لقد ازداد دور البنوك التجارية منذ السبعينات ، حيث اعتمدت في نموها على الخدمات التي تقدمها للمشروعات متعددة الجنسيات ، وعلى شبكة من
العمليات النابعة من الواقع الاقتصادي العالمي الجديد . وقد خلقت هذه المصارف أدوات وآليات جديدة تماما ، منها مثلا : خدمة السوق الأوربية للدولار وفروعها الإقليمية ، التوسع في إقراض الدول النامية ، وتمويل المنظمات الاقتصادية والمالية العالمية …
وبالرغم من أهمية الاستثمارات المباشرة للشركات متعددة الجنسيات كميكانيزم مباشر للاستغلال الرأسمالي ، فقد أخذت في الانخفاض ( من 56% سنة 1970 إلى 28% سنة 1979 ) ليحل محلها تصدير رأس المال القرضي ، والذي مثل – حسب معطيات منظمة التعاون والتنمية في المجال الاقتصادي – حوالي الـ 90 % من الحركة المالية نحو العالم المتخلف سنة 1980 . وقد قامت بالدور المركزي في هذا التحول الهيكلي لحركة رأس المال الخاص نحو العالم الثالث ، البنوك المتعددة الجنسيات . وقد كان مستوى الأصول لديها عام 1975 قريبا جدا من مجموع الاحتياطات العالمية ، مما يعني قدرتها على تحويل مبالغ هائلة من هذه الاحتياطات في مدة قصيرة ، الأمر الذي يسبب تفاقم عدم التوازن النقدي ( ). كما ساهمت هذه البنوك ، بالتناغم مع صندوق النقد الدولي ، في الضغط على الدول المستدينة وإجبارها على انتهاج سياسة اقتصادية تضر بالمصالح الأكثر حيوية لشعوب العالم الثالث .
إذا حفلت السبعينات بتحركات دولية كبيرة لرأس المال سواء بتصديره ( الاستثمار الأجنبي المباشر ) أو باستخدامه في التمويل والإقراض . وتشير الإحصاءات بأن 90% من الاستثمار الأجنبي المباشر في العالم يقوم به نحو 50 مصرف ، ولقد صار الاستثمار المباشر انتقائيا للغاية ، إذ أنه يفضل العمل في بلدان ذات أسواق واسعة وإمكانات أساسية من الموارد الطبيعية والبشرية ، ففي عام 1983 اتجه 22% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الجديد إلى الولايات المتحدة الأمريكية و30% منه إلى غرب أوربا و8% إلى أستراليا واليابان وجنوب إفريقيا وكندا ، أما الباقي فقد اتجه إلى البلدان النامية وخصوصا أكبرها .
وبصفة عامة فإنه من أهم المتغيرات الجوهرية على الصعيد العالمي :
1- ازدياد قوة الشركات متعددة الجنسيات واندماجها مع رأس المال المصرفي ، وكان قرار مجموعة الأوبك برفع أسعار النفط من خلال الصدمتين السعريتين في عام 73/1974 وعام 1980 ، عاملا مساعدا على زيادة أهمية دور البنوك التجارية دولية النشاط حيث سارعت هذه الأخيرة ومعها صندوق النقد الدولي إلى إعادة تدوير الفائض المالي الضخم ، الذي ينشأ نتيجة لهذا القرار ، في شكل قروض للدول التي حققت عجزا في مدفوعاتها .
2- تباين علاقات النمو اللامتكافئ بين كبريات البلدان الصناعية الرأسمالية ، وتغير مواقع القوى النسبية الفاعلة في الاقتصاد العالمي التي كانت تميز عالم ما بعد الحرب ، فبينما تراجع الوزن النسبي للولايات المتحدة عرفت مجموعة دول غرب أوربا واليابان وتزايدا في وزنها .
3- تعاظم العولمة التي قادتها الشركات العملاقة دولية النشاط ، وقد نجم عن ذلك نمو واضح ومستمر في عمليات تكامل الإنتاج والتمويل والتسويق على جبهة العالم كله .
4- اضطراب أصول السيولة الدولية بعد النمو الهائل الذي حدث في اندماج وتوسيع أسواق المال العالمية ، وهو الأمر الذي كان مصحوبا بتغيرات عميقة في تركيبة التدفقات المالية من هذه الأسواق ، يزايد الدور الذي تلعبه البنوك التجارية في الإقراض والاستثمار الدوليين كبروز نظام القروض المشتركة ، وبنوك الأوفشورز وتشير إلى عمليات الإنتاج والاستثمار التي تقوم بهما المشروعات متعددة الجنسيات في مناطق محددة لكي تستفيد من ظروف النفقة المنخفضة والأجور البسيطة والمهارات المرتفعة في هذه المناطق ، الأمر الذي أدى إلى تضخم حجم السيولة الدولية ، وأصبح معه رأس المال العالمي ينمو ويتحرك دون أن تربطه صلة وثيقة بعمليات الإنتاج وحاجات التمويل الفعلي للتجارة .