تراجعت جرائم «داعش» في العراق وسوريا في أذهان العالم للمرتبة الثانية ليحل محلها السؤال الذي يشغل الجميع: لماذا انخفضت أسعار النفط العالمية بهذه الصوة المقلقة وماهي النتائج؟، الكل يتساءل الفقراء قبل الأغنياء، فالفقراء يتخوفون من أزمة اقتصادية عالمية ترفع أسعار قوتهم كما حدث في 2008، والأغنياء يخشون من كساد تجارتهم وضياع ثرواتهم.
الإجابة على هذا السؤال ليست بالهينة، خاصة أن هذا الانخفاض لم يشهده سعر برميل النفط منذ 5 سنوات، وسط اتهامات بـ «مضاربات خافية»، فمنظمة «أوبك» للدول المصدرة للنفط تجهل السبب الحقيقي، فقد قال الأمين العام للمنظمة عبدالله البدري في تصريحات، الأحد الماضي، إن عاملي العرض والطلب لا يبرران هذا الانهيار في أسعار النفط، مشيرا إلى دور كبير محتمل للمضاربة في هذا الوضع.
وقال: «نريد أن نعرف ما هي الأسباب الرئيسية التي أدت إى هذا الانخفاض في أسعار النفط، فهناك زيادة في العرض والطلب ولكنها بسيطة لا تؤدي إلى هذا الانخفاض الذي بلغ 50% منذ يونيو الماضي»، وأعرب عن اعتقاده أن المضاربة هي المتسبب الأقوى في الانخفاض القوي لأسعار البترول.
وتحدث «البدري» عن زيادة المستخرج من النفط الصخري عن طريق التكسير بالمياه، وبخاصة في الولايات المتحدة، حيث ارتفعت معدلات إنتاجه بقوة في السنوات الأخيرة في الولايات المتحدة وكندا والذي يقدر حجمه بثلاثة مليون برميل يوميا، والذي أصبح منافسا للنفط التقليدي وبات «له تاثير» على السوق، ولكن كلفة إنتاجه عالية تصل إلى 70 دولار للبرميل، فبهذه التقنية فقط، تنتج الولايات المتحدة أكثر من مليون برميل يوميا من النفط، وهو خام لم يكن حتى وقت قليل موجودًا في السوق.
* العوامل الأساسية المحددة لأسعار النفط:
يفند الخبير الاقتصادي السعودي الدكتور فهد بن جمعة العوامل الأساسية المحددة لأسعار النفط في حديث لصحيفة «الاقتصادية» السعودية، قائلا: «أرى أن الأسباب وراء انخفاض أسعار النفط اقتصادية بالأساس، وهي:
1- ارتفاع كبير في العرض، فيما يطغى على الطلب التباطؤ
2- النمو الاقتصادي في الصين والاتحاد الأوروبي ضعيف، فيما يشهد الدولار ارتفاعا ملحوظا.
3- العلاقة بين ارتفاع الدولار وانخفاض أسعار النفط علاقة عكسية، فعندما يرتفع الدولار ينخفض سعر النفط«، الدولار يواصل ارتفاعا ناريا أمام جميع العملات الرئيسية في العالم.
وعن طفرة العرض مقابل قلة الطلب في أسواق النفط العالمية يوضح الخبير، الذي يشغل أيضا منصب عضو في مجلس الشورى: «منظمة الأوبيك ملتزمة بسقف الإنتاج وهو 30 مليون برميل نفط يوميا، الإحصائيات تشير إلى أن هناك أكثر من مليوني برميل نفط فائض في سوق النفط، فما بالك لو تعود ليبيا للإنتاج، التي لا يتجاوز إنتجاها حاليا 700 برميل نفط يوميا، إلى مليون و600 ألف برميل نفط يوميا».
وأرجع «بن جمعة» فائض العرض إلى تطور مهم ألا وهو استغناء الولايات المتحدة عن استيراد النفط، بحيث يقول: «الولايات المتحدة كانت تستورد من نيجيريا أكثر من 400 ألف برميل نفط يوميا، والآن لا تستورد الولايات المتحدة شيئا. ولبيع نفطها، أصبحت نيجيريا تتوجه كغيرها من دول منظمة الأوبيك إلى الأسواق الآسيوية، لتتنافس بين بعضها البعض على نفس الأسواق».
ويضيف قائلا: «التقديرات للعام القادم تقول بأن الطلب لن يتجاوز 800 ألف مليون برميل يوميا. وهذا طبعا ضعيف للغاية».
وفي نظرة سودوية، قال المحلل بشركة «كي بي سي» الاستشارية في لندن، إحسان الحق إن «الفجوة بين العرض والطلب منتظرة في عام 2015».
وأضاف: «المشكلة هو النفط الذي سيباع في 2015 تم انتاجه بالفعل، وأوبك لم تفعل شيئا لكبح الانتاج».
وتراجعت الأسعار بقوة منذ أن قررت الدول الأعضاء في (أوبك) في الاجتماع الوزاري الذي عقد في 27 نوفمبر الإبقاء على حجم الإنتاج الحالي دون تغيير (30 مليون برميل يوميا) والساري من 2011 في ظل عدم التوصل لاتفاق بخفضه، كما كانت تنتظر الأسواق.
وكذلك من أسباب الأزمة الحالية في أسواق النفط هو عودة النفط الليبي للأسواق العالمية بقوة مما أدى إلى وفرة الإنتاج وسط ضعف الاستهلاك على خلفية نمو اقتصادي متباطئ في الصين وشبة منعدم في أوروبا، والعديد من الدول الصناعية.
ومن المتوقع أن تبقى أسعار النفط ضعيفة عام 2015 بسبب استمرار الفائض في العرض العالمي ما يمكن أن يؤجج الخلافات بين الدول المنتجة بدءًا ببلدان أوبك.، كذلك يتوقع مصرف باركليز تسارع زيادة الطلب الصيني على النفط العام المقبل إذ سيغتنم المستهلك الأول لخام في العالم تدني الأسعار لزيادة مخزونه.
لكن بصورة إجمالية حذّر فواد رزق زاده من شركة «فوركس.كوم» بأنه «قد تنقضي أشهر بل ربما سنة قبل أن يظهر تأثير انخفاض الأسعار على الاقتصاد العالمي» ولا سيما مع الغموض المحيط بالنمو الاقتصادي العالمي.
وحتى لو أدى تراجع الأسعار إلى تحفيز الاستهلاك فإن مستوى مخزونات النفط مرتفع إلى حد أن التاثير على أسعار النفط لن يظهر قبل النصف الثاني من 2015 برأي مالينسون.
من جانبه، صندوق النقد الدولي خفض هذا الشهر توقعاته للنمو العالمي في عام 2015 إلى 3.8% من 4%.
الجدير بالذكر أن الاقتصاديات المعتمدة بشكل أساسي على تصدير النفط مثل روسيا وفنزويلا وإيران ونيجيريا تعاني كثيرا في ظل إنخفاض الأسعار وتواجه مخاطر متزايدة من عدم القدرة على دفع ديونها.
ويعد المخرج الوحيد الآن هو خفض قيمة عملتها حتى يتم الحفاظ على الأقل على استقرار مستوى الدخل من أجل الاستمرار في تمويل ميزانياتها.
وتستطيع بعض الدول مثل السعودية والكويت وقطر والإمارات الاستمرار دون معاناة لفترة طويلة من انخفاض الأسعار، حسبما أكد المحلل بيتر فان ويل، من شركة «روبيكو» الاستشارية الهولندية.
وفي الجزائر، الدولة النفطية، أعرب نواب البرلمان عن تخوفهم من أن «الشعب الجزائري لن يجد شيئا يأكله في حالة استمرار انهيار أسعار النفط»، وسط مخاوف من تهديد السلم المجتمعي. بينما تحدث وزير النفط الكويتي عن أن بلاده تدرس رفع الدعم عن البنزين ورفع أسعار الكهرباء والماء، وسط نزيف للأسهم الخليجية فقد سجلت الأسواق خسارة 49 مليار دولار، وفقا لتقرير اقتصادية، حسبما أفادت «سي إن إن» الأربعاء، فاقتصادات الخليج قائمة فقط على الطاقة، وفي حال تراجع أرباح النفط سينخفض الإنفاق الحكومي مما يبطئ معه بقية القطاعات.
وقال وين ثين، محلل العملات في مؤسسة «براون براذرز هاريمان»، لـ«سي إن إن» إن هناك خشية من أن تجميد تنفيذ مشاريع في الطاقة سيؤثر في رواتب العاملين في قطاع النفط في الشرق الأوسط مما يفضي إلى انخفاض في قطاع الاستهلاك. لكنه شدّد على أنّ ذلك لا يعني أنّ دول الخليج ستشهد مشاكل سيولة نقدية لأنها أمنت نفسها جيدا في السنوات الأخيرة. والاثنين، بلغ سعر النفط أدنى مستوى له منذ 2009، العام الذي اندحر فيه الاقتصاد العالمي نحو الانكماش، حيث نزل إلى ما دون 56 دولارا للبرميل.
وأشعل انخفاص سعر النفط وسائل التواصل الاجتماعية في السعودية؛ فيقول أحد المغردين: «هل تعلمون لماذا حصل انهيار سوق الأسهم السعودي؟ لأن أوباما يريد تدمير اقتصاد روسيا على حسابنا. وملكنا وافق».
وكتب أخر: «احذر أن تهرب من الأسهم وتذهب للعقار فهو مقبل على ما وقع للأسهم وإن كنت لابد فاعلا.. فعليك بالذهب فهو أكثر آمانا».
وقال أخر: «العاقل من اتعظ بغيره (انهيار أسعار النفط) استزاف الاحتياط العام بالسحب المهول منه يوحى بسبع عجاف قادمة».
أما عن الرابحون؛ فتقول سارة لادسلاو، الباحثة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الدول التي تستورد النفط تكسب، وخاصة اقتصاد الدول التي تعاني مؤخرا مثل الاتحاد الأوروبي والصين هي دول رابحة.
ويرى الخبراء أنه البيئة من بين كبار الخاسرين، حيث إن انخفاض سعر البنزين يؤدي إلى شراء المستهلكين لسيارات كبيرة ذات استهلاك أعلى للوقود. حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع مبيعات سيارات الدفع الرباعي بنسبة 16%، مقارنة مع العام الماضي، كما أن انخفاض سعر البترول أيضا يقلص الجدوى الاقتصادية في استغلال الطاقات البديلة.