تنمية بشرية

انطلق وعش حياتك

لاشيء كالعمل يجعل الإنسان ينطلق في الحياة بلا تعقيدات ، فهو الأمر الذي يرتقي بصـاحبه في هذه الحـياة ، حتى يعتلى في لمح البصر كل فوز ، ويمتلك في غـمضة عـين كل نجـاح ، وحينما نقول : العمل الدءوب ، فمعناه العمل المتصل دون انقطاع ، فحلقاته تكـاد تــسلم بعـضها بعـضاُ ، والعمل الدءوب يحمل في طياته الانضباط الشديد ، ومن هنا فليس كل عمل يجعل الإنسان ناجحاُ ويحوز كل سبق ، والعمل الدءوب لا يأتى من فراغ ، بل من نفس قوية وإرادة فتية وهمة سابقة ، وسر ذلك كله في التفكير الإيجابي , وطرد كل مظاهر السلبية الداخلية ، التى تحول بينه وبين الاستمرار ، فربما تواصلت الأعمال ثم فجأة تتوقف أو يختفي الحماس لها ، هنالك يجب أن نفتش في طريقة تفكيرنا , هل هي دافعة ومتفاءلة ومتحمسة ، أم هي يائسة محبطة تؤثر السلامة وتخشي من المغامرة !.
 
الحلقة الأولى: العمل الدءوب
 

 

كيف تنجح في لمح البصر ؟

 
لقد سئل النمساوى ارنولد شوارتزينجر الذي كان صبياُ ضعيفاً وأصر على تمارين كمال الأجسام وقضى لذلك ساعات في البيت ، حتى أصبح بطلاً في كمال الأجسام ، ثم أصبح أعلى نجوم السينما أجراًُ ، ثم أخيراًُ حاكماً لولاية أمريكية ، لقد سئل في لقاء تليفزيوني عن سبب هذا النجاح المستمر فقال : { العمل الدءوب , والانضباط الشديد , والتفكير الإيجابى }
 
العمل الدءوب من سنن الحياة
 
وهذا ما دعانا أن نتعرف على سر من أسرار الحياة ، وهى سنة ربانية لجميع البشر : ( من أراد الاستمرار في العمل ، فعليه بالاستمرار في العمل ، ومن أراد الطاعة فعليه بالالتزام بالطاعة ، ومن أراد النجاح فعليه بالعمل الدءوب ) .
 
إن ذئب الكسل متربص لكل منا ، في انتظار غفوة أو شهوة أو غفلة , فينقض على النجاح ، الذي يؤرقه ولا يجعله ينام لحظة أو يهدأ لبرهة .
 
فهل يفهم من أن هذه السنة الماضية على البشر ، لا تتأثر بإيمان أو جحود ، ولا تهتم بالاتزام أو غير التزام ؟ .
 
إن النماذج الكاملة في توظيف هذه السنة ، هى التى كانت مثل عملة لوجهين معاً ، الوجه الإيمانى الذي هو الزاد والطاقة لقوله تعالى : { وتزودوا فإن خير الزاد التقوي } البقرة / 197 ، ثم الوجه المادي في الأخذ بكل أسباب النجاح والترقي والعلو ، ولذلك فغرض المؤمنين أقرب وأيسر ، لتوفر الطاقة الداخلية بطريقة طبيعية ، أما غيرهم فهم يحتاجون إلى جهد داخلي مضني وتدريب مستمر , حتى تتكون لديهم بعض من الطاقة , سواء في التفكير أو الزاد أو التنفيذ .
 
جدد حياتك بالعمل الدءوب
 
إن قطع أشواط النجاح يتوقف على قوة التغلب على العقبات ، ومواجهة المشكلات ، وتذليل الصعاب ، وتحمل الآلام ، وامتصاص التعب والإرهاق ، وتجاوز كل فشل بجعله نقطة انطلاق جديدة ، مما يعمل على تجديد الحياة ، وبعث الحيوية في الأعمال ، ومن ثم جنى الثمار بأقل جهد ، وبأسهل الطرق ، وبأيسر تكلفة ، وبأسرع وقت ، وربما حينما نضرب المثل بالمشهورين من الناجحين على مستوي العالم يقرب إلينا الصورة بغض النظر عن فكرهم أو خلقهم أو نهجهم ، فهذه كونداليزارايس التحقت بالجامعة وهي تبلغ من العمر 15 عاماُ وتخرجت وهى فى في سن 19 عاماً ، وعندما بلغت 41 عاماً كانت رئيساً للجامعة ، ثم اختيرت مستشاراًُ للأمن القومي في أمريكا ، ثم وزيرة خارجية ، ومن العجيب أيضا أن تاريخ عائلتها يقول : أنها الوحيدة التى سلكت في جيلها طريق التعليم !! .
 
