تنمية بشرية

المشاركة المجتمعية بين تنمية الذات ونهضة المجتمع

    سنن وثوابت وقوانين الحياة.
   

مفاهيم خاطئة عن المشاركة المجتمعية
    المشاركة المجتمعية والتنمية الذاتية
    دور المشاركة المجتمعية في نهضة المجتمع
    كيف تكون سفير التغيير الإيجابي مجتمعياً؟

سنن وثوابت وقوانين الحياة.
لماذا خلقنا الله؟ سؤال كثيرا ما دار بذهننا جميعاً … وعندما نسأله لأنفسنا او نوجهه للكثيرون عادة ما تكون الاجابة .. بالأية الكريمة “وماخلقت الانس والجن إلا ليعبدون” … ولكن يسيء الكثير فهم معنى الاية ويقصرون الهدف من الخلق على العبادة فقط وينسون المعنى الشامل للأستخلاف في الارض كما قال تعالى: “إني جاعل في الارض خليفة” وهو اننا خلفاء الله في الارض فيما يخص كل الامور … وليس كمعنى مستهلك ليس له اي دلالات على ارض الواقع أو حصر المعنى على شئون العمل الخاص والاسرة فقط … فالمعنى الحقيقي يجب ان يكون في حدود مستوى دائرة تأثيرك … فالكون كله هو مسئوليتنا والله عز وجل قد سخره لخدمتنا … فيجب ان تكون هذه الرؤية متواجدة في اذهاننا ويستوعبها كلاً منا جيداً وينشرها في نطاق قدرته ودائرته الحياتية والأجتماعية.

يجب علينا الأنطلاق من هذه الرؤية إلى العمل والبذل وإدراك ثوابت وقوانين الحياة … فالغرب واليابانيون والصينيون الذين يرى البعض انهم كفار … إلا أنهم غاية في التقدم والتطور وهذا لأنهم نجحوا في إدراك حقيقة واهمية الانتماء إلى بلادهم بالبذل وبالعلم … فهناك طبيعة وثوابت للعلاقات بين اي كيانين او فردين اياً كانوا… فأي علاقة لابد وان تقام على الاخذ والعطأ … أياً كان طبيعة وصور الاخذ والعطأ … وإذا ما قرر احد الطرفين ان يأخذ فقط دون ان يعطي فلن تستمر هذه العلاقة وولابد وان يحكم عليها بالفشل ونستطيع ان نطبّق ذلك على مستوى الافراد مثلا الاب والام … او اخ واخوه …  او اب وابنه … او حبيب وحبيبية … إلخ، ونستطيع ان نطبق نفس المفهوم على الدولة والمواطنين .. فإذا كنا حريصين على ان نأخذ من مصر شارع نظيف نسير فيه او وسيلة مواصلات متحضرة … فيجب علينا ان نسأل أنفسنا ماذا قدمنا لمصرنا حتى نأخذ منها ما نرغب فيه … فمصر ليست الحكومة وليست رجال الاعمال وليست مؤسسات العمل المدني مع الاعتراف والاحترام لما تقدمه هذه الجهات من خدمات وادوار للبلد … فمصر ليست هؤلاء وحدهم وإنما هي كذلك نحن الشعب بكل تنوعنا واختلافاتنا وبكل ما نستطيع ان نلعبه من اداور جديرة بتحريك المجتمع للتقدم والرقي بسرعة أكبر…

ولذلك ينبغي علينا جميعاً ان نراجع أدوارنا المجتمعية وحقيقة علاقتنا مع مصر. وليس خفي عنا انه ليس الجميع قد يكونون على أستعداد للعب هذا الدور بالتصور المطروح سابقاً وذلك لأختلاف أنواع الناس … فالناس أربعة أنواع … شخص يجتهد ليكون سعيد على المستوى الشخصي … وشخص يجتهد ليسعد نفسه ويسعد الأخرين كذلك … وشخص تعيس … وشخص تعيس ويجتهد ليتعس الاخرين كذلك.
فياحبذا لو كنت من النوع الثاني … وبئس الانواع انت لو كنت من النوع الرابع … وهذه هي الاختيارات ولك ان تختار وتحدد مذا تريد ان تكون ؟
مفاهيم خاطئة عن المشاركة المجتمعية
يخطئ البعض في التصور الذي يرسمونه عن المشاركة المجتمعية بإنها منحصرة في شكلها المادي … بمعنى انك تجد احدهم يبلغك بأنني اساهم للبلد بالضرائب التي تستقطع من راتبي … وهذا مثله مثل الاب الذي فشل في تربية ابنائه ويتعجب من ذلك رغم انه كان يوفر لهم كل مايحتاجونه من مصاريف … وكأن توفير الاموال وحده هو الاساس !!! فالمشاركة المجتمعية ليست التبرعات فقط وهي ليست منحصرة على المحتاجين  مثل زيارة اطفال مستشفى 57357 والتعاطف معهم او مع المساكين والفقراء … هذه فئات جديرة بالاهتمام بها وقد تكون على قائمة اولويات الوطن ولكنها ليست الفئة الوحيدة الجديرة بالأهتمام

