هي الاهتمامات، حيث نقضي الأوقات وأجمل اللحظات بها وحولها ومعها. تأخذ حيزًا من حياتنا، ومساحة من وقتنا، ومرحلة من عمرنا، وقدرًا من يومنا وأمسنا وغدنا.
تنم عن شخصياتنا وتحركاتنا ودواخلنا. وتُبرز من نحن، وكيف نفكر، وإلى أين نتجه، ومن أين نحن قادمون.
تؤكد الدراسات الحديثة أن الإنسان منا عندما يريد أن ينتقل من كونه إنسانًا عاديًّا إلى إنسان قيادي مؤثر ومتميز وناجح، يجب عليه أن ينتقل من كونه شخصًا عاديًّا إلى شخص فعّال أولًا، ثم بعد ذلك ينتقل من كونه شخصًا فعّالًا إلى شخص قيادي.
وهنا محور اهتمامنا في هذه السلسلة الجديدة من المقالات حول الفاعلية، والتي سوف تأخذنا إلى عالم القيادة الآسر، والنجاح العامر، والذي يتمناه الجميع في الدارين، بكل تأكيد بإذنه تعالى.
يقول العلماء: عندما تريد تحويل شخص من كونه عاديًّا إلى فعّال ثم إلى قيادي، لا بد أن تغير فيه خمسة أشياء، من الوضعية السلبية إلى الايجابية، وهي:
– الاهتمامات
– المهارات
– القناعات
– العلاقات
– القدوات
وسوف يكون حديثنا هذا اليوم عبر عدة مقالات متسلسلة حول: كيف نكون فعّالين إزاء الاهتمامات، وكيف أنها إما أن ترفعنا إلى سماء النجومية والمجد والخلود والعزة، أو أنها، على الجانب السلبي، تجعلنا تافهين وسطحيين بلا هدف أو رؤية، بل أعداءً لأنفسنا، من حيث لا نعلم، وسببًا في فشلها وسقوطها، حيث أصبحت عالة على المجتمع والوطن والأمة.
أسألوا أنفسكم هذا السؤال، وضعوا أنفسكم أمام مرآة المكاشفة والمصارحة.
ما هي اهتماماتي اليومية والأسبوعية والسنوية والحياتية بوجه عام؟
وبعد أن نأخذ قدرًا من الاسترخاء والتنفس بعمق، والدخول إلى عوالمنا الداخلية، تأملوا أنفسكم، وتفكروا فيها بلا مجاملة تبرر، أو جلد للذات يضّيق ويقّتر. بتوازن واعتدال.. انظروا لأنفسكم، ومن نقطة علوية تكشف لنا كل الجوانب والإرجاء المضيئة بنا فنفرح بها، والمظلمة فنضيئها ونجعلها مشعة كباقي أرجاء النفس، التي تسمو بصاحبها وتزدهر به وتتألق من خلاله.
لن يحتاج هذا السؤال لطول وقت لنجيب عليه، وأفضّل هنا أن تكون الإجابة مكتوبة للحفظ والتدوين والأرشفة والرجوع مستقبلًا للمعاينة والمعايرة، والتأكد مما تحقق من تطور، وما لم يتقدم في الجوانب الأخرى، وهنا نكون قد فعّلنا مفهوم الرقابة الذاتية.
بعد الإجابة على هذه الأسئلة.. ابحث لنفسك عن مكان في هذه المنظومة المثالية والرائدة، والتي سوف نطرحها أمامكم كما يطرح الهواء العليل إكليل الورود في الآفاق. فتعالوا نجوب سويًا هذه الحديقة الغناء، ونلتقط أطيب الثمر.
- من أجمل وأرقى الاهتمامات البشرية القراءة والاطلاع والمشاهدة والاستماع للنفائس المعرفية. وطلب العلم ومجالسة العلماء والصالحين والناجحين وأصحاب التجارب وقادة الفكر.. فأين هي من دائرة اهتماماتي.
- أين أنت من الاهتمام بمستقبلك الحياتي القادم، والعمل الجاد، لكي يكون بإذن الله ذلك العالم كما تحلم وتحب.
- أين نحن من الاهتمام بالعمل الخيري والإنساني والتطوعي.
- أين تتجه بوصلة اهتماماتي في قضية العلاقات الاجتماعية وصلة الرحم والعلاقة مع الوالدين والجار والقريب والصديق؟، وهل لديّ توازن في هذا الباب؟
- أين نحن من الاهتمام بقضايا الآخرين ومساندتهم والإحسان إليهم؟ فلا نجاح مع الأنانية.
- كيف يذهب وقتي هباءً ويومي سُدًى؟ ومن هو سارق الوقت ولصّ العمر في حياتي؟؟ أهي علاقات بلا نفع، أم إدمان الأحاديث والمكالمات التي بلا مغزى، أم أسواق وتسكع، أم مشاهدات مفرطة للتلفزيون، أم استخدام سطحي للإنترنت بإدمان؟.. أهي جلسات بالساعات الطوال في الاستراحات والمقاهي، أم النوم الدائم، وكأننا خلقنا لذلك؟!!