هل العمل الدءوب موهبة خارقة ؟
فهل الذين يحرزون أعلى المراتب في كل مجال هم أصحاب مواهب خارقة ؟
 
أم هم المثابرون المكبّون على العمل بلا كلل ولا ملل ؟
 
أترك لكم الإجابة ……..
 
ولكن أضع بين أيديكم دراسة ، قد تساعدكم في الإجابة ، فقد أجريت دراسة على فريقين أحدهما حصل على درجة ممتاز ، والآخر حصل على درجة جيد ، وُجد أن الفريق الأول كانت ساعات تمرينه أعلى من الآخر ، فقد بلغ الأول 10000 ساعة أي ما يقرب من السنة , كاملة من التمارين بينما الآخر 7500 ساعة .
 
ولذلك فهناك فرق بين العمل الدءوب والعمل الصعب :
 
فالاثنان يختلف بعضها عن الآخر شكلاً وتفضيلاً , فالعمل الدءوب ليس معناه أبداًُ العمل بلا توقفف أو بدون راحة أو أخذ قسط من الترفيه ، وإلا كان جهداً نفسياً بلا فائدة ، وهذا هو الفرق الجوهرى بين العمل المدروس المثمر والعمل المجهد المتعب ، فالأول هو العمل الدءوب ، والثاني هو العمل الصعب المرهق .
 
كيف تحقق العمل الدءوب ؟
وأراك تقول : كيف تحقق هذا العمل المدروس المثمر الذي اقتنعنا بأنه العمل الدءوب ؟!
 
تعال معاُ نخطو هذه الخطوات العملية :
 
حيث نستطيع بهذه الخطوات الخمسة ، أن نحقق العمل المدروس المثمر .
 
الخطوات الخمسة لتحقيق العمل الدءوب :
 
الأولى : التبكير
 
متى نتخلص من أزمة آخر الوقت ؟
متى نتخلص من التسويف والتأجيل ؟
لماذا نربك أحوالنا في آخر لحظة ؟
ثم نجعل من ذلك شماعة للإخفاق ؟ ومبرراًُ للفشل ؟
 
إن أهم ما في التبكير أن يمنحك فرصة من الاستيعاب لا تعوض ، بما تجعلك على استعداد دائم , وفي جاهزية مستمرة , ويقظة عالية , تنقذك من المآزق والمفاجأت .
 
ولعل كل هذه الأثار الرائعة هى بعضاً من معانى ( البركة ) التى تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : [بورك لأمتى في بكورها ] ، فكان التبكير سبباً من أسباب جلب البركة التى هى : ( نماء الشيء وزيادته واستمراره دون قصد أو دراية ) ، وهي لا تأتى خبطاً عشوائياً ، مثلما يظن البسطاء من الناس ، وإنما هى استعداد وجاهزية واستيعاب واجتهاد في أن يكون الإنسان دائماً في المقدمة لا يسبقه أحد .
 
الثانية : التركيز
 
وصفة التركيز لا تأتى مرة واحدة ، ولا تتحقق في زمن واحد ، وإنما هى كالدواء يؤخذ في مدد قصيرة يومية ، وعلى مراحل زمنية محددة ، ولذلك فالتركيز على عمل ما ، يحتاج من صاحبه ، أن يتدرج يومياً ، ولو لمدة قصيرة ، وصولاً إلى التركيز ، ولذلك كان هذا التدرج هو أحب الأُمورإلى الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : [ أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ] لأن ذلك هو الطريق الوحيد إلى التركيز الذي هو نقطة الاستمرار ومحطة التواصل .
 
الثالثة : الفهم قبل العمل
 
ونعني به ( فهم العمل ) مما يضمن له الاستمرار ، وذلك بفهم نقاط العمل ، ومصطلحاته ، ومفاهيمه ، وتصوراته ، حتى يسهل فهمها واستيعاب دقائقها ، فلكل عمل أسراره وخباياه ، ولذلك فمن أراد أن يحقق هذه الخطوة ، عليه ببذل المزيد من المجهود في القراءة والمطالعة عن العمل والتعرف على تفاصيله ، واكتساب الخبرات ممن نجحوا في هذا العمل ،ولا يخجل من السؤال الدائم ، والتزود بالعلم ، مصداقاً لقوله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم : [ وقل رب زدني علماً ] .
 
الرابعة : التحديد بعد العمل
 
قد يعمل بعضنا العمل ثم ينسي تفاصيله ، فإذا أعاده لسبب ما ، فكأنه مبتديء يفعله لأول مرة ! .
 
وقد يعمل بعضنا العمل ثم تختفي معلوماته كسحابة مرت ، فلا يستفيد منه أحد ! ، وقد يعمل بعضنا العمل ويحاول أن يتعرف على ملامحة فلا يتذكر منه إلا القليل , الذي يكون كالسراب ، لا يجده شيئاً !.
 
فما المخرج بعد أدائك للعمل ، هل تحتفظ به في ذاكرتك ، فتستمر عليه ، وتعلم غيرك على الاستمرار عليه ؟
 
للإجابة ينصح الخبراء : بتجديد المعلومات أولاً بأول ، واكتبها حتى لا تخونك الذاكرة ، فإنك تستطيع بتجديد المعلومات أن تواجه النسيان الطبيعي في حياة كل إنسان ، مماايضمن لك العمل الدءوب المستمر .
 
الخامسة : التحسين
 
من منا وهو يعمل لا يكتشف أنه يحتاج إلي أن يتزود في جوانب كثيرة تنقصه ؟
من منا وهو يعمل يكتشف أنه درج على عادات وآراء خاطئة تحتاج إلى تعديل ؟
من منا وهو يعمل يتمنى لو يعطى جوانب كثيرة مفتقدة فيه ؟
 
فالعمل مصفاة ، ومن أجل أن يستمر على كل منا أن يكتشف الجوانب التى تنقصه ، والجوانب المفتقدة ، وحاجته إلى التعديل والتحسين والتطوير .
 
وكلما قطع شوطاً في تغطية هذه الجوانب أو تحسينها أو تعديلها ، استطاع أن يكتسب خبرة بالعمل تضمن له التواصل ، وأن يضع قدمه على أول طريق العمل الدءوب .
 
أربع أفكار عملية لعمل دءوب :
الفكرة الأولى : التقسيم
 
من الأقوال المأثورة في تحقيق فكرة التقسيم : ( 3 ساعات عمل صباحاً ، و3 ساعات عمل مساءً ، أفضل من 6 ساعات متواصلة ) .
ولذلك ننبه إلى أهمية نوم القيلولة ، وهي أن تأخذ قسطاً من النوم بعد الظهر ، فكأنك تبدأحياة جديدة ، وبذلك يصبح عندك اليوم يومين لا يوم واحد , وهي من سنن النبي صلي الله عليه وسلم .
 
الفكرة الثانية : التعقل
 
من الأقوال المأثورة في تحقيق التعقل : ( العمل : والعقل متعب ، مضيعة للوقت ) ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها ] ، فهل نحن مصرون على إضاعة الأوقات دون أن نستثمرها ونستفيد منها ؟ ، فهي مقطوعة بأي حال ، فتقطع باستفادة خير من أن تقطع بلا فائدة !.
 
الفكرة الثالثة : الصعب
 
من الأقوال المأثورة في تحقيق التعامل الصحيح مع العمل الصعب : ( ابدأ بالأعمال الصعبة حين نشاط العقل , بل في أوج نشاطه ) .
 
ولذلك يجب تأجيل الأعمال الصعبة لحين نشاط العقل ، فكلما كان في أوج نشاطه تفتح الملفات التى صعب التعامل معها من قبل ، ونشاط العقل يرتبط بحبك للعمل ، أو مرونة العمل وبساطته ، أو سهولة طرق أدائه ، وبهذا التحايل يمكن للإنسان أن يتعامل بنجاح مع أصعب الأعمال ، تنشيط العقل أولاً , ثم استدعاء المؤجل من الأعمال الصعبة ثانياً , والاجتهاد في تنفيذ بعضها ، فكل مرحلة نجاح هي إيذان بالوصول إلى النجاح الكامل .
 
الفكرة الرابعة : لا تنظر إلى النتائج
 
من الأقوال المأثورة في تحقيق هذه الفكرة :
( علينا أن نسعي ولا ننظر إلى النتائج :
                  وعلىّ أن أسعى وليس
                                               علىّ إدراك النجاح )
بل قالوا : حين يقول أحدهم : ( وصلت إلى غايتى في الحياة ) فأعلم أنه يبدأ في الا نحدار , أو قد بدأ فعلاً بالانحدار .
 
أ.جمال ماضي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى