أولاً: أخرِج البقرة من الحفرة بأقل قدر ممكن من الخسائر؛
ثانيًا: اعرف كيف وقعت البقرة في الحفرة؛
ثالثًا: امنع سقوط المزيد من البقر في المزيد من الحفر.
للوهلة الأولى تبدو الخطوات السابقة منطقية وكافية، لكنها ليست كذلك. فمسألة سقوط البقر في الحفر أكثر تعقيدًا مما نظن. فالبقر ليس متشابهًا، وكذلك الحفر. وحتى إن تشابه البقر وتساوت الحفر، فهناك خطوات أخرى يجب إضافتها إلى منظومة الإنقاذ وعمليات الجودة والتحسين المستمر، لتصبح المنهجية كما يلي:
أولاً: اكتشف سقوط البقرة في الحفرة فورًا؛
ثانيًا: أخرِج البقرة من الحفرة بسرعة؛
ثالثًا: اعرف كيف ولماذا وقعت البقرة في الحفرة، فربما ألقت بنفسها نكاية بك؛
رابعًا: امنع سقوط المزيد من البقر في المزيد من الحفر؛
خامسًا: تأكد من خلو الأماكن والأسواق والطرق من الحفر؛
سادسًا: تأكد أن لكل بقرة من بقراتك ملامح واضحة، وذيلاً طويلاً وقويًا.
لقد سقطت بقرة “تويوتا” الضخمة في أكبر حفرة صناعية في العالم. ولن يكون إخراجها سهلاً كما يتمنى شركاؤها وموردوها وعملاؤها وإدارتها أيضًا؛ وهذه بعض الأسباب:
ألمانيا تصنع أجود سيارة، وإيطاليا تصنع أسرع سيارة، وأمريكا تصنع أوسع سيارة، والسويد تصنع آمن سيارة، والصين والهند تصنعان أرخص سيارة؛ فما الذي تصنعه اليابان؟ اليابان – بقيادة “تويوتا” – تصنع أكبر عدد من السيارات العادية والهجينة! لكن السيارات الهجينة وعلى رأسها السيارة الجميلة “بريوس” أصيبت بنكسة الأعطال والعيوب التي أوجبت استدعاءها من الأسواق وإعادة تأهيلها.
سقطت “تويوتا” في حفر عميقة فصار انتشالها صعبًا: فهي ثقيلة وضخمة باعتبارها أكبر شركة سيارات في العالم، وحركتها بطيئة وملامحها غير واضحة، وذيلها أطول من اللازم حتى كاد أن يلتف حول رقبتها. في عام 2000، أي قبل عقد من الزمن، أنتجت 5 ملايين سيارة، وفي العام الماضي أنتجت 9 ملايين. وخلال العقد الماضي أسست 17 مصنعًا جديدًا في آسيا وأوروبا واستراليا وأمريكا، وأصيبت بالغرور لأنها صارت الشركة الأولى وصار هدفها أن تصبح الأكبر لا الأفضل.
بعدما أصيبت “تويوتا” بالغرور لم تعد تسمع الشكاوى الخافتة، ولم تعد ترى إشارات الخطر الضعيفة. فيجب أن تكون المشكلة كبيرة وضخمة بحجم “تويوتا” لكي تعترف بوجودها، وهذه واحدة فقط من مشكلات الضخامة والحجم. مشكلة سرعة النمو هي المشكلة التي ورطت أمريكا في ويلات غرورها، وهي سبب سقوط شركات “إنرون” و “وورلد كوم” و “إيه آي جي” والبنوك الأمريكية والسويسرية والعالمية العملاقة، وهي سبب تراجع اليابان، وسقوط “هتلر”، وغياب أمجاد الرومان واليونان.
الحجم والسرعة يؤديان إلى التعقيد؛ والتعقيد يجبرنا على وضع معايير ورسم عمليات، ثم يسوقنا إلى التقنين والتنميط. فعندما برزت مشكلة بدالات التسارع في سيارات “تويوتا” مثلاً، تبين أن الشركة استخدمت نفس الطراز في ثمانية أنواع من السيارات. فالتنميط أدى إلى تخفيض التكاليف وزيادة الأرباح، ولكن عندما وقعت الكارثة، وسقطت “البقرة في الحفرة” كان لا بد من سحب كل السيارات من الأسواق.
لقد سقطت إدارة “تويوتا” في حب نفسها؛ وصارت مغرمة بتطبيق نظريات “كايزن” وبالتحسين المستمر وحلقات الجودة، وخطوط الإنتاج والتصنيع النمطية والخطية السريعة، واعتقدت أنها كافية لاستمرار دوران العجلة. فلم يعد مهندسو الخطوط الأمامية، والتصميم والإنتاج يجرؤون على نقل الأخبار السيئة للسيد “تويودا الابن” الرئيس الحالي للشركة خوفًا من غضبه، وحتى لا يتم خدش حياء النظام العالمي المثالي؛ دون الأخذ بعين الاعتبار أنه لا يوجد نظام إدارة مثالي وخالي تمامًا من الثقوب والعيوب.
لا أحد يعرف متى ستخرج بقرة “تويوتا” من الحفرة، ولكن ما نعرفه جميعًا الآن هو أنه لا يكفي عندما تتخصص في صناعة السيارات، أن تعرف كيف تصنع أفضل المحركات، وكيف تجعل العجلات تدور بأعلى السرعات؛ يجب أن تعرف أيضًا كيف تصنع أفضل “البريكات” والكوابح، وأفضل نظم الإنذار المبكر. عندما تصنع أنعم وأجمل سيارة في العالم، يجب أن تمهد كل الطرق وتزيل كل الحفر والمطبات من طريقها.