من قبل الموظف للتماهي الشكلي لا الداخلي مع بيئة الأعمال التي يرتزق منها، أو بتعبير آخر: أن يسلك الموظف عكس ما يعتقد لأن مصلحته قد لا تتحقق إذا عبّر عن مكنونات نفسه أو رأيه بصراحة.
ويتفق ذلك مع المعنى اللغوي لكلمة “النفاق” التي اشتقت من لفظة “نفق” التي تعني مساحات تحت الأرض يسودها الظلام في أغلب الأحوال، ولها أكثر من مخرج يوصل إلى سطح الأرض حيث النور والوضوح. ففي الظلام تُبيَّت النوايا، وتجهَّز الأقنعة المناسبة لتأدية الأدوار المطلوبة ضمن مخططات الفساد. طبعا لا تستغربوا هذا الكلام.

 

منابع النفاق

وإذا أردت أن تكتشف أسباب النفاق الوظيفي في ثقافتنا ، فعليك أن تنتبه فورا لـسريان “ثقافة التسلط” في مؤسساتنا.. فمدير الشركة يعتقد أنه رئيس دولة مستبد يخرج كل مشاكله النفسية على موظفيه، ومن ثم يدفعهم إلى استيعابه واتقاء شره، خاصة أنه يملك كل السلطات التي تخوله طرد أو مضايقة من يخالفونه في العمل دون محاسبة حقيقة.
وإذا كان السلوك غير السوي لهؤلاء المديرين هو أحد أسباب ثقافة النفاق فإن الموظفين أنفسهم غذوا هذه الثقافة لأن لديهم القابلية لذلك إما لأنهم ضعاف المهارات أو غير مؤهلين لأداء أعمالهم أو دخلوا المؤسسة بطريقة غير شرعية، وهو أمر منتشر في المؤسسات التي تسود فيها ثقافة الشلة والتشابك المصلحي بين الأفراد بمنطق “فلنخدمه اليوم وسيخدمنا غدا، وهكذا الأيام تدور”.
وبالإضافة لما سبق ثمة عوامل ذات طبيعة هيكلية تحيط بالمؤسسات بكل انواعها و تخصصها وتغذي النفاق الوظيفي، أهمها أزمة البطالة المنتشرة التي يصل متوسط معدلاتها إلى 10% في أوطاننا العربية وفقا للإحصاءات الرسمية وهو ما يدفع أي شخص يعمل في وظيفة إلى التمسك بها أو بالأحرى القتال عليها.. لأن سوق العمل أصبحت ضيقة كثقب الإبرة، ومن أجل ذلك لا مانع إذا تنازلت قليلا واتخذت مظهرا متماهيا مع أفراد المؤسسة في سبيل البقاء.

النفاق.. والحداثة

ساهم طغيان الحداثة على مجتمعاتنا في تأصيل ثقافة النفاق الوظيفي.. حيث تعرضت لفظة النفاق إلى تحولات معرفية من قبل الناس لتسكينها في الجانب الإيجابي لا السلبي.. فقد ظهرت معان مترادفة وقيم مستحدثة يتداولها الموظفون في المؤسسات، مثل: لتكن دبلوماسيا مع مديرك، أو المجاملة خير طريقك لنيل الرضا، أو الصراحة ليست جيدة في كل الأوقات، أو الصراحة المتجملة… إلخ.
كما ظهر ما يسمى بالنفاق المحمود، وهو ببساطة تطبيق لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة؛ أي لا مانع أن تكون كذابا خاصة إذا كان ذلك سيكون لحل مشكلة، وتلك المعاني الجديدة التي حولت المستقبح إلى مستحسن يمكن القول بأنها وافدة وليست نابعة من ثقافتنا العربية وديننا الذي شن حربا ضروسا، وخشي أكثر ما خشي على المسلمين من النفاق.. لأنه العدو الذي لا تراه ولا تعمل له حسابا. ولعل هذا ما يتضح في سورة البقرة حينما قال الله تعالى: “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآَخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ .يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”.

 

ضريبة الفساد
ولا يهوِّن أحد من النفاق الوظيفي.. هو الضريبة التي يدفع بها الفساد الفضيلة.. فالموظف المنافق لا يهمه استشراء المحسوبية والفساد داخل مؤسسته، ما دام الأمر لن يمس مصلحته، وهنا فهو يصمت عن أي تجاوزات، وقد يشارك في التغطية عليها إذا لزم الأمر.

الأمر الأخطر هو أن النفاق قد يؤدي إلى الكذب، ومن ثم اهتزاز المؤسسات، ولعل المثال المهم الذي اهتز له الاقتصاد العالمي قبل أكثر من عامين كان جراء محاولة القائمين على شركات أمريكية كبرى كـ”أنرون للطاقة” و”ورلد كوم” للاتصالات، و”زيروكس” الأمريكية تقديم أرقام وهمية عن أرباح خيالية ساهمت في رفع أسعار أسهم هذه الشركات في الأسواق المالية بدون مبررات اقتصادية فعلية بهدف تضليل المستثمرين، ودفعهم إلى الإقبال على شراء أسهم هذه الشركات بصورة كبيرة.. وهو ما ساهم في رفع قيمتها بصورة جنونية.

وبالتالي يستفيد مديرو هذه الشركات نتيجة تضخيم مكافآتهم السنوية، في الوقت الذي لا يبالون فيه بالخسائر التي تلحق بحمَلة الأسهم من جراء إفلاس الشركات أو هبوط أسعار الأسهم في البورصة‏. وساعتها اعتبر خبراء أمريكيون أن “النفاق اعتلى مؤسسات الأعمال الأمريكية، فأفسدها وجعلها تنحرف عن أهدافها الاقتصادية ويجب تقويمها”.هذا في امريكا فما بالك عندنا نحن في الدول العربية؟؟

شخصانية المؤسسات

أيضا.. فإن النفاق يخلق حالة من “الشخصانية للمؤسسات” أي أن الموظفين يربطون عملهم برئيسهم، فما إن يرحل عن منصبه أو ينتقل إلى منصب آخر تتغير القواعد وتتبدل الأمور، ولعلنا نشاهد ماذا يحدث عندما يتغير مدير في مؤسسة ما و ينصب مدير جديد فأول شيء يقوم به هو محو كل ما فعله سلفه، سواء أكان إيجابيا أم سلبيا، وهذه عادة تمتد من أكبر مسؤول في مؤسسة كبيرة إلى أصغر مؤسسة صغيرة. وذلك رغم أن التراكم هو شئ لابد منه، وأن الإنسان لن يستطيع أن يتقدم دونما أن يعرف سلبيات وإيجابيات أسلافه، حتى يستطيع عمل قيمة مضافة في عمله إذا رغب في التميز.

أمر آخر يبدو جليا في مؤسساتنا من جراء النفاق الوظيفي.. وهو البعض يتحايل على ضعف كفاءته بصرف مبالغ كبيرة على أناقته أو بإظهار حبه المبالغ لمديره، أو الظهور أمام رئيسه بمظهر الموظف المجد الذي يعمل ليل نهار، وهنا يصبح العمل مجرد مبانٍ لا معانٍ.. فالكل يعمل لأجل الشكل لا المضمون الذي غاب عن أداء الموظفين.

ونظرا لأن العمل الشكلي هو النتاج الحقيقي للنفاق تظهر عناصر الاستخبارات داخل كل مؤسسة إدارية إن صح التعبير تسعى لمعرفة مَنْ مع المدير ومن ضده..لأن منطق الولاء هو الذي يحكم الموقف وليس الكفاءة، كما تتحول تلك العناصر إلى لوبي قوي يلعب دورا مهما في قرار مدير الشركة باستبعاد من لا يدينون له بالولاء للمؤسسة، وهذا يساعد على تعطيل الإنتاج وعدم تقدم المجتمع.

ولأن الموظف المنافق هو شخص غير منظور.. لذا فإن مكافحته تتطلب من مؤسسات الأعمال بالتوقف مليا أمام تطبيق قواعد الشفافية والمحاسبة والعدالة والديمقراطية في اتخاذ القرار.. فما ظهر نفاق وظيفي إلا في بيئة افتقدت لهذه القواعد.

النفاق مرض يؤثر على أداء المؤسسات و بالتالي المجتمعات.

الله يستر