- أين عائلتي وأسرتي الحبيبة من دائرة اهتماماتي؟
- أين هوايتي التي أحبها من دائرة اهتماماتي؟
- أين اكتشاف مواهبي وقدراتي الدفينة وإطلاقها من دائرة اهتماماتي؟
- أين تطوير نفسي وذاتي وتنمية قدراتي وأسرتي وبيئة عملي ومدينتي ومجتمعي من دائرة اهتماماتي؟
- أين أشرف عمل وأرقى سلوك وأنبل فعل بشري على هذه الأرض، الذي هو الدعوة إلى الله ، بالمعروف وعلى بصيرة، من دائرة اهتماماتي؟
- أين العمل التنموي والنهضوي وبناء الأوطان والمجتمعات من دائرة اهتماماتي؟
- أين السعي الحثيث لكي تكون حياتي ذات بهجة وسعادة وطمأنينة وعزة، من دائرة اهتماماتي؟
- أين عملي الجاد والمخلص لألقى الله يوم القيامة وهو راضٍ عني سبحانه، من دائرة اهتماماتي؟
- أين التخطيط لحياتي وأعمالي ومستقبلي وأسرتي ومجتمعي من دائرة اهتماماتي؟
- أين الرياضة والأنشطة الحركية والمسابقات الثقافية والبرامج الفكرية من دائرة اهتماماتي؟
- أين أنا الآن من نفسي و المجتمع؟ وما هي مكانتي ودوري الإيجابي وبصمتي التي سوف أتركها بعد الرحيل؟
- أين الإبداع والتجديد والتطوير في أقوالي وأعمالي وتصرفاتي ومنجزاتي اليومية والسنوية من دائرة اهتماماتي؟
- أين الترفيه والتسلية البريئة بعد يوم عمل ناجح ومميز من دائرة اهتماماتي؟
- أين جلسات التأمل والتفكر في النفس وذات الله ومخلوقاته، والمكاشفة الذاتية وكشف الحساب الشخصي، وتبيان نقاط القوة والضعف، وصيانة الروح، وتنقية العقل والجسد، من دائرة اهتماماتي؟
قصة معبرة
عندما أراد التتار غزو بلاد المسلمين، حيث كانت بلادًا قوية وممتدة وموحدة، أرسل زعيمهم بعض الجواسيس ممن يدرسون نفسيات وممارسات العدو القادم. فلما وصل هذا الجاسوس لبلاد المسلمين وجد شابًا مسلمًا في الرابعة عشرة من عمره، ينظر إلى القمر.
فسأله : فيمَ تفكر؟
فأجاب الشاب بكل ثقة وطموح وثبات : أفكر في إيجاد الشيء الذي أخدم به أمتي، وأُعلي شأنها بين الأمم، وأقدم حياتي وعمري له ومن أجله!!
فقطع الجاسوس زيارته، وعاد إلى زعيمه مسرعًا، وأخبره بهذه الإجابة العميقة والدقيقة من شاب يافع يحلم بأحلام عظيمة ورؤية ملهمة.
فرد زعيم التتار : لن نستطيع الهجوم عليهم وهم بهذه العقليات والاهتمامات الكبيرة والمؤثرة، فإن كان الشاب اليافع يفكر هكذا، فكيف بقادتهم وكبرائهم؟؟
فمرت الأيام، وبعد عشر سنوات أمر الزعيم الجاسوس نفسه بأن يذهب إلى بلاد المسلمين للمهمة نفسها، فذهب فوجد شابًا في المكان نفسه ينظر إلى القمر.
فسأله: فيمَ تفكر؟؟
فرد الشباب : إنني حائر بمطلع قصيدة غزلية أريد أن أهديها لعشيقتي!!
فعاد الجاسوس مسرعًا، وأخبر زعيمه بالخبر اليقين، وبالتغيرات التي حصلت في الاهتمامات والأفكار والممارسات لدى المسلمين، حيث كانت اهتمامات كبيرة وهامة، وذات أثر ومعنى، وبعدها انحدرت الأمور والاهتمامات إلى وحل الاهتمامات الشخصية والسطحية والساذجة والغير مجدية على الإطلاق.
فأمر زعيم التتار بتحضير الجيش وبَدْء الزحف على بلاد المسلمين..
محبرة الحكيم
الجاهل من علم عن الناس أكثر من نفسه، ففشل في إرشادهم. والعالم من علم عن نفسه أكثر من علمه بالناس، فنجح في إصلاحهم.
خاتمة
إن أردت أن تعرف قدرك وقيمتك في الميزان.. فانظر إلى اهتماماتك وقيّمها وخذ ما صفى، واترك ما تكدر، فأنت لا تعيش أكثر من مره، فابدأ من الآن، وكن صاحب رسالة خالدة وعمل لا ينسى.
تأصيل
قال الحسنُ البصريُّ – رحمه الله – : “ما من يوم ينشقُّ فجره إلا ويُنادي : يا ابن آدم، أنا خلقٌ جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوّد منِّي فإني إذا مضيتُ لا أعود.. إلى يوم القيامة”..