النمو ,والتنمية ,والتنمية البشرية ,والتنمية المستدامة
تستلزم التنمية المستدامة(Sustainable DevelopmentThe) فيما تتطلبه ,تحسين ظروف المعيشة لجميع الناس دون زيادةاستخدام مفرط فيه للموارد الطبيعية, يتجاوز قدرة البيئة على التحمل. وتجرىالتنمية المستدامة في ثلاثة مجالات هامة في المجتمع ألا وهي: النمو الاقتصادي، و الحفاظ علي الموارد الطبيعية والبيئة، والتنمية الاجتماعية الشاملة.ومع ذلك فإن أهم التحديات التي تواجههاالتنمية المستدامة هي القضاء على الفقر، ومن الأفضل محاربة هذه الظاهرة بواسطة تشجيع الناس على التعود علي اتباع أنماط إنتاجواستهلاك تحقق التوازن في الطبيعة والمجتمع ،دونما إفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية.رفقا بالأجيال اللاحقة. وبهذا التقديم يمكننا أن نلقي بعض الضوء علي مفاهيم النمو ,والتنمية ,والتنمية البشرية ,والتنمية المستدامة.
أولا:النمو ليس من سمات الدول المتخلفة (الدول النامية):-
في البداية نشير هنا إلي أن الثورة الصناعية استطاعت أن تضيف مفهوم النمو و التقدم الاقتصادي إلى مفاهيم الوحدة العرقية والثقافية والدينية المكونة للدول الحديثة في الغرب، مع تأكيد ظاهرة الاعتماد على نمو الناتج القومي الإجمالي للدولة و الأوطان كمؤشر لرفاهية شعوبها، وهكذا تصبح “خرافة التنمية” هي الهدف والسراب الذي أصبحت فيما بعد تلهث وراءه كل شعوب المعمورة(3).غير أنه إذا نظرنا إلي الدول حديثة الاستقلال(ومنها الجزائر والبلدان العربية والإسلامية) نجد أن لها صورة تختلف إلي حد كبير عن صورتي النظامين الرأسمالي الذي مازال يتعولم والنظام الاشتراكي الذي انهار أواخر القرن الماضي.غير أن تصورنا للدول حديثة الاستقلال يعكس فكرة أنها دول صغيرة تعجز عن صد أي هجوم عدواني عليها,ونامية لأن قضية التنمية تحتل المكان البارز في تكوينها المعاصر ,ومتخلفة لأن الفجوة بينها وبين الدول الصناعية المتقدمة والغنية واسعة وتزداد اتساعا مع انقسام العالم إلي شمال وجنوب وانتشار ظاهرة العولمة وتفشي أعراضها ,وفقيرة فقط لأن مواردها المادية والبشرية غير مستغلة استغلالا اقتصاديا,وحديثة الاستقلال طبعا لأنها تتعرض باستمرار وبشكل مستمر لضغوطات دوائر النفوذ الدولية التي تحاول السيطرة والهيمنة عليها بإيحاء من كذبات العولمة المتعددة. لأن المكونات الاقتصادية للعولمة, وحركة السلع والخدمات ,وحركة رؤوس الأموال, وسياسات صندوق النقد الدولي بمفهوم سياسة العلاقات الاقتصادية الدولية,كلها تعمل لصالح الأغنياء والمتنفذين بفعل انتشار الفساد، ويستنبط من هذا كله أن الضحية الأساسية لهذه السياسات والديناميات هم فقراء عالم الجنوب(4). كل هذه العوامل جعلت كثيرا من الدول النامية(المتخلفة) تعتمد علي أجهزتها الإدارية والتنظيمية لتفعيل النمو والتنمية ووسيلتهما المفضلة في هذا المسعي هي التكوين . أما عن “قضايا التنمية” فحري بنا أن نذكر أن الكلمة التيتتداعى إلى ذهن أي فرد عندما تذكر كلمة “مستقبل” هي بلا تردد كلمة “تنمية” ورغم عدم خلوأي مجتمع بشري, حتى مجتمعات التقدم و الرفاهية , من مشكلات التنمية, إلا أن مشكلاتتنمية بلدان الجنوب لها بعض الخصوصية التي يجب أن تتضافر جهود الجميع في الشمالً والجنوبً علىالتصدي لها, خصوصًا وأن منصفي الشمال ينظرون الي أن تاريخ تكوين التخلف في الجنوب ليس مسئولية جنوبية مطلقة.