فالوطن قضية اكبر وأعم وأشمل فالمشاركة المجتمعية قائمة على الانشغال بأمور الناس بكل انواعها وفئتها ومستويتها … وصولاً للصورة التي نرتضيها للوطن ، فهي قائمة على الايمان والانتماء وإدراك معنى كلمة وطن بكل أبعاد ومعاني الكلمة وماتتطلبه من جهد ويقين … فالبذل والعمل ههم الدليل على حقيقة الأنتماء للمجتمع.
من ضمن الصور التقليدية عن المشاركة المجتمعية انها عملية في اتجاه واحد بمعنى انها استنذاف لطاقة الفرد دون جدوى او عائد بشكل مباشر على ذاته ولكن هذا منافي تماماً للحقيقة … فالفرد تعود عليه الفوائد على مستويين، مستوى شخصي بشكل مباشر من خلال الاحتكاك والخبرة والنضج والتطوير الذاتي بشكل أسرع من خلال العمل المجتمعي فضلاً عن الفائدة الغير مباشرة بالمساهمة في خلق وطن بالصورة المفقودة حالياً والتي نبحث عنها جميعاً تلك الصورة التي نرتضيها لوطننا ونأملها له.

المشاركة المجتمعية والتنمية الذاتية
للمشاركة المجتمعية صلة وثيقة الصلة بالتنمية الذاتية للأفراد المنشغلين بالشأن العام … فالمسئولية المجتمعية تساهم بشكل مباشر في أكتمال النضج الأنساني … فعلماء النفس يقسموا مراحل النضج التي يمر بها الأنسان إلى أربعة مراحل … المرحلة الاولة هي (أنتي) والمقصود بها هي مرحلة الطفولة حيث الاعتماد التام للطفل على الأم ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثانية وهي مرحلة (أنا) والمقصود بها هي مرحلة المراهقة حيث الرغبة الشديدة في الاستقلالية على مستوى الشخصية ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الثالثة وهي (النحن) وهي المرحلة التي يزداد فيها معدل النضج حيث يدرك الانسان انه غير قادر على المعيشة بذاته او لذاته ولذلك يبدأ في الاحتكاك بالمجتمع وتكوين اسرة والاحتكاك المتبادل في نطاق دائرته الاجتماعية … يقف الكثيرون عند هذه المرحلة وكأنها المرحلة النهائية لمستويات النضج الأنساني … ولكن في الحقيقة علماء النفس يرون ان تمام النضج الأنساني لا يتم ببلوغ مرحلة النحن وإنما يتم ببلوغ المرحلة الرابعة مرحلة (انتم) وهي الدائرة الاعم والاشمل على نطاق المجتمع والقائمة على الانتماء إليها والعطاء بمختلف صور العطاء لمن ينتمي إليهم ولكنه لا يعرفهم معرفة شخصية … هي مرحلة النضج بالأنتماء للوطن.
من ضمن الإفادات المترتبة على الاهتمام بالمشاركة الاجتماعية أنها تمثل هدف ذكي وطاقة ربانية غير محدودة ففي فن إدارة الوقت هناك طريقة تسمى 80 – 20 وهي تعني ان عليك ان تركز على 20 من الاهداف القوية الجديرة بتحقيق ال 80% الباقيين فإذا كنت مثلا تهدف إلى شراء سيارة ومنزل ولاب توب وغيرها من الاجهزة التي يحرص أغلبنا على شرائها فإن عليك الا تجهد نفسك لتوفير كل شيء على حدى وإنما الاصح ان تضع هدف قوي يحقق لك كل هذه الاهداف بأن تعمل بوظيفة تحقق لك ربح قوي او ان تعمل عمل خاص يحقق الربح القوي الجدير بتحقيق كل هذه الاهداف الفرعية … لو قمنا بأسقاط هذه الرؤية على المشاركة المجتمعية سنجد انها تمثل هدف ذكي يندرج تحته العديد والعديد من الاهداف الفرعية حيث ستجد من الخبرات والتجارب المفيدة والتي تعلمك الكثير والكثير والتي قد لا تقابلها في دائرة الحياة التقليدية بين العمل والاسرة … فضلا عن الاصدقاء والعلاقات والدعم الرباني القوي واللذة التي ستتذوقها والتي ستجدها من نوع مختلف !

