لاشك أن حياة الإنسان لا تستقيم ولا يكون لها معنى بدون الحب، فبالحب خلق الله تعالى الخلق، وبالحب أمرهم سبحانه بعبادته، وبالحب سيكافئ المولى تبارك وتعالى عباده الصالحين. وكي نصل لمرحلة الحب المتكامل يجب أولاً أن نصل إلى التسامح المتكامل ومنه إلى الحب الذي سيقودنا إلى مرحلة العطاء.
لأنك لن تستطيع أن تعطي بدون الحب، ولن تستطيع أن تحب بدون التسامح.
فالأمور الثلاثة: التسامح – الحب – العطاء مرتبطة ببعضها، فلا تستطيع أن تصل لواحدة منها دون الأخريات.
ونحن في بداية العام الجديد، علينا أن نبدأ صفحة جديدة في تاريخ حياتنا وتعاملنا مع الآخرين، نسامح من أساء إلينا، ونغفر له أخطاءه تجاهنا لتصفو أذهاننا وتشرق نفوسنا وتملأ الحكمة قلوبنا.
لكن سأبدأ مقالي هذا بسؤال يحيرني كثيراً وهو: لماذا يكون الناس في رمضان أكثر تسامحاً وأكثر طيبة، ونرى نفس الشخص يتحول من شخص إلى شخص آخر حيث يصبح شخصاً يحب الخير ويحب التقرب إلى الله؟
وأذكر موقفاً حدث لي في رمضان حيث كنت أركب سيارة تاكسي ومرّت سيارة بجانبنا مسرعة وبطريقة فيها نوع من التهّور الذي كان سيتسبب في وقوع حادث له ولنا، فقال سائق التاكسي متضايقاً: ” لولا أننا في رمضان لما تركته، ثم بدأ سائق نفس السيارة في التهور والتمادي في مضايقتنا، فقال لي السائق: “سأفطر عليه” وقُلت في نفسي: سيفطر عليه !! هل سيأكله أم ماذا سيفعل؟ فوجدته يلحق بالسيارة فقلت له: ماذا تفعل؟ قال لي: سأضربه وأضيّع صيامي اليوم ثم أوصلك.
وأصدُقكم القول إنني أردت الحديث في هذا الموضوع لأشبع شيئاً ما في نفسي.
كيف يستطيع الإنسان أن يكون متكاملاً تماماً ومتزناً داخلياً؟ والاتزان هنا يشمل: الاتزان الروحاني والاتزان الذهني والاتزان العاطفي والاتزان الجسماني.
هل الإنسان يستطيع أن يسامح غيره؟
أحياناً نجد شخصاً يفكّر بالمنطق، ويقول أنا إنسان متسامح، لكنه إذا تذكّر الماضي وفكّر بتجربة معينة سيجد نفسه ما زال متعباً نفسياً من تلك التجربة.. وهنا أقول له: إن كنتَ لا تزال متضايقاً عند تذكّرك لتلك التجربة إذاً هناك شيء ما غير طبيعي بداخلك. فمن الطبيعي أن يكون لدى كل إنسان منا ماضٍ به الكثير والكثير من التجارب والخبرات التي تحتوي على المشاعر والأحاسيس. ومن الخطأ أن يأخذ الإنسان تجربة من الماضي بنفس شعورها وأحاسيسها للمستقبل، لأنه سينتج عن ذلك قانون التراكم وهو قانون من قوانين العقل الباطن، وقانون التراكم يعني أن الإنسان يأخذ تجربة من الماضي ويفكر فيها من جديد بنفس شعوره وأحاسيسه وقت حدوث تلك التجربة، وهذا يعطي لتلك التجربة قوة أكثر فتقوى المشاعر والأحاسيس أكثر وأكثر. فطاقة الإنسان بين أمرين وهما إما أنها تجعل هذا الإنسان يحقق أهدافه أو أنها ستصل بهذا الإنسان إلى مرحلة سيندم على وصوله لها.
لكن كي نصل لمرحلة التسامح يجب أن نعلم أنواع الذات، فهناك:
أولاً: الذات المزيفة:
وهي الذات السفلى، فالذات المزيفة هي التي تحتوي على الخوف واللوم والحقد والغيرة والمقارنة.. كما تحتوي على الغضب والخصام والكذب والنميمة والمنافسة، فتصل هذه الذات بصاحبها إلى مرحلة الكراهية ثم التكّبر…
فالذات المزيفة مليئة بالضغوطات النفسية فهي توصّل صاحبها للشعور بالوحدة والقلق والضيّاع والإحباط والتعاسة، كما أنها توصل صاحبها إلى العيش في الماضي أو العيش في المستقبل، وفي الحالتين سيصل هذا الإنسان إلى مرحلة الشر الداخلي وهي البعد عن الله سبحانه وتعالى.
وأذكر هنا قصة حقيقية تبرهن أن الشك إذا تمكّن من الإنسان أصابه بالإحباط وهي أن سيدة قصت شعرها بطريقة معينة وكانت تشعر أن شكلها جميل جداً بتلك القصة حتى أتت إليها صديقة فقالت لها: ماذا فعلتِ بشعرك؟ لقد أصبح شكلك سيئاً جداً.. أنت كنتِ جميلة قبل ذلك، فأصيبت تلك السيدة بالإحباط وامتنعت عن الطعام.. كل ذلك لأنها شكّت في نفسها.
ثانياً: الذات الحقيقية:
وهي الذات العليا التي يصل إليها الإنسان كل يوم ومن وقت لآخر، ومن ضمن الأشياء التي تحتوي عليها الذات الحقيقية التسامح الذي سينتج عنه الحب والذي سيتبعه الحنان ثم العطاء ثم مرحلة الاتصال مع الآخرين ثم الكفاح في سبيل الله ثم الكفاح لتستمر في حياتك حتى تصل للثقة والتفاهم مع الآخرين وتصل للتواضع والتعلّم والصبر والصدق.. وكل هذه الأمور الإيجابية ستجعل صاحب هذه الذات يصل لراحة نفسية وهدوء نفسي وهو أمر ليس من اليسير الوصول إليه..
فراحة البال شيء يطمح إليه الجميع، لأنه يجعل صاحبه يتقبّل نفسه كما هي فيصل الإنسان لمرحلة الحكمة والسعادة التي ستجعله يعيش في الوقت الحاضر لا في الماضي ولا في المستقبل.
خطوات التسامح
1 – الإدراك: أولاً يجب على الإنسان أن يدرك أنه يجب أن يكون متسامحاً، فهذا الإدراك يمثّل 50% من التغيير، فالإدراك يتبعه اتخاذ القرار بالتغيير.
2 – الاستفادة من التجربة: عليكَ أن تسأل نفسك بعد كل تجربة تمرّ بها: ماذا استفدت من تلك التجربة؟ فإذا تعلمت شيئاً جديداً عليكَ أن تصل للنقطة الثالثة وهي الاحتفاظ بالمهارات.
3 – الاحتفاظ بالمهارات: إذا نجح الإنسان أن يحتفظ بمهاراته في تلك التجربة فإنه سيتعلّم شيئاً جديداً، وسينتج عن ذلك اختفاء للشعور والأحاسيس السلبية.
4 – الفعل: وهو القرار بالتغيّر والتصرّف بطريقة صحيحة لأن التفكير وقتها سيكون منضبطاً، ستعرف ماذا تريد بالضبط..
فأقل من 3% في العالم كله فقط يعرفون ماذا يريدون بالضبط، ويعيشون في سعادة. فهم استطاعوا أن يصلوا إلى مرحلة التحرّر الشعوري حين اختفت لديهم المشاعر والأحاسيس السلبية.. فعقل الإنسان عندما ينجذب لفكرة جديدة يستحيل أن يرجع كما كان، فنجد أن الطفل يعاني ويبذل مجهوداً لكي يتعلّم المشي ولكنه بمجرد أن يتعلمه فإنه يصبح شخصاً مختلفاً فيتعلّم الجري فيكون أكثر اختلافاً.
دوائر التسامح
عليكَ أن تطلب من الله سبحانه وتعالى أن يسامحك وسيسامحك فعلاً لأن الله يغفر الذنوب جميعاً، ثم عليك بعد ذلك أن تسامح نفسك. وفي مرحلة تسامح النفس يصل الإنسان إلى الماضي وإلى أخطائه التي فعلها دون قصد منه فيسامح نفسه على تلك الأخطاء.. وأنا أعرف شخصاً شاهد أخاه وهو يغرق أمام عينيه لكنه لم يستطع أن ينقذه لأنه لا يستطيع السباحة، وكان هذا الشاب يقول: لن أسامح نفسي أبداً على تصرفي هذا كان يجب أن أفعل شيئاً لأخي.
سامحْ والديك:
عليك أن تسامح والديك عن الأخطاء التي ربما وقعا فيها أثناء تربيتك، عليك أن تعلم أن تلك الأخطاء كانت بلا قصد منهما. فأنا أعرف أناساً كثيرين يقول أحدهم: أنا لم أكن يوماً الابن المفضّل لدى أمي أو لدى أبي .
وأعرف صديقة كانت كلما رآها أبوها قال لها: أنتِ نحس عليّ… يوم أن ولدتِ كُسرت رجلي، ثم بعد أسبوع طُردت من العمل.
هل معنى ذلك أن لا تحب تلك الطفلة أباها؟ ! وهل ستسامحه في المستقبل، وتعلمْ أن والديها كانوا يبذلون أقصى ما في جهدهم لتربيتها وجعلها الأفضل.
إذاً سامحْ والديك على أي مكروه حدث لك منهما أو من أحدهما..
سامحْ أولادك:
يعلم الجميع جيداً المعاناة التي يبذلها الوالدان للأبناء في سنواتهم الأولى. وأذكر صديقة لي ذهبت للطبيب لأن أذنها فيها صمغ فسألها الطبيب لمِ وضعت الصمغ في أذنك؟ فقالت صديقتي: لست أنا من فعل ذلك وإنما هو ابني الصغير الذي يبلغ من العمر أربع سنوات، وجدني نائمة ووجد أذني على شكل فتحة فأراد أن يسّد تلك الفتحة بالصمغ. والحمد لله إنه لم يسد أنفها.
فيجب علينا أن نغفر لأولادنا.. فهم يتعبوننا كثيراً في كل الأحوال منذ الصغر، وفي المدرسة، وفي المذاكرة، وتنظيف المنزل وفي كل مراحلهم سيكون هناك تعب لكن يجب أن نغفر لهم ونسامحهم حتى لا نفقد عقولنا.
سامحْ أفراد عائلتك:
أذكر هنا قصة أخّين كانا يسيران في الصحراء فحدث موقف بينهما جعل الأخ الأكبر يضرب أخاه، فكتب الأخ الأصغر على الرمال “لقد ضربني أخي” ثم أكملا طريقهما، وفي الطريق تعّرض الأخ الأصغر للغرق، فأسرع أخوه الأكبر محاولاً إنقاذه، واستطاع أن ينقذه فعلاً فكتب الأخ الأصغر على الصخر “لقد أنقذني أخي” فسأل الأخ الأكبر أخاه: لماذا كتبتَ على الرمال إنني ضربتك وكتبتَ على الصخر إنني أنقذتك؟ ! فردّ عليه أخوه قائلاً: لقد كتبت على الرمال أنك ضربتني حتى تجيء الرياح فتزيلها فأنساها، أما عندما أنقذتني فكتبتها على الصخر حتى لا تُمحى أبداً ولا أنساها أبداً.
سامحْ الناس:
إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش بمفرده.. لذلك كان عليه أن يغفر ويسامح غيره ممن أساؤوا إليه. وهذا ينطبق على كثير من الناس كالبائع الذي قد يغّش المشتري، أو من يدلّك على عنوان وهو لا يعرف فيُضّلك، أو الجار الذي قد يؤذيك ببعض تصرفاته. سامحْ غيرك واعلم أن لكل شخص عيوبه فتقبّل غيرك حتى يتقبلّك الآخرون.
وأريد أن أنهي حديثي عن التسامح بقول الله سبحانه وتعالى:
“إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم”
ولنقف على كلمة “جميعاً” حيث أن الله يغفر كل شيء ويغفر مرات ومرات كثيرة للإنسان وليس مرة واحدة.
كما يقول الرسول (ص) في حديث قدسي: “يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم”.
يجب عليك أن تفعل ما يتّوجب عليك فعله، فلا ترتكب الذنوب وتضايق هذا وذاك ثم تذهب لتصلّي وتطلب من الله أن يغفر لك ذنوبك. وإنما يجب عليك أن تجعل نفسك من الداخل شخصاً نقيّاً ثم تطلب بعد ذلك المغفرة من الله سبحانه وتعالى وبهذا يبارك لك الله في جميع أعمالك. واعلم أن أي شيء غير طبيعي يحدث لك إنما هو سبب لعدم انضباط التسامح لديك. وتذكّر دائماً أن أكثر من 90 % من الأغنياء هم مرضى نفسانيون لأنهم لا يتعاملون إلا بالطاقة الأرضية فقط ونسوا الطاقة الروحانية ونسوا التسامح. فعلينا أن نكون متزنين بين الطاقتين حتى لا ننسى ربنا ونقصّر في حقه وحق الآخرين أو نهمل حياتنا المهنيّة.
قوة الحب
* حب الله سبحانه وتعالى:
إن حب الله سبحانه وتعالى ليس بالكلام وإنما بالفعل.. وأذكر قصة شاب كان يحلم ويتمنى أن يمشي الله بجواره.. يحلم ويتمنى أن يشعر بوجود الله معه.. ويحلم ويتمنى أن يكون الله بداخله فنام هذا الشاب ورأى في منامه أنه يسير على الشاطئ وتوجد بصمات قدميه أمامه، وأيضاً بصمات أخرى بجانبه، وإذا بصوت يقول: هذه بصماتي وأنا معك على كل حال، ألم تكنْ ضعيفاً فقويتك، ومريضاً فشفيتك وفقيراً فأغنيتك، وأنا أحبك أكثر مما تتخيل.
إن رضا الله تبارك وتعالى يجب أن يكون الشغل الشاغل لكل إنسان في هذه الحياة حتى أن البعض يقولون إن معرفة الله تبارك وتعالى هي المهم وبقية الأمور كلها تفاصيل. ونحن نعلم أن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة.. والواجب على كل مسلم إزاء هذه الأسماء أن يحفظها ويعلم معناها ثم يحقق ما وصف الله تبارك وتعالى به نفسه فيها.. فمثلاً إذا علم الإنسان أن الله سبحانه هو الرزّاق فلا ينبغي أن يطلب الرزق إلا منه سبحانه وتعالى فلا يذّل نفسه لأحد لأنه يعلم أن رزقه في السماء وليس في الأرض. فالإنسان الموصول بالله دائماً لا يصيبه همّ ولا حزن حتى وإن أصابه ما في صورته الخارجية ضرر إلاّ إن في حقيقته الخير من الله تعالى.
* حب المخلوقات:
إن حب الله سبحانه وتعالى ينبع من حب كل مخلوقاته سواء من بني آدم أو من المخلوقات الأخرى. أن من حب الله تبارك وتعالى أن تحب مخلوقاته. كنتُ مع مجموعة من الهنود أثناء سفري إلى هناك ببعثة علمية، وإذا بعنكبوت أمامي فأسرعت كي أطأه بقدمي فإذا بأحد هؤلاء الهنود يقول لي: ماذا تفعلين؟ أليس بروح مثلك؟ وهل إذا كنتِ أنتِ مثله هل تحبين أن يدهسك أحد؟ وتعلمتُ من هذا الشخص شيئاً جميلاً وهو أن أحافظ على حياة مخلوقات الله سبحانه وتعالى.
ولا أستطيع أن أصف مقدار السعادة التي سيشعر بها الإنسان إذا نجح في إنقاذ كائن حي.. وكان سبباً في نجاته.
فنجد الشخص الذي يجد في بيته حشرة يذهب ويستعد لقتالها وكأنه جيش جرّار. لماذا كل هذا؟ ماذا لو أخرجتها من بيتك دون أن تقتلها؟ لماذا تسلب منها حياتها لمجرد أنها أخطأت في الدخول إلى بيتك؟ هل لو كنت مكانها ودخلت منزل أحدهم دون قصد هل ستسعد إذا استعد لك صاحب البيت بالأسلحة واللحاق بك ليقتلك وليس ليطردك من بيته؟
إن حب الله سبحانه وتعالى ينبع منه حب كل مخلوقاته سواء من بني آدم أو من المخلوقات الأخرى، ستشعر أنك تعيش في سعادة وهذا الحب سيمدك بطاقة في منتهى الروعة والقوة. انظر إلى ما حولك من كائنات حيّة وتفكّر فيما يمكنك فعله كي تكون محبّاً لمخلوقات الله تعالى.
حب النفس:
عليكَ أن تحب نفسك وتقدّرها، وتقول أنا أحب الهدية التي وهبني الله سبحانه وتعالى إياها. ومن حبك لله سينبع حبك لنفسك لأنك معجزة أبدعها الله عز وجل، فعليك أن تصل لمرحلة تحبُّ فيها نفسك فلقد خلقك الله سبحانه وتعالى في أحس تقويم، يقول الله تعالى:
” ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”
ومن مظاهر حبك لنفسك هو حسن تقديركَ لمواهبك وإمكانياتك الجسدية والعقلية وتسخيرها لخدمة الآخرين ونفع المجتمع دون تعالٍ ولا كبرياء.
حب الوالدين:
أذكر هنا قصة شابة تبلغ من العمر ثمانية عشر عاماً وكانت هذه الفتاة تشعر أن أمها تطلب منها الكثير من الأعمال اليومية، ففكرت الفتاة في طريقة تواجه بها أمها..
وذات يوم أعطت لأمها ورقة عبارة عن فاتورة بها:
تنظيف المنزل 500 ل.س
رعاية أختي 100 ل.س
تنظيف الحديقة والأعشاب 200 ل.س
الإجمالي: 800 ل.س
فنظرت الأم في الورقة وقالت لها أمهليني عشر دقائق لأفكّر كيف سأدفع لك..
وبعد قليل استدعت الأم ابنتها وأعطتها ورقة بها فاتورة، لكن دون تحديد الأسعار..
حمل لمدة تسعة أشهر بـ..
الولادة والمخاض وآلامها بـ..
الرضاعة بـ..
عناء تربيتك بـ..
إطعامي لك بـ..
الإجمالي: مدفوع بالكامل.. حب وحنان
فلما قرأت الفتاة الورقة بكت واحتضنت أمها، وقالت لها: أنا آسفة.. ولقد علمت أن الفاتورة التي أعطيتكِ لها مدفوعة بالكامل.
فإذا كنت تقول أنا ابن وحيد لوالدي ويجب أن يعاملاني جيداً، فاعلم أنه ليس لك إلا أب وحيد وأم وحيدة..
فيجب على الإنسان أن يحب والديه مهما فعلا معه، فلابد أن نتعلّم كيف نحب.. وكيف نحضن.. نتعلّم الحب الصحيح والحضن الصحيح، حتى الحضن له طريقة معينة مرتبطة بالطاقة.
حب أفراد الأسرة:
عليكَ أن تحبَّ إخوتك كما هم.. هل شعرت يوماً أنك تريد أن تتخلّص من إخوتك أو من فرد معيّن في عائلتك؟
فإذا كان هناك من يخاصم أحداً في عائلة فينبغي ألاّ يفعل ذلك ونحن نعلم أن الخصام أكثر من ثلاثة أيام أمرٌ يغضب الله سبحانه وتعالى والخصام شيء يفقدنا جزءاً من طاقتنا.. فالأسهل والأفضل أن تسامح وسيعطيك الله- سبحانه وتعالى- الثواب، فنحن ليس لدينا الوقت في هذه الدنيا للحزن والضيق والغضب من شخص معين أو موقف محدّد، فإذا غضبت من شخص فلا تهدر طاقتك في الغضب وإنما الأفضل أن تسامحه وتنسى ما حدث فتحبه، فأرسل لمن يضايقك من أفراد عائلتك باقة جميلة من الطاقة، بدلاً من أن يُفقدك هو طاقتك التي لو وصلت ببلد لأضاءته لمدة أسبوع كامل. إنها طاقة هائلة وهبها الله لك تساوي بلايين الليرات، فالحياة قصيرة، ولن يكون لها إعادة.
حب العمل:
كم شخصاً يحبّ عمله فعلاً؟ كم شخصاً يستيقظ صباحاً وهو سعيد لأنه ذاهب لعمله؟
وكم شخصاً لا يحب عمله ويريد أن يذهب للعمل فلا يجد زملاءه؟ وكم شخصاً يتمنى اختفاء مديره؟
عليكَ أن تتعلّم كيف تحب عملك وكيف تعطي فيه بكل جهدك. فإذا أردت أن تأخذ، عليكَ أن تعطي.. وذلك حتى يكون راتبك حلالاً.. عليكَ أن تبذل المجهود لتكون مستحقاً ذلك المال. تعلّم أن تختار ما يعترضك من ظروف وعقبات، وأن تتكّيف مع ما لا تستطيع اجتيازه مما لا يرضيك ولا تحب من حالات وظروف ومواقف، حتى تستطيع الانتقال من مرحلة إلى أخرى، احرص على أن تحب مجال عملك، وأن تتكيف وتتأقلم مع ما يعتريك من ظروف وحالات لا طاقة لك بتغييرها. واعلم أنك لن تستطيع أن تتفوق أو أن تبدع في مجال لا تحبه.
فلا أحد يقول أنا لا أحب وظيفتي، وإنما عليك أن تتعلم كيف تحب عملك فلا تقل ” عندما أجد وظيفة أخرى سأكون أفضل. لأنك لن تكون كذلك ” لأن لديك شعوراً وأحاسيس سلبية من الوظيفة القديمة فإذا ذهبت لوظيفة جديدة ستأخذ هذه الأحاسيس والشعور معك لأنك مبرمج، فتأكد أنك في الوظيفة الجديدة ستجد نفس الأشياء والأمور السلبية التي كانت في الوظيفة الأولى، ذلك لأنك أخذت نفسك دون أن تغيّر هذه المشاعر والأحاسيس.نمِّ نفسك واذهب لوظيفة جديدة وفيها ستجد نفسك تكبر وتنمو لكن طالما لديك شعور وأحاسيس سلبية من الوظيفة القديمة ستكبر بداخلك تلك الأحاسيس لأن المخ لن يتركك، سيذكّرك بها من وقت لآخر.
لن تستطيع النجاح والتفوق في أي مجال من مجالات الحياة إذا كنت تكره هذا المجال، فإذا كنت تكره العمل في مكان معين، فسوف تخفق فيه وستظل فترة أطول في هذا المكان.
تعلّمْ من تجاربك، وتخيّل نفسك في المستقبل، وأعلم أن هذه مجرد مرحلة، وأن هذه هي تحديات الحياة، ولن تأتي الظروف دائماً بما ترجوه. فيجب عليك أن تحب عملك بدون شروط، فحب العمل قيمة في حد ذاتها ولن يستطيع الإنسان أن ينجز في حياته العمليّة إلا إذا كان محبّاً لعمله حريصاً على نجاحه.
حب الناس:
يجب على الإنسان أن يحب الناس بلا شروط، فالإنسان لا يستطيع أن يعيش الحياة بمفرده، فطبيعة الإنسان الداخلية هي التي تحدّد علاقاته بالآخرين. فإذا كان الإنسان محباً من داخله للآخرين ساعياً إلى مد جسور التواصل بينه وبين غيره فإنه سيحب الآخرين وسيسعد بهم وسيبادلونه نفس الشعور.
أما إذا كان الإنسان من داخله كارهاً للآخرين، مترقبّاً منهم الزلاّت لا ينظر فيمن حوله إلا الجانب المظلم من شخصياتهم فهو لا يرى في غيره من الناس إلا كل ما هو سيء ومظلم فهذا الإنسان بلا شك سيكره من حوله أياً كانوا لأن الكره نابع من داخله وليس نتيجة لتصرفاتهم معه.. ويُحكى أن رجلاً ذهب إلى “سقراط ” وقال له: إنني أريد أن أسكن معكم في هذه البلدة فما حال الناس هنا؟ فقال له سقراط: ماذا عن حال أهل بلدتك التي كنت فيها؟ قال الرجل: كانوا قوم سوء.. فلم أرَ منهم أحداً يحبني، فقال له سقراط: وأهل هذه القرية مثل أهل قريتك تماماً لا يختلفون عنهم في شيء فارجع إلى قريتك أو اذهب إلى قرية أخرى غير قريتنا.
وذات مرة جاء رجل آخر إلى سقراط وقال له: إنني أريد أن أسكن معكم في هذه البلدة فما حال الناس هنا؟ فقال له سقراط ماذا عن حال أهل بلدتك التي كنت فيها؟ قال: إنهم نعم القوم فهم أناس طيبو المعشر، حسنو الأخلاق، فقال له سقراط: وأهل قريتنا مثل أهل قريتك تماماً.
لقد فطن سقراط إلى أن الحب والكره ينبعان من داخل الشخص لذلك حاول إبعاد الرجل الأول من قريته بينما رحب بالرجل الثاني فيجب أن يكون الحب بلا شروط فمثلاً الأم التي تطلب من أبنائها أن ينظفوا غرفتهم حتى يحظوا بحبها.. والأب الذي يقول لأبنائه عندما تحصلون على أعلى الدرجات سأحبكم أكثر وأكثر.. هذا كله من الأخطاء التي يجب أن ننتبه إليها..
أخيراً
عشْ كل لحظة وكأنها آخر لحظة في حياتك، عشْ بالإيمان وبحب الله سبحانه وتعالى. عشْ بالأمل،.. عشْ بالحب.. عشْ بالكفاح وقدّر قيمة الحياة. واعلم أن الحب هو أساس الحياة ونعمة عظمى من الإله سبحانه فلا تحرم نفسك أن تعيش في ظل تلك النعمة العظيمة.