ثانيا- التنمية الاقتصادية:-
يعتبر مفهوم التنمية من أهم المفاهيم العالمية في القرن العشرين، حيث أُطلق على عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة فيما يُسمى بـ (عملية التنمية)، ويشير هذا المفهوم إلي التحول بعد استقلال عدد من المجتمعات في الستينيات من القرن الماضي- في إفريقيا و آسيا وأميركا اللاتينية بصورة واضحة. وتظهر أهمية مفهوم التنمية في تعدد أبعاده ومستوياته، وتشابكه مع العديد من المفاهيم الأخرى مثل التخطيط ,والإنتاج,والنمو والتقدم وتنمية الموارد البشرية ,والتنمية المستدامة..وما إلي ذلك.
وقد برز مفهوم التنمية (Development) بصورة أساسية منذ الحرب العالمية الثانية، حيث لم يُستعمل هذا المفهوم- منذ ظهوره في عصر الاقتصادي البريطاني “آدم سميث” في الربع الأخير من القرن الثامن عشر وحتى الحرب العالمية الثانية إلا على سبيل الاستثناء. فالمصطلحان اللذان استُخدما للدلالة على حدوث التطور المشار إليه في المجتمع كانا هما التقدم المادي (Material Progress)، أو التقدم الاقتصادي)Economic Progress).وعندما ظهرت إلي الوجود مسألة تطوير بعض اقتصاديات مناطق أوروبا الشرقية أثناء القرن التاسع عشر كانت المصطلحات المتداولة علي الألسن هي مصطلح التحديث( (Modernization، أو التصنيع ((Industrialization.
ثم بعد ذلك سيطرت علي أدبيات التنمية بعض الأفكار التي خلطت بين مفهوم النمو الاقتصادي (Economic Growth),والتنمية الاقتصادية(Economic Development), وبين هذه الأخيرة والتنمية الشاملة( Global Development), و بين الرفاهية الاقتصادية والرفاهية الاجتماعية (Economic Welfare and Social wellbeing or Welfare),واستغلت هذه المفاهيم علي أساس أنها مترادفات, مما يعني أن تحقيق النمو الاقتصادي من طبيعته يؤدي بالضرورة إلي تحقيق الباقي. ويمكن تعريف النمو الاقتصادي بأنه هو الزيادة الحقيقية في الناتج الوطني ,وفي حصة الفرد منه ,خلال فترة زمنية معينة.وهناك ثلاثة أنواع منه :النمو التلقائي(Spontaneous Growth), والنمو العابر (Transient Growth), والنمو المخطط(Planned Growth).أما التنمية الاقتصادية Economic Development)) فهي العملية التي يتم من خلالها تحويل بلد متخلف من الناحية الاقتصادية إلي بلد متقدم اقتصاديا ,غير أن بعض علماء الاقتصاد يخلطون أحيانا بين النمو والتنمية الاقتصاديين, لذلك لا يمكن تعريفها بشكل موضوعي لأن هذا المفهوم لا يقع ضمن دائرة ما يسمي بالاقتصاد الموضوعي أو الاقتصاد التقريري(The Positive Economics) وإنما يجد مكانه ضمن مجال ومفهوم الاقتصاد المعياري أو الاقتصاد التقديري(Normative Economics), الذي تتداخل فيه الأحكام الشخصية مدعومة بالقيم ومسندة بروح الذاتية.ذلك لأن كل كاتب يحاول دائما أن يضمن تعريفه للتنمية الاقتصادية أي شيء يعتقد أنه من أهدافها الحقيقية . وهكذا يتحول كل تعريف للتنمية الاقتصادية إلي أسلوب أو شيء من الإيحاء بالإقناع . هذا ومع ذلك, نجد أن بعض الكتاب الذين ينتمون إلي التيار الجديد يضمنون مفهوم التنمية الاقتصادية الذي بطبيعته يتضمن النمو الاقتصادي بالإضافة إلي أشياء أخري كالحاجات المادية وغير المادية مثل الحق في التحصيل العلمي والتكوين والتدريب ,وحرية التعبير والكلمة,والاعتماد علي الذات ,وحق تقرير المصير , والمشاركة في صنع واتخاذ القرار. إلا أننا نري أن الحاجات الأساسية المعنوية لا تقع ضمن دائرة مفهوم التنمية الاقتصادية بل تتعداه وتقع تحت مظلة( مفهوم التنمية الشاملة),الذي يعني عملية النهوض الشامل للمجتمع بجميع مكوناته وأطيافه . بما يشمله هذا النهوض من تنمية لقدرات الإنسان المادية والعقلية ,وفتح الباب واسعا أمامه لاختياراته مما يساعده علي تحقيق آماله و طموحاته.وهكذا فالتنمية الشاملة تتضمن أهداف التنمية الاقتصادية مضافا إليها الحاجات الأساسية غير المادية التي يمكن اعتبارها من الحقوق الطبيعية .وهكذا يتعين علينا عدم الخلط بين النمو الاقتصادي ,والتنمية الاقتصادية وبين هذه الأخيرة وبين التنمية الشاملة.
يشير الكاتب جلال أمين مؤلف كتاب :كشف الأقنعة عن نظريات التنمية الاقتصادية ,إلى أن “اقتصاديات التنمية” التي تهتم بالعالم الثالث ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، وفجأة تغير كل ذلك وأصبحت التنمية الاقتصادية في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية أمرا شائعا وأصبح من بين مهام منظمة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة إنجاز التنمية في البلدان المتخلفة في نصف الكرة الجنوبي.ويفسر المؤلف ذلك بأن نظام الاستعمار القديم فسح المجال لنظام جديد ليحل محله حيث أصبحت الأهمية النسبية فيه هي لتصريف فوائض السلع, والبحث عن أسواق جديدة ,وأصبح من أهداف الدول المتقدمة تحقيق زيادة في متوسط الدخل لهذه البلدان بل والترويج دعائيا بأنها قادرة على تحقيق التنمية بشرط تناول جرعة من (التغريب). وكما يقول المؤلف: يتعين علينا “التزام درجة كبيرة من الحذر والحيطة تجاه ما يقدمه الاقتصاديون الغربيون في موضوع التنمية والتخلف, …إن اكتساب درجة من الحرية في إعادة النظر والتفكير حول هذه القضايا قد تفتح الباب علي مصراعيه لاكتشاف حقائق لم تكن واضحة من قبل ف”. الاقتصاد في نظر الكاتب ليس علماً كالعلوم الطبيعية ولا الرياضيات, وإنما الشيء الذي يقدمه لنا الاقتصاد هو مجرد نظريات عامة غير مؤكدة كما يدعي الاقتصاديون،لأنها عبارة عن أقنعة يتقنع بها مروجو النظريات الاقتصادية لإضفاء طابع العلمية والموضوعية على ما يتبنونه من آراء”(5).
وإذا كان النمو الاقتصادي كما يذهب إليه الاقتصاديون هو حدوث زيادات مستمرة في متوسط دخل الفرد الحقيقي في المجتمع بمرور الزمن,فان التنمية يقصد بها زيادة الإنتاج وهو ما يتضمن الزيادة في الناتج الكلي في بلد معلوم.كما يلاحظ أنه علي العكس من النمو الاقتصادي فان التنمية تنطوي علي حدوث تغيير في هيكل توزيع الدخل وتغيير في هيكل الإنتاج ونوعية السلع والخدمات المقدمة للأفراد, وما يصحب ذلك من تغير في كمية السلع والخدمات التي يمكن للفرد الحصول عليها في المتوسط.. وهذا يعني أن التنمية الاقتصادية لا تركز فقط علي التغير الكمي وإنما تمتد لتشمل التغير النوعي والهيكلي.بمعني آخر , يمكننا القول أن التنمية الاقتصادية هي عملية يحدث بموجبها تغيير شامل ومتواصل تصاحبه زيادة في متوسط الدخل الحقيقي للفرد وتحسن في التوزيع لصالح الفقراء والضعفاء والمستضعفين . ويتعين أن يصاحب ذلك تحسن في التغير الهيكلي للإنتاج ونوعية الحياة.ومن هنا نجد أن هذه التنمية تتضمن عناصر أساسية منها :الشمولية,استمرار الزيادة في متوسط الدخل الحقيقي لفترة زمنية طويلة,وحدوث تحسن في التوزيع لصالح الطبقات الفقيرة ,والتخفيف من ظاهرة الفقر .وضرورة التحسن في نوعية السلع والخدمات التي تقدم للأفراد وليس الزيادة في الدخول النقدية.وبالمناسبة ,فان تغيير الهيكل الإنتاجي يعني أن هناك توسع في الطاقة الإنتاجية علي نحو تراكمي من أجل تحطيم طوق التبعية,والافتقار لأحد عناصر التنمية المتمثل في رأس المال المادي في صورة أدوات وآلات ومعدات إنتاجية وتكنولوجية(6).وفي الوقت الراهن نري أن الدول المتخلفة تجد نفسها في وضع لا تحسد عليه، لأن الدول الصناعية كانت في السابق لا تضع حواجز أمام انتقال التكنولوجيا أثناء مراحل الثورة الصناعية مما مهد الطريق لتقليد الإبداعات و الاختراعات التي ظهرت في كل مكان ، أما اليوم فان الحالة تختلف ,لأنه من الصعب جدا الحصول على التكنولوجيا مع وجود قوانين حماية حقوق الملكية الفكرية بالإضافة إلي والتلويح بعصا توقيع الجزاء ونعت بعض البلدان بالسارقة والمارقة-خاصة فيما يتعلق بمحاولات اكتساب التكنولوجيا النووية واستعمال حدها السلمي فقط (7).
رابعا :مصطلح التنمية البشرية
إنمصطلح التنمية البشرية يؤكد على أن الإنسان هو أداة وغاية التنمية حيث تعتبرالتنمية البشرية النمو الاقتصادي وسيلة لضمان الرفاه للسكان، وما التنمية البشريةإلا عملية تنمية وتوسع للخيارات المتاحة أمام الإنسان باعتباره جوهر عملية التنميةذاتها أي أنها تنمية الناس بالناس وللناس .كذلك يقصد بتنميةالموارد البشرية أنها عملية تنمية معرفة ومهارات وقدرات القوىالعاملة في المجتمع القادرة على العمل في جميع المجالات، وتشتمل علي:مفاهيم أساسية فيالتكوين أوالتدريب و تحديد الاحتياجات ,وتصميم وتقويم البرامجالتكوينية.وذلك ضمانًا لاستخراج أفضل ما فيالعاملين من طاقات واستغلالها بالمفهوم الايجابي للكلمة طبعا، وحسن معاملة الأفراد وتعليمهم وتدبير شؤونهم، وتشتمل على عدد من الأنظمةمنها:- الرواتب- الحوافز- تقويم الأداء- الترقية- النقل…الخ.وهذه الوظائف كأنظمة ليست منفصلة عن بعضها ، بل تتكامل مع بعضها البعضكمنظومة نسقية من أجل الوصول إلى أداء راق لإدارة الموارد البشرية ومن ثم المنظمة ككل في إطار التنمية المستدامة. ، و على مقدار قدرات المورد البشري، وخبراته، وحماسه للعمل تتوقف قدرةالإدارة ونجاحها في الوصول إلى أهداف المنظمة المحددة لها مسبقا .
يمكن كذلك القول أن للتنمية البشريةبعدين أساسين ،أولهما: يهتم بمستوىالنمو الإنساني في مختلف مراحل حياته لتنمية قدراته،و طاقاته البدنية،والعقلية،والنفسية ،والاجتماعية المهاراتية، والروحية …. أما البعد الثاني: فهو أن التنمية البشرية عملية ترتبط ارتباطا وثيق الصلة باستثمار المواردوالمدخلات والأنشطة الاقتصادية التي تولد الثروة والإنتاج لتنمية القدرات البشريةعن طريق الاهتمام بتطوير الهياكل والبنيات المنظماتية التي تتيح المشاركة والانتفاعبمختلف القدرات لدى كل الناس … وكيفما كان هذا المفهوم فان تنمية الموارد البشرية من منظور الفكر الوضعي الواعي يتعين أن تتم في إطار سياسة سكانية واضحة,وإستراتيجية للتنمية الاقتصادية ,وتحديد للأولويات والبدائل المثلي المختلفة, وتوفير الإحصائيات والبيانات اللازمة لذلك ,وتكمن وسائل التنمية البشرية بصورة عامة في التعليم العام والفني والجامعي ,والتكوين والتدريب المهني , والتنمية الإدارية وما إلي ذلك . وهذا مما يدل علي أن التنمية البشرية لا تعني أكثر من تحرير الإنسان مما يعوقه ويحول دونه وتحقيق أهدافه اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا بما يمكنه من العمل والمشاركة الفعالة ,علي كل المستويات سواء كان ذلك علي مستوي المنظمة أو علي مستوي الوطن أو علي مستوي العالم.
إلا أن الإسلام ينفرد وبشكل واضح في شأن تنمية الموارد البشرية بنظرة أوسع لحرصه علي أن تكون العملية شاملة لجميع جوانب المورد البشري البدنية,والعقلية,والروحية.وبذلك يضع الإسلام الأسس الفعالة لسلامة الإنسان ويطلق لعقله العنان ليفكر ويتعلم ويبحث ويهتدي ويكتشف ويخترع ويؤلف ,بقلب مملوء بحب الخير للإنسانية جمعاء لأن روح الإنسان منقاة بالعبادة والقيم الفاضلة.وفي منظور المفهوم الإسلامي للتنمية البشرية فان الإنسان مميز بعقل مدبر ولسان معبر وإرادة لاتقهر. وسخر الله ثروات الأرض وما يحيط بها من كون وطاقاته في البر والبحر والجو تتصرف فيها الموارد البشرية وتتدبرها حسب ما فيها لصالحها وكشف أسرارها جيلا بعد جيل .
خامسا:- التنمية المتواصلة أو المستدامة (Sustainable Development )
منذ انعقاد مؤتمر الأمم المتحدةللبيئة والتنمية في عام 1992، الذي اصطلح علي تسميته ( بقمة الأرض)، تزايد الوعي حول الأهميةالكبيرة للحكومات وسـلطاتها المحلية لجهة الاسـتجابة لخطط التنمية المسـتدامةالخاصة بها، والتي تم التعبير عنها دوليا ب(الأجندة 21 الدولية) وهي اسـتجابة دولية لضرورة تحقيقالتنمية المسـتدامة كأولوية ضرورية لاسـتمرار الحياة على كوكب الأرض، و فوض هذا المؤتمر حكومات الدول الأعضاء بوضع خططهم المحلية للتنمية المسـتدامة تحتعنوان الأجندة 21 المحلية(8).
وشرعت الجزائر في العقود الأخيرةفياتخاذ العديد من الإجراءات و السياسات سعيا منها
وراء تحقيق أهداف وتوصياتالتنمية المستدامة, لأنهاعنصر آخر من عناصر التنمية الذي يتمثل في تواصل أو استمرارية عملية التنمية-وهو ما يطلق عليه البعض تسمية التنمية المتواصلة أو المستمرة (Sustainable Development )وذلك لأن الأجيال الحالية تستخدم البيئة والموارد الطبيعية وكأنها هي المالك الوحيد لهذه الموارد وتتجاهل نصيب وحقوق الأجيال القادمة في البيئة والموارد الطبيعية النادرة. خاصة ,عندما تقوم باستعمالها واستخدامها بطريقة سيئة. وهو ما يهدد استمرارية التنمية في المستقبل. ولكن المشكلة تكمن في أن عولمة النمط الاستهلاكي المفرط ستؤدي في حال إمكانية تطبيقها إلى كارثة بيئية لا تحتمل ولا تطاق، ففي ظل الاقتصاد ذي الطابع الاستهلاكي ينظر إلى الأرض ما فيها وما عليها على أنها مجرد مادة أولية قابلة للاستهلاك. وما تصرفات مصادرة مساحات هائلة من الأراضي الزراعية للتوسع العمراني كل يوم ، و استنزاف الثروة السمكية دون اكتراث، وعمليات شحن نفايات مصانع الدول المتقدمة لدفنها في أراضي البلدان الصغيرة الضعيفة –الا دليلا علي ذلك(9).
ويمكننا أن نستنتج أن التنمية المستدامة تعني أنه ليس هناك من مشكلة في أن تشبع الأجيال الحاضرة احتياجاتها المتزايدة من السلع والخدمات ,دون الانتقاض من مقدرة الأجيال المقبلة علي إشباع مثل هذه الاحتياجات هي الأخرى(10).لأن التنمية المستدامة في الأساس: هي العلاقة بينالنشـاط الاقتصادي واسـتخدامه للموارد الطبيعية في العمليات الإنتاجية وانعكاس ذلكعلى نمط حياة المجتمع بما يحقق التوصل إلى مخرجات ذات نوعية جيدة للنشـاط الاقتصادي, وترشـيد اسـتخدام الموارد الطبيعية بما يؤمن اسـتداماتها وسـلامتها دون أن يؤثر ذلكالترشـيد بصورة سلبية على نواميس وانماط الحياة في المجتمع وتطوره.
تشـكل الدول الصناعية حاليا مانسـبته حوالي 20% من ســـكان العالم وتعتمد اقتصاديات هذه الدول على حوالي 80% منالموارد الطبيعية المتاحة عالميا، وهذا يشـكل ضغطا” خطيرا” على الموارد الطبيعيةفي الأرض خصوصا في ظل انعدام التنمية في المناطق والبلدان الفقيرة في العالم.
و تشير التنبؤات أيضا إلى أن عدد سكان العالم في سنة 2020 سيرتفع ليصل إلى 8 بلايين نسمة، تعيش منها 6.6 بليون نسمة في بيئة العالم المتخلف، حيث يوجد 3 بلايين انسان يعيشون قابعين تحت خط الفقر, إضافة إلى ذلك يوجد 840 مليون نسمة تتضور جوعا ومئات الملايين من العاطلين عن العمل، وستضم أكثر من 550 مدينة كبيرة غالبية هذه الأعداد بمعدل مليون شخص لكل منها، بينما يصل عدد المدن التي تستوعب أكثر من 10 ملايين نسمة إلى عشرين مدينة، مما يعني الانفتاح على كافة الاحتمالات من جنوح وإرهاب وتلوث بيئي مفرط….(11). :كما أشرنا الي ذلك سابقا فانه فيالسنوات الأخيرة بادرتالجزائر ، كبقية الدول العربية والإسلامية إلى تخصيص مبالغمعتبرة لدعم توجهات التنمية المستدامة والمحافظة علي الطبيعة وتجسيدها في معظم المجالات الحيوية في المجتمع خاصة في مجال البيئة واعتمدت في ذلك على ثلاث وسائل تراها أساسية لنجاح العملية هي: وضعإطار قانوني حازم و مختص بشؤون التنمية المستدامة ،ومراقبة النشاطات التي تتسبب في التلوث و إخضاعها للمعايير الدولية ، ووضع رسوم خاصة بحمايةالبيئة تحث المنظمات وتدفعها لكي تراقب نشاطاتها، هذا بالإضافة إلى الرسم المشجع لمنظمات الأعمال التي تعمل هي الأخرى علي التخلص من نفاياتها وذلك بمعالجتها عوضا عن تخزينها أو رميها في الطبيعة ، كماسطرت السلطات مشاريع مستقبلية تعتبر من الأمور الإستراتيجية إذا ما تم انجازها ومتابعتها ، بالشكل المخطط لها . و هذا ما كانت تصبو اليه الجزائر من أجل المحافظة علي البلاد والعباد من جشع الذين لا يعيرون اهتماما لحقوق ومستقبل الأجيال القادمة…كما شرع في تنفيذ هذه الإستراتيجية الوطنية إنطلاقا من سنة 2000، مرورا بسنة2002 ،و2003 رافقتها عملياتالتحسيس تجاه المواطنين قصد الحفاظ على البيئة و هو مايفسر أيضا الزيادة الملحوظةفي عدد الجمعيات الإيكولوجية والبيئية النشيطة في هذا المجال . وتصب جميع الجهود التيتبذلها الجزائر في أن تجعل هذه المفاهيم تأخذ مجراها في الثقافة والممارسة و هو مايؤكدعزما حقيقيا في محاولات إدراجها في المقررات والمناهج التربوية كمقاييس ومواد تدرس في المداس والثانويات و في المعاهد والجامعات(12). وفيما يلي يمكن الإشارة الي بعض الأمثلة لأهم أهداف التنمية المستدامة من خلال بعض البنود التي من شأنهاالتأثير مباشرة في الظروف المعيشية للناس: المياه والغذاء ,والمأوى و والخدماتوالدخل….وما الي ذلك.ومنخلال تعزيز التكنولوجيا, يكون في المستطاع ,وضعالخطط والبرامج التي تهدف إلى تحويل المجتمعات إلى مجتمعات معلوماتية.. بحيث يتم إدماجالتكنولوجيات الجديدة في خطط واستراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، معالعمل على تحقيق أهداف أخري عالمية كالأهداف الإنمائية للألفية الراهنة.وإعداد سياساتوطنية للابتكار ,واستراتيجيات جديدة للتكنولوجيا ,في إطار النشاطات التي يتم التركيز فيها على تكنولوجيا المعلوماتوالاتصالات بصفة خاصة(13).
العزازي .ب /جزء من مداخلة لملتقي دولي 2009.