دور المشاركة المجتمعية في نهضة المجتمع يعتقد البعض ان تنمية ونهضة المجتمع وتقدمه هي مسئوليات تنفرد بها حكومات الدول … ولكن في الحقيقة الأمر مختلف … فالتنمية مرتبطة تمام الارتباط بأنتماء المواطنين وغير المواطنين للمجتمع الذين يعيشون فيه فالحقيقة ان هناك مثلث للتنمية تمثله 3 قطاعات هامة بأي مجتمع وهم القطاع الرسمي متمثل في الحكومات والقطاع الخاص وممثليه من رجال الاعمال ومؤسسات المجتمع المدني ومعها المواطنين او الشعب … فالمشاركة والمسئولية المجتمعية للمواطنين من شأنها ان تلعب العامل الحاسم والقوة الدافعة والمحركة للتنمية والنهضة داخل المجتمعات … المسئولية المجتمعية للمواطنين كذلك من شأنها ان تساهم في توفير مفتاح نجاح المجتمع المفقود وهوالعمل الجماعي … فألاحتكاك داخل المؤسسات التي من شأنها ان تستوعب الصور المختلفة للمشاركة الاجتماعية للمواطنين يساهم بشكل اساسي في خلق ثقافة العمل الجماعي بالمجتمع تلك الثقافة التي نعاني من غيابها والتي من شأنها تعجّل من خطوات السير في درب التنمية …
ليس من شك كذلك ان الصور المختلفة للمشاركة الاجتماعية من شأنها ات تعلي من قيم الانتماء للمجتمع والحلم له الامر الذي يؤدي إلى حماية المجتمع من الأخطار التي قد تترتب على الصور السلبية لأنعزال المواطنين عن المجتمع وعدم الاهتمام بالنحن الجماعية وإنما الاهتمام بالذات والاسرة فقط … الامر الذي يؤدي في مجموعه على مستوى المجتمع إلى انتشار الامراض المجتمعية والمخاطر والانحرافات التي تضر بالجميع … ولذلك التكاتف والترابط الاجتماعي وانتشار ثقافة المشاركة المجتمعية كل هذه عوامل من شأنها ان تقلل من هذه الامراض فالعلاقة طردية بين المسئولية المجتمعية للمواطنين وبين الامراض والمخاطر المجتمعية. ويمكننا الاستعانة بمقولة المفكر السياسي الأيرلندي
“الشيء الوحيد الضروري لأنتصار الشر في العالم، هو فقط ألا يفعل الاخيار أي شيء”
كيف تكون سفير التغيير الإيجابي مجتمعياً؟هناك فرق كبير بين شعور يكمن بداخلك … وبين ترجمة هذا الشعور إلى حقيقة على ارض الواقع … هناك إحصائية تم عملها على مجموعة من الابناء والاباء، تم سؤال الاباء (هل تحبون ابنائكم؟) وفي الواقع هاجم كثير من الاباء هذا السؤال الساذج … وجاءت كل الاجابات نعم … وتم توجيه نفس السؤال في صيغة مختلفة للابناء وهو (هل تعتقدون ان ابائكم يحبونكم؟) واتت النتيجة على عكس المتوقع … فأغلبية الاجابات جائت بأنهم غير متأكدين فهم لم يروا افعال صريحة تؤكد هذه الحقيقة الساكنة في عقول الاباء فقط والتي ليس لها ابعاد واقعية على ارض الواقع …
نفس الامر تستطيع ان تسأل اي مصري … هل تحب مصر الاغلبية ستقول طبعاً ومؤكد … ولكن هناك فرق بين الحب بالكلمات والحب بالبذل … ولذلك الواجب الاول إذا اردت ان تكون من المبادرين بالتحلي بالمسئولية المجتمعية فعليك بالأنتماء بالوعي والبذل … فلابد من ان تنتمي للمجتمع بأن تكون واعياً بما يحدث فيه وان تكون باذلا للمجهود الدال على انتمائك لهذا المجتمع بالانتماء للمؤسسات التي من شأنها ان تستخدمك مع غيرك من المهتمين للنهوض بالوطن.
التوصية الثانية هي التحلي بـ الصبر … والنقد بطرح البديل … والوعي بسنن الله في التغيير … فالتغيير لن يأتي بين يوماً وليلة … كمان ان ثقافة المثالية القائمة على أن كل شيء مدروس وكل شيء هناك شخص يتولى امره … فهذا الامر غير واقعي في اغلب الاحيان … ولذلك عليك بالتحلي بالصبر وحاول ان تكون ناقداً للواقع بطرح البديل .. فعليك بأتباع مقولة غاندي كن انت التغيير الذي تريد ان تراه على ارض الواقع. التوصية الأخيرة وهي الأختلاف بتحضر … والأنسانية في الخصومة للأسف هي صفات غائبة تماماً عن الواقع المجتمعي المصري … ولكنها حقائق وأصول لا مفر من الالتزام بها إن رغبنا في تأهيل انفسنا لسلك درب التقدم والتنمية الحقيقية لمصر … لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى